موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحليل/ الإمارات المستفيد الأكبر من استمرار تقويض مساعي السلام في اليمن

75

تتواصل تداعيات فشل مؤتمر جنيف 3 بين الحكومة الشرعية اليمنية والحوثيين، ما زاد من تعقيد الأزمة اليمنية، خصوصاً بعد استئناف معركة الحديدة، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين، وتحميل كل منهما الآخر فشل المشاورات.

لكن في الوقت نفسه برزت العديد من التساؤلات حول من هو المستفيد الأكبر من فشل هذه المشاورات، ولماذا يتردد اسم الإمارات كثيراً في ذلك؟ وما دور أبوظبي وحلفائها في فشل جنيف 3 خصوصاً في ظل مؤشرات على تورط أطراف في التحالف السعودي-الإماراتي إلى جانب الحوثيين في إفشال المشاورات قبل أن تبدأ؟

تشير مصادر إلى أن هناك طرفين أرادا لمشاورات جنيف أن تفشل، هما مليشيات الحوثيين، والإمارات وحلفاؤها.

ووفقاً لتلك المصادر، ففي ما يخص الحوثيين لم تكن لديهم رغبة من الأساس في المشاركة بهذه المفاوضات لأنهم يراهنون على عامل الوقت وتغير مسار الصراع والمواقف الدولية في تصدّع جبهة الشرعية-التحالف، على خلفية الصراعات والمشاكل بين أطراف هذه الجبهة.

ويعتقد الحوثيون أن هذا الأمر سيساعد في تخفيف الضغط عنهم لترتيب أوضاعهم، والحفاظ على تماسك جبهتهم الداخلية، وخصوصاً أن تحويل تسليط الضوء على الشرعية والتحالف إعلامياً وإنسانياً وسياسياً، بسبب هشاشة العلاقة بين الطرفين، ساعد الحوثيين في الحصول على مساحة واسعة للحركة مع حلفائهم وحلفاء إيران بما في ذلك في مناطق تواجد الشرعية.

في موازاة ذلك، كان يمكن رصد مجموعة من المؤشرات التي تفيد بوجود دور أو على الأقل مصلحة لأبوظبي وحلفائها، في السعي لإفشال مشاورات جنيف. فقد ترافق التحضير لعملية جنيف مع حملة في وسائل الإعلام الإماراتية، وتلك التابعة لحلفائها أيضاً، ضد المبعوث الأممي مارتن غريفيث والمشاورات.

وتُعدّ الإمارات وحلفاؤها أكبر المستفيدين من فشل جنيف 3، نظراً لتعارض مصالحهم مع طرفي المشاورات، فضلاً عن غياب أي تمثيل لهم في المشاورات، بعد رفض الأمم المتحدة مساعي أبوظبي لإشراك حليفها “المجلس الانتقالي الجنوبي” في جنيف كطرف ثالث “ممثل للجنوب”، ما جعلها في موضع اتهام بالسعي لإفشال المشاورات.

ووفقاً لمصادر عدة فضلاً عن رصد تغطيات وسائل الإعلام الإماراتية وتصريحات مسؤولين وتغطيات الإعلام الموالي لحلفائها وتصريحات قادة “المجلس الانتقالي” وأعضائه ونشطائه، قبيل وأثناء وحتى بعد فشل جنيف 3، يتبيّن أنهم نفذوا حملات إعلامية تراوحت بين التسويقية لـ”الانتقالي” وأفعاله، والتحريضية ضد المشاورات والحكومة الشرعية.

وبدأت القضية عقب ضغط الإمارات على المبعوث الأممي للقاء قادة “المجلس الانتقالي”، وتم ذلك في الأردن قبل فترة، في محاولة لإقناع غريفيث بإشراك “الانتقالي” في جنيف.

بعد اللقاء حاول الإعلام الإماراتي واليمني المموّل من قبل أبوظبي، بالإضافة إلى قادة في المجلس، الترويج بين مناصريهم والجنوبيين، أن “الانتقالي” سيكون طرفاً ثالثاً في المشاورات كممثل لـ”القضية الجنوبية”.

لكن مكتب المبعوث الأممي تدارك الأمر، وأصدر بياناً أكد فيه أن مشاورات جنيف ستكون بين طرفين فقط، هما الشرعية والحوثيين، ولن يكون هناك طرف ثالث، ما شكّل نكسة للتسويق الإعلامي الإماراتي ولـ”المجلس الانتقالي”.

