موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: الإمارات تغطي جرائمها بحق اليمنيين بدعم مالي شكلي

157

يتباهي مجرمو حكام الإمارات بتقديم دعم مالي بنحو 10 ملايين درهم كمساعدات إنسانية إلى اليمنيين سعيا للتغطية على ما يرتكبونه من أفظع الجرائم بحقهم لاحتلال أراضيهم ونهب ثرواتهم.

وتحرص الإمارات في اليمن على تغليب أجندتها على أجندات حلفائها، فسيطرت على موانئ اليمن الجنوبي، وشكَّلت قوات أمنية تابعة لها، ورَعت القوى الانفصالية الجنوبية التي تضمن لها السيطرة على اليمن المفيد، وترك الشمال لصراعاته المزمنة.

وتتقاسم الإمارات والسعودية، النصيب الأكبر من أعباء الحرب الدائرة في اليمن، ضمن تحالف عسكري يضم عشر دول، وتُناط بكل من السعودية والإمارات، تحديدًا، أدوار مختلفة في المهام، ومسارح العمليات، فيما تتفقان ظاهريّا وبحسب ما هو معلن عنه، في الأهداف والغايات.

لكن مع دوران عجلة الحرب، وفي الوقت الذي كان فيه الجيش السعودي يصارع على حدوده مع اليمن، أمام مقاتلي الحوثيين والجيش الموالي لهم، كانت وحدات عسكرية من الجيش الإماراتي، جنبًا إلى جنب المقاومة الشعبية والجيش الوطني المسانِد للرئيس عبد ربه منصور هادي في محافظات الجنوب، تتقدم بوتيرة عالية، بعد دخول قوات سودانية، وقوات دعم أخرى، جبهات القتال في هذه المناطق.

ويغلب على الدور الإماراتي في هذه الحرب، تغليب مصالحه الخاصة على مصالح شركاء التعاون القائم، الذين لا تقل إسهاماتهم عمَّا تقدمه الإمارات، بما فيهم الطرف اليمني المعني بكل ما يجري على أرضه، والذي يعد المتحمل الرئيسي لتكاليف الحرب، والمتضرر الأول من فشلها في تحقيق الأهداف المتوخاة من خوضها.

فَقَدَ الإماراتيون ما يزيد عن مئة جندي وضابط، قضوا في اليمن “دفاعًا عن أرض الأجداد”  كما يحلو للإماراتيين قول ذلك، وبذلوا الكثير من العتاد العسكري والدعم اللوجستي، وأسهموا في بناء قدرات الجيش والشرطة وتدريبهما، لكن ذلك لا يبرر تغليب مصالحهم الخاصة على المصالح المشتركة، وفرض أجندة قد تدفع مكونات التحالف إلى التقاتل بدعوى اعتبار حزب الإصلاح تنظيمًا إرهابيًّا أو رعاية انفصال الجنوب عن الشمال.

ولا شك أن هناك حسابات دولية وإقليمية تقف خلف الحرب المشتعلة في اليمن، سواء من قبل بعض دول التحالف العربي أو سواها، وقد أشار المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، إلى أن أطرافًا إقليمية “تستغل الوضع في اليمن لبسط نفوذها في المنطقة”، وبالتالي لا يمكن تصور جهود الإمارات، وإسهاماتها المادية والبشرية الكبيرة في هذه الحرب، بأنها تهدف، بشكل حصري، إلى دعم السلطة الشرعية، دون تحقيق أهداف ومصالح خاصة بها؛ ولذلك فإن أقل ما يمكن تفسيره عن مقاصد الإمارات من هذه الحرب، ما ذهب إليه البعض، وهو “الوصول السهل إلى المحيط الهندي عبر ميناء عدن، الذي ينظر إليه كبار الساسة في الإمارات كامتداد طبيعي لميناء دبي”.

