موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

أسرار تنشر لأول مرة عن تقاعس حكام الإمارات إزاء احتلال إيران الجزر

259

نشرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أسرارا لأول مرة عن تقاعس حكام الإمارات إزاء احتلال إيران الجزر الثلاث.

وجاء في وثائق سرية أن بريطانيا درست شراء أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى من الشارقة ورأس الخيمة وإهداءها لإيران.

وذلك بهدف تسوية النزاع وضمان الاستقرار في المنطقة.

كما تؤكد الوثائق أن الحكومة البريطانية كانت على دراية كاملة بقرار إيران “احتلال” الجزر بالقوة العسكرية بمجرد انتهاء الحماية البريطانية.

وأن لندن نبهت حكام الإمارات إلى مخطط إيران بوضوح غير أنهم تقاعسوا عن أي تحرك لحماية الجزر.

ثلاثة سيناريوهات

وجاء اقتراح شراء الجزر ضمن ثلاثة سيناريوهات لحل الأزمة بين نظام شاه إيران محمد رضا بهلوي وإمارتي الشارقة ورأس الخيمة بشأن السيادة على الجزر.

وكانت بريطانيا تعترف بالسيادة العربية على الجزر منذ عشرات السنين.

وطُرحت السيناريوهات الثلاثة في تقرير كتبه سير ويليام لوس، المبعوث البريطاني الخاص إلى المنطقة، بعد جولة مكوكية طويلة انتهت بلقاء شاه إيران.

وجاءت الجولة ضمن مساع قادها لوس بعد إعلان بريطانيا رسميا في شهر يناير/تشرين الثاني عام 1968 عزمها الانسحاب من المنطقة بحلول نهاية عام 1971.

بدائل للشراء

وأشار لوس، في تقريره، إلى أنه في ظل المعطيات المتوفرة، فإن الحلول المتاحة هي: التوصل إلى اتفاق، أو فرض اتفاق، أو خيار عدم التحرك.

وفي التقرير، الموجه إلى وكيل وزارة الخارجية الدائم والإدارات الأخرى المعنية، شرح لوس كل حل على حدة.

ففيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق، فإنه شمل وسائل مختلفة منها شراء بريطانيا للجزر ثم إهداءها للشاه.

أو تأجيرها لفترة طويلة لإيران، أو السيادة المشتركة بين العرب والإيرانيين عليها، أو ترتيبات أمنية مشتركة فيها.

تعويض مالي

وقال التقرير “يمكننا أن نحاول شراء الجزر من الحاكمين المعنيين ثم نسلمها إلى إيران سواء مقابل تعويض مالي أو مجانا”.

“وقد يشمل ذلك بدائل منها تأجير بحق الانتفاع لفترة طويلة (100 سنة) للجزر من الحاكمين، ثم ” نؤجرها نحن من الباطن” للشاه”.

ولأن هذا الحل يتطلب ملايين الجنيهات الإسترلينية ستدفع إلى حاكمي الشارقة ورأس الخيمة من الخزانة البريطانية.

طُرح تساؤلان: هل يقبل الشاه هذا الحل؟ وكيف سيسدد المبلغ إن قبل مبدأ الشراء أو التأجير من البريطانيين؟

وتوقع لوس رفض الشاه أن يدفع مقابل “ما يعلن لشعبه صراحة أنها حقوق إيران”.

غير أن المبعوث البريطاني اقترح أن “تُقدّم الصفقة إلى الشاه على إنها إعادة ممتلكات مستحقة لإيران”.

وذلك مقابل تعويض خفي تحت غطاء صفقة سلاح حالية أو عبر صفقة تجارية ما.

توقع رفض إماراتي

وبعد عرض كل التفاصيل، توقع لوس أن يرفض حاكما إمارة الشارقة (التي تتبعها جزيرة أبو موسى) وإمارة رأس الخيمة (التي تتبعها جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى) عرض البيع أو حتى التأجير طويل الأمد.

