موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحليل: الإمارات كرست أطماعها الإقليمية عبر عار التطبيع مع إسرائيل

184

يرى مراقبون أن النظام الحاكم في دولة الإمارات استهدف من وراء اتفاق عار التطبيع مع إسرائيل إلى جانب جملة الأهداف الأخيرة – تكريس أطماعه الإقليمية عبر التغطية على تدخلاته العدوانية لنهب ثروات ومقدرات الشعوب.

وبهذا الصدد يشير موقع فورين بوليسي الأميركي (Foreign Policy) إلى أن اتفاق التطبيع الإماراتي سيعمل على ترسيخ الانقسام الإقليمي في الشرق الأوسط بين الأنظمة الملكية التقليدية وخصومها، بينما يتقاتل وكلاؤها على الغنائم من ليبيا إلى اليمن.

وذكر الموقع أن أحد التحولات المهمة بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة هي أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يعد القضية الرئيسية التي تقسّم مختلف القوى بالمنطقة، والصفقة الأخيرة بين إسرائيل والإمارات لم تفعل أكثر من جعل هذا التحوّل رسميا.

ويؤكد الموقع أن الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي لن يأتي بالسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، بل سيطيل أمد الحرب في ليبيا، إذ أنه من المرجح أن يؤدي هذا الاتفاق إلى إنهاء مفاجئ للتقارب التدريجي والمفيد في واشنطن بين وجهات نظر البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون بشأن ليبيا، ومعها دور الولايات المتحدة الذي كان محتملا لتحقيق الاستقرار هناك.

وأضاف أنه يبدو أن الولايات المتحدة، بعد هذا الاتفاق، تعود إلى الأيام الخوالي “السيئة”، حيث كان تدخل البيت الأبيض في ليبيا (مع كبير المستشارين جاريد كوشنر في المقدمة) بناء على دعوة من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد يصب بالكامل لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وأشار إلى أنه ورغم أن الشخصيات الرئيسية في إدارة ترامب، خاصة وزير الخارجية مايك بومبيو، لا تزال غاضبة من مساعدة حفتر لعدوهم في فنزويلا بنقل الذهب من هناك على طائرة حفتر الخاصة إلى الإمارات وإدخال مبالغ كبيرة من الدولارات لكراكاس، إلا أن استرضاء الإمارات الآن يتغلب على تلك المشاعر الغاضبة.

وقال إن حادث نقل الذهب من كراكاس إلى أبو ظبي كان قد غيّر على الفور الديناميكيات الأساسية في السياسة الأميركية تجاه ليبيا، فمنذ تنصيب الرئيس دونالد ترامب في 2017، تم تقسيم صنع السياسة الأميركية بشأن ليبيا (وسيلة لإرضاء الإمارات ومصر السعودية من جهة، ومن جهة أخرى وسيلة للحد من النفوذ الروسي والتنسيق مع حلفاء الناتو والأمم المتحدة).

وأضاف أنه وفي الوقت الذي كانت شعبية ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تتراجع بسبب سوء التعامل مع جائحة كورونا وفضائح لا تعد ولا تحصى، فإن الصفقة الإماراتية الإسرائيلية تساعد نتنياهو وترامب في حل مشاكلهما الانتخابية الداخلية وتمنحهما أهم إنجازات في السياسة الخارجية، مقابل مكاسب جيوسياسية في أماكن أخرى.

وأبرز الموقع الأمريكي أنه من غير المرجح، بعد الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي أن ينتقد البيت الأبيض دور الإمارات في ليبيا، ناهيك عن سوريا أو مصر أو شرق أفريقيا أو اليمن.

ومن المعطيات التي لم تهتم بها تحاليل المهتمين بقضية التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني تداعياته على الملف الليبي، بل وما إذا كان للملّف وتطوراته العسكرية، وخصوصا انتكاسات مليشيات الجنرال المتمرّد، خليفة حفتر، وقواته، وتراجعه إلى خط سرت – الجفرة، صلة في الدفع بإخراج هذا التطبيع إلى العلن، ونحن في فصل صيف حار بأحداثه على خمس محطات عربية، إحداها لتعطيل التغيير، وساحتها تونس والأردن، وأخرى تتعلق بما يجري في اليمن والعراق وسورية ولبنان.

