موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: التضييق على الحريات في الإمارات يهدد شراكتها مع جامعات عالمية

121

فيما يواصل جهاز أمن الدولة تغوله على مختلف المؤسسات في الإمارات بما يشمل المدارس والمساجد والجامعات، باتت سياسة القمع والتضييق على الحريات تهدد شراكة الإمارات مع جامعات عالمية العريقة التي حصلت الإمارات على تراخيص لافتتاح فروع لها في الدولة.

وتحولت فروع تلك الجامعات في الإمارات إلى أشبه بالسجن في ظل سياسة القبضة الأمنية التي تلاحق الطلاب والمحاضرين فيها.

وكانت الإمارات دخلت على خط الاستحواذ على تراخيص من كُبرى الجامعات في العالم لتأسيس فروع لها في المدن الإماراتية، مستخدمة في ذلك ملايين الدولارات لتأسيس مبان ضخمة، واستيراد أكاديميين من الخارج، لتطابق المستوى العلمي مع الفروع الأصلية لها في البلدان الغربية.

كانت واحدة من هذه الجامعات جامعة نيويورك التي افتتحت فرعًا لها في أبوظبي عام 2010 بإمكانات مالية ضخمة، غير أن الانتقادات الواسعة من جانب أكاديميين في الجامعة الأصلية لها بانتهاك الحريات الأكاديمية، وتجاوز المبادئ التي أقرتها الجامعة جعلتها في نظر الكثيرين سجنًا كبيرًا للأكاديميين.

جامعة نيويورك أبوظبي

في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2018، صوّت أعضاء هيئة التدريس في معهد آرثر أل. كارتر للصحافة بجامعة نيويورك على تعليق علاقة كلية الصحافة مع فرع الجامعة في أبوظبي، وذلك بعدما نقضت التعهدات التي تضمنت الحريات الأكاديمية بحسب ما أورده تقرير لموقع “ساسة بوست”.

وقد جاء هذا التصويت على خلفية منع الإمارات اثنين من الأساتذة المعينين اللذين كان من المقرر أن يدرّسا في الجامعة، من دخول الإمارات العربية المتحدة، وذلك على خلفية زعم وجود صلة لهما بـ(الإسلام الشيعي)، وهذه ليست الواقعة الأولى التي تخالف فيها الجامعة أعراف الجامعة الأم.

وشرح محمد بزي وهو أستاذ مشارك في الصحافة مولود في لبنان، وسبق له التدريس في الجامعة، وأحد الممنوعين من دخول الإمارات للتدريس في جامعة نيويورك بمقالة منشورة في جريدة (نيويورك تايمز) وقائع منعه.

وقال إنه تعرض للتمييز خلال فترة تدريسه السابقة في الإمارات في عامي 2012 و2013، على الرغم من أنه لم يمنع من دخول البلاد في ذلك الوقت.

وأوضح بزي أن السبب الرئيسي هو قلق الإمارات من كونى شيعيًّا، وقلقها الدائم من إيران وسياساتها في عدد من الدول، كما أسهب في الحديث عن القيود التي تفرضها سياسات الإمارات الأمنية والخارجية على الحرية الأكاديمية.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تمنع فيها الإمارات أكاديمين على خلفية أسباب سياسية وأمنية؛ إذ سبق أن منعت دخول أندرو روس، أستاذ في التحليل الاجتماعي والثقافي ومهتم بقضايا العمل.

كان روس متجهًا إلى فرع الجامعة في أبوظبي الواقع في جزيرة السعديات لاستكمال بحثه الميداني، وإجراء مقابلات مع عمال مهاجرين هناك، قبل أن يجد نفسه ممنوعًا من الصعود إلى طائرة متجهة للإمارات من مطار جون كنيدي، وذلك على خلفية مقالات سابقة له تنتقد أوضاع فرع الجامعة في أبوظبي والحريات الأكاديمية فيها، فضلًا عن الحقوق المادية الضئيلة للعمال الذين شاركوا في بنائها.

وشكلت الأموال عاملًا رئيسيًّا في قبول جامعة نيويورك بهذا الفرع، إذ تُشير التقديرات إلى منح أبوظبي جامعة نيويورك نحو 50 مليون دولار، كما وافقت على تمويل فرعها الجامعي في المدينة، والذي افتتح في عام 2010.

