موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

دراسة: خفايا علاقات الإمارات وإثيوبيا.. مؤامرات أبوظبي تهدد مصر

220

ناقشت دراسة نشرها موقع مجلة Foreign Affairs الأمريكية خفايا علاقات الإمارات وإثيوبيا وكيف تهدد مؤامرات أبوظبي مصر التي تواجه مصيرا مجهولا بسبب اقتراب إثيوبيا من اكمال أكبر سد ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

يمتلك سد النهضة الأثيوبية الكبرى على نهر النيل القدرة على تحويل اقتصاد إثيوبيا جذريا وإحداث ثورة في القطاع الزراعي في السودان، جار إثيوبيا إلى الشمال الغربي. لكن في مصر، حيث يعيش ٩٥٪ من السكان على ضفاف النيل أو في دلتا النيل، يعارض الكثيرون السد الذي يعتبرونه تهديدا وجوديا لنمط حياتهم وأرزاقهم.

فيما تستعد إثيوبيا حاليا لتشغيل السد وتحويل مياه النيل لملء خزانه الضخم، وصل الخلاف الدولي حول النهر إلى لحظة حاسمة. في السنة القادمة، ستقوم مصر وإثيوبيا إما بوضع خلافاتهما جانبا وسلك طريق التعاون الثنائي معا -وهي نتيجة ممكنة تقنيا ولكنها صعبة سياسيا- وإما قد تخوضان أزمة دبلوماسية موجعة.

لكن في الحقيقة، فإن قصة النزاع حول السد لا يمكن فصلها عن “اللعبة العظيمة” الجارية في جميع أنحاء شرق أفريقيا، حيث إن الإمارات تسارع في محاولة التأثير هناك، وقد عبرت مؤخرا اعتبارات الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط البحر الأحمر إلى القرن الأفريقي، جالبة إليه الاستقطاب والتوتر العسكري.

إذ أن الإمارات على رأس القوى الشرق أوسطية في طور ابتياع الأراضي من أجل إنشاء القواعد العسكرية والبحرية، والاستحواذ على الأراضي الصالحة للزراعة، كما يظهر أنها بصدد بناء تحالفات مع وكلاء محليين للضغط على منافسيها.

في بعض الحالات، ساعدت موارد دول الخليج ونفوذها المتنامي في الوصول إلى اتفاقيات وتنازلات بنّاءة مما أدّى إلى تحسن الأوضاع في شرق أفريقيا، ونذكر منها اتفاق السلام التاريخي الذي تم التوصل إليه في يوليو/تموز والذي أنهى حالة حرب دامت عقدين من الزمان بين إثيوبيا وإريتريا، والذي تم تسهيله من خلال جهود الوساطة التي تبذلها الإمارات.

ولكن في الحالات أخرى، مثل الصومال، صبّ تورّط دول الشرق الأوسط وعلى رأسها الإمارات الزيت على نار السياسات المحلية المتقلبة أصلا من خلال تصدير النزاعات الجيوسياسية المريرة عبر البحر الأحمر.

إن مخاطر اندلاع أعمال العنف في شرق أفريقيا، وعدم الاستقرار في مصر، والهجرة الجماعية، والتهديدات التي تحيط بالممرات الرئيسية في البحر الأحمر، كلها تشير إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا والمجتمع الدولي لديهم مصلحة في ضمان أن تقوم الأطراف الفاعلة في المنطقة وفي الشرق الأوسط باختيار خطواتهم القادمة بحكمة.

حرب المياه

منذ عهد الاستعمار البريطاني، تم تنظيم استخدام مياه النيل في المقام الأول من خلال اتفاقية ثنائية من عام ١٩٥٩ بين مصر والسودان، والتي منحت مصر حصة كبيرة من مياه النيل مع استبعاد إثيوبيا وغيرها من دول المنبع. وقد أدانت هذه الدول الاتفاق، ودعت إلى توزيع أكثر عدالة للمياه، ولكن محاولاتها على مدى عقود للتفاوض حول معاهدة إقليمية أوسع لإدارة المياه باءت بالفشل.

