موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تقرير: محمد بن زايد يسعى لكسب ود أثيوبيا لتعويض نكساته الإفريقية

111

أثارت الزيارة المفاجئة لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم الجمعة أول أيام عيد الفطر المبارك بمرافقة وفد إماراتي كبير في زيارة استمرت يومين التساؤلات حول أسباب وأبعاد هذه الزيارة وتوقيتها وبهذا التمثيل السياسي الرفيع من قبل الإمارات و كا تضمنته الزيارة من تقديم دعم إماراتي بثلاثة مليارات دولار لدعم الاقتصاد الأثيوبي.

وجاءت زيارة بن زايد إلى أثيوبيا بعد أقل من شهر على زيارة رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد كإلى أبوظبي ولقاءه مع محمد بن زايد وتأكيده على أن العلاقة بين البلدين (الإمارات وإثيوبيا) علاقة قوية وأنه واثق لتعزيز هذه العلاقة أكثر من أي وقت مضى.

وقال المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية أحمد شيدي إن دولة الإمارات تعهدت بتقديم ثلاثة مليارات دولار مساعدات واستثمارات إلى إثيوبيا، في إظهار لدعم كبير لرئيس الوزراء الجديد آبي أحمد.

وأوضح شيدي أن الإمارات ستودع مليار دولار في البنك المركزي الإثيوبي لتخفيف النقص الحاد في العملة الأجنبية.

فيما ذكر مسؤول بوزارة الخارجية الإثيوبية إن الملياري دولار الآخرين من أبوظبي سيُستثمران في قطاعات السياحة والطاقة المتجددة والزراعة وفي مؤشر على تغير المواقف الإثيوبية، علّقت الوكالة في تقريرها بأن الإمارات وحلفاءها الخليجيين، خصوصا السعودية، دأبوا على تقديم مبالغ ضخمة لحكومات “متعاونة” في المنطقة. مشيرةً إلى أن آبي أحمد زار مصر الأسبوع الماضي، مبديًا لهجة تصالحية جديدة في نزاع طويل ومرير بشأن سد تبنيه إثيوبيا على النيل، وتخشى مصر أن يهدد إمداداتها المائية.

واعتبرت مصادر دبلوماسية أن الزيارة تأتي ضمن جهود سعودية و إماراتية لإنقاذ عبدالفتاح السيسي من ورطة سد النهضة الإثيوبي، لافتة إلى أن “هناك تعويلاً مصرياً كبيراً على ذلك التحرك لإنقاذ الموقف”.

وأشارت المصادر إلى أن “القاهرة حصلت على وعود سعودية ــ إماراتية بالتدخل الحاسم، لتجاوز الأزمة عبر تقديم إغراءات اقتصادية للحكومة الجديدة في إثيوبيا تجعلها تستجيب للمطالب المصرية”، مؤكدة أن “التحركات السعودية الإماراتية، ستكون عبْر حزمة استثمارية ومساعدات اقتصادية على مراحل عدة، لتعوّض أديس أبابا عن أي تأخير متعلق بخطتها الرسمية لتشغيل السد”.

لذا يبدو أن الهدف الأول من زيارة ولي عهد أبوظبي لأديس أبابا سيكون إنقاذ الحليف المصري من ورطته الوشيكة حيث أنهت إثيوبيا حتى الآن أكثر من 67% من مراحل إنشاء السد، بل وبدأت تركيب التوربينات الخاصة بتوليد الكهرباء إذ يتوقع أن ينتج سد النهضة نحو 6250 ميجا واط من الكهرباء تكفي الاستهلاك المحلي ويُصدر الباقي إلى دول الجوار مثل السودان وجيبوتي وكينيا بحسب ما أزرده تقرير لموقع ” نون بوست”.

ويؤكد صحة ما ذهبت إليه المصادر، أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد استقبل الأسبوع الماضي، أحمد قطان وزير الدولة السعودي للشؤون الإفريقية، حاملًا رسالة خطية من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم تكشف وكالة الأنباء الرسمية الإثيوبية عن مضمونها مكتفيةً بالقول إن الجانبين بحثا القضايا ذات الاهتمام المشترك ومسار العلاقات الثنائية.

كما ربما تحمل زيارة محمد بن زايد لأديس أبابا إغراءات أخرى لحمل إثيوبيا على اتخاذ موقف مناهض من قطر وتركيا، وقد ظهرت مؤشرات هذا الاتجاه خلال التغطية الإعلامية التي قامت بها وسائل إعلام إماراتية ومصرية لزيارة آبي أحمد الأسبوع الماضي إلى مصر التي التقى فيها السيسي محاولًا بث تطمينات “شفهية” للجانب المصري مفادها عدم تضرر القاهرة من سد النهضة.

