موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: أدوات ومؤسسات استخدمتها الإمارات لنشر الصوفية خدمة لمصالحها

591

عمدت الإمارات إلى استخدام أدوات ومؤسسات لنشر الصوفية خدمة لمصالحها السياسية وتأمرها لتصبح قوة إقليمية بما في ذلك استخدام النفوذ الديني.

ويبدو واضحاً أن الاختيار الإماراتي للصوفية خيار نوعي ومليء بالتناقضات، وهو ما خلق جدالات استثنائية حول الأهداف والطرق المؤسساتية المُسخرة لتأسيسها كنمط تدين “حقيقي” (الإسلام الحقيقي)، خاصة أن دولة الإمارات تتشابك مصالحها الجيوستراتيجية مع سياساتها الدينية.

وتبدو مساهمة الإمارات في تجديد الفكر الديني، المشروع السياسي الذي انخرطت فيه المؤسسات الدينية ومراكز الأبحاث وشخصيات دينية وأكاديمية بارزة، انعكاساً لأجندات خفية لتوظيف الإسلام وإخضاعه للمذهب السائد داخل الدولة ومصالحها الداخلية والخارجية.

الشخصيات الدينية “المتصوفة” أو الداعمة للتصوف

تسلط نشاطات عبد الله بن بيه وانتماءاته الضوء على الجدال القائم حول الوثيقة، وكذلك على المخاطر التي يواجهها الشرق الأوسط في سياق المجتمع المابعد العلماني الذي يتجاوز القومية العلمانية ولكنه يعد ما بعد إسلاموي.

وعبد الله بن بيه كان يشغل منصب نائب الرئيس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكان حليفاً مقرباً لرئيس الاتحاد السابق يوسف القرضاوي.

وخلال ثورات الربيع العربي والاضطرابات التي توالت بعد ذلك، احتاج علماء الشرق الأوسط وصناع القرار (الأنظمة الحاكمة) إلى اتخاذ قرارات صارمة، حيث أصبحت التحالفات القديمة بينهم غير مستقرة ومتقلبة بسبب الأوضاع في المنطقة، لذلك كانت هذه التحالفات بحاجة إلى إعادة تأكيد التزامها، وكذلك إعادة تشكيل هيكلتها.

تطور أشكال التفاعل بين الصوفية والتوظيف السياسي دفع نحو إيجاد الحلول والسياسات العامة العبر وطنية لحل الخلافات المندلعة بخصوص كيفية التأقلم مع الوضعية الجديدة (اندلاع ثورات الربيع العربي/ تنظيم الدولة/ التيارات السياسية الإسلامية).

تعامل مشايخ الدين (العلماء المسلمون)، الذين أصبحوا يمثلون طبقة نشطة داخل دوائر صناعة القرار وقادرة على التعبئة الشعبية، مثل يوسف القرضاوي وعبد الله بن بيه، مع متغيرات السياق الانتقالي من خلال تبني قرارات وتحالفات مختلفة.

وإلى جانب العلماء، كان على الحكام أيضاً اتخاذ جملة من القرارات؛ فاختارت قطر نهج الإسلام السياسي، وأعلنت دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، في حين قطع عبد الله بن بيه علاقته بجماعة الإخوان وبصديقه القديم يوسف القرضاوي الذي نادى بالجهاد في مصر وسوريا.

وأسس منظمته الخاصة التي تتمثل في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وذلك في أبو ظبي تحت إشراف العائلة الحاكمة التي قررت معاداة جماعة الإخوان وتصورها للديمقراطية الإسلامية.

ولعبد الله بن بيه- بوصفه أحد رؤساء المجلس العالمي لديانات من أجل السلام- علاقة وثيقة بالحركات العالمية التي تهتم بالعلاقات بين الديانات (المجلس العالمي لديانات من أجل السلام العالمي 2020).

وتمثلت إحدى أحدث المبادرات الجديدة لعبد الله بن بيه في ‘إعلان مراكش’، سنة 2016، الذي نادى بضمان حقوق الأقليات الدينية في الدول الإسلامية، خاصة في سياق مواجهة إرهاب الدولة الإسلامية.

فيما يتعلق بأهمية هذا الحدث نجد أن العلماء المسلمين الملتزمين غير ذوي المرجعيات العلمانية أو الليبرالية، قد تطرقوا بجدية إلى مسألة المواطنة التي تنضوي ضمنها الأقليات الدينية والطائفية الأخرى.

يعد وسيم يوسف من أبرز الشخصيات الإعلامية المؤثرة خلال هذه السنوات الأخيرة، ولكنه أيضاً يشتغل إماماً وخطيباً لمسجد الشيخ زايد (في مدينة أبو ظبي).