لكن على الرغم من استمرار هذا النزاع دون حل، قررت إثيوبيا الشروع في تشييد السد العملاق في عام ٢٠١٠. بالنسبة للقادة الإثيوبيين في أديس أبابا، فإن سد النهضة هو مشروع بنية تحتية ثوري تقوده الدولة كرمز لطموحات البلاد الوطنية. يبلغ ارتفاع هذا الصرح نحو ٥٠٠ قدم، وعرضه ٦١٣٥ قدما، ويتضمن سدا احتياطيا إضافيا وخزانا مساحته ٨٠٠ ميل مربع تقريبا. وعند اكتماله، سوف يمكن لخزان السد أن يخزن ما يصل إلى ٧٤ مليار متر مكعب، أي ما يزيد على كمية المياه التي تمتصها مصر في عام كامل.

ستقوم توربينات السد البالغ عددها ستة عشر من زيادة الطاقة الكهربائية الإنتاجية الحالية لإثيوبيا بثلاثة أضعاف وتسمح بتصدير الكهرباء إلى البلدان المجاورة. بعد تمام عملية البناء الطويلة والشاقة، من المقرر أن يبدأ العمال في ملء الخزان وتوليد الطاقة من السد خلال العام المقبل. ولقد تم تمويل بناء السد من خلال التمويل المحلي والسندات التي بيعت للمغتربين الإثيوبيين في جميع أنحاء العالم، ما يعني أن هناك ضغوطا قوية لاستكمال المشروع وتوليد الإيرادات من عملية التصدير.

في البدء، اتخذ السودان موقفا مؤيدا لمصر في معارضة بناء أي سدود في دول المنبع، ولكن موقفه من المشروع تطور منذ ذلك الحين عندما بدأت فوائد السد المحتملة للقطاع الزراعي في البلاد تتضح أكثر وأكثر. يعاني السودان من فيضانات موسمية مدمّرة، تمنعه ​​من استخدام أكثر من ٢٠% من أراضيه الصالحة للزراعة، حسب تقدير أحد الدبلوماسيين. ويمكن أن يسمح السد لإقليم الجزيرة بشرق السودان أن يزرع ثلاثة مواسم في السنة وأن يساعد سدود النيل الكهرومائية الأصغر في السودان على توليد الطاقة، مما سوف يساعد بدوره السودان على تحقيق إمكاناته كسلة غذاء لجيرانه الأفارقة والعرب.

إن فوائد السد بالنسبة لإثيوبيا والسودان هي غاية في الوضوح، لكن العواقب على مصر، وهي إحدى أكثر دول العالم فقرا بالمياه، قد تكون وخيمة. فنحو 85% من إمدادات المياه لنحو ١٠٠ مليون مصري تأتي عبر إثيوبيا. إذا قررت إثيوبيا ملء الخزان في السد في مدة أقصر من عقد، فإن إمدادات المياه في مصر ستكون معرضة للخطر على المدى القصير. لكن البلاد تواجه مخاطر أكبر على المدى الطويل عندما يقوم السد بتنظيم تدفق المياه عبر المناطق الزراعية السودانية.

قدمت إثيوبيا تطمينات بأنها ستملأ الخزان ببطء حتى لا تتسبب بألم كبير في مصر، لكن تظل هذه الأمور صعبة على مصر أن تثق بها أو تقبلها. علاوة على ذلك، يأتي السد في وقت تبخرت فيه مكاسب مصر في لجم نسبة النمو السكاني المرتفع، وفي وقت بدأ اقتصادها الهش يُظهر بعض التحسن في أعقاب إصلاحات اقتصادية مؤلمة. ونتيجة لذلك، يردد العديد من المصريين مقولة الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن النزاع حول سد نهر النيل هو مسألة “حياة وموت”.

من وجهة نظر هندسية، يقول أحد المسؤولين الدبلوماسيين، سوف تولد إثيوبيا الكهرباء، وسوف يزرع السودان المحاصيل، وسوف تشرب مصر الماء. لكن هذه الصيغة ليست في صالح مصر، التي تظل قلقة بشكل مفهوم من أي تحولات قد تغير الوضع الراهن.

حتى الآن، تناوبت الأطراف المتناحرة بين تبادل التصريحات النارية والمحادثات البراغماتية. وقد شملت موجة الدفء في العلاقات مؤخرا زيارة قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى القاهرة، والإفراج عن ٣٢ سجينا إثيوبيًّا من مصر، وخططا تهدف إلى التوصل إلى رؤية مشتركة حول نهر النيل.

