موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

عدوان الإمارات والسعودية والدفع بتقسيم اليمن

89

تصاعدت حدّة الخلافات بين الفرقاء في مدينة عدن اليمنية، بما ينذر بإعادة إنتاج السياقات السياسية والعسكرية التي أفضت إلى أحداث يناير/كانون الثاني الماضي الدامية.

فعلى نحو مفاجئ، صعّدت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي أخيرا من خطابها التحريضي ضد الشرعية اليمنية، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، بما في ذلك تجديد مطالبها القديمة بإسقاط الحكومة اليمنية، وهو ما أعاد الأوضاع السياسية في مدينة عدن إلى فوهة يناير الماضي، بكل تداعياتها المأساوية.

وتمظهر ذلك بعقد المجلس الانتقالي للجمعية الوطنية الجنوبية، “البرلمان الجنوبي”، خطوة أولى في طريق تخليق مؤسسات استقلالية في جنوب اليمن، وكذلك تكثيف انتشار القوات الأمنية الموالية للمجلس الانتقالي في عدن، وكذا تحريك الأحزمة الأمنية الموالية لها في مناطق الجنوب الأخرى.

بقدر ما أكدت خطوات المجلس الجنوبي التصعيدية بأنها ستمضي بإصرار إلى النهاية، حتى إزاحة الرئيس هادي من مدينة عدن ومناطق الجنوب، وبغطاء سياسي من الإمارات، وتواطؤ العربية السعودية، فإنها كشفت أن موافقة الدول المتدخلة في اليمن بعودة الرئيس هادي إلى مدينة عدن كانت بهدف وحيد، هو التحضير لطي صفحته بيد حلفائها المحليين، وأن ذلك مسألة وقت لا أكثر.

وبصفته رئيسا منزوع الصلاحيات، لا يبدو أن لدى هادي كثيرا من الوقت والأدوات لوقف تصعيد المجلس الانتقالي، خصوصا مع استمرار الضغوط السعودية، بعودته إلى منفاه الإجباري في الرياض.

وعلى الرغم من أن المصير السياسي لهادي كان نتيجة طبيعية لأدائه وأداء حكومته، بما في ذلك طريقة إدارة تحالفاته المحلية والإقليمية، فإنه فوّت على نفسه فرصة تحسين شروط المعادلة السياسية في مناطق الجنوب لصالحه، وذلك بالبدء بتطبيع الأوضاع في المدينة، وتحسين مستوى الخدمات، وكذلك إعادة ضبط تحالفاته المحلية والإقليمية، بحيث تكون خاضعةً لشروطه، فضلاً عن إزالة الاختلالات العميقة في الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية، تمهيداً لتوحيدها تحت إدارته.

إلا أن الرئيس هادي اعتقد أن تكريس سلطته في عدن ومناطق الجنوب ينطلق من إعاقة حضور المجلس الانتقالي وشيطنته، لا تصحيح أخطاء إدارته الفاشلة وفساد حكومته، فضلاً عن سوء تقديره في قراءة الموقف الإماراتي من سلطته.

إذ اقتنع بأن عودته إلى عدن كانت نتيجة تنسيق سعودي – إماراتي، وبالتالي سيؤدي إلى كبح تجاوزات المجلس الانتقالي الجنوبي حياله، وهو ما جعل هادي يخطئ في تقديره أن الإمارات قد تضحّي بحليف محلي دائم ومخلص، كالمجلس الانتقالي الجنوبي، لأجل حليف مؤقت مُختلف عليه.

تسريع المجلس الانتقالي من خطواته التصعيدية ضد الشرعية اليمنية، واتخاذه إجراءات تنفيذية على الأرض، يتّسق مع الظروف السياسية والعسكرية المحلية والإقليمية التي تمضي لصالح خياره السياسي بالاستقلال.

فمن جهةٍ كرست الحروب الأهلية والمؤقلمة في المنطقة والإقليم، وكذلك مواقف الدول الكبرى منحى تفتيتياً في جميع البلدان التي تشهد حروباً ونزاعاتٍ كاليمن، وهو ما يعني أن شرذمة اليمن وتقسيمه لن يكون بعيداً عن المسارات التي تتجه إليها بلدان المنطقة.

