موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الذكرى الثالثة لوفاة معتقلة الرأي علياء عبد النور في سجون الإمارات

307

تمر اليوم الذكرى الثالثة لوفاة معتقلة الرأي علياء عبد النور في سجون الإمارات بعد صراع طويل مع مرض السرطان وحرمانها من حقها في العلاج.

وأبرز مركز مناصرة معتقلي الإمارات أن علياء رحلت مقيدة إلى سريرها داخل مستشفى توام في الإمارات، بظروف غير رافقتها حتى آخر لحظة من حياتها.

وحُرمت علياء من حقها بالموت بكرامة بين أهلها، بعدما رفضت السلطات جميع مناشدات خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بالإفراج لتقضي آخر أيامها في منزلها وعند عائلتها، بدلاً من حراس السجن وقيودهم.

ورفضت النيابة العامة الإماراتية جميع الطلبات التي تقدمت بها أسرة علياء للإفراج الصحي عنها، بدعوى أن حالتها لا تستدعي ذلك.

علماً أن المادة 32 من قانون المنشآت العقابية الإماراتية لعام 1992 يعطي النيابة صلاحية بالإفراج عن السجين إذا كان مصاباً بمرض يهدد حياته.

والمفارقة هنا، أن النيابة العامة رغم أنها رفضت الإفراج الصحي عنها بدعوى أن الحالة ليست خطيرة، فقد أصدرت بياناً عقب وفاة عبد النور مباشرة اعترفت فيه بالوضع الصحي الحرج الذي كانت تعيشه علياء بسبب مرض السرطان.

وفي محاولة منها للتملص من المسؤولية، ومن الاتهامات التي لاحقتها بعد وفاة المعتقلة، اتهمت النيابةُ العامة علياءَ في بيانها، برفض تلقي العلاج، وحمّلتها المسؤولية عن تدهور حالتها الصحية.

وزعمت النيابة “أن علياء عبد النور لها تاريخ مرضي مع سـرطان الثدي سـبق أن عولجـت منه عام 2008 على نفقـة الدولـة، وإنها أثنـاء قضائها مدة السـجن المقضي بها في عام 2017 عاودتها أعراض المرض، فعرضتها إدارة السـجن المختص على العيادات بالمنشأة العقابية حيث كانت ترفض الفحص والعلاج”.

البيان أضاف “أنه بنـاء على طلب إدارة المنشـآت الصحيـة والعقابيـة ولحاجتها للعنايـة الطبية المتخصصة، أمر النائب العام للدولة بنقلها إلى مسـتشفى المفرق، حيـث حـدد نوع العـلاج اللازم لها، غير أنهـا رفضتـه وامتنعت عن تلقيـه، بل وأضربـت عن الطعام عدة مرات”.

والحقيقة أن البيان لم يكن فقط تملصاً من المسؤولية عن وفاة علياء، بل تزويراً للحقائق والوقائع، فالمحكمة أقرت في31 أكتوبر2016، بأنه لم يتم نقل علياء لتلقي العلاج بالرغم من حاجتها له.

النيابة العامة كانت تعرف معاناة علياء من الإهمال الطبي وأن طبيب السجن كان يمنحها المسكنات بدلاً من علاجها، ولذلك قررت بدلاً من أن تقوم بفتح تحقيق لمعرفة أسباب وفاتها والاعتراف بوجود إهمال طبي أن تتهم الراحلة بأنها رفضت تلقي العلاج.

فإذا لم تكن النيابة العامة تعلم بأن المشكلة ليست فقط في وفاة عبد النور بشكل غير إنساني، بل بوجود إهمال طبي قد يكون متعمدا أدى إلى وفاتها، فتلك مصيبة، وإن لم تكن تعلم فالمصيبة أعظم، هذه جريمة يحاسب عليها القانون، ولذلك أرادت التهرب من فتح تحقيق لمعرفة أسباب وفاتها عن طريق اتهام الراحلة برفض العلاج.

وهنا لا بد من التنويه أن سبب محاولات النيابة العامة التهرب من فتح تحقيق شفاف يكشف أسباب وفاة علياء، هو كونها أحد المسؤولين المباشرين عن وفاتها، فهي من رفضت الإفراج عنها أو نقلها للمستشفى للعلاج بحجة أن حالتها الصحية لا تستدعي ذلك، ولم تطبق نص المادة 32 من قانون المنشآت العقابية.

وينص القانون على أنه: “إذا تبين لطبيب المنشأة أن المسجون مصاب بمرض يهدد حياته أو حياة الآخرين أو يعجزه كليا فعلى إدارة المنشأة أن تعرضه على اللجنة الطبية المشار إليها في المادة السابقة وذلك لفحصه والنظر في الإفراج الصحي عنه. ويصدر بالإفراج الصحي قرار من النائب العام وتخطر به وزارة الداخلية.”