لا تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد داخل فرع الجامعة الأمريكية في أبو ظبى، إذ شكلت واقعة استخدام السلطات الإماراتية مئات العمال لبناء الجامعة قبل 10 سنوات قسريًّا دون منحهم حقوقهم كاملة، وإجبارهم على العمل في ظروف ليست آدمية، أمرًا كاشفًا لتفكير السلطات الإماراتية في التعامل مع الجامعات الأجنبية كواجهة استعراضية لها دون الالتزام بمعايير الحريات الأكاديمية وحقوق العاملين.

يظهر ذلك في التقرير الحديث “العمل القسري في جامعة نيويورك أبوظبي: الامتثال والجامعة العالمية” الذي صدر عن تحالف للطلاب وأعضاء هيئة التدريس في جامعة نيويورك، ويتهم فيه فرع السلطات الإماراتية باستخدام آلاف العمال في بناء حرم جامعة نيويورك الذي بلغت تكلفته مليار دولار في أبوظبي قبل عقد من الزمن، ولا تزال مدينة لهم بالملايين من الدولارات، حسب وثائق تضمنها التقرير.

كما اتهم التقرير جامعة نيويورك أبوظبي بعدم تعويض الرسوم التي دفعها العمال من أجل توظيفهم منذ عام 2009، مع أنها وعدت بذلك.

وكانت أحدث الوقائع في سلسلة انتهاكات جامعة نيويورك أبوظبي وخروقاتها قواعد الحريات الأكاديمية المعمول بها في الفرع الرئيسي منع الصحافيين من تصوير اللقاء الذي تحدث فيه وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري إلى الخريجين، وحذر فيه من أن “الخطاب المدني الحقيقي يتعرض للتهديد في جميع أنحاء العالم”، وفقًا لما ذكرته وكالة “الأسوشيتدبرس” العالمية للأنباء.

كما تحدث كيري عن الاتفاق النووي الإيراني، وأهمية استمراره، وعن الخطايا الكبرى التي وقع فيها ترامب وسياساته الخاطئة.

واقع الحريات الأكاديمية

لا تُعد جامعة نيويورك أبوظبي استثناءً من بين كافة الجامعات الأجنبية التي تشهد خروقات الحريات الأكاديمية؛ بل تُشكل الحريات الأكاديمية في الدولة الخليجية وضعًا مُقلقًا، خصوصًا في ظل حالات المنع من السفر، والتضييق الدائم على الأبحاث، ما قد يُعجل بإغلاق هذه الجامعات فروعها.

إذ تسببت هذه القيود في إلغاء كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، في فبراير/شباط 2013، مؤتمرًا مشتركًا كانت تعتزم إقامته في مدينة دبي ردًّا على “القيود المفروضة على المحتوى الفكري للحدث والذي يعد تهديدًا للحرية الأكاديمية”.

كما منعت الإمارات كريستيان كوتس أولريخسن، الباحث في الكلية LSE، والذي كان من المفترض أن يشارك في المؤتمر، من دخول البلاد، ورحلته مجددًا إلى لندن.

وجاء هذا المنع على خلفية نشره مقالات تنتقد النظام الملكي في البحرين، وهو ما رأته السلطات الإماراتية “أنه ليس من الحكمة نشر آراء غير بناءة عن الأوضاع في مملكة البحرين من داخل دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي”.

امتدت وقائع الانتهاكات كذلك لتشمل صدور حكم ضد علي ناصر بن غيث، المُحاضر في جامعة السوربون فرع أبوظبي، والباحث الاقتصادي، بالسجن 10 سنوات. على خلفية تهمة تتعلق بنشره منشورات على الإنترنت، بما في ذلك بعض الانتقادات لمصر، الدولة الحليفة للإمارات العربية المتحدة، تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان هناك.

تنقل الصحافية أورسولا ليندسي في مقال منشور لها في مجلة (الفنار) عن آخر ما قاله لها علي ناصر خلال لقائهما الأخير: “اعتقدتُ أن الجامعات الأجنبية ستجلب ثقافة حرية التعبير. يعتمد المجتمع الأكاديمي بالكامل على التفكير والتحدث بحرية. لكن، للأسف، كان ذلك أشبه بواجهة للعرض فقط. لقد كان هناك نوع من الاتفاق بين حكومة أبوظبي والجامعات الأجنبية، ربما كانوا بحاجة للانفتاح على المنطقة أو ربما المال، وكانت الحكومة المحلية بحاجة للانفتاح أيضًا، والشرعية، عن طريق القدرة على القول: انظروا، لدينا كل هذه المؤسسات التعليمية الأجنبية”.