تعلم علوم الفقه والعقيدة الإسلامية والتفاسير بالإضافة إلى تفسير الرؤى والأحلام في المملكة الأردنية الهاشمية، متأثراً بعلماء الدين مثل عبد العزيز بن باز ومحمد ناصر الألباني.

انخرط في النقاش وسياسات التجديد الديني، الذي أصبح يحرك المؤسسات الدينية الإماراتية، من خلال محاولات تبسيط وتقريب التدين الإسلامي من المتغيرات الراهنة، ولكن الموقف الديني الأقوى الذي اتخذه يتمثل في استنكاره وتشكيكه في كثير من الأحاديث النبوية والتفاسير السائدة أو الشائعة مثل صحيح البخاري.

يعد الحبيب علي الجفري من الشخصيات الأكثر حظوة داخل الدوائر السياسية الإماراتية الداعمة للتصوف. منذ عام 2002 يشتغل منسقاً ومنظراً للخطاب الصوفي والسياسات الدينية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تجسد نفوذه وقربه من صناع القرار الإماراتيين من خلال تنصيبه رئيساً لمؤسسة طابة التي تهتم بالتشبيك بين علماء الصوفية عالمياً.

تجمع الجفري بقيادات الطرق الصوفية ورموزها علاقات عميقة، كما تجمعه علاقات وثيقة مع شخصيات دينية مثل شيخ الأزهر والمفتي علي جمعة.

ثالثاً: المؤسسات الدينية –الصوفية

نقطة التحول التي تهمنا هنا أن التوظيف السياسي للشأن الديني قد تجلى مؤسساتياً من خلال إنشاء دولة الإمارات ثلاث مؤسسات سياسية صوفية متموضعة بقرب مسجد الشيخ زايد في إمارة أبو ظبي، حيث ظهرت ككيانات منظمة تخدم السياسات الدينية لدولة الإمارات.

وتتمثل مهمتها الرئيسية في بلورة وعي ديني متمايز عن المقاربات السائدة، حيث تلتزم بتوجهات الدولة الإماراتية بترويج ونشر التدين الصوفي، الذي تعتقد أنه الإسلام الحقيقي والمعتدل والليبرالي، بتقاطعات علنية ومضمرة مع الخيارات والمطامح السياسية للنظام الإماراتي.

مجلس حكماء المسلمين

من أجل فهم الفكرة الكامنة وراء السياسات الدينية لدولة الإمارات (مثل إعلان أبو ظبي للأخوة الإنسانية)، سنقتصر على اقتباس التصور الذاتي للمجلس الذي يعرضه على موقعه الإلكتروني: “يمثل مجلس حكماء المسلمين هيئة مستقلة عالمية تأسست في 21 رمضان سنة 1435 هجري، الموافق لـ 18 يوليو 2014 ميلادي.

تهدف إلى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وتجمع ثلَّة من علماء الأمَّة الإسلاميَّة وخبرائها ووجهائها ممَّن يتَّسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطيَّة، بهدف المساهمة في تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدَّة الاضطرابات والحروب التي سادت مجتمعات كثيرة من الأمَّة الإسلاميَّة في الآونة الأخيرة، وتجنيبها عوامل الصراع والانقسام والتَّشرذم.

يعتبر المجلس- الذي يتخذ من العاصمة الإماراتية أبو ظبي مقراً له- أوَّل كيان مؤسَّسيٍّ يهدف إلى توحيد الجهود في لمِّ شمل الأمَّة الإسلاميَّة، وإطفاء الحرائق التي تجتاح جسدها، وتهدِّد القيم الإنسانيَّة ومبادئ الإسلام السَّمحة، وتشيع شرور الطَّائفيَّة والعنف التي تعصف بالعالم الإسلاميِّ منذ عقود”.

وبذلك، فإن المجلس الذي يشدد على الوحدة والسلام داخل المجتمعات المسلمة يختار تطبيق مبدأ التواصل بين الأديان من أجل تحقيق هدفه. ويمكن لوثيقة الأخوة الإنسانية أن تمثل بياناً عن شرق أوسط ما بعد علماني.

بدون شك، يدافع المجلس عن سياسة الإمارات المتحدة القائمة على إنشاء حصن ضد الهيمنة الإيرانية والإسلام السياسي.

وقد أنشأ العلماء تحالفاً مع الحكام على نطاق واسع من أجل تأطير سياساتهم وتدابيرهم ومنحها الشرعية، لا سيما في هذه السياقات الجديدة حيث يتبنى التعددية بمفهومها العميق. وأصبح المجتمع الذي يقوم على التعددية الدينية والذي يحظى بدعم من الحكم الاستبدادي خياراً مجدياً بالنسبة للعلماء والحكام على حد سواء، وذلك في مقابل ديمقراطية الأغلبية السنية التي تصوت للإسلام السياسي.