حيث اعتبرت تلك الصحف والمواقع أن التنسيق الإثيوبي مع مصر يفشل محاولات ما أسموه “محور الشر” لضرب العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا. ولعب كُتَّاب مصريون على وتر إخضاع القيادة الإثيوبية الجديدة، واصفين حكومة هايلي مريام ديسالين السابقة بأنها “متعنتة” وذات علاقات “مشبوهة” مع تركيا والسودان وقطر.

ونشير إلى أن الحكومة الإثيوبية السابقة كانت قد عززت علاقاتها مع قطر وتركيا حيث تبادل كل من الأمير تميم بن حمد آل ثاني وهايلي ديسالين الزيارات في فترة زمنية قصيرة لم تتعدَّ 7 أشهر، كما منحت سلطات أديس أبابا رخصةً لقناة الجزيرة كأول قناة فضائية عالمية تعمل من داخل إثيوبيا في خطوةٍ مؤكد أنها أثارت انزعاجًا كبيرًا لدى محور الرياض ـ أبوظبي الذي كان يطالب بإغلاق القناة كليةً ضمن شروطه لإعادة العلاقات مع قطر.

زيادة على ذلك، رفضت إثيوبيا ــ الدولة المحورية في القارة السمراء ــ الاستجابة إلى ضغوط وإغراءات لقطع العلاقات مع الدوحة خلال مشاركة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في فعاليات القمة الإفريقية العام الماضي التي انعقدت بعد حوالي شهر من اندلاع الأزمة الخليجية.

كما يحتمل أن تكون من أهداف زيارة  الشيخ محمد بن زايد، هو ملف المصالحة الإثيوبية ـ الإريترية حيث حملت الأنباء خلال الأيام الماضية أن الائتلاف الحاكم في إثيوبيا قد وافق على اتفاق الجزائر لترسيم الحدود بين إثيوبيا وإريتريا من أجل حل الخلاف بين الدولتين.

وتجدر الإشارة هنا إلى  العلاقات الوثيقة التي تربط بين ولي عهد أبوظبي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لذا نعتقد أنه من الوارد جدًا أن يبحث الأول مع المسؤولين الإثيوبيين إمكانية دفع الوساطة بين البلدين أو القيام بدورٍ في هذا الصدد لتحسين صورة بلاده السيئة في المنطقة.

وترتبط دولة الإمارات بعلاقاتٍ اقتصادية مع جمهورية إثيوبيا، إذ تستثمر أبوظبي نحو 523 مليون دولار استثمارات مباشرة بحسب محمد شرف، مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الاقتصادية والتجارية الإماراتي.

كما تحتضن الإمارات أعدادًا كبيرة من العمالة الإثيوبية تساهم بتحويلاتها المالية في إنعاش الوضع الاقتصادي لإثيوبيا التي تعاني من عدد السكان الكبير “100 مليون نسمة” وقلة فرص العمل.

مصادر أثيوبية أكدت اتجاه الإمارات للتقدم بطلبات ترخيص لافتتاح مكتب في أديس أبابا، وربما مكتب آخر لوكالة الأنباء الإماراتية (وام)، يكون هدفهما تحسين الصورة الذهنية لأبوظبي بعد الهزائم القاسية التي مُنيت بها أخيرًا في منطقة القرن الإفريقي (الصومال وجيبوتي) وقد يكون الهدف غير المعلن من ذلك هو تغيير لهجة الإعلام الإثيوبي تجاه مصر أو تحييده على الأقل ليتوقف من اتخاذ مواقف مناهِضة للقاهرة ولدعم الرؤية المصرية في سد النهضة ضمن استراتيجية تهدف لتغيير قناعات الرأي العام الإثيوبي ودول المنطقة.

وشهدت أثيوبيا تغيرات متسارعة في عهد آبي أحمد، يتمثل أبرزها في إطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين واحتواء المعارضين الذي ن كانوا مقيمين بالخارج، بالإضافة إلى سعي الحكومة لتحسين العلاقات مع الجارة العدو اللدود “إريتريا”، واتخاذ قرارات اقتصادية جريئة بخصخصة الشركات الحكومية.