وتحولت الإمارات في نظر الأكاديميين إلى سجن كبير للأفكار والحريات الأكاديمية، وباتت الجامعات الأجنبية التي أسست فروعًا لها في ضيق كبير من هذه القيود، حتى ترسخ لدى الكثيرين أن الدولة الخليجية تتعامل مع هذه الجامعات بمنطق استعراضي وترويجي دون اهتمام حقيقي بمضامين عملها.

يتضح ذلك في المقال المنشور لخالد فهمي، الأكاديمي البارز في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة كامبردج، الذي جاء تحت عنوان “لماذا لم أذهب إلى دبي!”، يُبرر فيه أسباب عدم ذهابه إلى الإمارات في كافة المؤتمرات التي يُدعى إليها، والتي تضمنت أسبابًا تتعلق بمنع الدولة الخليجية أكثر من أكاديمي من السفر إلى مؤتمرات بحثية لأسباب سياسية.

ويوضح: “كنت أعتزم الحديث عن الحاجة الماسة للتعليم الليبرالي في الجامعات العربية، شعرت بأنه ليس من الصواب الذهاب إلى بلد يفرض قيودًا على حرية التعبير في الجامعات، ويقلص من الحرية الأكاديمية بطريقة سافرة”.

انتقل الصراع بين الدول الخليجية على النفوذ والتأثير إلى التعليم في السنوات الأخيرة، وذلك عن طريق بوابة الحصول على تراخيص لبناء فروع كُبرى الجامعات الأجنبية على أراضيها، مقابل ملايين الدولارات التي تدفعها هذه الدول الخليجية لبناء هذه الجامعات، بجانب ضمان الحرية الأكاديمية لها.

كانت أولى الدول التي اتجهت نحو طرق هذا المجال دولة قطر، قبل 12 عامًا، حين اقترحت على إدارة جامعة جورج تاون، كُبرى الجامعات الأمريكية، تأسيس فرع لها في العاصمة القطرية، قبل أن تنجح بعد ذلك في الحصول على تراخيص ثمانية فروع لجامعات أجنبية هي: جامعة فرجينيا كومنولث، وكلية طب وايل كورنيل، وجامعة تكساس أي أند إم، وجامعة كارنيجي ميلون، وجامعة نورث وسترن، وجامعة الدراسات العليا للإدارة- باريس، وهي كلية فرنسية رائدة في إدارة الأعمال، وكلية لندن الجامعية، المؤسسة البريطانية التي تقدم برامج في مجال التراث الثقافي.

منح قطر هذه الميزة حجم الإنفاق الواسع الذي تنفقه على أفرع هذه الجامعات؛ إذ يتقاضى أعضاء هيئة التدريس المعينين من خارج منطقة الشرق الأوسط علاوة سنوية على الراتب تزيد بحوالي 30% على الرواتب في الحرم الجامعي بالولايات المتحدة، فضلًا عن كون المرافق الجامعية والفصول الدراسية أوسع وأجدد من نظيرتها في أمريكا، بجانب ضمانات الحرية الأكاديمية التي تضعها هذه الجامعات شرطًا أساسيًّا للاستمرار حمايةً لعلامتها التجارية.

وفقًا لتصريحات جيرد نونمان، الذي يشغل منصب عميد فرع جامعة جورج تاون في الدوحة (وهو الفرع الجامعي الوحيد لجورج تاون خارج البلاد) لمجلة «الفنار» المختصة في التعليم العالي، فإن “مؤسسة قطر قد وفرت الحماية لنا من الضغط الذي قد تتوقعه في المنطقة”.

ويضيف: “أحيانًا قد يجد فرع الجامعة أن كتابًا يرغب في الحصول عليه محظور من جهة السلطات القطرية، لكن إذا ما شعرنا بأن الطلاب بحاجة إليه، فإن هنالك دائمًا طريقة لجلبه، سواء أكان ذلك يعني جلب الكتاب ورقيًّا أو إلكترونيًّا”.

تلى قطر نحو هذا المجال دولة الإمارات التي نجحت في استضافة 35 فرعًا دوليًّا للجامعات، تضم دبي وحدها 26 فرعًا، بينما تأسست الفروع الأخرى في أبوظبي ورأس الخيمة.

كما توصلت الكويت إلى اتفاقية مع جامعة السوربون على تأسيس فرع للجامعة الفرنسية في الدولة الخليجية في ثمانية تخصصات، وذلك بجانب الجامعة الأمريكية التي أنشئت في عام 2004.