وهو أمر أثبتته محكمة أمن الدولة خلال محاكمتها لعبد النور، حيث نشرت صحيفة البيان الإماراتية حينذاك وقائع المحاكمة، كاشفة أن المحكمة أمرت بإيداع علياء في المستشفى فور انتهاء الجلسة بسبب حالتها الحرجة.

وطلبت من النيابة تقديم أسباب عدم إيداعها بعد انعقاد الجلسة السابقة رغم حالتها الحرجة، كما استعرضت المحكمة خطاب هيئة السجن الذي طلب تحويل علياء إلى المستشفى.

وهذه الوقائع تثبت أن إدارة السجن والمحكمة طلبوا تحويل علياء للسجن، لكن النيابة العامة كانت ترفض تطبيق قرار المحكمة.

لذلك، فرغم أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان دعا النيابة العامة الإماراتية في 2019 إلى التحقيق في ملابسات وفاة علياء بسبب وجود معلومات بأنها حرمت من الحصول على العلاج المناسب واحتجزت في ظروف مهينة قد تصل إلى درجة المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة.

لكن النيابة العامة لم تفتح مثل هذه التحقيق أبداً، واكتفت بالبيان المتناقض الذي أصدرته حول وفاتها.

ومما يؤكد أن حالة علياء ليست مجرد مسألة عابرة، أن علياء ليست أول من يموت في السجون الإماراتية نتيجة الإهمال الطبي وبالتأكيد هي ليست الأخيرة.

ففي عام 2018 توفي المواطن الإماراتي سالم موسى فيروز خميس في سجن الصدر نتيجة الإهمال الطبي أيضاً.

سالم دخل السجن في 2013، دون أمراض سوى السكري، ونتيجة الإهمال الطبي أصيب بغرغرينا أدت إلى بتر قدمه، ثم تدهورت حالته وتوفي لاحقاً، وهي قصة تعكس الواقع المزري داخل السجون الإماراتية.

المعاناة القاسية والعبثية التي تعرضت لها عبد النور منذ لحظة سجنها وحتى وفاتها، ابتداء من اعتقالها تعسفياً ووصولاً إلى الإهمال الطبي حتى وفاتها، هي جرائم لا تسقط بالتقادم، ولا يطويها الزمن، ولا يجب أن تمر دون محاسبة.

فعلى الرغم من موت علياء، فإن حقها بالعدالة والتعويض لا يمكن أن يموت، وهو ما يؤكد عليه إعلان المبادئ الأساسية للعدالة لضحايا الجريمة وإساءة استخدام السلطة الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1985، الذي يقر بالتزام الجاني بتقديم تعويض عادل إلى ضحيته، وبأن الضحايا يحق لهم الحصول على معاملة عادلة والوصول إلى آليات العدالة.

وأكد المركز الحقوقي أن حق علياء بالعدالة والإنصاف ومحاسبة المجرمين المتسببين في وفاتها ليست ترفاً، بل هو مسألة جوهرية لا يمكن التغاضي عنها.

وشدد على أن إفلات المجرم من العقاب قد يكون أخطر من الجريمة ذاتها، فالمجرم الذي لا يعاقب قد يستمر في إجرامه، ظناً منه أنه فوق القانون، يستطيع فعل ما يشاء دون رادع، حتى تصبح الجريمة واقع حال ونمط حياة.

والجرائم التي تعرضت لها علياء من إهمال طبي وتعذيب ومحاكمة غير عادلة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، لأن الصمت عن هذا النوع من الجرائم يعني تكرارها.

وإذا كان لدينا اليوم علياء واحدة فقط، فقد يصبح لدينا مئات منها لاحقاً، طالما أن المجرم مازال طليقاً، وقادراً على ارتكاب جرائم أخرى.

خصوصاً مع وجود الكثير من الحالات والأمثلة التي تدهورت أوضاعها الصحية داخل السجون الإماراتية نتيجة حرمانها من العلاج أو من الحصول على الدواء، حيث بلغنا أن المعتقل محمد البلوشي مصاب بمرض السرطان، وهو في وضع صحي حرج، لكن السلطات ترفض الإفراج عنه أو منحه العلاج اللازم.

ولذلك، فإن فتح تحقيق شفاف يكشف أسباب وفاة علياء عبد النور، ويؤدي إلى محاسبة المسؤولين عن وفاتها، وعلى رأسهم النائب العام، هو أمر ضروري جداً، لأن عدم محاسبته سيعني وجود ضحايا آخرين سيتعرضون لما تعرضت له علياء.

كما أن محاسبة النائب العام ضرورية أيضاً، لأنه لا يمكن للمواطن الإماراتي أن يثق مجدداً بهيئة تمارس الانتهاكات بشكل دائم، وتفلت من العقاب في كل مرة.