موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

إمارات ليكس ترصد.. إجماع في أوروبا على حظر بيع الأسلحة للإمارات

110

تقترب أوروبا من اتخاذ موقف يمثل إجماعا بضرورة حظر بيع الأسلحة والعتاد العسكري لدولة الإمارات على خلفية ما ترتكبه من جرائم حرب وانتهاكات بحق المدنيين في اليمن وليبيا ودول أخرى.

وهذه الأيام تضغط أحزاب من اليسار ويسار الوسط في الدنمارك من أجل إلزام كوبنهاغن بتطبيق طلب وزارة الخارجية التوقف عن توريد أسلحة ومعدات تجسس إلى الإمارات وحليفتها السعودية، فيما تبرر الجهات الأمنية عدم القيام بهذا الأمر حالياً بالخسائر المالية التي ستلحق بشركات التصدير.

وبحسب مصدرين برلماني وسياسي – أمني، فإن استمرار تصدير معدات حساسة وأسلحة إلى الرياض وأبوظبي بات يثير غضباً، رغم طلب وزارة الخارجية منع التصدير منذ نهاية العام الماضي.

ومع انطلاق مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، على خلفية الانتخابات البرلمانية التي جرت في 5 يونيو/ حزيران الماضي، يُصر، وفقاً للمصدرين، معسكر أحزاب اليسار واليسار الوسط على ما يسميه “وقفاً شاملاً وتاماً وفورياً لتوريد السلاح، وأي تقنيات أخرى تساعد سلطات الرياض وأبوظبي في حربهما باليمن أو قمع المعارضة داخلياً”.

ورغم القرار الذي اتخذه وزير الخارجية (السابق) أندرس سامويلسون، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بتجميد تصدير معدات عسكرية وأسلحة إلى الإمارات والسعودية على خلفية استمرار استهداف اليمنيين، فإن هناك تقارير تؤكد تصدير شركات دنماركية لمعدات إلى السعودية والإمارات.

ويأتي غضب اليسار الدنماركي على خلفية “منح موافقة أمنية للتصدير، بحسب وثيقة جرى الاطلاع عليها في منتصف يونيو/ حزيران الماضي”.

وعن ذلك، تكشف المصادر في كوبنهاغن أن “الأجهزة الأمنية، بكل أسف، لم توقف الصفقة المتفق عليها قبل تجميد التصدير، رغم التوجه العام بوقف مد البلدين (السعودية والإمارات) بأي سلاح نتيجة انخراطهما الكبير في الحرب باليمن”.

وأشارت المصادر إلى أن لجنة الشؤون الخارجية والأمنية في البرلمان الدنماركي استمعت، في مارس/ آذار الماضي، إلى رسالة يبرر فيها جهاز الأمن الدنماركي عدم منع مواصلة توريد الأسلحة. وتعتمد وثيقة التبرير،  على ما تلقته الأجهزة الأمنية من “معلومات من مؤسسة الصناعات الدنماركية عن خسائر مالية قد تلحق بشركات التصدير المُلزمة باتفاقيات سابقة للقرار، ما يعني أن العقود المخصصة للإمارات والسعودية سارية حتى الآن”.

وتحوي الوثيقة الأمنية مبررات حول قوانين تصدير معدات عسكرية وأسلحة، وأن تدخلها لمنع التصدير “سيعتبر تدخلاً في شؤون شركات الإنتاج، طالما أن الخارجية لم تطلب ذلك”.

المقلق وفق المصادر ما جاء خلال نقاشات داخلية في بعض اللجان ومن ممثلي ومقرري بعض الأحزاب اليسارية في لجنة الخارجية والأمن، في 17 يونيو/ حزيران الماضي، من أنه يجري تبرير موضوع مواصلة تزويد الرياض وأبوظبي بالسلاح “بالبيروقراطية الأمنية، بل ويمكن أن يستمر ذلك حتى يتم الانتهاء من تطبيق التراخيص السابقة (قبل قرار التجميد في نوفمبر الماضي) في يناير/ كانون الثاني أو فبراير/ شباط 2020”.

