موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الكشف عن وعود مالية كبيرة من الإمارات لدعم انقلاب تونس

121

كشف ديفيد هيرست رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، عن وعود مالية كبيرة من الإمارات لدعم انقلاب تونس وتعزيز سلطات الرئيس قيس سعيد.

وقال هيرست في مقال له إن انقلاب سعيد لا يزال يفقد الزخم، بحيث لا يحصد الدعم الأجنبي الذي يحتاجه لإدارة البلاد بمفرده، وتدرك دوائر أوسع وأوسع من التونسيين في الداخل الآن مَن الذين يديرون الدولة والحكومة والقضاء.

من وجهة نظر سعيد، لا عمليات التطهير ولا التعيينات تسير بالسرعة الكافية. اقترح زهير المغزاوي، الأمين العام لـ”حركة الشعب” المؤيِّدة للرئيس، تمديد تعليق سعيد للبرلمان لمدة ستة أشهر.

يُعَدُّ الدعم الأجنبي مهماً لبلدٍ صغيرٍ مُفلِسٍ مثل تونس، الذي لا يستطيع دفع فاتورة أجور القطاع العام الضخمة، ويدين بسداد ديونه الخارجية، التي تبلغ وحدها 6 مليارات دولار هذا العام.

لذلك، فإن ما يعتقده الأجانب من أصحاب المصلحة في الاقتصاد التونسي يمثِّل أمراً ذا أهمية، وهم لا يخبرون سعيد بما يريد أن يسمعه.

أفادت مصادر تونسية وإيطالية أن سفراء ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة طلبوا منه إعادة البرلمان بأسرع ما يمكن. وأخبرتني مصادر تونسية مُطَّلِعة أن الأمريكيين منعوه من تنظيم مسيرة حاشدة لصالح الاستيلاء على السلطة. ولقد نقلوا جميعاً رسائل دعم إلى راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حزب النهضة، بالإضافة إلى قادةٍ حزبيين آخرين.

وفي حين أن الرسائل التي تُسلَّم إلى سعيد هي رسائل خاصة، تصدر رسائل الإدانة العامة في الداخل أيضاً. قال السناتور الأمريكي جيم ريشي، والسناتور بوب مينينديز العضو البارز ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، إنهما “قلقان للغاية” بشأن التوتُّر المتزايد وعدم الاستقرار في تونس.

وأضافا: “يجب على الرئيس سعيد إعادة الالتزام بالمبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها العلاقات الأمريكية-التونسية، ويجب على الجيش مراقبة دوره في ديمقراطيةٍ دستورية”.

قد يميل سعيد إلى تجاهل كلِّ هذا؛ إذ يعتقد الآن أن لديه تأكيداتٍ من الإماراتيين والسعوديين بأنهم سيموِّلونه. لكن قبل قبول هذه الوعود المالية الخليجية باعتبارها حقيقية بالفعل، عليه أن يسأل السودانيين عن تجربتهم.

عندما أُطيحَ بعمر البشير من الرئاسة في أبريل/نيسان 2019، وعدت المملكة السعودية والإمارات بتقديم 3 مليارات دولار في صورة مساعدات للسودان.

سُلِّمَت 750 مليون دولار فقط من تلك المساعدات، ولم يُسلَّم أيُّ شيءٍ آخر منذ إبرام تقاسم السلطة مع الجيش في العام 2019.

والآن قدَّم السعوديون وعداً آخر لاستثمار 3 مليارات دولار في صندوقٍ مشترك في السودان، مع “إعادة الالتزام” بقرض 2019، الذي لم يصل منه إلا 300 مليون دولار أخرى.

الوعد يختلف عن التسليم، وفي غضون ذلك يرتفع التضخُّم في السودان بنسبة 400%.

نهج الجزائر

الحكومة الجزائرية هي التي يجب أن تقلق أكثر بشأن سعيد. تونس بلدٌ صغير لديه جيران كبار. وهؤلاء الجيران لا يتضمَّنون مصر ولا الإمارات، اللتين نظَّمتا ودعمتا هذا الانقلاب، على التوالي.

بدأت الجزائر بنهجٍ رقيقٍ وهادئ. سافر وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إلى تونس لإيصال “رسالة شفهية من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون”، لكن لم يُعلَن محتوى الرسالة. وسافر إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حيث أصدرت الرئاسة المصرية البيان التالي: “تم التوصُّل إلى توافق على الدعم الكامل للرئيس التونسي قيس سعيد وكل ما مِن شأنه الحفاظ على الاستقرار في تونس وتنفيذ إرادة وخيارات الشعب التونسي الشقيق، حفاظاً على مقدرات وأمن وطنه”.

