موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

وباء الانقلابات بدعم إماراتي يحوّل الربيع العربي شتاءً

196

قالت موقع دويتشه فيله الإماراتي إن وباء الانقلابات في الدول العربية بدعم من دولة الإمارات حول الربيع العربي إلى شتاء يتم فيه تكريس القمع والاستبداد.

وذكر الموقع في تحليل له أن ما يجري في السودان أو في تونس والجارة الليبية، غير بعيد عن تأثير ما يعرف بمحور “الثورة المضادة”، خصوصا السعودية والامارات ومصر.

وأبرز الموقع أن الإمارات –بالتنسيق مع حلفائها- لا تخفي مناهضتها للديمقراطيات الناشئة وتستثمر جهودا كبيرة من أجل دعم قوى النظام القديم أو قوى جديدة شعبوية ومناوئة للديمقراطية.

واعتبر أن التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة لاسيما السودان وتونس اللتان تجتازان مرحلة تحول ديمقراطي نهاية عقد من “الربيع العربي” لم تتحول إلى خريف فقط، بل أيضا إلى شتاء، تثير أسئلة جوهرية حول دور الغرب ونفوذه في المنطقة؟.

وفيما يلي نص التقرير: في فجر الخامس والعشرين من اكتوبر/ تشرين أول عندما كانت دبابات الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس المجلس السيادي للحكم الانتقالي في السودان، تبسط سيطرتها على المواقع الاستراتيجية في العاصمة الخرطوم وتطيح بمؤسسات الحكم المدني في البلاد وتعتقل رئيس الوزراء وعدد من أعضاء حكومته، لم يكن دخان كيروسين طائرة المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون القرن الأفريقي جيفري فيلتمان قد انقشع بالكامل من الأجواء السودانية، مخلّفا وراءه أسئلة حارقة عن حقيقة الموقف الأمريكي من انقلاب قوبل برفض شعبي في السودان وبإدانات دولية واسعة بما فيها من واشنطن!.

المفارقة المثيرة للأسئلة حول موقف الإدارة الأمريكية مما يجري في السودان، سبقها مشهد آخر لا يقلّ دراماتيكية. ففي ليلة الخامس والعشرين من يوليو/ تموز الماضي، وإثر احتجاجات شعبية، اقتحمت دبابة باحة البرلمان التونسي في قصر باردو التاريخي، ومنعت رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي من دخول البرلمان الذي أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد تجميده ورفع الحصانة عن أعضائه وإقالة رئيس الوزراء وفرض حالة الطوارئ في البلاد.

المشهد التونسي أثار صدمة وردود فعل غاضبة في واشنطن وعواصم أوروبية عديدة، رغم أنها لم تذهب إلى حد وصف ما حدث بـ”الانقلاب”.

كيف حدثت التطورات الدراماتيكية الأخيرة في المنطقة وخصوصا في الدول التي كانت تجتاز مرحلة انتقال ديمقراطي نهاية عقد “الربيع العربي” وحولته إلى خريف، لا وبل إلى شتاء، وما حقيقة موقف الغرب إزاءها وما دلالتها على مستقبل دور الغرب ونفوذه بالمنطقة؟

“وباء الانقلابات” في زمن كوفيد

بعد عامين من المعاناة نتيجة جائحة كوفيد، تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في السودان وتونس وبلدان عربية أخرى، إلى مستوى قياسي.

ففي تونس فاقمت أزمة كورونا الحالة الاقتصادية في البلاد التي سجلت معدل تضخم بنسبة 6 في المائة ونسبة بطالة بنحو 18 بالمائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، وتجاوز حجم ديون تونس الخارجية 30 مليار دولار وباتت خزينة الدولة على أبواب الإفلاس.

وفي منتصف شهر/ يوليو تموز الماضي، سجلت تونس أعلى حصيلة يومية من الوفيات بسبب كورونا، واقترب العدد الإجمالي من 19 ألف حالة وفاة. وصنفت تونس في أسفل الترتيب للدول العربية والأفريقية في مواجهة الجائحة.

في زمن تقلبات السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية في العالم، تبدو التداعيات أكثر دراماتيكية في منطقتي شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، وتطرح تحديات غير مسبوقة على دولها وبالخصوص جيوشها التي تكبلها الصراعات السياسية.