وبالرغم من أن المصادر امتنعت عن تحديد طبيعة المواد العسكرية التي يتواصل تزويد الإمارات والسعودية بها، إلا أنه ومن السجالات التي سبقت قرار التجميد فإن الموضوع يدور حول تقنيات تجسس وتحديد أهداف ومعدات عسكرية ساهمت، في الإمارات تحديداً، بملاحقة معارضين واستخدمت في الحرب اليمنية.

وأشارت المصادر إلى أن “حالة عدم رضا، تصل حد الغضب، لدى خارجية الدنمارك (بزعامة رئيس حزب الائتلاف الليبرالي، الذي لم يستطع حتى استعادة مقعده البرلماني، وزير الخارجية الحالي أندرس سامويلسون)، بسبب استمرار الموافقات الأمنية للشركات، رغم أنه طالب في فترة مبكرة من بداية العام الحالي أن يوقف الجهاز الأمني منح موافقات تصدير لعقود أبرمت سابقاً”.

ويستعيد اليوم اليسار الدنماركي “إصراره على أن تكون أولى مهمات الحكومة الجديدة الوقف التام، وبمفعول رجعي، لكل الصادرات العسكرية وكل التقنيات الحساسة إلى الرياض وأبوظبي، استناداً إلى تقارير من الأمم المتحدة توضح مدى الانتهاكات التي تجري من البلدين”.

وقال مصدر على علاقة وثيقة بلجنة الأمن والخارجية، إن “ما وضع سابقاً على الطاولة هو تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الصادر في أغسطس/ آب 2018، والذي يحمل العاصمتين (الرياض وأبوظبي) مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان، التي تصل حد ارتكاب جرائم حرب، مع توصية التقرير للمجتمع الدولي بعدم تصدير الأسلحة المستخدمة في الصراع الجاري” في اليمن.

وعن كشف استمرار التصدير، يبدي المستشار القانوني في منظمة العفو الدولية – فرع الدنمارك، كلاوس يوول، استغرابه من أن “يستمر الجهاز الأمني، وبشكل أحادي، بإعطاء موافقة تصدير”، ويقول “إذا كانت هناك مسببات للاعتقاد بأن الإمارات والسعودية تستخدمان تلك الأدوات لارتكاب جرائم حرب، والتي يبدو أن وزارة الخارجية الدنماركية تؤمن بحصولها، فإننا سنحتاج إلى موقف واضح من جانب الدنمارك. من المؤسف أن يذهب جهاز أمني لقراءة رخص التصدير من منطلق ما يمكن أن تربحه أو تخسره الشركات الدنماركية المصدرة للمعدات، رغم أن الشرطة تعرف أنه يحق لها قانوناً سحب التراخيص السابقة أيضاً”.

وتتزايد منذ عدة أعوام دعوات برلمانية وسياسية ومن منظمات المجتمع المدني في أوروبا لوقف تزويد السعودية والإمارات بالسلاح، وسط اندفاع لرفع الصوت عالياً حتى تحوّلت هذه الدعوات إلى ما يشبه ظاهرة غربية، مع تزايد التقارير عن محاولات بعض الحكومات الغربية التفلّت من مسؤولياتها أمام تقارير حقوقية حول كوارث الحرب اليمنية.

فخلال الأسابيع القليلة الماضية تعالت الدعوات والتحذيرات في هذا الشأن، ووصلت في لندن الأسبوع الماضي إلى اعتبار أن الحكومة البريطانية لا تأخذ بالاعتبار، أن الأسلحة التي تصدّرها إلى السعودية والإمارات تُستخدم في انتهاك حقوق الإنسان.