فضلًا عن أن الجزء الجنوبي من اليمن، يتمتع بموقع استراتيجي، ما مكَّنه من لعب دور فاعل في أحداث تاريخية كثيرة، اقتصاديًّا وعسكريًّا، وتزايد السخط الشعبي فيه تجاه حزب الإصلاح المنتشر في الشمال، بوصفه الخصم الأيديولوجي لتيارات اليسار المنتشرة في الجنوب، الذي عملت الإمارات خلال العامين الماضيين على إذكاء هذا السخط وشيطنة قيادات حزب الإصلاح بما يخدم سياستها التوسعية التي يعارضها هذا الحزب بقوة.

كما يتيح النفوذ الإماراتي في الموانئ اليمنية الجنوبية، إحكام السيطرة الملاحية في بحر العرب وخليج عدن، بالقدر الذي يعمل على تحجيم وإضعاف الدور الملاحي الريادي لسلطنة عُمان، في هذه المناطق، التي تعد بالنسبة لها مدعِّمات شديدة الحساسية لأمنها البحري والاقتصادي والعسكري، وبما يضاعف، كذلك، من تأثير اختراق الأراضي الإماراتية للجغرافيا العمانية على بحر عمان، وانعكاس كل ذلك على حدة التنافس بينهما، الذي بلغ ذروته نتيجة إمساك مسقط، عام 2011، لشبكة تجسس داخل البلد تعمل لصالح (أبو ظبي)، ولم تنته الأزمة إلا بوساطة كويتية.

ومع تجلِّي الكثير من شواهد النفوذ الإماراتي، سياسيًّا، واقتصاديًّا، وعسكريًّا، يتضح سعيها إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب الخاصة، وعلى نحو مطلق، بما يعزِّز طموحها السياسي، والاقتصادي، والعسكري، ودورها كقوة متنامية، ذات تطلع إقليمي، تسابق منافسيها نحو حقبة جديدة. وبناء على ذلك، فإن أبرز الأهداف الاستراتيجية، التي تسعى الإمارات إلى تحقيقها في اليمن ومن خلال اليمن، تتبلور فيما يلي:

  1. تعزيز نفوذها الجيوسياسي المتنامي في ما وراء بحر العرب، حتى خليج السويس، شاملًا ذلك خليج عدن، وغربي المحيط الهندي، بما يحقق الآتي:

‌أ. تقوية موقفها العسكري والاقتصادي في المنطقة، التي تشهد تنافسًا شديدًا مع إيران، والسعودية، وتركيا.

‌ب. دعم مركزها السياسي في مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، والعالم العربي السُّنِّي، في مواجهة السعودية، ومصر، وتركيا.

‌ج. توسيع مشاركتها في مكافحة الإرهاب، بوصفها ورقة صعود إلى العالمية، وطريقًا مخمليًّا لكسب ود القوى الكبرى، وتبرئة ساحتها من التهم الموجهة إليها بشأن دعمها بعض الجماعات الإرهابية.

  1. إرساء نظام اتحادي فيدرالي يمني من إقليمين أو ثلاثة، يحاكي، نسبيًّا، نظامها الاتحادي، في حال تعذر “ترتيب البلاد في دولتين منفصلتين على نحو ما كان قبل عام 1990″(4)؛ لتسخير الفوائد الجيوبوليتيكية للمناطق اليمنية الواقعة تحت نفوذها، خدمة لمصالحها في المنطقة، باستغلال التأثير الملحوظ لهذه المكاسب في مضمار التنافس الدولي، في إطار الشراكة، التي قسَّمت اليمن، فعليًّا، إلى مناطق نفوذ بينها وبين المملكة العربية السعودية وذلك من خلال ما يلي:

‌أ. الاستغلال العسكري للمضائق، والجزر، والإطلالات البحرية المتعددة والمتنوعة.

‌ب. السعي لإيجاد وضع خاص لميناء عدن، أو إلحاقه بموانئ دبي العالمية، من خلال إحياء اتفاقية تشغيله، التي ألغيت عام 2012.