مؤسسة طابة

تأسست هذه المؤسسة الإماراتية لتجميع علماء الصوفية البارزين في المنطقة الإسلامية، وتميزت بتنظيم فعاليات ومحاضرات حول التصوف والعشق الإلهي والشخصية النبوية والتعايش بين الأديان منذ 2005. راعت هذه المؤسسة مهمة التشبيك بين مختلف مكونات التدين الصوفي من كل الدول الإسلامية (مصر/ سوريا/ الأردن..) تحت رعاية مباشرة وتمويل مكثف من دولة الإمارات.

في هذه المرحلة نشأ مصطلح التصوف الإماراتي، كما سمحت هياكلها المؤسساتية المتناسقة بترويج ونشر المقاربة التنويرية للتجديد الديني كما ترعاه وتوصي به أجندات النظام الإماراتي.

تتقاطع اهتمامات هذه المؤسسة مع باقي التوجهات الكبرى للسياسة الدينية الإماراتية؛ مثل مكافحة الإرهاب، والدعوة لتعزيز التصوف بوصفه الإسلام الحقيقي، والتشكيك في مصداقية باقي التيارات الإسلامية أو أنماط التدين.

نجد أيضاً أن هذه المؤسسة قد مأسست لعلاقات تعاون مع كثير من الطرق الصوفية والمؤسسات الدينية المرموقة مثل الأزهر.

رابعاً: المؤسسات البحثية

مؤمنون بلا حدود

بعد تأسيس هذه المؤسسة البحثية، بتمويل إماراتي، في الدولة المغربية بفروع منتشرة بعدد من الدول العربية الأخرى، أصبحت دراساتها وفعالياتها الفكرية تتقاطع مع توجهات الإمارات تجاه تجديد التدين الإسلامي.

ليس هناك شك أن هذه المؤسسة البحثية قد اشتغلت فعلياً كثيراً على تقديم وتفسير البعد الأخلاقي والتسامحي المتجذر داخل التراث الإسلامي في محاولة لدحض المغالطات الراديكالية الملتصقة بالدين الإسلامي من جراء التراجع الحضاري الراهن والحضور المكثف للجماعات الإرهابية وانتشار مقولات الإسلاموفوبيا.

لكن من المفارقات أيضاً أنها قد أنتجت فجوات أخرى بخصوص الشأن الديني بمجرد الإقرار بوصايتهم على الإسلام الليبرالي-التقدمي، أو ما يعرف بالإسلام المعتدل، وغيرها من التسميات.

في المرحلة عينها أيضاً، خلال هذا العقد الأخير، نشأ من خلال كتابات مؤسسة مؤمنون بلا حدود تجميع وبلورة شبه نهائية لملامح الإسلام “العلماني”، بمعنى التنظير لحدود الفصل بين الدين والدولة وغيرها من المسائل الخلافية (الحاكمية/…).

باختصار، تتقاطع توجهات المؤسسة البحثية مع المساعي الظاهرية للسياسة الإماراتية في نقاط أهمها محورية التصوف وتجذره في الموروث الديني والاجتماعي والسياسي للحضارة الإسلامية، وتجديد الخطاب الديني، والتشكيك في أجندات التيارات السياسية الإسلامية، وضرورة تكييف النص القرآني وأنماط التدين مع ضروريات السياق الراهن تحت مشروع ما يعرف بتجديد الخطاب الديني.

مؤسسة مركز المسبار للدراسات والبحوث

تشتغل المؤسسة من داخل مدينة أبو ظبي، وهي متخصصة في دراسة الحركات الإسلامية والظواهر الثقافية، ويعدها كثير من المنتقدين لدراساتها وأجنداتها الفكرية أنها في تبعية للسياسات الإماراتية السياسية والدينية.

يقول الباحث أبو عبد الله العليان: “الإصدارات، بالرؤية العامة للمدخلات والمخرجات الفكرية، والظروف والملابسات المحيطة بها، تدعو الباحث إلى الريبة والشك، وأنه موضوع لخدمة أجندة فكرية خارجية”، وهو ما جعل بعضهم يتهم إنتاجاتهم حول الحركات الإسلامية بأنها “تتسم بشيء من السطحية وافتقار العمق رغم جاذبية عناوينها، بل تكاد تكون في كثير منها تقارير إعلامية مبنية على معلومات تم ترويجها في وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية أكثر منها معلومات استقصائية تمت من خلال طرق علمية سليمة”.

وقد خصص مركز المسبار ملفات ودراسات مطولة ومتعددة لبحث ظاهرة التدين الصوفي وطرحها بديلاً أمثل لراديكالية كثير من الحركات الإسلامية الأخرى، مروجاً لفكرة تجذر الصوفية في منطقة الخليج العربي.