قد تشير هذه التطورات إلى انفراج محتمل، لكن التناحر بين الحس القومي في كلا البلدين والمخاوف من عدم الاستقرار الداخلي تقيّد كلا الجانبين. فلم تتحقق بعد أي إنجازات ملموسة ولم يتم الاتفاق على التفاصيل فيما يتعلق بعدد السنوات التي ستستغرقها إثيوبيا لملء السد.

لكن على الرغم من التهديدات العسكرية السابقة، فإن احتمالات نشوب حرب مباشرة بين إثيوبيا ومصر لا تزال بعيدة، خاصة بعد عودة الدفء إلى العلاقات الدبلوماسية بينهما.

فأولا، يقول الباحثون إن الحروب المائية نادرا ما تحدث لأن موارد المياه العابرة للحدود تخلق ترابطا بين الدول (حيث يعد قصف بلد في المنبع بإمكانه تحويل إمدادات المياه بعيدا عنك قرارا يفتقد للحكمة). علاوة على ذلك، فإنه نادرا ما تكون مسألة تدفق المياه مسألة أسود وأبيض، ودائما ما تكون هناك حلول تقنية مرضية للطرفين. وقد سعت مصر، من جانبها، إلى الابتعاد عن المغامرات الإقليمية، وسيكون من الصعب لجيشها القيام بضربة مباشرة ضد السد.

ومع ذلك، تظل المخاطر عالية. ما هو أكبر احتمالا بكثير من حرب واسعة النطاق هو أن يقوم المتخاصمون بزعزعة الاستقرار لدى بعضهم بعضا في معارك بالوكالة حيث يتحالف كل جانب مع قوات محلية لاستغلال نقاط الضغط لدى الخصم. فلقد اتُهمت مصر، على سبيل المثال، بتدريب قوات في إريتريا، التي بدأت للتو في الخروج من صراعها الطويل مع إثيوبيا (نفت مصر بشدة هذه التقارير).

يمكن لمصر أيضا الضغط على السودان عبر مجموعات المعارضة المسلحة التي تنشط في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. بدوره، أصبح السودان ملاذا للمعارضين الإسلاميين للنظام المصري. كما تتنافس جميع الأطراف الإقليمية ذات الصلة على التأثير في الصومال الذي مزقته الحرب. وبعبارة أخرى، فإن شبكات الوكلاء التي يمكن للبلدان أن تستعملها لزعزعة استقرار بعضها بعضا موجودة بالفعل في جميع أنحاء المنطقة.

من الأمور التي تزيد من تعقيد الأوضاع هي اللعبة الكبيرة التي بدأت بعد إعادة اكتشاف الشرق الأوسط لمنطقة شرق أفريقيا على مدى العقد الماضي، والتأثيرات المحتملة لهذا على النزاع حول السد.

لقد تزايد الاهتمام العربي بمنطقة القرن الأفريقي منذ أن بدأت دول الخليج بالاستثمار في الأراضي الزراعية الأفريقية بعد الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء العالمية في عام ٢٠٠٧.

تعتمد الدول الخليجية على استيراد الأغذية من أجل تحقيق أمنها الغذائي، وقد بدأت بالبحث عن بدائل للأسواق العالمية من خلال شراء الأراضي الزراعية الخصبة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومنذ ذلك الحين، زادت قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وحتى تركيا من انخراطها واستثماراتها هناك بأشكال متعددة.

مع تحول التحالفات بسرعة بالتزامن مع تدفق الموارد والأموال، يصف أحد الدبلوماسيين الأوروبيين هذه العملية بأنها “تدافع صريح” (في إشارة إلى مرحلة استعمال أفريقيا في القرن التاسع عشر).

إذ إن اللاعبين الخارجيين في المنطقة “يعرفون أن القليل من المال قد يذهب بك شوطا بعيدا، إذ يمكنك أن تلوّح بـ ٥٠ مليون دولار لقائد إحدى المجموعات لتغيير اللعبة تماما”. لكن الطبيعة السريعة والعشوائية لهذه المنافسة -التي تصفها الخبيرة في شؤون شرق أفريقيا أنيت ويبر بأنها “تجريبية” الطابع- تعني أن هذه المنطقة الهشة أصلا سوف تزداد قابلية للاشتعال.

