موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: رغم “بروباغندا” التوتر.. حقائق غير معلنة للتعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران

131

يعتمد النظام الحاكم في دولة الإمارات منذ سنوات سياسة ترويج “بروباغندا” التوتر مع جمهورية إيران، لكنه في الخفاء يقيم علاقات اقتصادية وثيقة مع طهران.

فمن النفط إلى الآلات والمعدات والتجهيزات حتى أصغر قطع الغيار وأدوات العدّة، عالم من التبادل التجاري والتمرير غير “المُجمرَك” في سوق موازية لا تُدوّن بياناتها في السجلات الرسمية ولا أنظمة المعلوماتية الإحصائية، لكنها حاضرة بعشرات المليارات بين إيران المحاصرة أميركياً منذ عشرات السنين وجارتها الإمارات بخاصةٍ عبر بوابة دبي.

هذه العلاقات المميزة مستمرة منذ عقود مديدة لها أسبابها الجغرافية وضروراتها الاقتصادية وعوامل امتزاج الشعوب وتبادل المصالح والأرباح الخيالية بعيداً من الضرائب والرسوم وإضاعة الوقت في معاملات الروتين الإداري وأجهزة التفتيش.

يتحدّث البلدان عن تنسيق حدودي وأجهزة مخابراتهما منخرطة في تسهيل عمليات التبادل وتعلم “الشاردة والواردة” فيها، فمن غير الممكن لعاقل أو ساذج أن يتقبّل فكرة نقل البضائع بهذه الكمّيات وانتقال الأشخاص بين الضفتين ليل نهار من دون علم سلطات نظامين بلغت شدّة الخلاف العلني بينهما على الجزُر الثلاث وأمن المنطقة حدّ تفجير الناقلات والاستعانة بجيوش الشرق والغرب لدرء التهديد والتهديد المضاد.

وفقاً لأرقام 2017، تصدّرت الإمارات الدول العربية في التجارة مع إيران، برقم ناهز 13 مليار دولار، كما أن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران، وتستحوذ دبي على 90% من إجمالي هذا التبادل.

وبلغت الصادرات الإيرانية 5 مليارات دولار، مقابل صادرات إماراتية إلى إيران فاقت 7 مليارات دولار وتشكل 30% من واردات إيران، في حين كان من المتوقع أن تصل قيمة التبادل إلى 30 مليار دولار بعد توقيع الاتفاق النووي.

وشهدت العلاقة بين الجانبين انفراجاً مهماً في يونيو/ حزيران 2017، عندما حصلت إيران على مستحقات من شركة “إينوك” الإماراتية بقيمة 4 مليارات و105 ملايين دولار، فيما يقول مجلس الأعمال الإيراني إن الإيرانيين يمتلكون في الإمارات استثمارات وأصولاً تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار، كما يشهد النقل الجوي حركة ناشطة بينهما، بمعدل فاق 200 رحلة أسبوعياً.

رسمياً، ووفقاً لهيئة الجمارك الإيرانية للأشهر التسعة الأولى (إبريل/ نيسان – ديسمبر/ كانون الأول) لعام 2017، بلغ التبادل التجاري بين الجانبين 11.114 مليار دولار، شكلت الصادرات الإيرانية منها 4.458 مليارات دولار، أما الواردات من الإمارات فقد بلغت 6.656 مليارات دولار.

كما بلغت نسبة التجارة الإماراتية مع إيران 16% من إجمالي حجم التجارة الخارجية الإيرانية غير النفطية خلال تلك الفترة والبالغة 69 مليار دولار تقريباً، منها صادرات بقيمة 31.63 مليار دولار وواردات بقيمة 37.57 مليار دولار.

في تقرير لها أواخر تموز/ يوليو الماضي، أوردت صحيفة “فايننشال تايمز” أن دبي لطالما مثّلت مركز عمل شركات “الأوف شور” الإيرانية، وقدّرت تجارة الإمارات مع إيران بسبعين مليار درهم، تعادل 19 مليار دولار، عام 2018، نقلاً عن مسؤولين رسميين. إلا أن توترات المنطقة في الآونة الأخيرة وانهيار قيمة الريال الإيراني ومخاوف الشركات من خرق العقوبات الأميركية، اجتمعت لتسبب تراجعاً حاداً في التجارة الثنائية بين البلدين.

عادة ما تشكو الشركات الصغيرة والأفراد الإيرانيون من تعليق خدماتهم المصرفية أو إلغائها بسبب تصورات أنهم يشكلون مخاطر.