‌ج. التحكم في ستة قطاعات نفطية بحرية مغمورة، يقع ثلاثة منها قبالة السواحل اليمنية المشاطئة للبحر الأحمر، وثلاثة في خليج عدن، التي سبق أن منحت الحكومة اليمنية عام 2013، امتيازات التنقيب فيها لشركة توتال الفرنسية.

‌د. إضعاف قوى ثورة 11 فبراير/شباط 2011، باستهداف حزب التجمع اليمني للإصلاح، بوصفه أبرز هذه القوى، فضلًا عن كونه، بحسب الرؤية الإماراتية، فصيلًا تابعًا للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي أدرجته ضمن قوائم الإرهاب.

رغم أن هذه الأهداف تبدو عسيرة المنال، إلا أن الإمارات تمكَّنت، لتحقيقها من اختراق بعض دول القرن الإفريقي، ودول غربي المحيط الهندي، التي تعاني ظروفًا سياسية واقتصادية مضطربة، محققة من وراء ذلك مكاسب وامتيازات استثمارية كثيرة في مجال النقل البحري، يصل بعضها إلى ثلاثين سنة قادمة.

الاستراتيجية المتبعة في تنفيذ الأهداف

اعتمدت الإمارات في هذه الحرب استراتيجية خاصة يمكن أن نطلق عليها “استراتيجية الهيمنة”، ولعل أقرب توصيف جزئي لها، أشار إليه، منذ وقت مبكر، أحد خبراء التحليل الاستراتيجي، بأنها “استراتيجية عسكرية أكثر عدوانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، في محاولة للحدِّ من الفوضى، التي أطلقتها الثورات العربية، التي بدأت في أواخر عام 2010”.

وهذه الاستراتيجية، في ملمحها الخشن، تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف المشار إليها، وفقًا لمبدأ “المكاسب المطلقة” المتعارف عليه في مجال التعاون الدولي.

لقد بادرت الإمارات، بعد خروج مقاتلي الحوثيين والجيش الموالي لهم من عدن، إلى تحقيق قدر مرتفع من مكاسب التعاون العسكري القائم بينها وبين السعودية، وكذا الطرف اليمني المعني بهذا التعاون، ممثَّلًا بالسُّلطة، التي يمثلها الرئيس، عبد ربه منصور هادي، الذي حاول، مرارًا، إفشال سياسة الهيمنة الإماراتية في اليمن، التزامًا بمسؤوليته الوطنية والدستورية، والتقيد بحدود مكاسب هذا التعاون، التي لا ينبغي أن تتعدى مبدأ “المكاسب النسبية”، كأعلى حدٍّ مع شريكيه؛ لأن السماح بمبدأ “المكاسب المطلقة”، يُحدث خللًا في ميزان الشركاء، لاسيما في بيئة التعاون الدولي، التي يكتنفها التنافس، ولا تفارق أطرافها الريبة والشك؛ بفعل الخداع الذي قد يلجأ إليه بعض الشركاء(9)، وهو الحاصل، فعلًا، في هذا التحالف البادي أثره في التنافس بين الإمارات والسعودية، في مقابل مكاسب متدنية للطرف اليمني، الذي تكبله في مواجهتها، قيود مادية وأدبية.

أدوات وأساليب الاستراتيجية

تقوم الاستراتيجية الإماراتية على مجموعة من الأدوات والأساليب، الرامية إلى تحقيق الأهداف، والغاية النهائية من مشاركة قواتها في الحرب اليمنية. وتتضح هذه الأدوات والأساليب فيما يلي:

أولًا: أدوات الاستراتيجية

تتخلص أدوات الاستراتيجية في الآتي:

1- أدوات النفوذ الخشنة

يتجلى ذلك في بعدين، هما:

القوة العسكرية في إطار دعم السلطة الشرعية

تتيح الحروب فرض إرادة الطرف القوي لتحقيق أهدافه وغاياته. وفي ضوء مفهوم الأمن الخشن تعد القوات المسلحة أداة لفرض هذه الإرادات. ومنذ عام 1991 انتهجت الإمارات هذا المسلك بانخراطها في عدد من الحروب التي نشبت في الشرق الأوسط، بمعية الجيش الأميركي، باستثناء غزو العراق عام 2003، في خطوة تُمازِج فيها الإمارات بين القوة الصلبة والقوة الناعمة التي تتمتع بها، بوصفها الدولة العربية الوحيدة، التي تنخرط قواتها في مجال العمل الإنساني، ودعم العمليات العسكرية، التي تنفذها القوات الأميركية وقوات حلف الأطلسي.

