موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

برنامج الإمارات للتسامح.. ترويج إعلامي لإخفاء انتهاكات حقوق الإنسان

121

في يونيو/حزيران 2016 أعلنت الحكومة في الإمارات عن تأسيس “البرنامج الوطني للتسامح”، وعاد الحديث عن البرنامج مطلع العام الجاري باعتباره “عام التسامح”، لكن هذا البرنامج ظهر مجرد ترويج إعلامي لإخفاء انتهاكات الدولة المروعة لحقوق الإنسان.

حسب الإعلان الأول عن هذا البرنامج فإن له سبعة أركان: الإسلام، والدستور الإماراتي، إرث زايد والأخلاق الإماراتية، والمواثيق الدولية، والآثار والتاريخ، والفطرة الإنسانية، والقيم المشتركة.

وسيعمل ضمن خمسة محاور: تعزيز دور الحكومة كحاضنة للتسامح، وترسيخ دور الأسرة المترابطة في بناء المجتمع، وتعزيز التسامح لدى الشباب ووقايتهم من التعصب والتطرف، وإثراء المحتوى العلمي والثقافي، والمساهمة في الجهود الدولية لتعزيز التسامح وإبراز الدور الرائد للدولة في هذا المجال.

من حيث الإعلان فالبرنامج سينهي الإشكاليات التي تعاني منها الدولة والمجتمع، وسيوقف حالة فرز المجتمع على أساس الهوية والولاء لجهاز الأمن وجذر المواطنين واستخدامها للهيمنة على قرار البلاد.

وبعد 29 شهراً من البرنامج الذي يفترض أنه شكل لجان ميدانية للنزول والتوعية والمتابعة، لم يوقف حالة المراقبة في المساجد ومنع الدعاة من تقديم النصح للمجتمع، وحظر تجمع المصلين في المسجد بعد الصلاة.

ولم ينبه إلى القوانين التي تنتهك مواد الدستور الإماراتي. كما أن حالة الانتقام من إرث الآباء المؤسسين للدولة مستمر بقمع المجتمع واتخاذ سياسة خارج التسامح في الداخل والخارج. وحالة القمع والترهيب وعدم الاهتمام تزيد سخط شباب الدولة ما تدفعهم للبحث عن ملاذ آمن من جهاز أمن الدولة. أما الإثراء العلمي والثقافي فلا أنشطة تُذكر لهذا البرنامج. حتى تحسين “سمعة” جهاز الأمن الدولية فشل فيه البرنامج.

يبدو أن هذا البرنامج لم يعمل ولم تظهر فعالياته. وظهر عقبه المعهد الدولي للتسامح وتم إنشاء مؤتمرات وفعاليات دون حضور ممثلين عنه. فأصبح حبراً على ورق حتى حان الوقت لبعثه مجدداً بما يتناسب وحاجة جهاز أمن الدولة في “عام التسامح”.

بين الخطاب والعمل

في الموقع الرسمي للحكومة “البوابة الرسمية لحكومة الإمارات” تم نشر “البرنامج الوطني للتسامح” ضمن استراتيجيات وخطط الحكومة الرسمية تضمن نبذه عن البرنامج وتم إرفاق ملف لقراءة المزيد عن البرنامج بـ”اللغة الإنجليزية”. الملف بعنوان “تعايش، تسامح، سلام”.

ويستند الملف إلى أن الإمارات تستند إلى مبادئ التسامح التي أعلنت عنها اليونيسكو في تعريفها للتسامح وقدم الملف الذي نشرته الحكومة عن مبادئ البرنامج للتسامح التالي:

التسامح هو احترام وإقرار وتقرير التنوع الثري لثقافات عالمنا, ولأشكال تعبيرنا وأساليب ممارستنا لإنسانيتنا.

التسامح هو الوئام في سياق في الاختلاف, وليس واجبًا أخلاقيًا فحسب, وإنما هو مطلب سياسي وقانوني في الوقت نفسه.

التسامح، هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب.

التسامح لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل بل التسامح هو قبل كل شئ اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا.

لا يجوز بأي حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بالقيم الأساسية. والتسامح ممارسة ينبغي أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول.

على الرغم من أن هذا التقرير قام باجتزاء النصوص من مبادئ التسامح المُعلنة مثل أن التسامح “يتعزز بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد”. إلا أنه أيضاً يكشف الفجوة بين الخطاب المطروح للأخرين وما يتلقاه الإماراتيون من استهداف لحرياتهم وحقوقهم الأساسية وفي مقدمتها الحقوق المدنية والسياسية.