وحذر من أن تقديم العرض للحاكمين “يحمل مخاطرة هي أنهما ربما يكشفان نهجنا بما ينطوي عليه من ضرر لاحق في علاقاتنا مع العرب الآخرين”.

ورجح أن يرفض حاكما الشارقة ورأس الخيمة الفكرة بسبب “تركيز الاهتمام في العالم العربي على هذه المسألة”.

وخلص المبعوث البريطاني إلى أن هذا الحل “غير عملي بسبب التطورات الأخيرة في موقفي حاكمي الإمارتين والشاه”.

وكي يكون الحل الثاني، أي فرض اتفاق، فعالا، فإنه يجب أن يتضمن، وفق تقرير لوس لجوء بريطانيا إلى نقل السيادة على الجزر إلى إيران بالقوة.

وهذا يخالف موقف بريطانيا الراسخ والمستمر طوال الـ 80 عاما الماضية بأن الجزر عربية.

ونبه لوس إلى أن دراسته لهذا الخيار انتهت إلى أنه “لن يكون في مصلحة بريطانيا إهانة الرأي العربي والدولي لهذه الدرجة”.

وعبر عن اعتقاده بأن “كل الوزراء البريطانيين المعنيين بهذا الملف يوافقونه الرأي”.

السعي إلى تسوية

وبقي الخيار الثالث، الذي قال لوس إن بلاده لا تزال تتابعه وهو” السعي إلى تسوية عبر التفاوض بين الحاكمين والشاه.

وفي حالة فشل المساعي “لا تتخذ بريطانيا أي خطوات استباقية لمنع إيران من الاستيلاء على الجزر بعد انتهاء الحماية البريطانية”.

تقييم شامل

تكشف الوثائق أن بريطانيا مالت إلى هذا النهج بعد حوالي أربع سنوات من مساعي التسوية.

وخلصت تلك المساعي، مع كل الأطراف، والمداولات داخل دوائر صنع القرار في بريطانيا بشأن النزاع إلى التقييم التالي:

  • بريطانيا تقر منذ عشرات السنين بسيادة الشارقة ورأس الخيمة على الجزر.
  • لكنها وجدت، في السنوات الأخيرة، أنه لا بد من إنهاء هذه القضية التي تشكل مصدر احتكاك، ولذا استخدمت أقصى ما بوسعها بحثا عن حل بالاتفاق بين الإيرانيين والعرب.
  • للأسف انتهى الأمر إلى أن الإيرانيين قرروا أخذ الجزر بالقوة.
  • فشلت مساعينا لإقناع حاكمي رأس الخيمة والشارقة لكنهما يرفضان تبني خطا معقولا، ومن ثم لم نحقق نجاحا.
  • لا بد أن نكون صرحاء مع الشاه ونبلغه بذلك، وأيضا بأننا حاولنا وفشلنا.
  • الإيرانيون يعلمون، أننا نحشد دعم السعوديين والكويتيين للتوصل إلى تسوية عبر التفاوض.
  • لكننا مازلنا نعتقد أنه يجب تسوية مسألة من هذا النوع بالتفاوض. وسنواصل عبر الأمم المتحدة أو أي جهة أخرى جهودنا للتوصل لحل بالاتفاق.

وسنظل نحاول لفترة أخرى قادمة، مع السعي لدى أطراف أخرى، مثل الأمريكيين والسعوديين ومصر والأصدقاء العرب الآخرين وربما الأتراك، لممارسة الضغط على الإيرانيين لقبول المقترحات البريطانية.

ماذا دار في جولات لوس المكوكية كي تصل بريطانيا إلى هذه النتيجة؟

كان اللقاء الحاسم هو ذلك الذي عقد بين المبعوث البريطاني وشاه إيران يوم 13 فبراير/شباط عام 1971 في سويسرا.