على هذا النحو، يبرز دور الإمارات في الحرب الناشبة في اليمن. فحتى أغسطس/آب 2015، كان نحو 2800 جندي إماراتي من القوات الخاصة والعاملين في الخدمات اللوجستية، يتخللهم بضع مئات من الجنود السعوديين، متمركزين في عدن، فيما بلغ عدد الجنود الإماراتيين في اليمن، بشكل عام، حتى سبتمبر/أيلول 2017، نحو أربعة آلاف جندي، يجري استبدالهم بين وقت وآخر(13).

وتكشف مجريات الحرب أن الجزء الأكبر منهم ينتشرون في عدن ولحج، فيما تنتشر أعداد محدودة في مناطق بحضرموت، وشبوة، وأبْيَن، ومأرب، وباب المندب، والمخاء، جنبًا إلى جنب قوات من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وقوات من الجيش السوداني، وعدد من ضباط وضباط الصف من الجيش السعودي.

على صعيد القوات الجوية، دفعت الإمارات بنحو ثلاثين طائرة مقاتلة، لتحتل المركز الثاني بعد السعودية، في عدد الطائرات المشاركة، والمهام المنفَّذة، ومهام أخرى نُفِّذت مع الطيران الحربي القطري من طراز “سي-17” و”سي-130″، أثناء استئناف عمل وتأمين الرحلات الجوية المدنية والإنسانية إلى مطار عدن.

ومع تعطُّل قدرات القوات الجوية اليمنية ودفاعاتها في المناطق الخاضعة للانقلابيين، وعدم إعادة بناء وتأهيل ما دُمِّر منها في المناطق المحررة، لا يزال الطيران الحربي الإماراتي والسعودي، يفرضان سيادة مطلقة على المجال الجوي اليمني.

على الصعيد البحري والساحلي، دفعت القوات البحرية الإماراتية، بعدد من القطع البحرية المحمَّلة بالعتاد العسكري إلى عدن، مثل: سفن إنزال الدبابات، والسفن الحربية البرمائية، بما فيها سفينة “سويفت” اللوجستية، من طراز “2 (إتش إس في-2)”، التي كانت فيما سبق ضمن تشكيل القوات البحرية الأميركية.

وقد تعرضت في أكتوبر/تشرين الأول 2016، لقصف صاروخي قبالة الساحل الغربي لليمن، من قبل عناصر من القوات البحرية في الجيش اليمني الموالي للحوثيين. كما دفعت بعدد من قطعها البحرية إلى سواحل مدينة المكلا بمحافظة حضرموت؛ لإسناد مقاتلي النخبة الحضرمية، أثناء تحرير المدينة من قبضة مقاتلي جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، في أبريل/نيسان 2016، ودعمت، بالمثل، قوات النخبة الشبْويَّة، التي انتشرت في ديسمبر/كانون الأول 2016، على طول ساحل المحافظة؛ لتأمين الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، الواقعة بمنطقة بلحاف.

مع مرور الوقت، أصبحت السواحل اليمنية، وبعض الجزر، على طول بحر العرب، وخليج عدن، والبحر الأحمر، حتى ميناء المخاء، تحت السيطرة والإشراف الفعلي للقوات الإماراتية، ولا تزال كذلك حتى اللحظة؛ حيث توقفت العمليات العسكرية للتحالف، عند ميناء المخاء، منذ مطلع مايو/أيار 2017، في ظل نفوذ غير متكافئ بين سلطة الرئيس هادي وسلطة القيادة العسكرية الإماراتية.