وفي خضم الأزمة، كانت الطبقة السياسية مستغرقة في الصراعات، وشهد البرلمان تجاذبات وصلت إلى حالات عنف، فيما اتسم أداء حكومة هشام المشيشي بعجز ملحوظ. وباتت مؤسسات الدولة في حالة شلل كبير.

الرئيس قيس سعيد الذي وصل أصلا إلى الرئاسة في اكتوبر/ تشرين الثاني 2019 بخطاب مناوئ للمنظومة السياسية، ولم يكن يخف اتهاماته لها بالفساد ونواياه الإطاحة بها، اعتمد على احتجاجات 25 يوليو/ تموز، ليعلن إجراءات استثنائية في مرحلة أولى لتحييد مؤسستي البرلمان والحكومة، وفي مرحلة ثانية بتاريخ 22 سبتمبر/ أيلول، عبر تعطيل العمل بفصول عديدة من دستور 2014 وجمع سلطات واسعة بيده.

أما السودان فرغم أن عدد إصابات ووفيات كورونا لم يصل إلى درجة مأساوية، تفاقمت أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ببلوغ ديونه الخارجية 50 مليار دولار، وفي منتصف العام الحالي تجاوز معدل التضخم معدل 440 في المائة، مسجلا أحد أعلى معدلات التضخم في العالم.

لكن الأزمة الاقتصادية لم تكن وحدها العامل الذي قسم ظهر عملية الانتقال الديمقراطي في عامها الثاني، حيث تدهورت العلاقة بين الشقين المدني والعسكري داخل المجلس الانتقالي إلى مرحلة القطيعة.

ووجدت قيادة الجيش في تذمر المواطنين من الأزمة الاقتصادية وحالة الانقسام السياسي والخلافات بين مكونات القوى السياسية والديمقراطية، الفرصة المناسبة لإزاحة المدنيين والانقضاض على السلطة.

وقبل انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر/ تشرين أول شهد السودان محاولة انقلابية أولى فاشلة، وبذلك يكون عدد المحاولات الإنقلابية التي شهدتها القارة الأفريقية خلال العام الحالي قد بلغت ستة، فشلت منها محاولة أخرى في النيجر، بينما نجح الجيش في الاستيلاء على السلطة في أربع حالات: مرتين في مالي ومرة في غينيا والأخيرة في السودان.

وفي تعليقه أمام مجلس الأمن الدولي، على الوضع بالسودان، ذهب أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى الدعوة لضرورة إيجاد “رادع فعال لوباء الانقلابات” التي تشهدها القارة الأفريقية على وجه الخصوص.

لكن مغامرات العسكريين بالاستيلاء على السلطة، لا تأتي فقط بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتداعيات الخطيرة التي آلت إليها عدد من الدول بسبب جائحة كوفيد، بل هنالك أسباب أخرى يعود بعضها في حالة دول عربية تجتاز مرحلة انتقال سياسي وديمقراطي مثل السودان وتونس وليبيا، لأداء النخب الحاكمة وقدرة قوى النظام القديم على استعادة نفوذها وبناء تحالفات مع قوى جديدة.

فيما تعود أسباب أخرى إلى عوامل خارجية تتمثل في تأثيرات المحيط الإقليمي، وفي الاضطرابات الشديدة والمتغيرات المتسارعة في دور القوى العالمية، وفي صلبها القوى الغربية التي تجتاز حالة مد وجزر ملحوظة.

أداء مخيّب للنخب

بعد إطاحتها بنظام الجنرال عمر حسن البشير في ربيع 2019، مثّل توصّل قيادة قوى “الحرية والتغيير” إلى توافق مع قيادة الجيش السوداني على تشكيل مجلس انتقالي يتشارك فيه المدنيون والعسكريون السلطة، في نظر مراقبين كثيرين على أنه مؤشر على نضج النخب والقوى الديمقراطية التي تقود الجيل الثاني من احتجاجات الربيع العربي في السودان والعراق والجزائر ولبنان، حيث تم تجنب خيار القطيعة مع النظام القديم الذي حوّل احتجاجات الربيع العربي في سوريا واليمن وليبيا إلى صراع دموي.

