موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: انتهاكات الإمارات تفضح ما تصدره من شعارات عن واقعها

102

يعمل النظام الإماراتي منذ سنوات على حرف وتحويل أي حديث يتناول الإمارات كبلد ودولة، إلى حديث ساذج، يتشعب ويتفرع بحيث لا يلتفت سوى إلى الاقتصاد والعمران والثقافة، ليتحول إلى حديث سطحي يفتقر إلى العمق ويندرج ضمن إطار الإشادة بما يُسمّى الإنجازات الكبيرة للدولة الصغيرة.

من جهة، يُمكن إعادة أو تفسير الأمر برغبة وشغف أمراء هذه الدولة بالتباهي بما أنجزوه على صعيد العوامل المذكورة أعلاه.

ولكن، من جهة ثانية، وفي الوقت نفسه، يُمكن تفسير الأمر بسعي هؤلاء الأمراء المستمر والدؤوب لصرف النظر عن كلّ ما يتعلّق بالواقع والتاريخ السياسيّ للبلاد، ناهيك عن شكل ومضمون السياسات الخارجية المُتّبعة في أروقة صنع القرار السياسي الإماراتي، والمحصورة غالبًا أو دائمًا في أبوظبي. وهو ما بدا في السنوات الثمانية الأخيرة التفسير الأدق والأكثر قربًا واتّصالًا بالواقع.

ليس من باب الصدفة إطلاقًا أنّ الحديث عن الإمارات في السنوات السابقة، إن كان ذلك الذي يجري بين المواطنين العرب في الدول المتواضعة، أو ذلك الذي كان يحدث إعلاميًا؛ كان لا يتجاوز حدود الحديث عن الإمارات كنموذجٍ استثنائي في المنطقة العربية على أكثر من صعيد. نموذج لدولة تسعى بشكل مستمرّ لأن تكون مركز امتياز ثقافي وتجاري يحمل صفة العالمية، وهذه هي الصورة التي كانت تصدّر من الإمارات إلى الخارج على مدى سنوات مضت، دون أن يكون الأمر وليد الصدفة كما ذكرنا أعلاه، أو أنّه آت من فراغ، أو يحدث بصورةٍ عفوية.

هذه الصورة، تطويرها وترويجها، وُجدت أو استُحدثت لهدفٍ أو مجموعة أهداف عدّة، تتكشّف يومًا تلو آخر. فما كان يُسقط من هذه الصورة ويُقتطع، هو ما كان السبب الرئيسي في وجودها أساسًا، أي المشهد السياسيّ الضبابيّ في الإمارات، وغياب المسائل المتعلّقة بالحقوق والحريّات، لا سيما حق المواطن في التعبير عن رأيه، والسياسي منه على وجه التحديد.

بالتالي، يكون المأمول هنا من تصدير وترويج صورة الإمارات كمركز ثقافي عالمي هو إبعاد تلك المسائل السابقة عن الواجهة قدر المستطاع، مُستندةً في ذلك إلى ترسانة ضخمة من الهيئات الثقافية والفنّية والمتاحف ومراكز الأبحاث والمهرجانات السينمائية، ناهيك عن عددٍ كبير من المهرجانات والجوائز الأدبية التي يموّلها النظام الإماراتيّ بسخاء كبير بهدف خلق وحشد رأي عربي عام يسانده في إكمال ترويج تلك الصورة المشتهاة. الأمر الذي تبيّن أنه بدأ يفشل فيه في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد اندلاع ثورات الربيع العربيّ.

الحديث هنا يكون عن مشاريع ثقافية كبيرة استحدثتها الإمارات، وتشرف على تمويلها وتطويرها بصورةٍ مستمرّة، وتسعى لأن تتجاوز بعضها الإطار العربي إلى ما هو أبعد من ذلك، وأكثر فائدة. مشاريع كالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” التي تسعى لأن تفرض نفسها باعتبارها النسخة العربية من جائزة البوكر الأم، وهو أمر غير صحيح. وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة الشارقة للإبداع العربيّ، بالإضافة إلى مشروع “كلمة” للترجمة، ومهرجان طيران الإمارات للآداب.