القوة العسكرية في إطار الحرب على الإرهاب

مثَّل التعاون على مكافحة الإرهاب، أداة أخرى لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للإمارات؛ حيث تخطَّى وجود قواتها في اليمن، تحقيق الأهداف المعلنة لعملية عاصفة الحزم، إلى تعقب عناصر القاعدة في معاقلهم، وليس إخراجهم من المدن، التي يسيطرون عليها فقط، ومع ذلك فقد يقال: إن الأمر يدخل في صميم تمكين السلطة الشرعية من هذه المناطق وتعزيز نفوذها فيها. لقد تجلَّى ذلك من خلال مشاركتها القوات الأميركية في العملية العسكرية الموسومة بـ”أسود البحر”، التي استهدفت بلدة يكلا بمحافظة البيضاء، في 29 يناير/كانون الثاني 2017، التي خلَّفت، للأسف، ضحايا مدنيين، بينهم طفلة وبضع نساء، مع أن هذه المناطق تشهد مواجهات مسلحة ضارية بين مقاتلي الحوثيين والمقاومة الشعبية. وعلاوة على ذلك، قامت بإعداد قوات جنوبية ذات مهام خاصة، ودعمها بالمعدات اللازمة لمواجهة تنظيم القاعدة في بعض المحافظات الجنوبية.

سيكون من المهم الإشارة إلى أن دور الإمارات في محاربة الإرهاب، ظل لفترة طويلة قبل الحرب اليمنية، محلَّ شك من قبل الأميركيين؛ فبحسب ما أفاد به أحد خبراء مكافحة الإرهاب الأميركيين لوكالة أنباء رويترز، في منتصف عام 2016، “أن البعض في الحكومة الأميركية لم يكن يصدِّق، في البداية، جدية وقدرة الإمارات على مكافحة الإرهاب” لكن على ما يبدو، أن الفرصة أضحت مواتية لها لتبديد هذه النظرة، فضلًا عن كونها مبرِّرًا للوصول إلى الخصوم والمناوئين لسياستها في اليمن، على غرار مشجب “أخطاء النيران الصديقة”، التي قتلت وتقتل الكثير من قادة وجنود الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، في مأرب، ولحج، وتعز، ممن يتخذون مواقف مناوئة لسياستها، التي تنتهك بعض الثوابت الوطنية، مثل: وحدة التراب، واستقلالية القرار، وممارسة أعمال السيادة على الأرض اليمنية.

2- أدوات النفوذ الناعمة

تتمثل هذه الأدوات بالآتي:

مراكز النفوذ الموالية

سعت الإمارات، منذ وقت مبكر، إلى إيجاد زعامات وقوى سياسية بديلة للقوى المناوئة لهيمنتها في الجنوب، ودعم قوى أخرى سابقة مناوئة للرئيس هادي، الذي ساءت علاقته بقيادتها السياسية، بعد تنحيته خالد بحاح من منصبه، الذي كان يشغل منصبي رئيس الحكومة ونائب الرئيس حتى أبريل/نيسان 2016، وذلك على خلفية تجاوزات تمس مركز وسلطة الرئيس هادي، وتقليصًا لنفوذ الإمارات، التي حاولت استغلاله لمصالحها.

وبالمثل، ولأسباب مشابهة، أقال الرئيس هادي محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، ووزير الدولة، المسؤول عن قوات الحزام الأمني في عدن، هاني بن بريك، أواخر أبريل/نيسان 2017، بعد أن صارا أداتين طيعتين بيد القيادة الإماراتية، لم يستطع هادي، بوجودهما الاستقرار في عدن، ثم كانت آخر إطاحة بمراكز النفوذ الإماراتي، قرارات الرئيس هادي بتنحية بعض المحافظين، مثل محافظي حضرموت، وشبوة، وأبين، الذين شملهم تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي الانقلابي، أو باركوا ذلك.