منذ 2011 شنَّ جهاز أمن الدولة حملة شعواء ضد المعبرين عن آرائهم واُعتقل العشرات على مراحل ودفعات، حتى تم إخفاء أي صوت يحاول الانتقاد وتصحيح الأخطاء التي تدفع مستقبل الدولة إلى جحيم.

لكن الدولة بدلاً من ذلك تنتهك ما تحاول الترويج له باستخدام التسامح لتبرير مواجهة حرية الرأي والتعبير وسخط المواطنين. فالتسامح كما تقول رئيسة المجلس الوطني الاتحادي لتلفزيون يورونيوز مع المواطنين والمقيمين وبين الثقافات ولا تشمل “المخربين” في إشارة للمعتقلين السياسيين.

تتجنب دعوات “التسامح” أبناء الوطن الموجودين في السجون العامة والخاصة، لتبقى فقط حبيسه مبادرات لتحسين السمعة الدولية وتقديم الدولة لنفسها كحاملة لشعله التسامح لمحو حمل جهاز الأمن لشعلة القمع والانتهاكات بحق الإماراتيين والمقيمين.

قضية منصور

تضع قضية أحمد منصور المعتقل في سجون جهاز أمن الدولة، الإمارات في حرّج أمام دول العالم الأخرى، فالدولة عضو في مجلس حقوق الإنسان يفترض أن تقوم بتعزيز أعلى معايير احترام حقوق مواطنيها، لكنها تستخدم هذه العضوية في محاولات غسيل سمعتها الدولية جراء الانتهاكات والقمع المستمر لحرية الرأي والتعبير.

تعتمد الدولة بصفتها واجهة سياحية مع تراجع هذا القطاع على المهرجانات الدولية للترويج لسمعتها كقِبلة الاقتصاد والأدب والفن، لكن تلك المهرجانات والمؤتمرات اليوم أصبحت نقطة ضوء لبيّان وضع الإماراتيين السيء في حقوقهم كمواطنين في معاناة الانتهاكات المستمرة والسجون السرية وجرائم التعذيب.

تُثير قضية منصور علامات الاستفهام المحلية حول تعامل الدولة مع المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي والمنظمات الدولية الأخرى، التي تصف سجنه بانتهاك “شنيع لحقوق الإنسان”.

هذه المؤسسات الدولية ليست مجرد شعارات بل تحظى بمصداقية عالمية وهي بالتأكيد ستؤثر على مشاريع الدولة الاقتصادية والسياسية إذ تمثل القوانين سيئة السمعة مخاطرة كبيرة لوجود الكفاءات والشركات. فبلحظة خلافات تجارية يمكن أن تتحول المؤسسة التجارية إلى واجهة “داعمة للإرهاب” وفق القانون الذي يحمل مواداً فضفاضة. ونزاع تجاري يصف فيه مدير آخر بـ”السخيف” قد تضعه في محاكمة بتهمة “التشهير”!

الكُتّاب والأدباء والمفكرون والباحثون والأكاديميون والكفاءات سيفكرون مراراً في زيارة الدولة وحضور مهرجان، فكلماتهم التي تعدو للحرية أو تحث من أجل حرية المعلومة ستصبح “ملعونة” تضعهم في السجن لسنوات. وإلى جانب قضية “منصور” يمكن لقضية الأديب العراقي علي سالم الذي اُعتقل بعد دعوة رسمية بسبب كتاباته واعتقال “ماثيو هيدجز” طالب الدكتوراة البريطاني واتهامه بـ”الجاسوسية”، أن توضح مدى التدهور الحقوقي يتصدر واجهته جهاز الأمن.

يفترض أن تمثل التقارير الدولية، ورفض حضور فعاليات في الدولة خارج دائرة الحقوق والحريات مثل “مهرجان طيران الإمارات للآداب”، يقظة للمسؤولين حول مستقبل الدولة وتشويهها بفعل جهاز أمن الدولة، ف”أحمد منصور” هو واحد من عشرات المعتقلين الأخرين مثل “ناصر بن غيث” الأكاديمي الذي يستمر في الإضراب عن الطعام منذ أكثر من شهرين، والدكتور “محمد الركن” الخبير القانوني والدستوري و”الدكتور محمد المنصوري” المستشار السابق لحاكم رأس الخيمة، والدكتور الشيخ سلطان بن كايد القاسمي رئيس جمعية الإصلاح، وكثير من الأكاديميين والمفكرين الذين مثلوا الإمارات عقود طويلة مطالبين بالإصلاحات ومجلس وطني كامل الصلاحيات ، لكن عدهم جهاز الأمن أعداء مكملا هيمنته على كل مفاصل البلاد.