لكننا أيضًا في الوقت ذاته نتحدّث عن تاريخٍ طويل من القمع السياسيّ والأمنيّ، والتخلّص السريع من كلّ الأصوات التي تُطالب بإصلاحاتٍ سياسية، وتفعيل المشهد السياسيّ المعطّل، والعمل على صياغة دستورٍ جديد للبلاد، ذلك أنّ لا دستور واضحًا وفعّالًا في إمارات أبناء زايد.

ومن المفيد التذكير هنا بأنّ القمع في الإمارات بدأ مع وصول محمد بن زايد إلى قيادة أركان الجيش، حيث بدأ آنذاك حملةً لضرب وحلّ وحظر وملاحقة أفراد “جمعية الإصلاح” المحسوبة على فكر الإخوان المسلمين، واعتقال عدد كبير من كوادرها وقياداتها، لا سيما بعد الربيع العربي، إذ اشتدت حملة ابن زايد ضدّ أفراد الجمعية، وكلّ من طالب بإصلاحات تجاري الثورات العربية وما تُطالب به.

أضف إلى ذلك أننا نتحدّث عن دور الإمارات في حرب اليمن، والسجون التي شيدتها هناك، وعمليات الاغتيال التي تنفّذها ضدّ قيادات التجمع اليمني للإصلاح، ودعمها للانفصاليين في جنوب اليمن، والثورات المضادة في ليبيا ومصر وتونس، والجري مؤخّرًا للتطبيع مع نظام الأسد بغضّ النظر عن جرائمه بحق السوريين، بالإضافة إلى التطبيع مع العدو الإسرائيليّ.

يضاف إلى ذلك دور الإمارات في الأزمة الخليجية وحصار دولة قطر، واعتقال كلّ من يُعارض سياساتها تجاه هذه الدولة، أو سياساتها بشكلٍ عام، وإن كان ذلك عبر مقالة أو مجرّد بوست في مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا من المفيد ذكر كلّ من الناشط أحمد منصور، والصحفيّ الأردنيّ تيسير النجار، وآخرون.

كلّ تلك الأمور وغيرها الكثير تحيلنا إلى دولة دموية وقمعية يعتلي رأس السلطة فيها مجموعةٍ من المجرمين الذين يحاولون ستر كلّ ما يفعلون من انتهاكاتٍ وتجاوزاتٍ إنسانية داخل الإمارات وخارجها أيضًا عبر النشاطات الثقافية والفنّية، وهو الأسلوب الذي اتّخذه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أيضًا للتغطية عن القمع الذي يمارسه داخل المملكة، بنصيحة مباشرة دون شك ممن هندس صعوده إلى ما هو عليه الآن، أي محمد بن زايد.

كان ذلك فعّالًا فيما مضى. أما الآن، فلا تجدي نشاطات ومهرجانات دولة عيال زايد الثقافية نفعًا، ولا تؤدّي الغرض المطلوب منها، بعد أن بات الدور الذي تؤدّيه واضحًا للعلن، وهو ما يُفسّر الحملات التي انطلقت مؤخّرًا تدعو إلى مقاطعة الإمارات ثقافيًا على خلفية جرائمها وانتهاكاتها الإنسانية والحقوقية داخليًا خارجيًا.

ويتم ذلك فيما تحتجز فيه السلطات الإماراتية المئات من مواطنيها والمقيمين فيها ممن انتقدوا سياساتها بعبارات بسيطة كانت كافيةً للزجّ بهم داخل السجون التي باتت ذات سمعة سيئة نظرًا إلى الوحشية والإذلال اللذين يُمارسان في أقبيتها. عدا عن تلك التي استحدثت في اليمن، وتُدار بأيادٍ إماراتية دون شك، ولا يقلّ مقدار الوحشية فيها عن تلك التي تمارس في السجون المذكورة سابقًا.

بالإضافة إلى سعي الأمراء الدؤوب للتجسس على المواطنين والمقيمين بأجهزة ومعدّات إسرائيلية الصنع، وهنا لا بدّ في هذا السياق أيضًا ذكر السعي وراء التطبيع مع العدو الإسرائيليّ، بالإضافة إلى تطبيعٍ آخر مع نظام الأسد المجرم، والذي أعاد أبناء زايد افتتاح السفارة الإماراتية عنده مؤخّرًا. دون أن ننسى المواقف السلبية من القضية الفلسطينية، مقابل مواقف إيجابية ومشجّعة لصفقة القرن وإعلان القدس عاصمة لكيان الاحتلال.