استثمارًا لهذا النفوذ، صعَّدت الإمارات هجومًا شرسًا ضد الرئيس هادي، عن طريق الحراك الجنوبي الانفصالي، وحشدت قادة عسكريين وسياسيين من المناوئين له، ممن يقيمون في الإمارات ومن دول أخرى، وكذا آخرين من الداخل، فتبلور هذا الجهد في الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، المشار إليه سلفًا، والمعلن عنه في مايو/أيار 2017؛ لإدارة المحافظات الجنوبية، برئاسة المحافظ المُقال وعضوية عدد من القادة السياسيين والعسكريين، ليبدو الأمر كما لو أنه انقلاب ناعم تديره وتدعمه القيادة الإماراتية، التي التزمت الصمت المريب، فيما ذهب بعض المحللين إلى القول بأنه محاولة عاجلة للاقتراب أكثر من نهاية الحرب في محافظات الجنوب تحديدًا، للمضي في تقرير مصيرها بالانفصال التام، وما يترتب عليه من ضمان للأهداف الإماراتية، التي تثابر لأجلها بشتى الوسائل.

مع استفراد القوات الإماراتية بمدينة عدن، بمعية المئات من المرتزقة الكولومبيين، الذين تلقوا تدريبات مختلفة في قاعدة زايد العسكرية، ضمن مشروع بدأته الإمارات عام 2010، ومشاركة متواضعة للقوات البرية السعودية، وانخراط قوات سودانية؛ أدمجت عناصر قيادية سلفية موالية للإمارات داخل قوات الحزام الأمني، الذي تشكَّل في هذه الظروف، فتصاعد دور الجماعة السلفية الموالية لها، تمهيدًا لاستغلالها في أدوار مستقبلية، ضمن أحزاب سياسية قد تشهدها الساحة الجنوبية، لتعمل كندٍّ سياسي لحزب التجمع اليمني للإصلاح، وحزب الرشاد السلفي القريب منه، اللذين لا وفاق يُذكَر بينهما وبين الإمارات، رغم ما تبديه قيادتا هذين الحزبين من مرونة تجاهها.

وقد لوحظ أنه منذ أن سيطرت القوات الإماراتية على عدن، يواجه حزب الإصلاح هجمة شرسة، طالت قياداته، وقواعده، ومقراته، دون سواه من الأحزاب، مثل حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه حليف الحوثيين في الحرب، الرئيس السابق، علي صالح.

الآلة الإعلامية الموجهة

في السياق العام للحرب، لعبت الآلة الإعلامية الإماراتية دورًا بارزًا في توجيه متابعي الأحداث نحو الأهداف، التي أعلن عنها التحالف العربي، وقد حُشد في سبيل ذلك مجموعة من الحيل الإعلامية، التي عادة ما توظَّف في كثير من الحروب، ولعل من أبرز ذلك ما يلي:

– صرف الأنظار عن الأهداف الاستراتيجية

وقع متابعو الأحداث، من اليمنيين وغيرهم، في شراك ما يصدر عن الإعلام المساند للتحالف العربي عمومًا، والإعلام الإماراتي خصوصًا، الذي خاطب مشاعرهم القومية، وهو يثير لديهم نشوة الاعتزاز والفخر، حين يتردد على المسامع أن الجيش الإماراتي وغيره من جيوش دول التحالف جاؤوا “للدفاع عن أرض الأجداد”، في إشارة إلى أصول حكام الإمارات من آل زايد، التي تعود إلى محافظة مأرب التاريخية، فضلًا عن القول: إن الحرب تستهدف النفوذ الإيراني في المنطقة، الذي يمثِّله، في اليمن، المتمردون الحوثيون.

في هذا الاتجاه، كانت الأهداف المعلنة للتحالف، لصيقة بأغلب الأخبار، التي تتناول أحداث الحرب، إلا أن أيًّا من تلك الأهداف لم يتحقق، رغم مرور أكثر من عامين؛ إذ ما زال الانقلاب قائمًا، ولم تتمكن مؤسسة الرئاسة والحكومة الشرعية من إيجاد موطئ قدم آمن لممارسة مهامها، أما ما تحقق، فعلًا، فإنما يصب في أجندات قطبي التحالف، وبدرجة أولى دولة الإمارات، التي تعد الصوت الأعلى في محافظات الجنوب.