ومع الانفتاح العلني الأسبوع الماضي من باب التنسيق الحدودي باتجاه أبعاد تبدو أوسع من ذلك بكثير وبغطاء أميركي، ربما، نقلت الصحيفة عن مسؤول إماراتي قوله إن عدد الإيرانيين الذين يعيشون في الإمارات انخفض من 117 ألفاً قبل 3 أعوام، إلى 73 ألفاً الآن، بينما انخفض عدد الزوار الإيرانيين في الإمارات إلى النصف، من 700 ألف وافد إلى 350 ألفاً.

وبنتيجة تصاعد الخلاف العلني في الآونة الأخيرة، بدأت شركات إيرانية وشركات أجنبية تُركز على إيران، بتغيير خياراتها باتجاه التجارة مع إيران عبر سلطنة عُمان وتركيا وماليزيا، بدلاً من المرور بالإمارات التي دفعها هذا التحوّل من جهة، وتصاعد التهديد الأمني والتلويح بأعمال حربية تضرّ خياراتها الاقتصادية الكبرى، من جهة أُخرى، إلى إعادة النظر في حسابات العلاقة مع إيران، خوفاً من الفاتورة الهائلة التي يمكن أن تتكبّدها من اندلاع حرب في المنطقة.

استثمارات ضخمة وفتح حسابات مغلقة.. في إطار التوجه الإماراتي للتقارب مع إيران في العديد من المجالات خلال الفترة الأخيرة، تستعد دبي لتقديم تسهيلات للتجّار الإيرانيين بهدف تخفيف الضغوط عن اقتصاد طهران من ناحية، وتنشيط أسواق دبي الراكدة من ناحية أخرى.

ويأتي ذلك في وقت تبلغ فيه الاستثمارات الإيرانية في الإمارات نحو 300 مليار دولار، وهي الثانية بعد الاستثمارات الأميركية.

ويصل عدد الشركات الإيرانية المسجلة بالإمارات إلى قرابة 8 آلاف شركة وعدد التجار يصل إلى 8200 شخص، بحسب تحقيق لصحيفة “فرهيختغان” الإيرانية المحافظة، نشرته في وقت سابق. ورغم أن الإستثمارات الإيرانية في الإمارات تراجعت مؤخرا في ظل العقوبات الأميركية، إلا أن مراقبين يؤكدون أنها ستندفع لمعدلات كبيرة في ظل التسهيلات الأخيرة التي قدمتها دبي لطهران.

وأكد المتحدث باسم اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني حسن حسيني شاهرودي، في حوار مع وكالة “خانه ملت” التابعة للبرلمان، في 5 يوليو/ تموز الماضي، تقليل الإمارات ضغوطها على الصرافات للعمل مع إيران، قائلا إنها “بصدد الانفتاح علينا، حتى لا تنقل طهران نشاطها التجاري إلى قطر وعمان”.

وأعلن رئيس اتحاد التجار الإيرانيين في دبي، عبد القادر فقيهي، في حوار مع موقع “رويداد 24” الإيراني، أنه أجرى مباحثات مع السلطات الإماراتية لحل مشاكل التجار الإيرانيين وتلقى وعودا بذلك.

وأضاف فقيهي أن “فضاء جديدا بدأ يفتح للتجارة بين إيران والإمارات”، مشيرا إلى أن حاكم دبي قد وعده بتمديد تأشيرات ملغاة للتجار الإيرانيين، وإعادة فتح حسابات مغلقة بسبب العقوبات الأميركية.

وكانت الإمارات من أكثر الدول تنفيذا للعقوبات الأميركية على إيران شكليّاً، خلال العام الأخير، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في الثامن من أيار/مايو 2018. وحسب المصادر الإيرانية، فإن بين 70 إلى 80% من التحويلات المالية الإيرانية تتم عبر الإمارات.

وخلال الفترة الماضية، قامت الإمارات بإغلاق حسابات الكثير من التجار الإيرانيين والعديد من شركات الصرافة الإيرانية، التي تأسس معظمها خلال سنوات العقوبات الأميركية التي سبقت التوقيع على الاتفاق النووي، للالتفاف على العقوبات على البنوك الإيرانية.

كما أن أبوظبي بدأت بفرض عقوبات على طهران، ففي مايو/ أيار 2018 أعلنت تطبيق عقوبات على تسعة أشخاص وكيانات إيرانية، امتثالا للعقوبات الأميركية، بالإضافة إلى دعمها السياسي المعلن لسياسة الضغط الأقصى لواشنطن على طهران.

وتقول وكالة “فارس” الإيرانية إن الإمارات مارست ضغوطا كبيرة على شركات الصرافة التي كانت تقوم بالتحويلات المالية إلى إيران من بداية عام 2018، ومن خلال تطبيق قانون فرض ضريبة القيمة المضافة والتعاون مع الخزانة الأميركية اكتشفت “جزءا مهما من مسارات التحويل غير الرسمي عبر الإمارات إلى إيران”.