لكن حداثة عهد القوى السياسية السودانية بالديمقراطية وهشاشة المؤسسات السياسية التي تمت إقامتها على المستويين المركزي والمحلي، جعل عملية الانتقال السياسي لا تصمد كثيرا أمام الانقسامات الحزبية والقبلية والفئوية المحلية.

كما أنها تتعرض لاختراقات أخرى، بعضها يعود لانقسامات القوى السياسية وبعضها الآخر لتحالفات خفية داخل مؤسسات الدولة العميقة مثل الجيش والقوى الأمنية وريثة ميليشيات مسلحة لها باع في الحرب الأهلية وفي القمع.

ويعزو محللون القطيعة بين حكومة عبد الله حمدوك وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى وقوع هذا الأخير تحت ضغط قوى النظام القديم وعلى رأسها محمد حمدان دقلو الشهير باسم الجنرال “حميدتي” الذي تمت ترقيته إلى رتبة فريق أول وتولى منصب نائب رئيس المجلس السيادي.

إذ استطاعت جماعات الضغط هذه توظيف احتجاجات ضد عجز الحكومة في حل مشاكل اقتصادية وحيوية في البلاد، مثل أزمة ميناء بورسودان الاستراتيجي، لإحياء شهية العسكريين بالانقلابات واستعادة السلطة التي طالما كانت بأيدهم على امتداد عقود طويلة من تاريخ السودان، وبالتالي إجهاض عملية الانتقال الديمقراطي التي كانت تقترب من مخرجاتها بانتخاب مجلس تشريعي وإفراز مؤسسات ديمقراطية منتخبة.

ويبدو أن سقوط الأحزاب والنخب السياسية التي تولت الحكم بعد ثورة 2011، في لعنة السلطة والتوافقات الهجينة مع قوى النظام القديم، قد كانت بدورها أرضية خصبة تم توظيفها بشكل ممنهج على امتداد سنوات لإغراق المؤسسات الديمقراطية في مسلسل من الشلل وقضايا الفساد.

ولم يكن من المفاجئ أن تتحول احتجاجات على أوضاع اجتماعية وصحية واقتصادية هذا العام إلى استهداف حزب النهضة الإسلامي، واتهامه بالمسؤولية عن الفشل في إدارة المرحلة الانتقالية.

وإذا كان الجيش في السودان بحكم ماضيه الطويل في السلطة، قد لعب دورا مباشرا في الإطاحة بمؤسسات الحكم المدني في البلاد، فان احترافية الجيش بتونس وابتعاده عن الانخراط في السلطة، جعل دوره، على الأقل بعيدا عن الأضواء، في العملية التي أقدم عليها الرئيس سعيّد عندما جمّد البرلمان وأقال رئيس الحكومة وأوقف العمل بفصول عديدة من الدستور.

بيد أن الرئيس سعيّد يمضي في إجراءاته الاستثنائية، في ظل تأييد فئات شعبية وشبابية واسعة متذمرة من أداء النخب والأحزاب السياسية، ومرحبّة بتدابير “مكافحة الفساد” اعتمادا على إجراءات قضائية استثنائية تخلو في كثير من الأحيان من الضمانات الحقوقية.

إذ طالت متابعات قضائية ومحاكمات عسكرية عددا من نواب البرلمان وسياسيين وبعضهم معروفون بكونهم خصوما سياسيين للرئيس سعيد، ودون المضي أبعد في متابعة من يوصفون بـ”الحيتان الكبيرة” و”أباطرة اقتصاد الريع” الذين يعتقد خبراء بأنهم يشكلون جماعات ضغط نافذة في شرايين الاقتصاد ومؤسسات الدولة العميقة، ويتسببون في عرقلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي سنة 2011.

مما أفقد الثورة وعملية الانتقال الديمقراطي أي مضمون اقتصادي واجتماعي بالنسبة لفئات واسعة من الشعب وخصوصا المناطق الفقيرة التي انطلقت منها الثورة.

وكما خرج متظاهرون بالآلاف في شوارع السودان احتجاجا على الانقلاب، فان الآلاف خرجوا في شوارع تونس أيضا يحتجون على الإجراءات الاستثنائية و”الخروج عن الدستور”.