ووفقاً لمعارضين لسياسات الإمارات وبعض المتابعين للشأن الجنوبي، فإن التسويق لمشاركة “المجلس الانتقالي” كان محاولة لكسب الشارع وإقناعه بالمشاركة في حملة احتجاجات لإسقاط الحكومة في المحافظات الجنوبية، في محاولة لتكرار انقلاب 28 يناير/كانون الثاني الماضي الفاشل، مستغلين حالة السخط من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية فضلاً عن أزمات أخرى شاركوا هم في صناعتها.

ولهذا السبب استغل “المجلس الانتقالي الجنوبي” رفض المبعوث الأممي مشاركة المجلس في جنيف، للقول إن الشرعية هي من تقف ضد مطالب الجنوبيين، كعذر جديد لاستمرار تأليب الشارع للمشاركة في الحراك ضد الحكومة.

في موازاة ذلك، كان يمكن رصد بدء القنوات الإماراتية بتكثيف التغطيات حول الاحتجاجات المحتملة ضد الشرعية ومشاورات جنيف 3، وتم استضافة قيادات إماراتية، إضافة إلى قيادات “الانتقالي”، وأطل في شهر أغسطس/آب الماضي رئيس “المجلس الانتقالي” عيدروس الزبيدي، عبر قناة أبوظبي، مهدداً بإفشال المشاورات إذا لم يشارك المجلس، ومحمّلاً المبعوث الأممي المسؤولية.

يومها كان لافتاً قول الزبيدي “إذا لم نذهب (إلى جنيف) سنتجاوز حدود الجنوب… سندخل الحديدة وهم سيأتون إلينا”، في إشارة إلى شنّ عملية عسكرية لتحرير مدينة الحديدة، محاولاً القول إنهم من باتوا يملكون قرار إعلان الحرب وإيقافها.

كما أصدر المجلس بياناً ضد رفض غريفيث مشاركته في المشاورات، فضلاً عن دعوة أنصاره للاحتجاج ضد الحكومة الشرعية وإسقاطها في عدن.

لكن تطوراً لم يكن في الحسبان قلب الطاولة على الإمارات وحلفائها في مناطق جنوبية، لا سيما بعد تمكّن بعض القوى من اختراق دعوات “الانتقالي” والخروج بتظاهرات في مختلف مناطق الجنوب، التي كان يعتقد المجلس أنه يسيطر عليها باعتباره الممثل الوحيد للجنوبيين وقضيتهم.

فقد رفعت تلك التظاهرات شعارات ورددت هتافات ضد التحالف، وتحديداً السعودية والإمارات، وأحرق المتظاهرون صور قادة هاتين الدولتين، ما وضع الإمارات و”الانتقالي” في موقف حرج، ودفع الأخير إلى تنظيم تظاهرات لرفع صور قادة الإمارات وإعلان تأييدها بدلاً من إسقاط الحكومة، واكتفى في مواجهة الحكومة بمحاولة فرض عصيان بالقوة والعنف، من خلال منع الناس من العمل والدراسة وقطع الطرق وإشعال الإطارات بحماية قوات “الحزام الأمني” المدعومة أيضاً إماراتياً، ومع ذلك كان يمكن ملاحظة وجود سخط شعبي ضدهم.

وضمن مساعي التصعيد الإعلامي في وسائل الإعلام الإماراتية ضد الحكومة اليمنية ومفاوضات جنيف، حاولت قناة أبوظبي استضافة أحد أبرز قيادات الجنوب والحراك، مستشار الرئيس اليمني الحالي، رئيس الوزراء الأسبق حيدر العطاس، والذي وجّه ضربة أخرى لـ”الانتقالي” بتأكيده أن الشرعية لم تمنع أو تعارض مشاركة المجلس في جنيف، هادماً كل الحملات الدعائية من “الانتقالي” والإعلام الإماراتي. وأكد العطاس أن تفرق الجنوبيين وتوزعهم بين أطراف الصراع في اليمن، هو ما جعل الأمم المتحدة ترفض مشاركة أي مكوّن جنوبي باسم القضية الجنوبية.

