موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحليل/ هرولة الإمارات للتطبيع مع نظام الأسد تتعلق بقرارات مصلحية فقط

150

يخطئ من يعتقد أن قرار الإمارات بإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، وإعادة فتح سفاراتها في دمشق، غايته مواجهة “التغوّل الإيراني والتركي”، حسب تصريحات لوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، أو يرمي إلى “تفعيل الدور العربي”، أو جاء “حرصاً على سورية وشعبها وسيادتها ووحدة أراضيها”.

الجميع يعرف أن “التغول” الإيراني حقيقة قائمة في عدة دول عربية منذ أمد، لعل أبرز تجلياته الفاقعة في العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003، وإعدام الرئيس السابق صدام حسين.

لم تفعل الإمارات شيئاً ولم تقل شيئاً إزاء العراق، وتجاه النفوذ الإيراني الضارب في كل مفاصل الدولة، وعلى أعلى المستويات. وللحقيقة، هي لم تفعل شيئاً، ولن تستطيع فعل شيء جدّي، نظراً لمحدودية دورها الإقليمي، وضعف نفوذها أو تأثيرها، حتى إذا كانت دولة تمتلك ثروات نفطية ومالية. ولكن كان في وسعها أن تقول الكثير، وهي لم تقل شيئاً ملحوظاً، ولم تسع إلى مواجهة هذا “التغول”.

إيران أيضاً متغوّلة في لبنان، في كل مفاصل الدولة منذ سنين طويلة، عبر أداتها حزب الله. وهي منذ الرئيس الراحل، حافظ الأسد، لم تدخر أي جهد للتغلغل في كل مفاصل الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية في سورية، وصولاً إلى هيمنةٍ شبه مطلقة على دوائر صنع القرار، وتغلغل عمودي وأفقي في الجيش السوري، منذ بدء الثورة ضد نظام بشار الأسد. وإيران موجودة ومؤثرة، وتمتلك نفوذاً كبيراً في الواقع الفلسطيني، عبر تنظيمات ومنظمات في قطاع غزة.

لم تر الإمارات ذلك كله، ولم تفعل شيئا ولم تقل شيئاً إزاءه. وعليه: ما الذي يجعل الشعب السوري أن يقتنع أن الإمارات حريصة على سوريا، وعلى إعادتها إلى حضن العرب؟

إذا أردنا أن نفهم ما يجري، وسرّ هذه “الصحوة” الإماراتية، ومحفزات “الهرولة” نحو دمشق والنظام فيها، علينا التدقيق في خريطة العلاقات العربية – العربية، والعربية الإقليمية، وخصوصاً خريطة التحالفات الناشئة بعد الأزمة الخليجية، وقرار بعض الدول حصار دولة قطر، وما أفرزته من اصطفافاتٍ ومواقف إقليمية، حيث تعاطفت أنقرة مع الدوحة، ورفضت منطق الحصار وسياسته.

ولا يُنسى هنا أن تركيا تحظى بعلاقاتٍ جيدة مع مجموعاتٍ سياسيةٍ وتنظيمات عربية مثل “الإخوان المسلمين”، في وقتٍ تشترك جميع دول الحصار تقريباً في مواقف عدائية ضد هذه الجماعات، وتشنّ حملات سياسية وقمعية ضدها، كما هو واقع الحال في مصر مثلاً.

على هذه الخلفية، يبدو جليّاً أن الغاية من الهرولة وإعادة التطبيع وفتح السفارات في دمشق، ليس حباً بدمشق، وحرصاً على عروبتها، بقدر ما هو نكاية بأنقرة، وإضافة النظام السوري إلى قائمة دول الحصار وجبهتها.

هنا تشتغل وتستفيد الإمارات، وبعض الدول التي تسير في هذا الركب، على استغلال حالة العداء والتوجس القائمة بين النظام السوري وتركيا. وتعرف هذه الدول تماما مدى حاجة النظام الذي يعيش في عزلة عربية ودولية منذ 2011، إلى هذه العودة العربية إليه.

هو الآن منتشٍ أمام جمهوره ومؤيديه، ولسان حاله يقول: “انظروا.. لقد عادوا هم إلينا، ولم نعد إليهم”. أيضاً، يريد هذا النظام ويحتاج شيئا من “الشرعية” العربية المؤسساتية، مقدمة لإعادة اعتراف دولي. هو يدرك أن هذه الدول العربية سوف تعيد تسويقه، وتبرير كل جرائمه، بحجة مكافحة الإرهاب، وكلنا يعرف أن دولاً غربية تريد تصديق هذه الكذبة، لتهرب من سقوطها الأخلاقي المريع، وصمتها على ما فعله هذا النظام بحق شعبٍ انتفض على الاستبداد، وأراد بناء دولة ديمقراطية، حديثة وجديدة.

يؤكد التاريخ أن الدول والحكومات غالباً ما تتخذ قراراتها وتختار سياساتها انطلاقاً من المحدّد النفعي المصلحي أولاً، ثم استناداً لعامل العلاقات الإقليمية والدولية، وثالثاً العامل أو المحدد الأخلاقي أو العقائدي الأيديولوجي. عدم فهم هذه الحقيقة يجعل كثيرين منا يشعرون بالصدمة والحنق، وربما الغضب، إزاء سياسات حكومات ودول معينة متعلقة بقضايا إنسانية ووطنية، مثل قضية السوريين اليوم، وقبلها القضية الفلسطينية.

وعليه، وعلى الرغم من أن خطوات “الهرولة” باتجاه النظام في دمشق تبدو مصلحيةً لبعض الدول، لكنها غير أخلاقية بالمعنى الإنساني، مثلما هي تماما سياسات الدول التي قرّرت فتح سفارات لها في القدس، منتهكة القرارات الدولية، ربما هي قراراتٌ مصلحية، وتعكس تطور علاقات بعض الدول مع إسرائيل، لكنها بدون أدنى شك تفتقد البُعد الأخلاقي تماماً.