موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات تعمل رسميا على هدم جدار حظر التطبيع العربي مع إسرائيل

336

بعد أن كانت الاتصالات واللقاءات بين الدول العربية وأبرزها الإمارات وإسرائيل تجري داخل الغرف المغلقة، ويُنفى عبر وسائل الإعلام ومنصات المؤتمرات السياسية أي تقارب هام أو جدي مع دولة الاحتلال، زال هذا القناع وظهر “الوجه الجديد” لبعض الحكومات العربية وفي مقدمتها أبو ظبي.

هذا الوجه الذي طالما اجتهدت وسائل الإعلام في كشف تفاصيله، ودائماً ما كان يواجَه بنفي قاطع من المستوى السياسي الرسمي العربي، بدأت ملامحه الغامضة والمختبئة تتكشف تدريجياً داخل أروقة مؤتمر البرلمانيين العرب المنعقد في العاصمة الأردنية عمّان، بعد موقف السعودية ومصر والإمارات المفاجئ الذي أثار موجة غضب فلسطينية عالية.

وبشكل صريح اعترضت كل من السعودية والإمارات ومصر على بيان مؤتمر البرلمانيين العرب المنعقد في عمّان؛ لمطالبته بوقف التطبيع مع “إسرائيل”.

وجاء الاعتراض خلال أعمال المؤتمر الـ19 للاتحاد البرلماني العربي، الذي انطلقت أعماله في الأردن، الأحد  بعد أن طالب رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، بإدراج رفض التطبيع و”تحريمه سياسياً” ضمن البيان الختامي للمؤتمر.

واعتبر رئيس مجلس الشورى السعودي، عبد الله آل الشيخ، أن “الدعوة لوقف التطبيع مع إسرائيل من اختصاص السياسيين وليس البرلمانيين” (في إشارة إلى الغانم)، مطالباً بـ”حذف هذا البند من بيان مؤتمر البرلمانيين العرب”.

وفي الإطار ذاته طالب وفدا مصر والإمارات أيضاً رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، بمراجعة بحث بند وقف التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن الطراونة تمسّك بالبند، وأكد أن الشعوب ترفض التطبيع.

سياسيون ومحللون أغضبهم الموقف الرسمي لبعض الدول العربية من التمسك بالتطبيع، ووصفوا موقف السعودية ومصر والإمارات بأنه “مخزٍ وكارثة سياسية خطيرة”، مؤكدين أن دفاع تلك الدول عن التطبيع بهذا الشكل يكشف وجهها الحقيقي، وأن التطبيع بالنسبة لها بات سلاحها الوحيد للتقرب من إسرائيل.

وموقف السعودية والإمارات ومصر الجديد من التطبيع مع إسرائيل يتماشى تماماً مع الطموحات الإسرائيلية التي تتمنى أن تكون تلك الدول صديقة، وتفتح أذرعها لها، حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق والقضية الفلسطينية.

ويرى مراقبون أن الإمارات والسعودية حسمتا أمرهما تجاه التحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التوجه لن تعودا عنه.

ومعارضة السعودية ومصر والإمارات لرفض التطبيع مع إسرائيل ليس مفاجئاً، وقد سبقه الكثير من الخطوات من طرف السعودية والإمارات على وجه الخصوص في تقربها من إسرائيل وهو رسالة للجميع بالنهج الجديد الذي سيُتبع خلال الفترة المقبلة.

الجدير ذكره أن العلاقات العربية مع دولة الاحتلال قد تطورت في الشهور الأخيرة، وعلى وجه الخصوص مع الإمارات التي تُوّجت بزيارات متبادلة واتفاقيات وصفقات عسكرية.

ومؤخرا أطلق النظام الحاكم في دولة الإمارات مرحلة التطبيع العلني مع إسرائيل بعد سنوات من التعاون الأمني المشبوه واستضافتها زيارات سرية وعلنية لقائمة طويلة من المسئولين الإسرائيليين.

وشاركت الإمارات إلى جانب دول أخرى مع إسرائيل وجها لوجه في مؤتمر تعقده الإدارة الأمريكية في وارسو تحت عنوان “مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط”.

لكن المؤتمر الأمريكي تلقى ضربات قوية قبل انطلاق المؤتمر، مع تأكيد حضور عدد محدود من الشخصيات البارزة، وتخفيض مستوى التمثيل من معظم الدول، إضافة إلى مقاطعة أخرى، وهو ما دفع الولايات المتحدة وبولندا لتخفيف جدول الأعمال، فأشارتا إلى أن المؤتمر لن يركز على إيران أو يؤسس تحالفاً ضدها، لكنه سيهتم أكثر بالنظر بشكل أوسع إلى الشرق الأوسط، بعدما كان وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو قال الشهر الماضي عند إعلانه عن المؤتمر إن وزراء الخارجية من حول العالم سيأتون إلى بولندا للتعامل مع مسألة “نفوذ إيران المزعزع للاستقرار” في الشرق الأوسط.