وبنظرة سريعة، يبدو أن المخطط الإماراتي ليس سهلًا بدليل الزيارة المفاجئة لمحمد بن زايد والوفد الكبير الذي رافقه، لذلك فإن الحكومة الإثيوبية الجديدة وائتلاف “الجبهة الثورية الديقراطية للشعوب الإثيوبية” الحاكم سيكونان أمام تحدٍ حقيقي  تحمله أجندات زيارة محمد بن زايد غير المسبوقة التي استمرت يومين. إذ إنه من الواضح أن أبوظبي والقاهرة والرياض يراهنون على ضم إثيوبيا للحلف الإماراتي السعودي المصري ولعزلها عن السودان ودول الجوار التي ساءت علاقاتها مع أبوظبي “الصومال وجيبوتي”.

ومن غير المحتمل أن تستجيب أديس أبابا لضغوط أخرى تحملها على تغيير موقفها من الأزمة الخليجية وقيامها بقطع العلاقات مع قطر، فذلك سيضر كثيرًا بسمعة إثيوبيا وزعامتها للقارة الإفريقية، ولا نعتقد كذلك أن يكون لدى إثيوبيا مانع من افتتاح مكتب لقناة “سكاي نيوز عربية” أو غيرها طالما سمحت لقناة الجزيرة بالعمل من داخل البلاد.

صحيح أن إثيوبيا تسعى لجذب الاستثمارات الخارجية لإنعاش اقتصادها، ولكننا نرى أن رئيس الدبلوماسية الإثيوبية المخضرم “ورقينيه قيبيو” سيلفت قيادة بلاده إلى الاستفهامات الكبيرة التي توجه للدور الإماراتي في المنطقة وخلفيات طردها من جيبوتي ثم الصومال البلدين الجارين لإثيوبيا واللغط الكبير الذي يدور حول سياستها في اليمن وجزيرة “سقطرى” على وجه الخصوص.

كما أن المبلغ الذي قدمته أبوظبي “3 مليار دولار” ليس كبيرًا ولن يكفي لحل أزمات أديس أبابا حتى تتخذ لأجله قرارات مصيرية يصعب التراجع عنها مستقبلًا.

إلى ذلك، ففور وصول محمد بن زايد إلى إثيوبيا، عبّر نشطاء إثيوبيون على منصات التواصل الاجتماعي، عن مخاوفهم من الزيارة الإماراتية ودلالاتها.

بينما أشارت حسابات أمنية إماراتية بصريح العبارة إلى أن الدعم الإماراتي لإثيوبيا جاء لصالح مصر، وتخوفت “خلايا أبوظبي” من إمكانية إجهاض قطر لمخططات ابن زايد إذا تحركت الدوحة بصورة عاجلة.

وبالعودة إلى ملف العلاقات الإثيوبية ــ المصرية وما رشح عن تنازلات “غير مؤكدة” قدمتها أديس أبابا استجابة للضغوط الإماراتية، فإن الشعب الإثيوبي ربما لن يقبل بتأخر تشغيله جراء الاستجابة لمطالب مصر التي تتضمن إطالة فترة ملء بحيرة السد لتكون 7 سنوات بدلًا عن 3 سنوات التي اقترحتها أديس أبابا وظلت متصلبة ورافضة التفاوض حولها طيلة الفترة الماضية. كما يتخوف مواطنون إثيوبيون من سياسة التنازلات والمرونة غير المسبوقة التي أبدتها الحكومة الجديدة بقيادة آبي أحمد مع إريتريا ومصر.

خارجيًا، ستفقد إثيوبيا حليفها السودان الذي ظلّ مخلصًا وداعمًا لأديس أبابا في ملف سد النهضة رغم الضغوط التي مارسها السيسي على الخرطوم ورغم تقلب مواقف الحكومة السودانية فإنها ظلت وفيةً لإثيوبيا حتى لدرجة المشاركة في تأمين السد بقوةٍ مشتركة وتنسيق أمني وسياسي رفيع المستوى.

لذا يبدو أن ولي عهد أبوظبي إلى أديس أبابا وتقديمه لل3 مليارات دولار يُعوّل على كسب ود إثيوبيا المؤثرة إفريقيًا وضمها إلى صف أبوظبي أو تحييدها على الأقل من علاقاتها المتنامية مع أنقرة والدوحة حيث أن إثيوبيا في عهد ديسالين كانت أقرب إلى محور “تركيا، قطر، السودان” في مواجهة محور “السعودية، الإمارات، القاهرة، إريتريا”  وربما تحمل الزيارة مكايدات ورسائل لدول جوار إثيوبيا التي توترت علاقاتها مع أبوظبي “الصومال وجيبوتي”.