موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: الغدر والتقلب وفق المصالح الخاصة.. سمة ثابتة لسياسات الإمارات

211

تلتصق صفة الغدر والتقلب وفق المصالح الخاصة بالسياسيات الخارجية لدولة الإمارات وتعد سمة ثابتة للقرارات وتحولات النظام الحاكم فيها دون اعتبار لما يقيمه من تحالفات.

إذ أن هذه التحالفات للنظام الإماراتي لا تعدو سوى مجرد علاقات مؤقتة وعابرة باعتبار أن الثابت لديه فقط هو مصالحه الخاصة وحتى وإن كانت تحولاته تصل حد التناقض الصارخ.

هذه الأيام تتقرب الإمارات من جمهورية إيران الإسلامية فأرسلت وفد عسكري إلى طهران وعقدت تفاهمات أمنية واقتصادية واسعة النطاق.

في الوقت ذاته تقيم الإمارات علاقات وثيقة مع إسرائيل العدو الأول لإيران في الشرق الأوسط، بل وتزيد من مستوى التطبيع معها في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

ويقول مراقبون إنه من التناقض أن تكون الإمارات دولة صديقة لإسرائيل وتقحمها بالخليج عن طريق التطبيع، وفي الوقت ذاته تقيم تفاهمات مع إيران.

إذ أن العلاقة الإسرائيلية الإماراتية يدعمها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لتسويق صورة وردية له لدى الولايات المتحدة الأميركية والإعلام الغربي، فضلا عن الحاجة الإماراتية إلى التقنية العسكرية الإسرائيلية التي تتفوق أحيانا على الأميركية، وتستخدمها أبو ظبي لأغراض التجسس.

في الوقت ذاته فإن إيران جزء من الاستقرار والأمن الإقليميين، وتمد يدها لكل دول الخليج من أجل تأمين المنطقة دون الاستعانة بأميركا أو إسرائيل لكن الإمارات لا تنطلق في علاقاتها مع طهران من هذه الحقيقة.

إذ أن النظام الإماراتي وجد نفسه مجبرا على التقرب من إيران، بعد تأكده من أن الإدارة الأميركية غير جادة في الحرب مع طهران، وأنها اكتفت حاليا بفرض العقوبات الاقتصادية عليها.

وقد تقربت الإمارات إلى إيران رغم تعارض ذلك مع حليفها الوثيق المملكة العربية السعودية التي تتسم علاقاتها مع طهران بالتوتر الدائم.

وهنا يجب التذكير أن السبب الذي دفع النظام الإماراتي للتحالف مع السعودية -رغم العداء التاريخي المعروف بين الإمارات والمملكة- مرتبط بثورات الربيع العربي نهاية عام 2010 واشتراط البلدين في العداء له.

إذ أن أبوظبي تحالف مع الرياض رغم عداءهم التاريخي، لوأد تطلعات الشعوب وقيادة ثورة مضادة، خاصة أن الإمارات أسست غرفة عمليات لذلك، وسفكت دماء الشعوب لتنفيذ مخططاتها بتخريب ثورات الربيع العربي.

وتبدو السعودية والإمارات أقرب إلى التحالف، لكن الأمر في حقيقته ليس أكثر تحالف انتهازي تكشفه خلافات البلدين العميقة وتعارض أجنداتهما في أكثر من ملف، فضلا عن أن خلافات الماضي الطويلة تلقي بظلالها على الحاضر، وتظل كالنار تحت الرماد.

بينما تكشف تسريبات ويكيليكس أن الحاجة الوقتية جمعتهما في هذا الحلف المؤقت، و يقول ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بحسب وثيقة تعود لنوفمبر 2010: “الإمارات خاضت 57 معركة ضد السعودية خلال الـ250 سنة الماضية، السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط”.