– إيجاد منطقة ظلام معلوماتي

لتحقيق بعض الأهداف الاستراتيجية، اكتنف الغموض المتعمد والسرية التامة، الكثير من الأحداث المأساوية، التي رافقت الحرب؛ بفعل ضربات طيران التحالف، أو إفراغ محافظات الجنوب من الوجود الشمالي، الذي كان طاغيًا فيها؛ فحالت منطقة الظلام المعلوماتي هذه دون إيجاد تفسير واضح لتلك الأحداث، وتحديد من يقف وراءها، لكن، عادة، كان أغلبها يشير إلى الإمارات، اعتمادًا على قرائن مفسرة، لا معلومات أو أدلة متاحة.

من أبرز ما يمكن الاستشهاد به، الاستهدافات المتكررة للطيران على معسكرات الجيش المساند للشرعية ومقاتلي المقاومة الشعبية، التي كان أولها استهداف معسكر في منطقة العَبر بحضرموت، في يوليو/تموز 2015، مخلِّفًا وراءه أكثر من سبعين قتيلًا، ينتمي أغلبهم إلى قوى 11 فبراير/شباط 2011.

وعلى نحو ذلك مسألة المعتقلات الإماراتية بعدن والمكلا بحضرموت، التي يُتَّهم فيها، إلى جانب الإمارات، قوات الحزام الأمني المدعومة منها، وهي مسألة ظلت طيلة عامين في منطقة الظلام المعلوماتي المصطنعة؛ لارتباط ذلك بالأهداف الاستراتيجية للإمارات، وأهداف القوى الداخلية الموالية لها، ولربما كان جانب من هذا التعتيم ضمن خطط القتال لدى قيادة التحالف العربي.

المال السياسي

لم يُتَح، حتى الآن، الكشف عن دور المال والامتيازات، التي تقدمها الإمارات لشخصيات عسكرية، أو سياسية، أو إعلامية، أو نحو ذلك، ممن يجري توظيفها كأذرع نفوذ في معركتها ضد المناوئين لمشاريعها في اليمن، وذلك على نحو ما كشفت عنه تقارير دولية من ممارسات مماثلة لها في ليبيا، لكن الملاحظ من تردد بعض أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي ومحافظي المحافظات، على (أبو ظبي)، والحفاوة البالغة، التي يُقابَلون بها، التي لم يحظَ بها الرئيس هادي نفسه، أنها تشير، بما لا يدع مجالًا للشك، إلى أن الإمارات التي استعملت المال في كسب الولاءات في ليبيا لن تتصرف بخلاف ذلك في اليمن.

التداعيات المتوقعة للدور الإماراتي

تعتقد القيادة الإماراتية أن تَوَغُّلَها في مدن الجنوب، وتَغَوُّلَها في مواجهة مناوئيها من القوى السياسية الداعمة للسلطة الشرعية، أمر مرضيٌّ عنه شعبيًّا، وليكن ذلك، على الأقل، في محافظات: عدن، ولحج، والضالع. وأن ذلك السلوك سيُعلي من مكاسبها، ويعزز نفوذها جنوبي البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أنه، وعلى افتراض وقوعه، لن يُكتب له البقاء؛ إذ من المعلوم أنه مهما كانت خسائر المتحالف مع أي بلد، فلن يُسمح له بتجاوز حدود المصالح الوطنية، ولعل تجربة الاستعمار البريطاني في الجنوب اليمني (1839-1967)، والتدخل المصري في الشمال (1962-1967)، مع مراعاة الفارق بينهما، أوضح مثالين، وأقوى عبرتين لمن يعتبر، رغم الخسائر الفادحة، التي لحقت بكل منهما.

