موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات وبيع القدس بالتطبيع مع إسرائيل

91

سباقان أحدهما ركضاً على الأقدام، والآخر ركوباً على دراجات هوائية، كان مضمارهما أرضاً فلسطينية واحدة، وبقعتين مختلفتين، التقيا في مفارقة ملأى بالصور المتناقضة، سباقان لكل منهما رمزيته الخاصة وانعكاساته المختلفة، ولكل منهما غايته المعلنة والأخرى الكامنة، خاضهما المتسابقون سعياً إلى خط فاصل بين فائزٍ وخاسر، يتعدى فيه مفهوم الفوز والخسارة إلى ما هو أعقد من اللغوي، وصولاً للسياسي والفلسفي.

ركضاً وراء الساسة، وركوباً لموجة التطبيع العارمة، وانعكاساً شديد الوضوح لمواقف دول عربية تجاهر بعلاقة خفية مع إسرائيل، وتَعِدُ بأخرى أشدّ حميميةً وعلانية مع كيان يجاهر ويخفي للعرب والفلسطينيين على وجه الخصوص، مؤامرة تلو المؤامرة، وطئت أرض القدس الشريفة نسخةٌ مشوهة لرياضيين عرب جاءوا من الخليج العربي ليكرسوا، بعلم منهم أو دون علم، يهودية الدولة الإسرائيلية، ويدوسوا على حقوق الفلسطينيين الذين على أجسادهم وحدهم مر سباق “طواف إيطاليا” الذي استضافته سلطات الاحتلال هذه السنة باحتفالية خاصة واحتفاء أشد خصوصية بقرار ترامب بشأن القدس.

كانت مقاومة غزة تدشن هذا المسار الشرفي وسط سباق التطبيع، مسار طويل من النضال والدماء لم ولن يخوضه، من ركض الى إسرائيل

وطئ الوفدان؛ الإماراتي والبحريني، أرض القدس الشريفة، مصلين في محراب يهودية الدولة الجاثمة على صدور العرب، موافقين على ما وافق عليه سياسيو الدولتين العربيتين من تنازلات واعترافات، موقعين مع من سبقهم من المسؤولين العرب، على مرحلة جديدة من الخذلان العربي لقضية فلسطين، ومركزها القدس والمسجد الأقصى الذي لا يبعد كثيراً عن أعين المتسابقين الذين شغلتهم إسرائيل بسباق رياضي الشكل، سياسي الجوهر، عن المَعلم المقدس إسلامياً وعربياً، لم ير راكبو “سباق إسرائيل” حائط البراق، ولم يدهشهم الخبز المقدسي، ولم يبهرهم باب العمود، على الرغم من كونهم هناك؛ وسط القدس والمقدسيين، ومع ذلك لم يروا القدس إطلاقاً.

حدث ذلك كله، فيما كان الغزيّون يواصلون مسيرهم على خط السياج الفاصل، ضمن فعاليات مسيرة العودة الكبرى بما يشبه سباقاً محموماً، يخوضه أهالي القطاع المحاصر بملء إرادتهم، ومختلف توجهاتهم السياسية، راكضين على جمر الوحشية الإسرائيلية غير آبهين بما يمكن أن يتمخض عن ترسانة السلاح التي تقف على الجانب الآخر من السياج، من قنابل غاز ورصاص مطاطي، وآخر حارق متفجر؛ كان الفلسطينيون في غزة ينتفضون على واقع الحصار والاحتلال ومخفي الصفقات المشبوهة التي تحاول مرة أخرى، ركل الحقوق الفلسطينية، هذه المرة إلى الأبد، وبينما تغيب القدس عن مرأى الوفد العربي، لتحتل أعلام إسرائيل أبصارهم، يرى الغزيّون القدس، من قلب الحصار، ويركضون في مسافة ثورية تكسر 78 كليومتراً من المسافة الجغرافية.

وفد هائل من الحشود يسير على المضمار نفسه الذي ركبه دراجو الإمارات والبحرين، ولكن في اتجاه معاكس تماماً لاتجاه السباق الإسرائيلي؛ كان سباقا آخر، ينبثق من رحم الضعف والمأساة ليصل غزة بدماء المقدسيين التي داستها عجلات مسار التطبيع، بوسائل بدائية ساحرة، من الكوتشوك الذي فرضه أهل غزة على نشرات الأخبار، إلى الطائرات الورقية التي ألحقت الضرر باقتصاد المستوطنات المتاخمة للقطاع، إثر غاراتها المتواصلة على المحاصيل الزراعية التي نمت على أرض لا يزرعها أصحابها، كانت مقاومة غزة تدشن هذا المسار الشرفي وسط سباق التطبيع، مسار طويل من النضال والدماء لم ولن يخوضه، من ركض إلى إسرائيل.