ولقد تصاعد التورط الخليجي في المنطقة في أعقاب التدخل الذي قادته السعودية في عام ٢٠١٦ في اليمن والحصار الدبلوماسي لقطر في عام ٢٠١٧، مما أدى إلى المزيد من العسكرة في القرن الأفريقي وأصبح الفاعلون الإقليميون فيه الآن عاملا يزيد من خطر تفاقم التوترات المحلية. ولكن في الوقت نفسه، يشير تزايد المشاركة العربية، وخاصة تعهد الإمارات العربية المتحدة بتقديم مساعدات بقيمة ٣ مليارات دولار لمساعدة إثيوبيا، إلى إمكانية الخروج من صراعات سابقة واتباع مسار أفضل إلى الأمام.

لكن الاهتمام الخليجي بالمنطقة ليس السبب الوحيد وراء تدفق الموارد إلى شرق أفريقيا، حيث قامت الولايات المتحدة والصين وفرنسا وغيرهم أيضا بنشر قوات هناك. لكن المنطقة احتلّت حيّزا كبيرا اليوم في التخطيط الإستراتيجي والدفاعي لدول الخليج.

في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٧، أعلن المسؤولون السعوديون عن افتتاح قاعدة عسكرية في جيبوتي، كما يستضيف ميناء عصب في إريتريا أول قاعدة عسكرية لدولة الإمارات في الخارج منذ عام ٢٠١٥، والتي تقوم من خلالها دولة الإمارات بإسناد تدخلها العسكري في اليمن.

وفي الوقت نفسه، وقّعت تركيا وقطر، وهما منافسان إستراتيجيان للسعوديين والإماراتيين لم يكن لديهما استثمارات كبيرة سابقا في السودان، صفقات تبلغ قيمتها نحو ٥ مليارات دولار مع الخرطوم خلال العام الماضي.

تتضمن الصفقات خططا لتأجير وتطوير ميناء على البحر الأحمر يعود إلى العهد العثماني في جزيرة سواكين، مع الحديث عن إنشاء منطقة لرسو السفن البحرية للاستخدام العسكري، وهي ستكون ثالث قاعدة عسكرية تركية خارج الحدود إلى جانب تلك الموجودة في قطر والصومال. كما استثمرت تركيا وقطر بشكل كبير في الحكومة المركزية الصومالية. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن روسيا أيضا تتحدث مع الخرطوم حول إنشاء مركز إمداد بحري على البحر الأحمر.

الإمارات الأكثر عدوانية

لكن تظل الإمارات الأكثر عدوانية فيما يتعلق بتوسيع الدور العسكري في القرن الأفريقي. ابتداء من عام ٢٠١٤، بدأت الإمارات بمساعدة الحكومة الصومالية في تدريب وتطوير قواتها المسلحة، لكن العلاقات بينهما توترت في السنوات الأخيرة، حيث اتهمت الإمارات الحكومة في مقديشو بأنها حميمة أكثر من اللزوم مع منافستيها قطر وتركيا، في حين اشتبه الصوماليون في دعم الإمارات العربية المتحدة للقوى المحلية المعارضة.

توقف التعاون بشكل مفاجئ في منتصف أبريل/نيسان بعد أن صادرت قوات الأمن الصومالية ١٠ ملايين دولار مصدرها الإمارات من طائرة إماراتية.

إلا أن الإمارات قررت توسيع شبكة علاقاتها وإعطاء الأولوية لكسب شركاء إقليميين جدد عوضا عن الإصرار على الاحتفاظ بموطئ قدم لديها في الصومال. فقد تعهدت مؤخرا بتقديم ٣ مليارات دولار من المعونة إلى إثيوبيا وساعدت في التوسط بينها وبين إريتريا، وهي متلقٍّ آخر للمال الإماراتي. وتكهن البعض بأن الإمارات العربية المتحدة قد تستخدم هذا النفوذ المكتسب حديثا لدى إثيوبيا للتأكد من أن سد النهضة سوف يتم ملؤه ببطء.

وقد أكد مسؤول إماراتي رفيع المستوى هذه النية لكتّاب هذه المقالة. وهذا من شأنه أن يجنّب مصر التعرض إلى نقص في إمدادات المياه على المدى القصير، وحماية الاستثمار الإماراتي الأكبر في الاستقرار الداخلي لنظام السيسي في القاهرة. وهكذا، على الرغم من تسرب اضطرابات الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط إلى المنطقة، فإنها يمكن أن تساعد في توجيه نزاع النيل نحو حل دبلوماسي.

