موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: برنامج خبراء الإمارات.. شعار للاستهلاك الإعلامي يتناقض واقع الدولة

79

أعلنت الإمارات مؤخرا إطلاق برنامج خبراء الدولة في وقت تجمع فيه الشواهد والوقائع على الأرض أن البرنامج لا يعدو عن كونه شعار للاستهلاك الإعلامي ويتناقض مع واقعة الدولة.

وحسب المعلن يقوم البرنامج على خطة لإنشاء قاعدة غنية بالخبرات الوطنية الإماراتية كمستشارين وخبراء للدولة، ضمن دورات لعشرين إماراتياً من مجموعة من الخلفيات للتدرب على تنمية مهاراتهم.

وبحسب البرنامج تقع كل مهارة ضمن أربع مجموعات رئيسية: التنمية الاجتماعية، التنمية الاقتصادية، البنية التحتية والبيئة، والأمن والشؤون الدولية. يستمر البرنامج ستة أشهر للمشاركين.

وحسب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد فإن هذه الخطة المسماة “برنامج خبراء الإمارات” ستستمر إلى عام 2022، ما يعني 100 خبير إماراتي.

وهي خطة جيدة بالفعل لكن هناك أمور أولى بكثير من الخطة التي أوصلت معظم المشاركين إلى مناصبهم عبر الموافقة الأمنية كما حدث أيضاً بوصولهم إلى البرنامج، وليس عبر الكفاءة والالتزام.

ويتساءل المراقبون عن أهمية هذا البرنامج في ظل استمرار اعتقال عشرات من المفكرين والأكاديميين الإماراتيين وبعضهم في تخصصات نادرة مثل أستاذ القانون الدستوري الدكتور محمد الركن أو أستاذ الاقتصاد ناصر بن غيث أو كبار خبراء التنمية البشرية مثل على الحمادي وخبراء التربية مثل الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، وآخرين يمتلكون أرفع الشهادات العلمية في مجالات تخصصاتهم.

هؤلاء الوطنيون يقضون عقوبات بالسجن مفتوحة وليس كما هو معلن 10 سنوات. فلوقت قريب كان يعتقد مراقبو حقوق الإنسان أن من سيقضي محكوميته سوف يخرج، ولكن منذ نحو عام تواصل السلطات الأمنية في الدولة سجن من انتهت محكومياتهم بالفعل ما يعني أن معتقلي الرأي يواجهون ظلما وجورا مستمرا ولمدة غير معروفة في انتهاك واضح لأبسط مقومات العدالة التي يتشدق بها هذا المسؤول الكبير أو ذاك المسؤول الصغير.

يتساءل الإماراتيون كيف يكون هذا البرنامج في ظل تغييب الكفاءات والخبرات الحقيقية من أبناء الإمارات ليس لهم ذنب سوى أنهم طالبوا بحقوق مشروعة في تعزيز استقلال القضاء والمجلس الوطني الاتحادي.

يراقب الإماراتيون تدهورا كبيرا في سمعة بلادهم وتراجعات حادة في مستويات الاقتصاد والرفاه منذ هذه الاعتقالات، وهي ظواهر وخسائر فادحة لم تكن موجودة قبل ظلم هؤلاء الوطنيين العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم، متسائلين عن العلاقة السببية بين الظلم الواقع على المعتقلين وبين ما تواجهه الدولة ككل في السنوات والشهور الأخيرة.

ويمكن الإشارة إلى عدة أمور بهذا البرنامج الجديد الذي يبدو أنه شبيه لبرامج أخرى تبقى كظاهرة صوتية مثل برنامج الإمارات لتطوير الكوادر الوطنية الذي تجاوز عمره 15 عاماً.

أولاً: تعتمد الإمارات الآن على المستشارين الأجانب بعد أن تم إقصاء معظم المستشارين المواطنين، وإذا كان البرنامج لأهداف وطنية كاملة فيجب إعادتهم أولاً، ليطمئن المستشارين القادمين من ألا يلاقوا نفس المصير إن تعارضت أفكارهم واستشاراتهم مع جهاز أمن الدولة ورؤية بعض المسؤولين.

ثانياً: هناك علاقة كبيرة بين السلطة والتجارة، فرجال أعمال كُثر يستخدمون مناصبهم في الحكومة والحكومات المحلية من أجل خدمة مصالحهم وتجاراتهم، ويتبادل المسؤولون المنفعة بينهم على قاعدة “أخدمني أخدمك”، ودون مراجعة الأخطاء التي حدثت فإن برنامج الكفاءات الوطنية مهدد بالفشل إذ أن من يخرج من هذا البرنامج سيكونون مسؤولي المستقبل والترشيح لا يؤخذ على أساس الكفاءة بل على أساس الترشيح من المسؤولين، وبالنظر إلى قائمة الـ20 يتضح بشكل كبير صلات القرابة.

ثالثاً: ستة أشهر لا تنتج خبراء، بل تجارب الحياة والعمل الدؤوب ولا يمكن لمن هم في الثلاثينات وحتى في الأربعينات أن يقوموا بتدريب خبراء، إذ أنهم ليسوا خبراء من الأساس. وحسب قائمة المسؤولين عن المجموعات الرئيسية يتضح كل ذلك. علاوة على ذلك يتوقع الشيخ محمد بن زايد أن يكون البارزين من المتدربين مدربين بعد ستة أشهر من حصصهم النظرية!

رابعاً: لا يهم إن كنت خبيراً أو موظفاً عادياً إذا لم تملك جهة أعلى تدعمك في الوظيفة الحكومية، ولن تكون لمقترحاتك التأثير اللازم حتى وإن كانت جيدة دون أن تحصل على تزكية من جهة أعلى في المؤسسة التي تعمل بها. في تقرير للمجلس الوطني (البرلمان) نشر في ديسمبر/كانون الأول 2017 فإن هناك “غياب المفاهيم الشاملة للأمن الوظيفي، بسبب عدم الإقرار بحق الموظف في الدفاع عن نفسه أو منع حالات الفصل التعسفي”.

وتشير قصص كثيرة يتحدث عنها الإماراتيون عن الفصل التعسفي لأن معظم المسؤولين في الموارد البشرية بالمؤسسات الحكومية ينفذون رؤية المدراء التنفيذين الذين يشكلون “لوبي” فاسد في المؤسسة لخدمة مصالحهم. وعندما يكون المدير الكفؤ “ليس مطاوعاً” يتم “تهميشه” وفي أحيان كثيرة “تطفيشه” من الوظيفة ليحل بديل عنه “المطاوع”.

خامساً: من المهم ألا تخضع الوظيفة العامة لتقارير جهاز أمن الدولة، ولا لموافقة الجهاز، ومنذ الكشف عن وثيقة “الموافقة الأمنية” عام 2009 أصبحت الكفاءات الوطنية خارج سُلم الوظيفة العامة أو الترقيات، وتم إحالة بعضهم للتقاعد المبكر، وآخرون تم وضعهم في السجون لمطالبتهم بالإصلاحات السياسية ومجلس وطني كامل الصلاحيات أو وجهوا انتقادات للسلطات من أجل تصحيح مسارها.

وهؤلاء الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم وبعضهم تم سحب الجنسية منهم كانوا خبراء وممثلين للدولة في كل المحافل الدولية والمحلية ومستشارين للحكام. ودون إصلاح الضرر الذي لحق بهم وعائلاتهم فإن اهتمام السلطة بالخبراء لا يتجاوز الدعاية الإعلامية ومحاولة صناعة فقاعة جديدة.