ولم يصدِر الجانب الجزائري أيَّ تصريحٍ مماثل.

وحين اتَّضَحَ أن رسالتهم لم يُلتَفَت إليها، كان المسؤول الجزائري التالي الذي تحدَّثَ هو رئيس أركان الجيش، الفريق السعيد شنقريحة، الذي قال إن “المؤامرات والمكائد التي تُحاك ضد الجزائر وشعبها ليست من نسج الخيال كما يدَّعي من يشكِّكون، لكنها حقيقة واقعة ويراها الجميع”.

وقبل أيامٍ قليلة، سحبت الجزائر ترخيص قناة العربية، المملوكة للمملكة السعودية، للعمل في الجزائر، مُتَّهِمةً القناة بـ”نشر معلوماتٍ مُضلِّلة”. وكان الفريق شنقريحة يوجِّه تحذيراً واضحاً للسعودية والإمارات ومصر بالتراجع.

العواقب الدولية

تعتبر الجزائر تونس بمثابة ساحتها الخلفية وبوابتها إلى طرابلس، ولها مصلحة إقليمية واضحة في الأحداث في كلٍّ من تونس وليبيا. حاولت مصر والإمارات وروسيا فرض الجنرال المنشق من عهد القذافي، اللواء خليفة حفتر، على ليبيا، وأصبحت قوات حفتر على بُعدِ بضعة كيلومترات من وسط مدينة طرابلس، قبل أن تتراجع تحت ضغط الطائرات التركية المُسيَّرة؛ ونتيجة لذلك، فشل حفتر، وشُكِّلَت إدارةٌ مؤقَّتة بدعمٍ من الشرق والغرب.

وفي أعقاب الفشل في ليبيا، يحاول الإماراتيون الآن إنجاز بعض الغايات في تونس، أو على الأقل هذا ما يراه الجزائريون، وقد يكونون على حق.

قال مصدرٌ جزائريٌّ رفيع المستوى لموقع Middle East Eye: “ليس أمام هذا الانقلاب أفقٌ للنجاح. طالبنا بأن يتفاوض قيس مع الغنوشي، ونحن نعلم بالضبط كيف أنفَذَ المصريون والإماراتيون هذا الانقلاب، لا نريد أن نرى حفتر جديداً في تونس، ولا نريد أن نشهد حكومةً خاضعةً لهذه القوى”. كان هذا واضحاً وحاداً للغاية.

يشعر الإيطاليون أيضاً بالقلق بشأن ليبيا. قال رئيس الوزراء السابق رومانو برودي إن ما يجري في تونس ليس قضيةً داخلية: “إن عواقب التحوُّل إلى الاستبداد سوف تتجاوز حدود تونس. نحن، الأوروبيين، نفقد التأثير السياسي على الضفة الجنوبية من البحر المتوسط”.

وقال إن كلَّ ذلك يؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ على إيطاليا، ليس فقط من حيث الخطر المتزايد لجائحة كوفيد-19، بل أيضاً من خلال الموجات المُتوقَّعة من المهاجرين.

وتقلق الحكومة التركية أيضاً بشأن الأحداث في تونس، وليس أقل أسباب هذا القلق هو الشعور بأن الانفراج الأخير من جانب مصر والإمارات إزاء أنقرة قد يكون حيلةً لإثناء تركيا عن التدخُّل المباشر، الذي يتمثَّل في خطوةٍ ضد تونس.

كان استعراض تركيا القوة في ليبيا أمراً حاسماً. إنها لم توقف حفتر فحسب، بل أيضاً خطط كلِّ القوى التي تقف وراءه: الروس، والإماراتيين، والإسرائيليين، والفرنسيين، الذين دعموه عسكرياً في مرحلةٍ أو أخرى. لكن هل كان لتركيا أن ترفع عينيها عن تونس في خطتها لمواصلة الضغط على طرابلس؟

“لا يُصغي”

أما في تونس، فإن سعيد لا يصغي إلى أيٍّ من ذلك. يحك الدبلوماسيون الإيطاليون رؤوسهم، وهم يشكون من أنه لا يفهم أن الديمقراطية بطبيعتها تعدُّدية، ولا يتعلَّق الأمر على الإطلاق بزعيمٍ شعبوي ضد النواب الذين يتَّهمهم بالفساد.