اعتبار محكمة استئناف بريطانية حكومة لندن مسؤولة ضمنياً عن انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، عبر تصدير الأسلحة المستخدمة في الحرب اليمنية، ليس بتطور بسيط في سياق العلاقة التاريخية بين الرياض ولندن، ولا في حجم ما تصدّره الأخيرة لحليفتها الخليجية.

وتظهر الأصوات الأوروبية التي تشمل منظمات حقوقية ومؤسسات إعلامية وتشريعية ورأياً عاماً، مدفوعة بتغطية إعلامية للحرب في اليمن بحدّة كبيرة هذه الأيام متنقلة من بلد إلى آخر، مع اتساع رقعة الداعين لوقف إمداد الرياض وأبوظبي بالسلاح والتقنيات التي تستهدف النشطاء الحقوقيين والصحافيين وعموم المواطنين.

تزايد الدعوات لوقف توريد السلاح إلى أبو ظبي الرياض، وحتى مراجعة عقود صفقات موقّعة معها منذ ما قبل 2015، تأتي على خلفية استمرار الحرب اليمنية لسنوات وارتفاع المأساة الإنسانية الناجمة عنها.

وبحسب مراكز أبحاث سويدية وبلجيكية عن قيمة صادرات سلاح الاتحاد الأوروبي للسعودية، فقد ارتفعت من نحو 22 مليار يورو عام 2002 إلى نحو 37 مليار يورو في 2013. وبين الأعوام 2013 و2017 جاءت السعودية والإمارات ومصر والعراق والجزائر، في مقدمة الدول العربية المستوردة لسلاح أوروبا.

وتُعتبر الإمارات والسعودية بالنسبة لفرنسا من كبار العملاء الشرق أوسطيين في مجال مبيعات السلاح، فباريس التي تحتل المرتبة الثالثة عالمياً لجهة تصدير الأسلحة، باعت في 2018 فقط أسلحة للرياض والإمارات بأكثر من 9 مليارات يورو.

وما يقلق البرلمانيين ومنظمات غير حكومية فرنسية، أن باريس غير موقّعة على معاهدة تجارة الأسلحة (ATT)، التي تحظر الصادرات في حالة التعرض لخطر انتهاكات القانون الإنساني الدولي، وهو أمر يخفف منه الرسميون الفرنسيون بالقول إن هذه التجارة تخضع لإشراف ومراقبة صارمة، وإنه “منذ بداية النزاع في اليمن تتم دراسة أذونات التصدير بيقظة متزايدة ومعايير أكثر تقييداً”، كما أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان في مايو/ أيار الماضي.

وعلى الرغم من المنافع المالية الكبيرة للصناعات العسكرية الأوروبية، إلا أن أبو ظبي والرياض باتتا تحت ضغط علني ومستمر برفض عمال بعض الموانئ الأوروبية تحميل السلاح لبواخرها، وتصاعد الاحتجاجات في الشارع، والتقدّم بقضايا مستعجلة أمام المحاكم لإجبار الحكومات الأوروبية على وقف التصدير.

وشكّلت تقارير المفوضية الأممية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، ضغطاً وإحراجاً إضافياً لبعض الحكومات الأوروبية، حين أعلنت أن “قصف التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن يصل إلى مستوى جرائم حرب ترتكب في المدنيين”. بل شبّهت الأمم المتحدة، في أغسطس/ آب 2018، الواقع اليمني تحت قصف تحالف الرياض – أبوظبي بـ”يوم القيامة”، بعد مقتل 40 طفلاً في حافلة مدرسية بقنابل شركة “لوكهيد مارتن” الأميركية.