ومن جهة أخرى، أدت استطالة أمد الحرب في اليمن، وفشل أطرافها في حسم الحرب عسكرياً، أو حلها عبر المسار السياسي، إلى قبول المجتمع الدولي أي نتائج مترتبة على الحرب في اليمن، مهما كانت كارثية، إضافة إلى عجز الشرعية اليمنية عن تثبيت نموذج ناجح في المناطق المحرّرة، ما يعني أن أي بديل سيئ في اليمن لن يكون أسوأ من الاقتتال إلى ما لا نهاية، الأمر الذي منح المجلس الانتقالي الجنوبي دافعاً لاستكمال مشروعه الاستقلالي وفرضه أمرا واقعا.

أفضت المنعطفات التي دخلت فيها الحرب في اليمن إلى متغيراتٍ في الساحة اليمنية، ومنها ظهور حلفاء محليين جدد للمجلس الانتقالي الجنوبي، من خارج تموضعاته السياسية، لكنهم يتقاطعون معه في الوسائل والغايات، إذ كانت أهم النتائج المترتبة على مقتل علي عبدالله صالح على يد حليفه السابق، جماعة الحوثي، هو تغير طبيعة التحالفات السياسية والعسكرية في اليمن، وخلخلتها التوازنات التي حكمت المعادلة السياسية اليمنية والجنوبية طوال الحرب، الأمر الذي صب في مصلحة المجلس الانتقالي الجنوبي، فقد أدى انفراط حزب المؤتمر الشعبي، حزب صالح، إلى إعادة تموضعه السياسي.

فقد تحول هذا الحزب إلى حليف سياسي مرحلي للمجلس الجنوبي، وذلك لاتفاقهما على رفض سلطة الرئيس هادي، وعدم الاعتراف بها، وكذلك سعيهما إلى تقويض سلطته، وذلك بغرض إعادة صياغة شكل السلطة السياسية في اليمن مستقبلاً، وكذلك اتكائهما على الدعم الإماراتي غير المشروط، كما استفاد المجلس الانتقالي الجنوبي من “مؤتمر” صالح، وذلك بكسب مؤيدين لمشروعه السياسي في المناطق الجنوبية من أعضاء هذا “المؤتمر”، أو بتعزيز قوام المجلس الانتقالي التنظيمي والسياسي باستيعاب الكوادر المؤتمرية الجنوبية التي هربت من صنعاء، وتعادي جماعة الحوثي والرئيس هادي معاً.

وبالتالي تتضافر الأدوات السياسية والعسكرية والإعلامية للمجلس الانتقالي و”مؤتمر صالح” في حصر الرئيس هادي في كماشةٍ لا يمكن أن ينجو منها في المستقبل القريب.

لم تكن الإمارات بعيدةً عن إنضاج تطورات المشهد الجنوبي بما يخدم حليفها المحلي، ففي حين التزمت ظاهرياً بالتهدئة حيال الشرعية اليمنية، خصوصا بعد أحداث جزيرة سقطرى، بهدف تأجيل صراعها مع الشرعية إلى ما بعد معركة الحديدة، فإنها سعت، وبكل الوسائل، إلى تكريس المجلس الانتقالي الجنوبي سلطة مطلقة في جنوب اليمن، فقد شهدت عاصمة الإمارات أبوظبي، طوال الأشهر السابقة، لقاءاتٍ تشاوريةً بين قيادات جنوبية من مختلف الاتجاهات السياسية، برعاية وتنسيق إماراتيين مباشرين، وذلك بغرض فرض المجلس الجنوبي طرفا رئيسا في المفاوضات السياسية المقبلة، بكسب دعم القيادات الجنوبية المجلس الانتقالي، أو على الأقل تحييدهم في المستقبل.

ومن ثم لم يكن سماح الإمارات بعودة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إلى مدينة عدن سوى إعلان براءة أمام المجتمع الدولي، بأنها طرف غير معرقل لسلطته (هادي)، في مقابل دفعها حليفها المحلي لمواجهته، ومن يكسب على الأرض يكون طرفا معترفاً به.

ما يحدث في جنوب اليمن لا يبقى أبداً في الجنوب، كما يعتقد أبطال اليوم ورعاتهم الإقليميون، فرياح الجنوب العاصفة التي تهب الآن مهدّدة بدمار آخر، مضافاً إلى دمار الحرب، لن تقتلع فقط رئيسا ضعيفا وأعزل مثل هادي، لكنها ستقتلع في طريقها يمناً كان واحداً، وإن لم يعد سعيداً.