تعتبر الوساطة الإماراتية الحديثة تطورا واعدا. إذا استمر هذا المسار، فإنه سيكون أمرا بناء على عكس ما قامت به الإمارات والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى حتى تاريخه.

إن اختيار الإمارات لإعطاء الأولوية لإحداث تقارب بين الفاعلين المحليين في إطار انخراطها في شرق أفريقيا عوضا عن تصدير المنافسة في الشرق الأوسط إلى هذه المنطقة يمكن أن يحسّن بشكل كبير آفاق السلام فيها.

ومع ذلك، فإن حدوث مثل هذا السيناريو ليس مؤكدا على الإطلاق. ففي غياب التنسيق أو التطمينات بين اللاعبين الخارجيين، يظل خطر حدوث مشاكل أمنية قائما، مما يدفع الجهات الفاعلة الأخرى نحو المنافسة.

فمصر، على سبيل المثال، زادت من جهودها لتحديث أسطولها البحري وقامت بزيادة المشتريات العسكرية في وقت تخوض فيه حملة عسكرية مكثفة ضد المتمردين في سيناء وتفرض تدابير تقشفية تحت إشراف صندوق النقد الدولي.

وليس هناك شك في أن هذا التسلّح يهدف جزئيا إلى ترسيخ قوة مصر في البحر الأحمر، حيث أنشأت مؤخرا قيادة للأسطول للجنوبي ترتكز على سفنها الهجومية البرمائية الفرنسية الصنع. سوف تكون هناك حاجة إلى التواصل المستمر وإلى التطمينات لضمان أن القادة الأمنيين الإثيوبيين لا يفسرون مثل هذه الخطوات على أنها جزء من جهود لإتمام “التطويق العربي” لبلادهم كما كانوا يخشون دائما.

في الوقت الذي عززت فيه قوى الشرق الأوسط وجودها في جميع أنحاء القرن الأفريقي، فإن القوى الغربية والمنظمات الدولية فشلت حتى الآن في التدخل لحل النزاع حول السد. في السنوات الأخيرة، اتبعت الولايات المتحدة نهج عدم التدخل في هذه القضية، حيث ركزت اهتمامها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الثورات والحروب الأهلية وتنظيم داعش.

كما أنه في هذه الأيام، تتقلص مساحة مشاركة الولايات المتحدة أيضا بسبب الفوضوية في تعاطي إدارة ترامب مع الملفات المختلفة. على المستوى التقني، اقترح الاتحاد الأوروبي عدة حلول، كما يظل البنك الدولي مستعدا لتسهيل المفاوضات بين الأطراف المتخاصمة. لكن حتى وقت قريب، اصطدمت هذه الجهود بجدار انعدام الثقة والنزعات القومية والتنافس الإقليمي وعدم وجود اهتمام أميركي رفيع المستوى في الملف. لكن عند بدء ملء السد، سيصبح التهديد المستقبلي المجرد حقيقة يومية يجب إدارتها، والفترة القادمة ستكون مليئة بالدبلوماسية المحمومة.

بالنسبة للمسؤولين الأميركيين، فإن العمل تحت الرادار والعمل على المستوى التكنوقراطي يمكن أن يكون مفيدا. لكن يمكن أن يعني ذلك أنه ليس هناك أي مسؤولين رفيعي المستوى يعملون على تقديم حلول بنّاءة للقادة الأجانب. إذا شاركت الولايات المتحدة بشكل أكثر عمقا، فيمكنها الاعتماد على العلاقات الراسخة مع مصر، ونفوذها المتزايد لدى السودان بفضل الانفراجات الدبلوماسية الأخيرة، والمساعدات الأميركية الكبيرة والتعاون الأمني بالنسبة لإثيوبيا. لكن التحديات الداخلية التي تواجه إدارة ترامب تُعقّد الأمور، ومع ذلك يمكن للولايات المتحدة وينبغي لها أن تعمل من خلال الدبلوماسية الوقائية بين دول حوض النيل.

يُمثّل النزاع حول السد تحديات فريدة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة. فالقضايا التي تتقاطع فيها المسائل الإقليمية والتقنية قد ترشح من خلال الثغرات البيروقراطية فتفشل الدول في التعامل معها. بعبارة أخرى، فإن النزاع حول النيل يتطلب جهود أقسام الشرق الأوسط وأفريقيا في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع، كما يتطلب خبرة تقنية في مسائل منازعات المياه العابرة للحدود.