ونجحت البحرين في التوصل إلى اتفاقية مع جامعة نيويورك على تأسيس فرع لها في المنامة، قبل أن تُقرر غلقه في سبتمبر (أيلول) 2013 لأسباب لها علاقة بعدم توافق سياسات الجامعة مع الطريقة التي يُدير بها المجلس الأعلى للتعليم العالي الجامعات، ورفضها قوانين أقرها دون أخذ رأي الجامعة.

وتقع السعودية خارج نطاق المنافسة في هذا المجال؛ إذ لا يوجد في مُدنها أي فروع لجامعات أجنبية لأسباب تتعلق بالتباين بين الثقافات، وتخوف الحكومات من شروط هذه الجامعات. يُعزز تخوف المملكة من الإقدام على هذه الخطوة ما ينقله الكاتب السعودي علي عبد الله موسى على موقع قناة “العربية”.

ويقول إن “دخول الجامعات الأجنبية كارثة على الوطن، خاصة وأنها ستكون مرتبطة إداريًّا وماليًّا وعلميًّا وغيرها بدولها الأجنبية، ولن تقبل بأن يتدخل أحد فيها، وخاصة أن الجامعات الأجنبية تعمل وفق مسلمات ثلاثة: الاستقلالية، والحرية الأكاديمية، والمسؤولية، ولن تضحي بسمعتها وتاريخها من أجل البلدان التي تعمل بها، وليس من حق الدولة التي تفتح فيها الفروع التدخل في محتواها الدراسي وأساتذتها وسياساتها التعليمية”.

وخلال شهر نيسان/ إبريل الماضي منعت السلطات الإماراتية 25 طالبا كويتيا من مواصلة الدراسة في جامعات عجمان والشارقة ودبي، لدواع أمنية، إذ جرى ترحيلهم إلى بلدهم دون الحصول على أي تعويضات مادية أو أدبية.

جاء ذلك على لسان عدد من هؤلاء الطلاب حيث قال الطالب الكويتي في جامعة الشارقة عبدالعزيز العجمي، إنه فوجئ باستدعاء الشرطة الإماراتية له من مقر إقامته، وتسليمه كتاب الفصل من الجامعة، بينما كان ينهي إجراءات التقدم لنيل ماجستير القانون، مع مطالبته بحزم حقائبه ومغادرة البلاد في غضون 24 ساعة.

وأضاف: “طلبت منهم معرفة السبب القانوني لإبعادي من البلاد وفصلي من الجامعة، لكنهم نصحوني بعدم البحث عنه، لأن المنع بأوامر أمنية عليا، حسب قولهم”.

الأمر نفسه جرى مع الطالب مصعب محمد الذي كان يدرس في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة في الإمارات، وبينما كان على وشك التخرج، فوجئ بمنع سلطات مطار دبي له من دخول الإمارات منتصف عام 2014، والسبب أمني.

ويعتقد مصعب  أن الأمر يرجع إلى عضويته في مجلس إدارة اتحاد طلبة الكويت في الإمارات والمغلق منذ منتصف عام     2014 والذي تعتبره الإمارات ذراعاً لجماعة الإخوان المسلمون، رغم أنها منظمة مدنية تعمل تحت إشراف الحكومة الكويتية لمتابعة أحوال الطلاب الكويتيين في الدول التي يدرس فيها السواد الأعظم من الكويتيين في الخارج.

وتعرض الطلبة الكويتيون للترهيب من قبل السلطات الإماراتية أثناء ترحيلهم من الإمارات، وفق ما ذكر بعض الطلاب، إذ هدد الأمن الإماراتي الطالب الهاجري بإحالته إلى محكمة أمن الدولة بتهمة الإرهاب، بينما عانى مصعب الذي كان برفقة زوجته وابنيه من تعامل قوات الأمن الإماراتية وضباط المباحث الفظ معه، إذ جرى اقتياده إلى غرفة تحقيق، فيما وضع طفلاه وزوجته في غرفة حجز أخرى.

وتمنع السلطات الإماراتية 50 أكاديميا في جامعة الكويت، 37 منهم في كلية الشريعة، من دخول أراضيها، وعلى رأسهم حاكم المطيري، أمين عام حزب الأمة، وخالد المذكور، وعجيل النشمي، وشافي العجمي، وحامد العلي القبندي، ومحمد العوضي، ونبيل العوضي، وناصر الكندري، إضافة إلى البرلماني وليد الطبطبائي، وغيره من النواب الحاليين والسابقين.