في عام 2019، عندما كان سعيد مُرشَّحاً رئاسياً يتحدَّث عن الفساد، أجرى مقابلةً تحدَّثَ فيها بصراحةٍ عن خططه. وحين طُلِبَ منه وصف برنامجه الانتخابي، أجاب قائلاً: “لقد اقترحت مشروعاً لمؤسسةٍ جديدة.. يجب أن يكون هناك فكرٌ سياسي جديد ونصٌّ دستوري جديد”.

وأضاف أنه في حال فوزه بالرئاسة سيتخلَّص من الانتخابات التشريعية، مشيراً إلى أن “الديمقراطية البرلمانية في الدول الغربية مُفلِسة، ووقتها انتهى.. انظروا إلى ما يجري في فرنسا مع السترات الصفراء، وفي الجزائر، وفي السودان. الأحزاب مُقدَّر لها أن تفنى. انتهى عصره.. قد يستغرق موتهم بعض الوقت، لكن بالتأكيد في غضون سنواتٍ قليلة سينتهي دورهم. سوف تنقرض التعدُّدية من تلقاء نفسها.. لقد دخلنا حقبةً جديدةً في التاريخ. هذه هي الثورة الجديدة”.

ثم سأله المُحاوِر: “هل المشكلة مع الأحزاب أم مع التونسيين الأميين؟”، فردَّ سعيد: “المشكلة هي الأحزاب. لقد انتهى دورهم”.

وأعرب سعيد عن نيته الواضحة في التضييق على منظمات المجتمع المدني في تونس، مضيفاً: “لديّ مشروعٌ يهدف إلى إنهاء الدعم لجميع المجتمعات، سواء داخل تونس أو خارجها، لأنهم يُستخدَمون كوسيلةٍ للتدخُّل في شؤوننا”.

هذا ليس بياناً ولا خطةً اقتصادية. كان ردُّ فعل سعيد على العداء الذي واجهه من إدارة بايدن هو إقالة سفير الولايات المتحدة، وهو الرجل الذي رشَّحه بنفسه قبل عامٍ واحدٍ فقط. ويتلخَّص برنامجه الاقتصادي في جعل الأثرياء يدفعون المال للأحياء الفقيرة. هذه ليست خطة، والفكرة نفسها ليست جديدة. وفكرته عن السياسة النقدية هي دعوة البنوك لخفض أسعار الفائدة. ولكي نكون صادقين، هذه ليست دعوة يقوم بها الرئيس، بل إنها وظيفة البنك المركزي. وكما رأينا في تركيا، هذه ليست سياسةً تثير إعجاب الأسواق.

سببٌ للإنذار

يجب أن يُقال أيضاً إن مصر، أقرب حليف لسعيد، ليست مثالاً جيداً. إنها اليوم أفقر وأضعف بما لا يُقاس مِمَّا كانت عليه عندما تولَّى السيسي السلطة في انقلابٍ عسكري في 2013. في اليوم نفسه الذي التقى فيه وزير الخارجية المصري بسعيد لمنحه الدعم الكامل، أعلن السيسي خططاً لخفض الدعم الحكومي للخبز- كانت تجربة ذلك للمرة الأولى في عهد السادات عندما أثار احتجاجاتٍ غاضبة.

تتجسَّد المفارقة في كون مصر نموذجاً لتونس تتبعه حالياً في الإحصاء الذي يفيد بأن معدَّل الفقر في مصر أعلى بكثيرٍ من تونس -31% مقابل 19% في عام 2020.

إذا كان سعيد لا يصغي، فإن المزيد والمزيد من التونسيين حوله بدأ يؤثِّر عليهم عدم استقرار أسلوبه في حكم الفرد الواحد.

وضعت قواته نقابة المحامين التونسيين تحت الحصار أثناء سعيها للقبض على أحد المحامين. ومِمَّا يُحسَب لهم أن المحامين صمدوا ورفضوا تسليم مهدي زغروبة للاعتقال. وكانت النتيجة أن تراجَعَ القضاء العسكري وأسقط الدعوى ضد زغروبة وأربعة نواب آخرين، جميعهم أعضاء في ائتلاف الكرامة في البرلمان.

هذه ليست مجرد معركة ضد رئيسٍ شمولي أو برلمانٍ يهيمن عليه الإسلاميون. ويسأل التونسيون أنفسهم أكثر وأكثر إلى أين يقودهم سعيد.

ليست مخاوف جيرانه حول البحر المتوسط متجذِّرةً في المقام الأول في الجدل بين الديمقراطية المباشرة والتمثيلية. إنهم قلقون على استقرار تونس. والرئيس غير المستقر يقدِّم لهم كلَّ أسباب القلق. وهم لا يصدِّقونه ولا يثقون به ولا يدعمونه. أعتقد أن أيام الانقلاب باتت معدودة.