موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

وحدة جديدة في الإمارات لمكافحة غسل الأموال في ظل فضائح متكررة

122

يعتزم مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي على التركيز على القطاع العقاري في إطار عمله لمكافحة غسل الأموال في البلاد عبر إنشاء وحدة جديدة لهذا الغرض وذلك في ظل فضائح متكررة تعانيها الدولة.

وتحاول الإمارات تشديد قواعدها التنظيمية المالية لمواجهة الاتهامات الدولية المتزايدة والمدعمة  بأنها بؤرة ساخنة للأموال غير المشروعة بسبب ما بها من مناطق تجارة حرة وقرب موقعها الجغرافي من إيران.

وقال المصرف المركزي، إنه سيستخدم منصة جديدة للإبلاغ في إطار مكافحة غسل الأموال بدءا من نهاية يونيو لرصد المعاملات غير المشروعة بشكل أكثر فاعلية.

وأضاف ”أعلنت وحدة المعلومات المالية في مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي عن إطلاق برنامج الإبلاغ الجديد (goAML)، الذي طوره مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، لتسهيل تلقي البيانات عن المعاملات المشبوهة وفحصها ودراستها“.

وقال علي باعلوي، رئيس وحدة المعلومات المالية بالوكالة لدى المصرف المركزي إن ”العقارات هي أحد المجالات التي نركز عليها“.

وذكر أن من المتوقع أن تبدأ مجموعة العمل المالي (فاتف)، وهي هيئة عالمية معنية بمراقبة غسل الأموال، في تقييم الجهود الإماراتية في مكافحة تدفقات الأموال غير المشروعة في يوليو تموز.

وأضاف ”مرت الإمارات العربية المتحدة بكثير من التحديات، وجرى إصدار الكثير من القوانين لمواكبة أفضل الممارسات العالمية”، على حد قوله.

وفي في ديسمبر  2017 تبنى الاتحاد الأوروبي لأول مرة قائمة سوداء للملاذات الضريبة في العالم؛ إذ قال الاتحاد حينها: «إن الدول المعنية لا تتوخى الشفافية في المعاملات المالية، وتتبنى تشريعات فضفاضة وغير متعاونة، ولا تقوم بجهود كافية لمكافحة التهرب الضريبي»، كان من بين تلك الدول دولة الإمارات، لكن بعد مرور نحو شهر على هذا الإدراج قرر الاتحاد شطب الإمارات من القائمة؛ وذلك في أعقاب التزامات على مستويات سياسية عالية لإزالة مخاوف الاتحاد الأوروبي؛ إذ كشف الاتحاد عن أن الالتزامات مدعمة برسائل موقعة على مستوى سياسي عال.

لكن هذا الشطب لم يستمر طولًا؛ إذ عادت الإمارات مرة أخرى للقائمة السوداء في مارس 2019 في أكبر مراجعة للقائمة منذ أن تبناها الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2017، هذا الأمر يعني أن الإمارات لم تلتزم بتعهداتها تلبية متطلبات الاتحاد في هذا الصدد، وبالرغم من تأكيد الإمارات على أنها قدمت للتكتل جدولاً زمنيًا مفصلًا بشأن سلسلة الإجراءات التي تم تنفيذها في هذا المجال، لكن من الطبيعي أن يثار سؤال الآن حول عدم تسريع الإمارات خطواتها لتلافي مثل هذه المشكلة، فهل الإمارات تفضل عدم القضاء على التهرب الضريبي بشكل كامل؟

ووفق تقرير الاتحاد الأوروبي فإن الإمارات تقدم تسهيلات خارجية تهدف إلى جذب الأرباح دون مضمون اقتصادي حقيقي، وفي الواقع فإن الاتحاد الأوروبي ليس أول من يتهم الإمارات بمثل هذه الاتهامات، فعلى مدار السنوات القليلة الماضية واجهت الإمارات العديد من الاتهامات حول استخدام بعض قطاعاتها الاقتصادية في جريمة غسل الأموال.

وكان آخر تلك التقارير هو ما صدر عن “مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة” الذي يتخذ من واشنطن مقرًا له في 12 يونيو الماضي حول استخدام سوق العقارات في دبي خلال السنوات الماضية ملاذًا لغسل أموال كثير من منتفعي الحرب، وممولي الإرهاب، ومهربي المخدرات حول العالم.

التقرير الصادر اعتمد على بيانات عقارية رسمية مسربة تثبت حدوث عمليات شراء مشبوهة للشقق والفيلات في جميع أنحاء الإمارات، وهو ما يوضح مدى استفادة القطاع الرئيس في الاقتصاد الإماراتي من مثل هذه الممارسات.

كما أنه بحسب تقرير نشر بصحيفة “الجارديان” البريطانية، في 24 يونيو  الماضي، فإن إمارة دبي وحدها تخطت جزيرة كوستا ديل كرايم الإسبانية، التي تعد أسوأ مكان في العالم لغسل الأموال، مشيرة إلى أن هناك معلومات تكشف أن بريطانيين استخدموا دبي لإخفاء 16.5 مليار جنيه إسترليني، ضرائب للمملكة المتحدة ما بين عامي 2005 و2016.

ومثل هذا المبلغ قادر على إنعاش القطاع بشكل واضح، وهو ما يكشف عن فوائد مباشرة للاقتصاد الإماراتي من هذا الجانب.