وتشير الوكالة إلى أن الإمارات منذ 2018 إلى نهاية ربيع 2019 شددت قبضتها الأمنية على شركات تحويل الأموال، قبل أن تتراجع هذه الضغوط خلال الشهر الأخير.

وفي السياق، يقول رئيس الغرفة التجارية المشتركة بين إيران والإمارات، مسعود دانشمند، إن “إغلاق حسابات الإيرانيين يعود إلى قرار أصدره البنك المركزي الإماراتي لإغلاق حسابات الشركات والأشخاص الذين يتعاونون مع إيران، فأي تاجر يعمل مع الإيرانيين في دبي يتعرض لعقوبات، وحتى من يشترون السلع من الإيرانيين ستغلق حساباتهم”.

وإثر تصاعد الضغوط الاقتصادية الإماراتية، بعث 60 نائبا من البرلمان الإيراني برسالة إلى الحكومة في مايو/ أيار 2018، طالبوا فيها بضرورة إعادة النظر في العلاقات مع أبوظبي.

ضغوط أبوظبي على الاقتصاد الإيراني، دفعت عددا من التجار والشركات الإيرانية إلى البحث عن البديل ومغادرة الإمارات وخصوصا دبي، فكانت سلطنة عمان وجهة المغادرين لعلاقاتها السياسية المتميزة مع إيران، وكذلك موقعها الجغرافي كدولة جارة لها.

وحسب إحصائيات وزارة التجارة الإيرانية، فمنذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي حتى نهاية 2018 تأسست 210 شركات إيرانية جديدة في عُمان.

أبواب خلفية أبرزها تهريب النفط.. عزّزت الإمارات علاقاتها الاقتصادية مع إيران عبر أبواب خلفية وممرات سرية أبرزها تهريب النفط وتسهيلات مالية غير رسمية.

ويأتي التقارب الأخير في العلاقات بين الإمارات وإيران، على الرغم من الصراع الكبير بين السعودية، حليفة أبوظبي، وطهران العدو اللدود للرياض.

يقول مراقبون إن الإمارات لديها اهتمام كبير بالتجارة عبر موانئها، لذلك يبحث الاماراتيون عن تأمينها وعدم المساس بها، فاندلاع حرب بالمنطقة سيكبد أبوظبي خسائر فادحة بإغلاق حركة التجارة أمامها.

والتعاون التجاري بين أبوظبي وطهران لم يتوقف رغم الأزمات المتتالية بالمنطقة، والشواهد على ذلك كثيرة، فهناك العديد من التقارير التي تتحدث عن مساعدة الامارات لإيران على تهريب نفطها عبر موانئها ومساعدتها على فك الحصار الاقتصادي عليها.

كما أن التعاون الإماراتي الإيراني يمتد لسنوات طويلة، ولكنه ظل سراً في جزء كبير منه، إلى أن ظهرت صورة اللقاء بين المسؤولين الإماراتيين والإيرانيين، لتؤكد للجميع على وجود التعاون بين البلدين جهراً.

وكشفت وثائق ومواقع أجنبية طرقا جديدة لتهريب النفط الإيراني من خلال الموانئ والمياه الإماراتية، وذلك بغرض تصديره إلى عدة دول في آسيا والشرق الأوسط.

وأظهرت الوثائق أن أولى الوسائل المستخدمة في تهريب النفط الإيراني عبر الإمارات هي تغيير ملكية ناقلات النفط وأعلامها، أو الاستعاضة عنها بناقلات أخرى مستعدة للمخاطرة مقابل المردود المالي العالي، فضلاً عن تزوير منشأ شحنات النفط.

والأحداث الأخيرة والتقارب في العلاقات بين إيران والإمارات، تشير بقوة إلى وجود خلافات بين السعودية والإمارات في التعاطي مع قضايا خليجية رغم أن الإعلام الرسمي للدولتين ينفي ذلك. ويظر أن الخلاف الخفي بين حكومتي البلدين حول الحرب التي يقودها الجانبان في اليمن.

والسبب الآخر للخلاف بين الرياض وأبوظبي هو خوف الإمارات من التعرض لعقوبات دولية بقيادة الولايات المتحدة، في حال فرض عقوبات على السعودية بسبب ما يحدث في اليمن، حيث يفضل الإماراتيون البعد عن أي عقوبات محتملة قد تطاولها بالتبعية.

كما أن المخاوف الأكبر لدى الإماراتيين تكمن في الخوف من اندلاع حرب بين واشنطن وطهران، حيث ستؤدي إلى تعريض الإمارات للهجمات الإيرانية، وبالتالي توقف حركة التجارة البحرية التي تعتمد عليها أبوظبي بشكل كبير.