الخلافات بين الإمارات والسعودية، قديمة ومتجذرة، نشأت على النفوذ والسيطرة والتبعية، بدأ الخلاف مع محاولة الشيخ زايد آل نهيان إبان تأسيس دولة الإمارات، ونشأ نزاع حدودي في السبعينيات، حول حقل نفط الشيبة الذي تبلغ إنتاجيته 500 ألف برميل يوميًا، والمنطقة الساحلية الفاصلة بين الإمارات وقطر، وكانت هذه النقطة بالتحديد السبب في اعتراض السعودية على إنشاء جسر بحري بين الإمارات وقطر عام 2005.

وتبين وثائق “ويكيليكس” المسربة أن ولي عهد أبو ظبي كان يحرض مسؤولين أمريكيين على المملكة، بينما كان يتظاهر في العلن أنه حليف لها وأن العلاقات بينه وبين المسؤولين في الرياض بأفضل حال.

ووفقًا لوثيقة يعود تاريخها إلى 21 من أبريل 2008، فإن محمد بن زايد عقد اجتماعًا يوم 16 من أبريل من العام ذاته مع قائد العمليات البحرية الأمريكية، ودار بين الرجلين مباحثات في قضايا مختلفة، وقال بن زايد للمسؤول الأمريكي: “العالم تغير، والإمارات ستظل متفائلة على الرغم من وجودها في منطقة يغلب عليها التخلّف، وضرب مثلاً بجارته السعودية التي لا يستطيع 52% من سكانها قيادة السيارة” في إشارة لمنع المرأة من قيادة السعودية.

وتكشف وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى 25 من يونيو 2008 أن وزير الخارجية عبد الله بن زايد كان يحاول تحريض الأمريكيين أيضًا على السعودية، حيث قال لمسؤول أمريكي إنه لا يرى في الأمراء السعوديين الأصغر سنًا أي وجوه واعدة.

وفي الوثيقة التي تعود إلى 24 من يناير 2007 يتبين أن ولي عهد أبو ظبي قال لمساعد وزير الخارجية الأمريكية نيكولاس بيرنز: “عندما زرتُ السعودية التقيت بقادة تتراوح أعمارهم بين 80 و85 سنة، وهؤلاء لم يسمعوا بالإنترنت إلا بعد أن جاوزوا السبعين عامًا، هناك فجوة كبيرة في السعودية”.

وبحسب وثيقة تعود إلى 12 من يونيو 2004 فإن محمد بن راشد حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات، قال للجنرال جون آبي زيد قائد القوات الأمريكية في العراق خلال اجتماع على العشاء في أبو ظبي: “نحن – أنا ومحمد بن زايد- عندما ننظر إلى أكثر من 100 كيلومتر أمامنا فإن القيادة السعودية لا تنظر لأكثر من كيلومترين فقط”.

كانت الإمارات قدمت نفسها في انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013 في مصر، كزعيمةً لمحور الثورات المضادة في العالم العربي لسحق ثورات الربيع العربي.

وهو دور كانت الإمارات تمهد له قبل ذلك بسنوات من خلف الكواليس، مع الحرص في الوقت نفسه على إظهار نفسها في مقام الدولة المحايدة التي لا تتدخل في شؤون المنطقة، وأن وظيفتها خدماتية اقتصادية بالدرجة الأولى.

إلا أن الذي كشف بعد ذلك معاكس تماماً لما كانت الإمارات تحاول ترويجه، إذ كشرت عن أنياب عدائية توسعية، سياسياً وميدانياً، في عديد من دول الأزمات في المنطقة، محاولة تصدير السعودية قائدةً لما سمّي “التحالف العربي”، والذي تجاوز دوره في الحرب على اليمن إلى ما هو أبعد بكثير.

خلال المرحلة اللاحقة لأزمة الخليج، والذي قادته الإمارات ضمن المحور الرباعي، برز أن نفوذ أبوظبي السياسي يتجاوز بكثير ذلك المفترض أن يكون للسعودية، باعتبارها الدولة الكبرى في المحور، إذ لم تكتف أبوظبي بالمشاركة في حرب اليمن، بل زرعت أذرعاً عسكرية لها في اليمن، وهو ما لم تقم به السعودية.

