موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: الإمارات تحاول فرض استنساخ انقلاب عبد الفتاح السيسي في السودان

289

تخطئ الإمارات مجدّداً، عندما تحاول استنساخ انقلاب عبد الفتاح السيسي في السودان، تماماً كما فشلت في ليبيا، فانقلاب السيسي خدمته دولة مصرية عميقة، ممتدّة، راسخة، معادية للإخوان المسلمين، وهذا غير متحقق في ليبيا والسودان.

على العكس، الدولة العميقة في السودان هي التي أسسها حكم الإنقاذ على مدى عقود ثلاثة. وما سيحصل هو تكرار الفوضى الليبية بدماء أكثر في بلدٍ اكتوى بنار الحرب الأهلية منذ سنوات استقلاله الأولى.

ليس مأسوفاً على عمر البشير، وعندما زار بشار الأسد، تم التأكيد على نطاق واسع أن مكانهما الطبيعي محكمة الجنايات الدولية.

وللمفارقة، كانت تلك الزيارة بترتيب إماراتي مع الروس، وحمل رسالة إماراتية سعودية لبشار الأسد، كما تؤكّد مصادر قريبة من النظام السوري، طلب منه أن ينقلب على إيران كما فعل هو، وسيقدم له المحمدان (بن زايد وبن سلمان) ما يحتاجه من دعم مالي وسياسي. طبعاً المجرم بشار الأسد يحمد الله أنه لم يستمع للنصيحة، وظل في حضن إيران الدافئ.

المأسوف عليه هو الثورة السودانية التي ابتلع كثيرون من ثوارها الطعم، وصارت القضية هي استئصال الإسلاميين وفق الوصفة الإماراتية، وليس استعادة النموذج الديموقراطي السوداني الذي استوعب كل الأطياف، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

أي عاقلٍ يدرك خطورة استئصال أي تيار سياسي، وفي العراق تجربة “اجتثاث البعث” مُرعبة، فقد دمّرت البيروقراطية العراقية، وحولت كثيرين من ضباط الجيش والأمن إلى دواعش.

في ليبيا، أقر المؤتمر الوطني قانون العزل السياسي، وكان ذلك بداية تعثّر المسار الديموقراطي وتدهور البلاد. ميدانياً، كان خليفة حفتر يخطط لعزل خارج القانون، من خلال عصاباته المسلحة، ونفذ انقلاباً جزئياً، كلف البلاد آلاف القتلى، ولم تضع الحرب أوزارها بعد.

رفع حفتر المدعوم إماراتيا شعار محاربة الإخوان المسلمين على وقع انقلاب السيسي، وهو عملياً يحارب كل مخالفٍ له، منافسٍ على السلطة، وقدّم أسوأ أشكال المتشدّدين، وهم السلفية المداخلة، والذين يرتكبون أبشع الجرائم تحت شعار محاربة الإخوان.

لا يوجد لدى نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، حميدتي، أي امتداد في المؤسسة العسكرية، فهو لم يتخرّج من المدرسة ولا في الكلية العسكرية. راعي إبل تحوّل إلى جنجويد، وهي مليشيا تحارب أبناء الوطن من عرقيةٍ أخرى، ومن ثم صدّر مواهبه المليشياوية إلى اليمن، فهل يعقل أن يقود التحوّل الديموقراطي من له هذا السجل الأسود في حقوق الإنسان في السودان واليمن؟ من السهل على حميدتي أن يعتبر الإسلاميين مثل أهل دارفور، ويعمل فيهم الإبادة الجماعية، وتحت شعارات محاربة الإرهاب هذه المرّة. ومثلُه يفتقر الخبرة التي تقول إن الإسلاميين سيقاتلون دفاعاً عن أنفسهم.

وفي بلد مثل السودان، لن يستطيع الجنجويد أن يلاحقوهم. لكنه سيظل يعقد مؤتمراتٍ صحافية يتحدث فيها عن انتصاراته، وستواصل الإمارات إمداده بالمال والسلاح، فنكون أمام حرب أهلية، لا حرية ولا تغيير.

يستحق ثوار السودان حكماً مدنياً ديموقراطياً يليق بتضحياتهم وبتاريخ السودان، ولا يستحقون تحول نظام عسكري إلى مليشيا عسكرية قبلية. والشرط الأساسي لنجاح التحوّل إلى الحكم المدني هو رفض العزل والاستئصال لأي فريق سياسي والأهم التصدي ورفض التدخل الإماراتي التخريبي في البلاد.

في هذه الأثناء ومع فشل المفاوضات بين المجلس العسكري في السودان والمعارضة ممثلة بـ”تحالف الحرية والتغيير”، للاتفاق على نقل الحكم إلى سلطة مدنية، اتجه قادة المجلس العسكري نحو تكثيف نشاطهم الخارجي، باتجاه السعودية والإمارات ومصر، لتزداد المخاوف في الداخل السوداني من انضمام الخرطوم كلياً إلى هذا المحور على حساب علاقتها بدول أخرى، إضافة إلى القلق من تبعات التحركات الخارجية على مصير الثورة السودانية، وتحديداً سعي الرياض وأبوظبي والقاهرة، لدعم العسكر بهدف تعزيز قبضتهم على السلطة، وتأخير إقامة حكومة مدنية، بما يهدد بإجهاض التجربة الديمقراطية المنتظرة بعد إسقاط حكم عمر البشير.