جاء هذا الاهتمام بتلك التداعيات، لأنّ الإمارات فاعل مهمّ في الثورات المضادة، وفي الحالة الليبية خصوصا، وعلى أكثر من صعيد مالي، عسكري وتدعيمي سياسي، مباشرة وبطريقة غير مباشرة، من خلال لاعبين آخرين، على غرار مصر، وتحرّكها أخيرا بتعيينها خط سرت – الجفرة خطا أحمر، وحشدها لجيشها للتدخل، في حال تم تجاوز ذلك الخط، إضافة إلى دور أبوظبي في مسارعة مصر إلى التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية، قبل أيام، مع اليونان، وعلى غرار تمويلها إرسال روسيا مرتزقة شركة فاغنر، وأسلحة إلى الشرق الليبي، على الرّغم من وجود آلية أوروبية لمراقبة تموين فرقاء الأزمة الليبية بالأسلحة (عملية إيريني).

يعلم الجميع أنّ مجال الدّفاع والتكنولوجيا من بين مجالات محدّدة، تحدّثت الإمارات عن أنّها ستشكل محور التطبيع، كما يعلم الجميع أنّ الإمارات بحاجة ماسّة، بالنّسبة للملف الليبي، إلى ثلاثة أبواب، لا يمكن لغير الكيان الصهيوني فتحها، مجالان اثنان هما الطائرات بدون طيار ووسائل الاتصال التي تعرف أبوظبي أن شركات الكيان تملك منها أدقها وأكثرها فاعلية، سواء في مقارعة طائرات مسيرة تركية، كان لها الأثر في تغيير موازين القوى في معركة طرابلس وفي المشهد العسكري الليبي، بصفة كلية، أو من خلال تعويض النقص في وسائل الاتصال في إدارة معركتي الهلال النفطي وسرت، القادمتين، ما قد يرجّح كفة حفتر فيهما.

والمجال الثّالث توفير الكيان الصهيوني للغطاء على إمكانية الحصول على الأسلحة من الولايات المتحدة، دونما الحاجة إلى تجاوز قرارات أممية، تمنع توريد السلاح إلى ليبيا، وهو ما سيجعل المعركة القادمة تركية – صهيونية بامتياز، من خلال السلاح الذي سيصل إلى حلفاء اللواء المتقاعد، حفتر. كما أنّ هناك نية إماراتية للاستفادة من قدرات تل أبيب العسكرية، وخصوصا التي توفرها شراكتها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبشكل خاص إمكانات توفير صور الأقمار الصناعية العسكرية، ولم لا توفير معلومات أطلسية عن قدرات أنقرة العسكرية في أرض المعركة، ذلك أن تركيا عضو في الحلف.

وما يرحّج تلك الأبواب الثلاثة التي تنتظر الإمارات أن تفتحها تل أبيب لها في الملف الليبي أن أول زيارة من مسؤولي كيان الاحتلال، معلنة ورسمية، إلى أبوظبي، بعد الإعلان عن الاتفاق رسميا على التطبيع، أداها رئيس جهاز المخابرات الخارجية (الموساد)، وهي زيارة شهدت، على الطاولة، ملفات عدة، من المتوقع أن ملف المشهد الليبي واحد منها، ومن أهمها الحصول على تلك الخدمات التي قد تغيّر المشهد برمته، لصالح من تناصره الإمارات، وهو خليفة حفتر.

تلك هي في المجمل صور الاستفادة الإماراتية المستقبلية من مخطط التطبيع مع الكيان الصهيوني، لتغيير أوضاع المشهد الليبي استفادة من الدرس اليمني، ذلك أنه لا يمكن تصوّر أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، أخرج علاقات طبيعية مع تل أبيب منذ أكثر من عقد إلى العلن، الآن، لترجيح كفة الرئيس الأميركي، ترامب، في الرئاسيات المقبلة، أو للتعبير عن حلف خليجي – صهيوني ضد إيران، فقط، وهما هدفان حقيقيان يحفزان التطبيع.

لكن لأبوظبي أهدافا إستراتيجية، أومأت إليها في البيان الثلاثي، منها الملف الليبي الذي استثمرت فيه كثيرا، ولا يمكنها تصوّر أنّ الإخوان المسلمين قد يحققون نصرا في أرض عربية، ويفشل بذلك مخطّطها الذي صرفت عليه مليارات الدولارات، ووضعت فيه كلّ مقدّراتها، وعلى الأصعدة كافّة، وتنتظر تحقيق النّصر فيها، حتى بالمرور إلى ما قامت به، أي الإعلان عن اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني الذي لم تحاربه، لكنها تحتاجه في أفق ساحة عالمية غير مستقرّة أميركيا وأوروبيا، على أقل تقدير، بسبب المعارك الانتخابية في الولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفي ألمانيا (التغيير قريب) وصولا إلى فرنسا (رئاسيات مقرّرة في 2022).