حتى الآن، تتعرض الإمارات لقدر كبير من اللوم؛ بسبب إخفاق التحالف في تحقيق أهدافه، وممارساتها غير المقبولة، بناء على دورها المغاير، الذي يشرد بعيدًا عن جميع الحلفاء. وبناء على ذلك، يشار إلى أن سياستها تمثل عقبة أمام الحسم العسكري، أو التسوية السياسية العادلة، لكنها تحاول مواجهة ذلك بإثبات حُسن النية، وهي تتولى، مثلًا، قيادة العمليات العسكرية في الساحل الغربي لليمن، وتحرز تقدمًا ملحوظًا فيه، غير أنه يعتري ذلك النشاط، بعض التوجهات الخطرة داخليًّا، مثل: الطابع المناطقي للتشكيلات المقاتلة، التي يغلب عليها المناطقية والمذهبية؛ فمعظم القادة والمقاتلين من محافظات الجنوب، وهو إفراز طبيعي لدورها في تشكيل تلك القوى وإدارة مجريات الحرب؛ إذ لم يتح المجال لأي شمالي للانخراط في الجيش المكون في الجنوب، خلافًا لما يجري في قوات الشرعية في الشمال؛ وبالتالي، فإن القوات التي تتقدم على الساحل الغربي تحت قيادة عسكرية إماراتية، أضفت على الحرب طابعًا مذهبيًّا وجهويًّا، وسيزداد ذلك كلما تقدمت شمالًا باتجاه مناطق الهضبة الزيدية.

في الآفاق المنظورة لتداعيات الدور الإماراتي في الحرب، ثمة ما يشير إلى أن دورها بات خطرًا على السلطة الشرعية، من خلال مساعيها للإطاحة، بالرئيس هادي، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار اليمن ووحدة ترابه، وانعكاس ذلك على محيطه الإقليمي، لاسيما في ظل تنامي نزعات مناطقية جنوبية تستقوي بالآلة العسكرية، التي أسستها ودعمتها الإمارات داخل محافظات الجنوب، الواقعة خارج السيطرة الحقيقية للسلطة الشرعية، لتتحول البلاد إلى كانتونات مشيخية تُذكِّر بعهد الاحتلال البريطاني. وعلى النقيض من ذلك قد تتعرض هذه المناطق، مجددًا، إلى اجتياح شمالي وفق تحالفات جديدة، بدعوى الحفاظ على الوحدة الوطنية، مع تصاعد نشاط جماعات القاعدة وفروعها، التي يزداد حضورها مع ضعف مركز الدولة وتجزُّء سلطاتها.

في إطار العلاقة بين قطبي التحالف، ثمة من يرى أنه قد تدفع الأطماع الإماراتية المتزايدة نظيرتها السعودية إلى نقطة حرجة يسقط فيها التحالف القائم، وتسقط فيها كل المنجزات، التي حققها أطراف التحالف، لاسيما إذا ما ازدادت أزمة الحصار المفروض على قطر تعقيدًا، قد يكون من تداعياته حدوث مستجدات مفاجئة ينفرط معها عقد التحالف؛ وبالتالي لن يخدم ذلك سوى المتربصين بالتحالف داخل اليمن وخارجه.

أمام ما تواجهه الإمارات من سخط شعبي عارم في محافظات الشمال، وهيمنتها المرفوضة في محافظات الجنوب من قبل أطراف جنوبية فاعلة، يبدو أن ما ذهب إليه، العام الماضي، أحد المحللين الغربيين في شؤون الشرق الأوسط، والمتخصص في شؤون الخليج، يقترب من التحقق، وهو أن الإماراتيين باتوا مدركين أنهم في مأزق، وأن شأنهم، في ذلك، شأن من دخل حربًا دون استراتيجية خروج واضحة المعالم؛ ولذلك فالخيار الأنسب لهم، الآن، أنهم مثلما أحسنوا حساب التكلفة، ينبغي عليهم التفكير، جيدًا، في كيفية التقليل من الخسائر، والتوقيت المناسب للقيام بذلك.