ووفق تقرير للوس عن اللقاء الذي استمر ساعتين ونصف الساعة، فإن الشاه أكد صراحه أنه لن يقبل أي درجة من درجات الاعتراف بسيادة عربية على الجزر.

وحسب التقرير فإن النقاش كان “كاملا وصريحا للغاية”.

“معونات سخية”

وفق تقرير لوس، فإن محور كل ما قاله محمد رضا بهلوي كان هو الحصول، في نهاية المطاف، على الجزر.

وإن أي ترتيبات أمنية مستقبلية تشارك فيها إيران لن تطبق إلا بعد بتسوية الخلاف بشأنها بطريقة مرضية لها.

نظام الشاه أبلغ المبعوث البريطاني صراحة بأنه لولا حرصه على العلاقة مع بريطانيا، لكان قد أخذ الجزر قبل عام 1971.

وشرح الشاه للوس موقفه على النحو التالي:

أولا: اقتراحه السابق بشأن حل وسط بشأن النزاع يستهدف التوصل إلى “تسوية مؤقتة” وأنه “لا يمكن للحاكميْن أن يتوقعا معونة مالية كبيرة إلى أن يعترفا بالسيادة الإيرانية”.

وقال الشاه إنه “من أجل التعامل الصريح، يجب علينا أن نبلغ الحاكميْن بأن التسوية المقترحة ستكون فقط مؤقتة”.

ثانيا: رغم أنه ربما تكون هناك بعض المزايا في استيلاء إيران على الجزر قبل نهاية الحماية البريطانية.

“فإنه لا ينوي فعل ذلك لأنه لا يرغب في إحراج صديق وحليف أو إثارة شجار مع بريطانيا”.

ثالثا: بينما يوافق على أن إنشاء اتحاد لدول الخليج “سيكون إسهاما مفيدا للاستقرار في المستقبل”، فإن مسألة الجزر “أهم بالنسبة له وأكثر إلحاحا”.

ومن ثم فإنه سوف “يواصل بشكل فعال معارضة إنشاء الاتحاد لحين تسوية المسألة بما يرضيه”.

رابعا: أي مشروع لتسوية مسألة الجزر عبر ترتيبات أمنية مشتركة “ليس مقبولا”.

ويمكن وضع ترتيبات أمنية بمشاركة إيرانية “ولكن فقط بعد تسوية مسألة السيادة على الجزر”.

وبناء على ذلك، خلص المبعوث البريطاني إلى أن: “التوصل إلى تسوية عبر التفاوض لمشكلة الجزر وفق شروط يمكن أن يقبلها الحاكمان لم يعد ممكنا”.

وفي اللقاء نفسه، أبلغ الشاه لوس بأن “إيران ستحرك ببساطة القوات إلى جزيرتي طنب بمجرد انسحاب القوات البريطانية من الخليج”.

عرض لوس على الشاه “إغراء” الحاكمين للتوصل إلى تسوية مقابل “معونة مالية كبيرة” من إيران.

ويشير تقرير المبعوث البريطاني إلى أن الشاه “أبدى استعدادا ليكون سخيا للغاية”، لكنه اشترط أن يحصل على “رضا كامل من جانب الحاكمين بتسليم السيادة على الجزر طوعا إلى إيران”.

وحذر من أنه “إذا اضطر إلى الاستيلاء على الجزر بالقوة، فإنهما لن يحصلا على أي شيء على الإطلاق”.

وسبق كل ذلك، رسالة واضحة قوية من طهران إلى لندن، نقلها السفير الإيراني، إلى لوس نفسه.

وحسب محضر لقاء جمعهما، وكتبه لوس، فإن السفير قال “إنه لن يكون أمام الإيرانيين بديل سوى احتلال الجزر ما لم تكن هناك تسوية عبر المساعي الحميدة البريطانية.

ولولا أن هناك علاقة تعاهدية خاصة بين حكام (الإمارات) وبريطانيا، لكانوا يحتلون الجزر الآن”.