أمور ومواقف تجعل من الإمارات وحكّامها رأس الشر في المنطقة العربية، في الوقت الذي تصرّ فيه الأخيرة على التصرف بشكلٍ طبيعيّ، والعمل على تطوير العوامل التي تروّج وتصدّر الصورة المشتهاة إلى الغرب.

ولكنّ الغرب نفسه هو من وجّه الضربة هذه المرّة إلى الإمارات، ذلك أنّ حملة مقاطعة مهرجان الإمارات للآداب انطلقت بمبادرة عددٍ من الكتّاب والباحثين والأكاديميين الغربيين، بعد أن قامت صحيفة “الغارديان” البريطانية بنشر رسالة موقّعة من كتّاب وفنّانين عالميين تُطالب بإطلاق سراح الناشط الإماراتي أحمد منصور الذي اعتقل بعد قيامه بما يعدّ حقّه الطبيعيّ، أي التعبير عن رأيه.

ومن بين هذه الأسماء الموقّعة، كان المفكّر الأمريكيّ نعوم تشومسكي حاضرًا، بالإضافة إلى الممثل البريطاني الشهير ستيفن فراي. وتبع هذه الرسالة مقاطعة الرئيسة الإيرلندية السابقة ماري روبنسون للمهرجان، والإعلامي فرانك غاردنر، والمؤرّخ أنتوني بييور، والروائية سابينا دورانت.

على الصعيد العربيّ، لم تقاطع أي شخصية أدبية المهرجان حتّى هذه اللحظة، الأمر الذي يساعد السلطات الإماراتية في عملية تبييض انتهاكاتها المستمرّة لحقوق وحريّات الإنسان، وذلك على الرغم من أن السجل الإجرامي الأسود لهذا النظام بات واضحًا ومكشوفًا وظاهرًا للعلن، دون تدخّل من أحد.

مشاركة الكتّاب العرب وغير العرب في المهرجان هو تأييد واضح وصريح لكلّ ما يصدر عن دولة أبناء زايد، إن كان ذلك الوقوف في صف الثورات المضادّة ودعمها، أو الانتهاكات الحقوقية، وجرائمها التي ترتكبها في حق اليمنيين وغيرها من الأمور الأخرى، ما يعني أنها تتعدّى حدود تجميل وتبيض صورة هذه الدولة، لتكون موافقةً صريحة على كل نشاطاتها وسياساتها.

أخيرًا، من الجيد الإشارة في هذا السياق إلى معرض الكتاب الذي عقد في العاصمة السورية دمشق صيف السنة الفائتة، والذي جاء برعاية وتوجيه من دكتاتور العصر مباشرةً.

نشير إلى المعرض هنا بفعل الشبه الحاصل بينه وبين مهرجان طيران الإمارات للآداب، فبينما افتتح معرض الأسد تحت شعار “مجتمع يقرأ، مجتمع يبني” كان الأسد مستمرًّا في قصف المدن السورية وتهجير سكّانها وتغيير الخريطة الديموغرافية للبلاد، ما دفع الناس للتساؤل: كيف لمن ألحق كلّ هذا الدمار أن يبني مجتمعًا قارئًا؟ وبينما يتجهّز نظام عيال زايد لعقد مهرجان الآداب هذا تحت شعارات متعدّدة تتطرّق جلّها إلى مواضيع حقوق الإنسان وحقوق التعبير، تستمرّ أجهزة أمن أولاد زايد في اعتقال من يتجرأ ويعبّر عن رأيه، وينتقد سياسات القيادة الحكيمة للبلاد، داخليةً كانت أو خارجية.

بالتالي، يحمل النظام الإماراتيّ، كما السوريّ، رسالة ثقافية دموية لا علاقة لها بالثقافة من قريب أو بعيد، ولها أجندات وسياسات واضحة تسعى إلى تنفيذها على أكمل وجه في قالب ثقافي مُحبّب.