كان واضحا أن الإمارات تحاول السير على الخط الإيراني في تأسيس فصائل محلية تدين لها بالولاء، تماما كحال الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان. وهي وجدت ضالتها في الانفصاليين الجنوبيين الذين لا يدينون بالولاء للسلطة الشرعية في اليمن.

والأمر نفسه ظهر في ليبيا، فالدعم الإماراتي لمليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر فاق بكثير ذلك الذي تقدّمه السعودية، ومعلومات كثيرة أشارت إلى دور مباشر لطيران إماراتي في شن غارات على طرابلس خلال حملة حفتر الأخيرة عليها.

وبعد الثورة السودانية، انتقلت الإمارات في محاولة التأثير السياسي إلى الخرطوم، عبر دعم المجلس العسكري بوجه المعارضين المدنيين، ومدّت المجلس بالسند السياسي الإقليمي والدولي لإبقائه، والوقوف في وجه تمدّد الاحتجاجات الشعبية في دول أخرى في المنطقة.

غير أن الأمور اليوم تبدو مختلفة بالنسبة للإمارات، ليس لجهة وقف دعم الثورات المضادة، بل في ما يتعلق بالاصطفاف في المحور الذي كان يروج خلال السنوات الماضية، لأن إيران هي الشر المطلق في المنطقة، وهو محور أدت فيه أبوظبي دوراً قيادياً حتى وقت غير بعيد، عندما اندلعت أزمة الملاحة في مضيق هرمز، واتضح أن كل الرهانات التي كانت موضوعة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لمواجهة إيران سقطت في الامتحان الأول، والذي سجلت طهران فيه نقاطاً بالجملة ضد الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الخليجية المتحالفة في هذا المحور.

لم تنتظر أبوظبي طويلاً للقفز من المركب الغارق، أو المتعطل في وسط الأمواج المتلاطمة، فسارعت إلى نقل البندقية عبر وفد أمني زار طهران على عجل، وعقد معها اتفاقاتٍ حدوديةً واقتصاديةً مصرفية.

كان التبرير الإماراتي للزيارة أنها خاصة بـ”تنظيم الصيد” في الخليج، وأن الاجتماع هو جزء من اللقاءات الدورية التي يعقدها المسؤولون الإماراتيون مع نظرائهم الإيرانيين، على الرغم من أننا لم نسمع أو نقرأ عن هذه الاجتماعات خلال السنوات الست الماضية على الأقل.

وعلى الرغم من أن الإيرانيين سارعوا إلى تكذيب المسؤولين الإماراتيين، وكشفوا عن الاتفاقات التي تمت خلالها، ولكن يمكن التصديق أن “الصيد” هو أساس الزيارة الإماراتية، لكن بالتأكيد ليس نفسه ذلك الخاص بالأسماك، بل المتعلق بالمصالح السياسية والاقتصادية للإمارات تحديداً، والتي تضعها فوق كل اعتبار، وهي مستعدّة لتبديل الولاءات من أجلها، فالرياح التي كانت تنشدها سفن الإمارات من المواجهة مع إيران لم تأت كما تشتهي، وكان لا بد من التفافةٍ تتماشى مع توجهات الرياح الجديدة، فكان اللقاء في طهران وكان الانسحاب من اليمن، ومن غير المعلوم بعد ما قد يحمله موسم “الصيد” الإماراتي.

لكن ما هو معلوم وواضح أن الإمارات غدرت بحلفائها السعوديين وأدارت لهم ظهرها مفضلة التراجع خطوة للوراء في العلاقة مع إيران وإدارة حرب بالوكالة في اليمن خدمة لمصالحها ودون أي اعتبار لمصالح الرياض.