وكانت مجلة “لونوفال أوبستيرفاتور” الفرنسية، تحدثت خلال تحقيق استقصائي حمل عنوان “أوراق دبي” ـ على شاكلة “أوراق بنما” الشهيرة ـ عن معلومات تشير إلى تحول الإمارات إلى مركز عالمي للتهرب الضريبي وغسيل الأموال، وذلك على مدار 20 عامًا مضت، من خلال شبكة تعمل خارج القانون، تضم رجال أعمال ومديري مقاولات كبرى ورياضيين.

ومن ناحية أخرى كشفت تقارير صحافية أن الحكومة الباكستانية تطارد استثمارات بنحو 150 مليار دولار لأثرياء باكستانيين تقول إنهم غسلوها في عقارات بالإمارات، وذلك وفق تقرير قدمته شركة “برايس ووتر هاوس” لتدقيق الحسابات إلى المحكمة العليا في باكستان مؤخرًا، حسبما ذكرت صحيفة “أرابيان بيزنس” الصادرة بالإنجليزية في دبي، ويشير التقرير إلى أن الأموال تعود إلى شخصيات سياسية ومسؤولين ورجال أعمال فاسدين.

وبالنظر إلى الأرقام المذكورة إن صحت فإن جزءًا ليس بالقليل في القطاع العقاري بالإمارات قائم على هذه الأموال، والقطاع يعتبر محركًا رئيسًا للنشاط الاقتصادي، ويحظى باهتمام خاص من حكومة إمارة دبي تحديدًا، لكنه أيضًا أحد أكثر القطاعات التي تتأثر بالمناخ الاقتصادي العام في الإمارات؛ لأنه يتشابك مع الكثير من القطاعات كونه يعتمد على النسبة الأعلى من التمويل في المنطقة، وربما لا تسرع الإمارات خطواتها لمعالجة أزمة التهرب الضريبي وغسيل الأموال، بسبب أن القطاع العقاري لا يعيش أفضل أيامه حاليًا؛ إذ يشهد تراجعًا ملحوظًا للعام الثالث على التوالي.

هل المناطق الحرة بوابة خلفية للتهرب الضريبي؟

تعتبر تجربة المناطق الحرة في الإمارات تجربة فريدة وتساهم بشكل كبير في تحقيق ازدهار ملحوظ في الاقتصاد الإماراتي، إذ تدعم استقطاب الاستثمارات من مختلف مناطق العالم، وباتت حاضنات ازدهار للشركات المحلية والعالمية، وتسهم في تنوع مصادر الدخل الاقتصادي.

لكنها أيضًا تواجه نفس الاتهام الذي يتهم به القطاع العقاري، فالإمارات تحتضن نحو 37 منطقة حرة؛ منها 23 منطقة حرة في دبي وحدها، وتستحوذ المناطق الحرة في دبي على 39% من صادرات الإمارة وتشكل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي فضلًا عن أنها مصدر أساسي للاستثمار الأجنبي المباشر إذ يوجد بها ما يزيد على 38000 شركة.

وتوضح هذه الأرقام مدى الأهمية وضخامة المناطق الحرة بالإمارات، إلا أن كثير من الشركات تأتي للاستفادة من الإعفاءات الضريبية الكبيرة والتراخي في قواعد الإقامة، ما يجعل من السهل عليها التهرب من التدقيق المالي الدولي، إذ أصبحت هذه المناطق وجهة مفضلة لأولئك الذين يريدون الابتعاد عن أعين القانون، وسبق أن حذرت الخارجية الأمريكية من مخاطر هذه المناطق، بينما تشير تقارير إلى أن خمسة شركات مسجلة في المناطق الحرة الإماراتية ضمن ملف المغسلة الروسية.

وكشفت تحقيقات دولية بمشاركة صحفيين من 32 دولة عن مسارات تبييض مليارات الدولارات من روسيا الاتحادية إلى بنوك وشركات في أرجاء العالم، فيما عرف بأضخم عملية غسل أموال، كان للمناطق الحرة في الإمارات دور واضح في هذه العملية، وبعيدًا عن الخوض في تفاصيل كيفية التهرب، سواء في القطاع العقاري أو المناطق الحرة، هناك سؤال ملح الآن وهو: هل الإمارات تتغاضى عن هذه الممارسات من أجل إنعاش الاقتصاد؟

فشل في القوانين

تثبت تكرار إدراج الإمارات للمرة الثانية في قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء للملاذات الضريبة أن القوانين والأنظمة والإجراءات المطبقة في دولة الإمارات بشأن مواجهة غسل الأموال ومواجهة التهرب الضريبي، غير كافية لمنع تحول البلاد لأحد المراكز الرئيسة لغسيل الأموال حول العالم وتحولها لملاذ ضريبي.

إذ أن بعض القطاعات الاقتصادية وفرت المناخ المناسب لهذه الجريمة كما ذكرنًا، مثل العقارات، والمناطق الحرة، بالإضافة إلى تجارة الذهب والماس، التي تعتبر دبي مركزًا عالميًّا بهذه التجارة وتحتل المركز الثالث عالميًّا بها بعد أن نمت حتى بلغت 75 مليار دولار سنويًّا.

وتشير التقديرات إلى أن الإمارات تعمل حاليًا على إدخال تعديلات جديدة على القانون الاتحادي بشأن مكافحة جرائم غسيل الأموال، في إطار مراجعة قواعدها الخاصة على النحو المطلوب، لضمان الالتزام المستمر بالمعايير العالمية، إذ أنها تعمل حاليًا بالقانون الذي أصدره مجلس الوزراء في نوفمبر 2014، لكن هذا القانون به العديد من الثغرات التي سمحت بتوسع عمليات غسل الأموال في الإمارات، لكن هل التعديلات ستكون كافية لتحسين صورة الإمارات ولو قليلًا في هذا الملف؟.