وباتت مشاركة معظم الدول منطلقة من الضغوط الأميركية، باستثناء ثلاثة أطراف يبدون متحمسين للمؤتمر إضافة لأميركا، هي الإمارات والسعودية وإسرائيل التي يسعى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لعقد سلسلة لقاءات تشمل مسؤولين عرباً في وارسو.

وعدا عن هذا الثلاثي، فإن المشاركة الدولية ظهرت مجرد إرضاء لأميركا، ومحاولة تفادي استفزازها حتى من دون وجود رغبة دولية في السير بتوجه واشنطن مواجهة طهران مثلما تقترح أميركا.

ويأتي ذلك بعد أن أكد تحقيقٌ تلفزيوني بثته القناة الإسرائيلية الثالثة عشر ضمن سلسلة حلقات تحت عنوان “أسرار الخليج”، عمق التحالف بين إسرائيل وبين الإمارات في العقدين الأخيرين، حتى بعد قيام جهاز “الموساد” باغتيال القيادي في حركة “حماس” محمود المبحوح، وبعد رفض وزارة الأمن الإسرائيلية وإحباطها صفقةً لبيع طائرات مسيرة من صنع إسرائيلي للإمارات في العام 2008.

وشهد العام المذكور، بحسب التحقيق، لقاءً خلال شهر فبراير بين السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبي، وبين سفير إسرائيل سولي مريدور، بحضور الدبلوماسي الأميركي دنيس روس، لتنسيق التعاون والمواقف بين الطرفين ضد النفوذ الإيراني، وضد المشروع النووي الإيراني.

وأكد التحقيق أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ورئيس “الموساد” الأسبق، مئير داغان، كانا أقرّا أمر الصفقة، كمقدمةٍ لتحسين العلاقات مع الإمارات، والاستفادة من العلاقات معها ضد إيران، بما في ذلك ترديد مسؤولين إماراتيين في تلك الفترة أمام الإدارة الأميركية تحذيرات من أن إسرائيل قد تقدم على ضرب المنشآت النووية في إيران في وقت أبكر مما يتوقعه الأميركيون، وهو ما اعتبره المسؤولون في البيت الأبيض صدى للتحذيرات الإسرائيلية، إذ كان نتنياهو ووزير أمنه إيهود باراك، قبل التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول 5+ 1 يتحدثان عن اتجاه تل أبيب لضربة في إيران، في حال واصلت نشاطها النووي، كجزء من الجهد الإسرائيلي لإقناع الغرب والولايات المتحدة بالتصدي للمشروع الإيراني بشكل فعال.

وأشار التحقيق إلى أن إلغاء الصفقة الإسرائيلية، كان بمثابة صفعة لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الذي وصفه التحقيق بالحاكم الفعلي للإمارات المتحدة، والشخصية الأهم في تقوية الحلف السرّي بين إسرائيل والإمارات.

وقد أثر إلغاء الصفقة المذكورة، رغم دفع الإمارات عشرات ملايين الدولارات، على العلاقات بينها وبين إسرائيل في الفترة بين عامي 2009 و2012، وكان هناك حاجة لجهود مكثفة بذلتها إدارة باراك أوباما ورئيس الموساد الذي تولى مهامه بعد داغان تمير باردو.

وبحسب التقرير، فإن برقية من السفير الأميركي لدى الإمارات، نقلت عن بن زايد قوله قبل إلغاء الصفقة المذكورة: “أتفق مع الاستخبارات الإسرائيلية بشأن تقدم المشروع النووي الإيراني، وأن الإسرائيليين سيهاجمون هذه المنشآت بوقت أبكر مما تتوقعون، وقد يتم ذلك هذا العام، وسيرد الإيرانيون بضربنا بالصواريخ”.

ووفقا لرواية دان شابيرو، سفير الولايات السابق لدى تل أبيب، ومن كان في ذلك الوقت عضواً في مجلس الأمن القومي الأميركي، فقد أثار القرار الإسرائيلي غضب بن زايد: “لقد شعر بأنه تمت خيانته شخصياً، وكانت المرحلة الأولى تقتضي التغلب على البعد الشخصي، وعلى الإهانة”.