وفي المحصّلة، المشهد الليبي على مقربة من فاعل جديد سيدخله، بطريقة غير مباشرة، من خلال الإمارات، ما سيستدعي موقفا تركيا مغايرا، وقد يكون القرار الأميركي المرتقب نشر قوات على الأرض في الهلال النفطي حركة أميركية استباقية للإسناد الصهيوني الذي سيدخل المعركة إلى جانب الإمارات، بتوفيره أدواتٍ لتوازن الموقف العسكري، قد يكون مقدّمة لسيناريوهين مستقبليين، يتضمنان تقسيم ليبيا أو تأزم الوضع بنشوب حرب كبيرة، لعلّ مقدمتها ما يجري من عسكرة تتصاعد، يوما بعد يوم، في شرق المتوسط، تلعب تركيا دورا محوريا فيها. وفي الجانب الآخر فاعلون، هم حلفاء لمصر ومناوئون لأنقرة مع وجود مصالح صهيونية في أكثر من مكان.

بإيراد تلك المشاهد، نكون أمام تطبيع إماراتي – صهيوني تمّ التحضير له بعناية، ليكون هدفه استراتيجيا لكلا الطرفين، وبتداعيات كبيرة على الملف الليبي قد يحوّله من نزاع على الحكم في طرابلس إلى حرب إقليمية، لأنّ الخلفية، الآن، هي ما يجري في شرق المتوسط، ورهانه مخزون من الطاقة يسيل له لعاب الجميع، بما فيها القوى العظمى (روسيا وأميركا والصين) والكبرى (فرنسا وإيطاليا)، إضافة إلى قوى إقليمية، وهي، أساسا، الكيان الصهيوني وتركيا، فيما تقف دول عربية (مصر والإمارات والأردن والسّعودية) في الخلفية، تدعيما لمصالح عديدة، منها ما هو اقتصادي (طاقوي، بالأساس)، ومنها ما هو سياسي (تجسيد مخطط الثورات المضادة ومنع تمدد المد الثوري، بل والعمل على إفشاله أينما حدث وبرز)، ومنها ما هو استراتيجي، بالنسبة لها (إنشاء حلف “ناتو شرق أوسطي” يعادي تمدّد اإيران ومشروعها في المنطقة).

تمهّد خطوات التطبيع ليس إلى تجسيد الأهداف الخفية لما سميت “صفقة القرن”، بل تتعدّاها إلى إدخال فاعلٍ، يملك الانحياز الغربي له في القضية الفلسطينية، كما يملك امتداداته في كامل المؤسسات السياسية والأمنية/ الدفاعية الغربية، في المعركة الجارية، الآن، على أكثر من صعيد، وليبيا واحد منها، وهو الفاعل الذي سيعمل، بكل تلك الأدوات، على تغيير موازين القوى في تلك المعارك، كما سيعمل على إبراز الوجه السياسي القادم في العالم العربي، وجه لن يرضى على ما يمكن تسميته المد الثوري بتأثر إدراك قوى، على غرار الإمارات، وبعض الدول العربية الأخرى، بأن ذلك المد الثوري قد تكون من آثاره انتصار مشاريع “إسلاموية” خطيرة على مستقبل “صفقة القرن”.

ولن يكون الملف الليبي، بهذا التطبيع، كما كان، كما أن المعركة الكبرى، في شرق المتوسط، لن تحدث كما كانت أنقرة تتصوّرها، وهو ما يقتضي قراءة أكثر عمقا لمخطط التطبيع بعد إعلان أكثر من جهة سياسية إن الإمارات هي حلقة في سلسلة تطبيع شامل ستنضم إليه، في المستقبل المنظور، بلدان عربية أخرى.

وفي الختام، يتطلّب الموقف من الإقليم كله شرق المتوسط وغربه، إعادة تقييم للموقف بعد الإعلان عن هذا التطبيع وتداعياته، انطلاقا من الملف الليبي، ووصولا إلى ملفاتٍ أخرى سياسية، اقتصادية واستراتيجية ستبرز، في قادم الأيام.