كيف سارت المحادثات بين بريطانيا وحاكمي رأس الخيمة والشارقة؟

في ظل هذه المعطيات، تحرك البريطانيون باتجاه إقناع العرب بأنه لا حل سوى تسوية مع الإيرانيين دون الإصرار على مسألة السيادة.

وفي شهر فبراير/شباط 1971، التقى الشيخ خالد بن صقر، نائب حاكم رأس الخيمة، مع لوس لبحث سبل تسوية خلاف الإمارة مع إيران بشأن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى.

وفي تقريره عن اللقاء، أكد لوس أنه أبلغ الشيخ بأن “الشاه عازم على أن يحتل الجزر سواء بحل وسط يسوى النزاع أو بالقوة”.

سير ويليام لوس نصح العرب بالتوصل إلى تسوية للجزر مع إيران وإلا لن يحصلوا على أي شيء.

وعن رأي بريطانيا، قال مبعوثها “يجب أن يصل صقر إلى تفاهم مع الإيرانيين”، محذرا من أن “الشاه لا يناور”.

ونصح الشيخ قائلا بأن “أي شيء يمكن أن تأخذه رأس الخيمة هو أفضل من لا شيء على الإطلاق”.

وأوضح المبعوث البريطاني لصقر أنه “ليس واقعيا أن تأمل رأس الخيمة في أن تجد حلا لهذه المشكلة عبر إنشاء الإمارات العربية المتحدة لأن الشاه سيعارض تشكيل أي اتحاد يشمل رأس الخيمة حتى تُحل مشكلة الجزر”.

ضغوط من أجل تسوية

وتكشف الوثائق أن البريطانيين مارسوا ضغوطا مستمرة على حاكم الشارقة، خالد بن محمد القاسمي، أيضا لقبول تسوية مع الإيرانيين بشأن جزيرة أبو موسى.

وبعد أيام من لقاء لوس وصقر، أبلغ السفير البريطاني في طهران نظيره الكويتي، في لقاء مباشر، رسالة مماثلة.

وقال له “نحن نضغط منذ بعض الوقت على الحاكميْن (حاكمي الشارقة ورأس الخيمة) بشكل جاد للغاية كي يتوصلا إلى اتفاق بحل وسط بشأن الجزر”.

“لأننا نعتقد بقوة أن الإيرانيين سوف يأخذون الجزر ما لم يتم التوصل إلى تسوية سلمية”.

وفي أحد اللقاءات مع القاسمي، حضره السفير البريطاني لدى البحرين، مارس لوس “ضغطا عليه كي يتوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين”.

وفي تقرير عن اللقاء، قال السفير:

أشار لوس إلى أنه ما لم يقبل (القاسمي) تسوية هذه المشكلة بالاتفاق، فإن الحاكم لن يخسر جزيرته فقط وكل المزايا الأخرى التي تعود عليه من صداقة إيران.

“فهو سيكون أيضا مسؤولا عن فشل الاتحاد (الإماراتي) وتعريض مستقبل جيرانه ومستقبله هو أيضا للخطر”.

لم تشر الوثائق المتاحة إلى تفاصيل الاتصالات الأخيرة بين بريطانيا من ناحية والعرب وإيران، كل على حدة، من جانب آخر.

غير أن ما حدث، فعليا، هو أن الجيش الإيراني سيطر بالقوة على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، التابعتين لإمارة رأس الخيمة، في 30 نوفمبر/تشرين ثاني عام 1971.

أي قبل يوم واحد من إعلان بريطانيا رسميا انتهاء حمايتها للإمارات الخليجية، وبعد خمسة أيام من إعلان قيام اتحاد الإمارات العربية.

أما إمارة الشارقة، فوقعت مع نظام الشاه اتفاقية لتقاسم السيطرة على جزيرة أبو موسى.

لكن إيران عادت في ظل نظام الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه عام 1979، وسيطرت عليها بالكامل وأقامت عليها منشآت عسكرية عام 1992.