ووفقاً للتحقيق، “استمرت القطيعة بين تل أبيب والإمارات ثلاثة أعوام، وأضرّت بالجهد الإسرائيلي في صدّ المشروع الإيراني، إلى أن بدأ رئيس “الموساد” باردو وعددٌ من كبار مسؤولي إدارة أوباما العمل لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، من خلال اتصالات مكثفة لاستئناف الحوار بين الطرفين”.

وبعد عام من القطيعة التامة، بحسب رواية شابيرو، بدأ حوار غير مباشر بين إسرائيل والإمارات، سرعان ما تحول إلى اتصالات مباشرة عبر قنوات سرية، أهم بنودها تعهد إسرائيلي ألا ينفذ “الموساد” عمليات اغتيال داخل الأراضي الإماراتية.

وبحسب شابيرو، فقد طالب الإماراتيون بداية باعتراف إسرائيلي عبر القنوات السرية بالعملية وتحمل مسؤوليتها، لكنهم اكتفوا في نهاية المطاف بأقل من ذلك: توضيح إسرائيلي بألا تتكرر أمور كهذه على أراضي الإمارات، ورغبة بالعودة للتركيز على الجهد المشترك ضد إيران وضد الإرهاب في المنطقة.

وأعادت الشركة الإسرائيلية قسماً من المبالغ التي تلقتها، واقترحت إسرائيل تعويضاً إضافياً: “استعداد لفحص طرق لتعزيز الحوار الأمني مع الإمارات وتبادل معلومات استخبارية بما يفيد الإمارات، وبما يخص أيضاً عملية المبحوح وصفقة الطائرات، وكان التعويض يمزج بين الاثنين: وضع ما حدث وتجاوزه والتوصل إلى تفاهات أمنية – جزء منها في عالم الاستخبارات والآخر في المجال التكنولوجي، كان كل شيء مرتبط وكان يجب التوصل إلى صفقة”.

وبعد التوصل لهذه الصفقة، عادت إسرائيل والإمارات للاهتمام بالموضوع الأكثر سخونة، أي المشروع النووي الإيراني، إذ كانتا قلقتين من المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وبين إيران في العام 2013، وحاولتا إحباط الاتفاق.

ويشير شابيرو، في المقابلة معه، إلى الاتصال الدائم الذي كان بين سفير إسرائيل والسفير الإماراتي وتطور العلاقات بينهما، وبينما كان النشاط الإسرائيلي في هذا السياق معلناً، فقد كان النشاط السعودي والإماراتي سرياً.

ووفقاً للتحقيق، فإن العلاقات السرية بين الطرفين والتعاون بينهما في الملف الإيراني حقق تحولاً في نهاية العام 2015، عندما سمحت الإمارات لإسرائيل بفتح ممثلية دبلوماسية رسمية على أراضيها، داخل مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي.

تبع ذلك تطور آخر في العلاقات عام 2016، حيث اتضح أنه أجريت اتصالات هاتفية عدة بين نتنياهو نفسه وبين محمد بن زايد، تناولت الملف الإيراني وسبل الدفع بمؤتمر سلام إقليمي، يجري في سياق الإعداد له تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل عبر ضم حزب “العمل” برئاسة يتسحاق هرتسوغ لحكومة نتنياهو التي كانت تتمتع حتى ذلك الوقت بأغلبية 62 نائباً، وكان حزب أفيغدور ليبرمان خارج الحكومة.

وقال دان شابيرو للقناة الإسرائيلية إن “ممثلي نتنياهو وممثلي بن زايد كانوا على اتصال دائم وثابت، وقد التقوا أحياناً وجها لوجه، وتبادلوا الآراء حول كيفية بلورة الصفقة، وماذا سيكون على كل طرف منهما”.

وفشلت محاولة إطلاق مبادرة سلام إقليمية، كما ضمّ نتنياهو حزب ليبرمان لحكومته، وظلت الأمور راكدة إلى أن أسفرت الانتخابات الأميركية عن فوز دونالد ترامب. حاول نتنياهو دفع الأخير لعقد مؤتمر قمة يشارك فيها هو إلى جانب محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد، لكن الأميركيين تلقوا رداً سلبياً من الرياض وأبو ظبي.

وخلص التحقيق إلى أن العلاقات بين إسرائيل والإمارات قد تعززت في العامين الأخيرين  أيضاً بفعل نشاط رئيس الشاباك يوسي كوهين. مع ذلك، وعدا عن “بوادر إيجابية صغيرة”، لم يتمكن نتنياهو بحسب التحقيق من الوصول إلى حالة من العلاقات الدبلوماسية المعلنة، بالرغم من عزف النشيد الوطني الإسرائيلي في أبو ظبي مؤخراً.