وبخلاف الوضع – لحد الآن – في السودان، فان شوارع تونس تشهد من حين لآخر خروج مظاهرات شعبية مؤيدة لقرارات الرئيس سعيّد.

الغرب تحت الضغط

نبرة الإدانة لانقلاب السودان كانت قوية لدى المؤسسات الدولية والغربية بالخصوص، كما حذر ساسة أوروبيون من عزلة دولية جديدة يواجهها السودان.

لكن قادة الانقلاب ماضون لحد الآن في خطتهم بالسيطرة على السلطة، وإذا لم يحدث تراجع فستكون الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أمام امتحان صعب. فمن المرجح أن يتم اللجوء إلى عقوبات اقتصادية ووقف المساعدات المالية، لكن هل يعني ذلك أن النظام العسكري سينحني بالضرورة ويعيد السلطة إلى المدنيين؟

الألماني فولكر بيرتس المبعوث الأممي الخاص للسودان يقول في حوار لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية بان “الغضب الشعبي وانتفاضة الشارع قد تعيد العملية الديمقراطية إلى البلاد”. وقد يكون هذا سيناريو أول لتطورات الأوضاع في البلد، لكن ماذا لو تصلّب العسكريون، فكيف سيتصرف الغرب؟

قد يكون فك ألغاز الموقف الأمريكي المشوب بالغموض في الملف السوداني، جزءا من الجواب. ذلك أن تحرك دبابات الفريق أول البرهان في الخرطوم بعد ساعات قليلة من زيارة المبعوث الأمريكي جيفري فيلتمان، ألقت بظلال من التساؤلات حول الموقف الأمريكي، لا يبدو أن إدانة واشنطن للانقلاب كافية لتبديدها: فاذا كان الأمريكيون على علم مسبق – حتى في آخر لحظة – بما كان يخطط له العسكريون، ولم يتحركوا لوقفه، فسيكون الاستنتاج بأنهم إما متواطئون أو تجاوزتهم الأحداث. أما إذا لم يكونوا على علم مسبق فستكون تلك خيبة استخباراتية أخرى تضاف لخيبة أفغانستان.

وفي الحالتين، فان إدارة الرئيس بايدن وشريكاتها حكومات أوروبا، تضع نفسها في موقف حرج، أمام شعوبها والرأي العام الغربي، لأنها تعرض مصداقيتها وكفاءتها للتشكيك.

وجه آخر للمعضلة!

أما الوجه الآخر لمعضلة الغرب إزاء ما حدث في السودان وقبله في تونس، فيتمثل في الصدمة التي تبدو في مواقف الحكومات الغربية إزاء تطورات الأحداث في البلدين.

ففي الخرطوم أظهر القادة العسكريون لحد الآن تجاهلا لدعوات الغرب بإعادة المؤسسات الديمقراطية، ومن غير المستبعد برأي محللين أن يكون سلوكهم نابع من الشعور بأنه يمكنهم بالإضافة إلى دعم يتلقونه من قوى إقليمية بالمنطقة، المراهنة على دعم قوى عالمية منافسة للغرب مثل روسيا والصين، تنافس بشراسة من أجل مواقع نفوذ في القرن الأفريقي.

أما في حالة تونس البلد الشريك والحليف تقليديا لأوروبا وأمريكا، فتبدو معضلة الغرب قائمة أيضا وربما بشكل أكثر دراماتيكية، إذ أنه بعد عامين من انتخاب سعيّد رئيسا للبلاد، بدت خطواته التي أعلن عنها أو التي ينوي القيام بها، تثير صدمة في العواصم الغربية، مثل واشنطن وبرلين ولندن وبدرجة أقل باريس وروما. ورغم أنها لم تذهب إلى حد وصف ما حدث في تونس بـ”الانقلاب”، إلا أنها تطالبه بإعادة المؤسسات الدستورية، وتلوّح بضغوط اقتصادية.

وثمة معطيات أخرى تزيد من مفارقة مواقف العواصم الغربية إزاء الحالة التونسية، أولها، أن الرئيس سعيّد لم يأت للسلطة على ظهر دبابة، وهو منتخب بأغلبية كاسحة، وحتى بعد تجميد البرلمان وتعطيل فصول عديدة من الدستور ما يزال يحظى بتأييد فئات شعبية واسعة.