أمام تداعيات التطورات في الجنوب والفشل في إسقاط الحكومة، اضطرت الإمارات وحلفاؤها إلى محاولة الهروب من المأزق عبر التصعيد ضد مفاوضات جنيف والدفع باتجاه الخيار العسكري في الحديدة، لذا عاد عيدروس الزبيدي ونائبه في “المجلس الانتقالي” هاني بن بريك من الإمارات واتجها بحماية إماراتية إلى جبهة الساحل الغربي، والتقيا بعض قادة “ألوية العمالقة” الموالية للشرعية. وتم استغلال صورة الزبيدي وبن بريك مع بعض هؤلاء القادة، للتصوير أنهما يقفان وراء معركة الحديدة وأن تلك القوات تأخذ أوامرها من قادة “الانتقالي”.

لكن قيادات في “ألوية العمالقة” سرعان ما نفت ذلك، رافضه محاولة الاستغلال السياسي، مؤكدة أن الألوية تتبع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وأنها لا تتلقى أي توجيهات أو أوامر إلا من الرئيس أو قادة الشرعية.

وذكرت مصادر أن قائد هيئة الأركان الإماراتي حمد محمد ثاني الرميثي زار قوات بلاده في الساحل في اليوم نفسه، مع عدم التأكيد إذا ما قدم مع الزبيدي وبن بريك، لكن الزيارة كانت في التوقيت نفسه المفترض لبدء مشاورات جنيف، ما اعتُبر سعياً لتنفيذ تهديد “الانتقالي” بشن عملية عسكرية لتحرير الحديدة، رفضاً لجنيف، وبدأت المعركة فعلياً من جديد مع رفض الحوثيين الذهاب إلى جنيف.

وربط عضو المجلس الانتقالي رئيس ما يسمى بـ”الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي” سعيد بن بريك، استئناف معركة الحديدة بعدم مشاركة المجلس في جنيف بالقول في منشور على “فيسبوك” إن “المجلس الانتقالي الجنوبي أوفى ونفذ وعده في ما يخص الحديدة، وقادم الأيام ستشهد مفاجآت ستسر الشعب الجنوبي”.

وأضاف بن بريك: “هم سيأتون إلينا ولن نلهث وراء مشاريعهم الفاشلة”، في تكرار لتهديدات الزبيدي.

وعلى الرغم من أن بيان الحوثيين الذي أصدروه حول سبب عدم ذهابهم إلى جنيف لم يتطرق إلى الدور العسكري في الحديدة وتجاهل ذلك، لكن بعض المتابعين للتطورات اليمنية يرون أن الإمارات وحلفاءها استدرجوا الحوثيين لعدم الذهاب إلى جنيف، في ظل استمرار رهانهم على الخيار العسكري ومحاولات “المجلس الانتقالي” بدعم إماراتي لتنفيذ انقلاب جديد وفرض أمر واقع في عدن يقوّض سلطة الشرعية أكثر.

وبعد فشل “جنيف 3” خرجت أصوات تتهم أطرافاً في التحالف بالسعي لإفشال مشاورات جنيف ولمّحت بعض الشخصيات السياسية إلى دور إماراتي في ذلك، فرئيس حركة “النهضة الجنوبية”، وزير الدولة عبدالرب السلامي، كتب في صفحته على “فيسبوك”: “هناك أطراف محلية وخارجية تقف وراء عرقلة خيار المشاورات والتسوية السياسية، وتلك الأطراف هي ذاتها التي عرقلت خيار استعادة الدولة من خلال الحسم العسكري”.

ووفقاً للسلامي فإن “هدف تلك الأطراف واضح للعيان وهو: الدفع باليمن نحو سيناريو واحد، هو سيناريو اللادولة والحرب المنسية (النموذج الصومالي سابقاً)، لأن مصالحهم الذاتية لن تتحقق إلا هناك”.

ومع أن السلامي لم يذكر اسم تلك القوى، إلا أن العديد من التعليقات على منشوره اعتبرت أنه يلمّح إلى الإمارات وحلفائها، على الرغم من محاولات أنصار ونشطاء “المجلس الانتقالي” توجيه الاتهام إلى جهات أخرى، في التعليق على منشور السلامي. وبالنسبة للكثير من اليمنيين، بما في ذلك الجنوبيين، فإن الإمارات هي من ترفض الحسم العسكري في بعض المناطق على عكس مناطق أخرى لها مصالح فيها، كما أنها تستخدم “الانتقالي” وقوات “الحزام الأمني” لعرقلة سيطرة الحكومة على مؤسسات الدولة في المناطق المحررة، وتسعى للسيطرة على الموانئ والجزر ومناطق الثروة في اليمن، وتمنع الحكومة من الاستفادة من إيراداتها.