وقد بذل بعض مسؤولي وزارة الخارجية جهدا جيدا لسد هذه الثغرات والسماح للدبلوماسيين الأميركيين بتقديم جبهة موحدة في القاهرة والخرطوم وأديس أبابا. إن مثل هذه الجهود -إضافة إلى الدعم الواضح والمتسق من القيادة- أمر حيوي لضمان عدم ضرب العملية السياسية من خلال الزبائنية أو من خلال التركيز المفرط على القضايا السياسية-العسكرية على حساب القضايا التقنية.

كما تتطلب المشاركة الناجحة للولايات المتحدة إشراك مختلف أصحاب المصلحة الدوليين. يمكن المبادرة بذلك من خلال العمل مع الاتحاد الأوروبي -الذي عيّن منسقا خاصا لشرق أفريقيا- وكذلك المانحين من الدول الإسكندنافية والمؤسسات المالية الدولية لتقديم المشورة الفنية والأموال كحوافز لحث الأطراف المحلية على التعاون.

كما يتعين على دول الخليج وتركيا أن تكون جزءا من أي حوار إقليمي، فمثلما يمكن أن تؤدي المنافسة بينهم إلى تفاقم النزاعات المحلية، فإن مساعيهم الدبلوماسية الحميدة ومساعداتهم واستثماراتهم في مجالات مثل ترشيد استخدام المياه وتطوير البنية التحتية الكهربائية عبر الحدود يمكن أن تساعد في تعزيز السلام في المنطقة. وكما حذرنا أحد الدبلوماسيين، “ما لا نستطيع تحمله هو سياسة تفصل المنطقة إلى سلسلة من الدول، فكل شيء يرتد على صاحبه في هذه المنطقة”.

من المؤكد أن التحديات التي يثيرها النزاع حول السد ستظهر في سياقات أخرى أيضا. أولا، لقد أصبحت العلاقات العربية الأفريقية أكثر أهمية اليوم، ودول الخليج التي لديها نقص في ​​الإمدادات الغذائية ولكن لديها ثروات هائلة تقود هذه الجهود.

وفي الوقت نفسه، تُظهر نشاطات الإرهابيين والمهربين عبر صحراء الساحل التي تربط بين المغرب العربي وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أنه من غير الممكن التعامل مع المشاكل الأمنية المستقبلية في هذه القارة من خلال المقاربات البيروقراطية القائمة في الولايات المتحدة. إذن السؤال هو ليس ما إذا كانت هذه العلاقات العربية-الأفريقية سوف تتعمق، ولكن السؤال هو هل يمكن أن تتعمق بشكل بنّاء؟ وكيف سيتحول الانخراط العربي في شمال شرق أفريقيا بعد انتهاء حرب اليمن على الجانب الآخر من البحر الأحمر؟

في هذا الوقت، لا يحتاج المرء إلى قبول الحجة القائلة بأن تغير المناخ ساعد في تغذية الانتفاضات العربية في عام ٢٠١١، للاعتراف بأن تحديات السياسة الخارجية تنشأ بشكل متزايد عند التقاطع بين الطبيعة والأمن القومي، حيث يؤدي تغير المناخ وغيره من التغييرات البيئية الناتجة عن النشاط البشري إلى تفاقم النزاعات الدبلوماسية. لا تقتصر هذه التحديات الهجينة على مجالات صناعة السياسة في الشرق الأوسط وأفريقيا فحسب، بل تمتد إلى الاهتمامات السياسية العسكرية التقليدية للخبراء الإقليميين والتقنيين مثل خبراء الموارد المائية ومهندسيها.

فمن أزمة مياه الشرب في غزة إلى خطر حدوث تسونامي داخلي ضخم من جراء انهيار سد الموصل المحتمل الذي كان قد أخّر العمليات ضد داعش في العراق، سيتعين على القادة السياسيين بشكل متزايد صياغة سياسات تعتمد على مواهب مجموعة واسعة من الخبراء التقنيين، ومع تسارع وتيرة تغير المناخ الذي سوف يتسبب في مزيد من النزوح، هناك أسباب كثيرة تدعونا إلى الاعتقاد بأن هذا الاتجاه سوف يتفاقم مع الوقت.