وثانيها، الصورة السلبية التي ارتبطت لدى فئات من الرأي العام التونسي عن النخب والأحزاب السياسية والنظام الديمقراطي وخصوصا البرلماني، وربطه بمظاهر العجز والترهل بل الفساد. وبالمقابل فان الرئيس سعيّد يبني على هذه الصورة السلبية، سرديته القائمة على السعي لإقامة نظام سياسي مغاير للديمقراطية النيابية، يكون مستندا إلى “ديمقراطية قاعدية” في شكل مجالس شعبية.

وهو عندما يرفض إعادة مؤسسة البرلمان، فهو يسعى لتغيير الدستور وإقامة نظام سياسي جديد لن يكون للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني دور أساسي فيه، أي أنه بصدد الخروج عن النمط المؤسساتي الديمقراطي المألوف في الديمقراطيات الغربية الحديثة.

وفي مواجهة احتجاجات المعارضة وانتقادات الغرب، يدفع الرئيس سعيد بأنه ينفذ “إرادة الشعب”، وهو يعني ما يقول، لأنه سيعتمد على استفتاء شعبي يمرر من خلاله التغييرات التي يفكر بها.

ولا يبدو أن الشد والجذب بين الرئيس سعيّد والدوائر الغربية، سيقف عند حد الاختلاف في المعايير الديمقراطية، إذ بدأت دوائر قريبة منه تلوّح بإمكانية تغيير تونس لتحالفاتها الاستراتيجية، فبشكل غير مسبوق في تاريخ تونس التي تتمتع بوضع شريك مميز للاتحاد الأوروبي و”الحليف الاستراتيجي” خارج حلف الأطلسي(ناتو)، بدأ تلويح بإمكانية بحث خيارات شراكة مع الصين أو روسيا.

وهنالك من يقلل من جدية هذه الدعوات ويرى بأنها لا تعدو كونها صدى لخطاب شعبوي الهدف منه التقليل من الضغوط الغربية.

لكن تسارع المتغيرات وشراسة المنافسة بين الغرب والصين وروسيا ودخول قوى إقليمية على خط هذه المنافسة التي باتت القارة الأفريقية تشكل مسرحا أساسيا، قد تغري بعض دول المنطقة بالمجازفة والمغامرات في اللعب على الحبال بين القوى الكبرى المتنافسة. وهي لعبة خطرة في كل الأحوال بالنسبة للدول الصغيرة والمتوسطة الحجم استراتيجيا، لكنها أيضا تضع القوى الغربية تحت الضغط، إذ يعرضها أكثر من أي وقت مضى للابتزاز من أجل مقايضة معايير حقوق الانسان والديمقراطية بالمصالح الاقتصادية والتجارية.

وهذه معضلة تواجه إدارة الرئيس جو بايدن حاليا، ومن المتوقع أن تواجه الحكومة الألمانية المقبلة، والتي يرجح أن يكون فيها دور الاشتراكيين الديمقراطيين و”الخضر” وازنا.

وناهيك عن سجل دول غربية عديدة في نهج ازدواجية المعايير، وفي دعم أنظمة مستبدة بالمنطقة مقابل مساعدات شحيحة للديمقراطيات الناشئة ومنها الديمقراطية التونسية، فان المتغير الجديد، هو وجود قوى إقليمية على صلة وثيقة بقوى غربية، تقوم بالمهمة من الخلف. طالما أن القوى الغربية تشهد إعادة تنظيم لقواها الاستراتيجية، خصوصا الولايات المتحدة التي تقلص من تواجدها بمنطقة الشرق الأوسط، في أفق أولويات صراعها مع الصين. بينما يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبات في التأقلم مع المتغيرات الجديدة.

وفي المحصلة أن ما يجري في السودان أو في تونس والجارة الليبية، غير بعيد عن تأثير ما يعرف بمحور”الثورة المضادة”، خصوصا السعودية والامارات ومصر، التي لا تخفي مناهضتها للديمقراطيات الناشئة وتستثمر جهودا كبيرة من أجل دعم قوى النظام القديم أو قوى جديدة شعبوية ومناوئة للديمقراطية.