وبعد زيارة خاطفة إلى مصر يوم السبت لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، التقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، توجّه البرهان أمس إلى الإمارات في زيارة رسمية، بعدما كان قد سبقه نائبه، محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي)، بزيارة إلى السعودية.

وفي تعبير عن القلق السوداني من هذه الزيارات، سارع إبراهيم الشيخ، رئيس المجلس المركزي لحزب “المؤتمر” السوداني، أحد أحزاب “تحالف الحرية والتغيير”، إلى كتابة مداخلة وجدت رواجاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، عبّر فيها عن قلقه العميق من التقاطعات الإقليمية في السودان، مشيراً إلى أن لقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي تشابكات إقليمية ودولية، تعمل على إعادة تجييشها لأجندات محددة، الأمر الذي يحولها إلى مركز قوة باطش داخل الدولة الهشة أصلاً.

وقال الشيخ إن الإمارات وحلفائها تحرص على الاحتفاظ بمكاسبها التي حصلت عليها منذ نظام البشير، خصوصاً مكسب مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن، بينما تحاول القاهرة على وجه التحديد العمل على كسب مواقف جديدة من الخرطوم بشأن سد النهضة، لافتاً إلى وجود مصالح حقيقية للسودان مع تلك الدول، مع تقليله من تأثير التحرك الخارجي للمجلس العسكري على مجمل التفاوض بينه وقوى “إعلان الحرية والتغيير”، ومحملاً التعثّر فيه للمجلس العسكري بسبب عدم موافقته على مقترحات بشأن مجلس السيادة.

وحذر الشيخ من تعامل الدول مع حميدتي باعتبار أن قواته (قوات الدعم السريع) بديلة للجيش السوداني، مطالباً بأن يتم التعامل في الشؤون العسكرية عبر الجيش السوداني ومؤسسات الدولة الأخرى. كما انتقد تمدد حميدتي في إدارة ملفات الدولة، بما في ذلك ملف العلاقات الخارجية والاقتصاد والشرطة.

من جهته، عزا رئيس “منبر السلام العادل” الطيب مصطفى، تحركات قادة المجلس العسكري الخارجية إلى الفراغ السياسي الذي خلّفه عدم الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى “الحرية والتغيير”.

وأبدى مصطفى أسفه لتركيز المجلس العسكري في تحركاته الأخيرة على دول محور واحد على حساب دول أخرى، مشيراً إلى أن تلك السياسة ليست نهائية ويمكن تغييرها تماماً في حالة تشكيل حكومة مدنية متفق عليها من الجميع. كما أبدى أسفه لما نُقل عن البرهان من تعهّدٍ بعدم إقامة علاقات مع دول لها عداء مع مصر، معرباً عن أمله بأن تكون تلك العبارة مجرد زلة لسان، “أما إن قالها عن قصد فيكون البرهان قد وضع كل رهاناته على محور واحد، مما يقلل مساحة الحركة أمامه”، متسائلاً “إذا كانت مصر تقيم علاقات مع إسرائيل فهل سيتبعها السودان؟”. واستبعد نجاح أي مخطط، من أي جهة، يسعى إلى إقصاء الإسلاميين في السودان وتكرار تجربة مصر.

أما رئيس تحرير صحيفة “مصادر” عبد الماجد عبد الحميد، فرأى أن المجلس العسكري يواجه ضغوطاً داخلية كثيفة من تيار الحكومة المدنية، لذا سعى إلى تفاهمات تعزز قبضته على السلطة وتثبّت بقاء الجيش السوداني في اليمن.

واعتبر عبد الحميد أن السعودية ومصر والإمارات تسعى من خلال المجلس العسكري إلى تحقيق أجندة واضحة، ومنها حرص مصر على أن يكون للسودان دور في الملف الليبي، وسعيها لموقف جديد من الخرطوم حيال ملف سد النهضة، فيما يطمح السعوديون والإماراتيون لإبقاء الجيش السوداني في اليمن وإقصاء الحركة الإسلامية من المشهد السياسي في السودان، فضلاً عن رغبة الجميع في ابتعاد الخرطوم عن المحور القطري التركي، مع تحجيم أي تحوّل ديمقراطي حقيقي في السودان.

أما القيادي في حركة “الإصلاح الآن”، فتح الرحمن فضيل، فقال إن التحركات الخارجية لقادة المجلس العسكري قد تكون لها انعكاسات أخرى على المشهد السياسي في السودان.

ولم يستبعد فضيل أن يعود المجلس العسكري بعد انسداد الأفق بينه وقوى “الحرية والتغيير” إلى قلب الطاولة وتشكيل حكومة منفرداً من كفاءات وشخصيات مستقلة، وإقناع المجتمع الدولي بصحة الخطوة، بدعم من مصر وبقية دول المحور نفسه.

ورأى أن تلك الدول الثلاث (مصر والسعودية والإمارات) لا تفضّل قيام نظام برلماني ديمقراطي في السودان، لأنه سيؤخر اتخاذ القرارات التي في مصلحتها، على غرار إرسال القوات السودانية لليمن، أو إدانة نائب رئيس المجلس العسكري لإيران والحوثيين، أو إعلان البرهان التزامه للمصريين بعدم إقامة علاقة مع أعدائهم، من دون أن يسميهم، لافتاً إلى أن تلك المواقف جاءت من دون أن يعود قادة المجلس العسكري لأي مؤسسة.