أما السلطات الفرنسية، فوجدت نفسها متهمة داخلياً وخارجياً بالانتهازية، وبأن “فرنسا تقتل في اليمن”، كما لوّح النائب الفرنسي سيباستيان نادو في لافتة في الجمعية الوطنية في 19 فبراير/شباط الماضي.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، ففي 9 يونيو/ حزيران الماضي، طالب نادو، وهو نائب عن “الجمهورية إلى الأمام”، حزب ماكرون بإلغاء تحميل شحنات سلاح فرنسي على متن السفينة “تبوك” من ميناء فوس جنوبي فرنسا، وتقدّم بقضية مستعجلة أمام محاكم الاستئناف يوم 11 يونيو، بالتوازي مع اتساع الدعوات لإجراء تحقيق في مبيعات فرنسا من السلاح إلى الرياض عبر لجنة تحقيق متخصصة.

وكان 36 برلمانياً فرنسياً، أقروا في إبريل/ نيسان 2018، ضرورة إنشاء “لجنة تقصّي حقائق حول صادرات سلاح فرنسي للرياض وأبو ظبي”، كتعبير عن الامتعاض من السلطة التنفيذية، كما ذكرت صحيفة “لوموند”.

ولا يبدو أن سمعة الرياض وأبو ظبي لدى الصحافة وفي الشارع الحقوقي ومؤسسات المجتمع المدني، ماضية نحو التحسن، مع إبراز دقيق لمساهمات السلاح الفرنسي بجرائم القتل في اليمن.

ومثلما تنتشر الخشية في لندن من أن يصبح القرار الأخير لمحكمة بريطانية، مقدّمة لملاحقة مسؤولين حكوميين بتهم المشاركة في “جرائم ضد الإنسانية”، يخشى بعض الساسة الفرنسيين، وغيرهم في أوروبا، أن تطاولهم تلك التهم مستقبلاً. كما أن حراكاً تشهده روما أخيراً يأتي ضمن المتغيرات الأوروبية حول التخوّف من نتائج استمرار تصدير السلاح إلى الرياض وأبو ظبي.

كل تلك التحركات تفتح الباب واسعاً لمزيد من الضغوط المؤسساتية والشعبية، مسنودة بتغطية إعلامية غير مسبوقة حول دور الرياض وأبو ظبي في الحرب في اليمن، واختلاقهما نزاعات مع دول قريبة وبعيدة.

وفي إبريل/ نيسان الماضي، ذهب الكونغرس الأميركي نحو إقرار مشروع قرار لإنهاء الدعم العسكري للتحالف السعودي-الإماراتي في اليمن. هذا التحرك ليس مجرد قرار رمزي بل يُقرأ على أنه ضربة قوية لترامب، على الرغم من استعماله حق النقض، وهو مؤشر على تراجع قوي لمكانة وهيبة الرياض في علاقتها بصنّاع القرار، ومؤسسات عملت وضخت أموالاً كثيرة للحفاظ على الروابط معها.

والمفارقة التي تثير الانتباه، هي بين التوجّه الأوروبي المتصاعد لوقف أو تعليق مدّ السعودية والإمارات بمعدات وذخائر، وبين التوجّه الأميركي الجديد، وبالأخص البيت الأبيض، في تسليح الرياض، مع دور غير خفي لتل أبيب في تمرير الصفقات والضغط لتليين الموقف من محمد بن سلمان ومحم بن زايد.

المتغير الأميركي الواضح تجاه تسليح السعودية والإمارات، مقارنة بثمانينيات القرن الماضي، أننا لم نعد أمام ما يسمى “الحفاظ على التفوّق الاستراتيجي الإسرائيلي”، لمنع وصول أسلحة حديثة للرياض وأبو ظبي، باستثناء ما وجده البنتاغون والأجهزة الأمنية الأميركية ضرورات استراتيجية لمصالح واشنطن، كالتعاون ومساعدة الجيش المصري، كجزء من تحويل عقيدته القتالية بعد اتفاقية كامب دافيد.

الآن يبدو واضحاً أن دولة الاحتلال ولوبيات واشنطن وجهود رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يجهدون دفاعاً عن موقف الرياض وأبو ظبي، بل استمرار مدها بالسلاح والذخائر، وكأن حلفاً من نوع جديد يتشكل، بين الرياض وتل أبيب وأبوظبي.