منذ صدوره في عام 2014، تحول قانون مكافحة الإرهاب في دولة الإمارات العربية المتحدة من أداة يفترض أن تعزز الأمن والاستقرار، إلى وسيلة قمعية تستخدمها السلطات لتجريم المعارضين وإسكاتهم، سواء داخل الدولة أو خارجها.
التعريفات الغامضة والفضفاضة لمصطلح “الإرهاب” في هذا القانون سمحت للجهات الأمنية بتأويل النصوص بطريقة تخلط بين الانتقاد السلمي أو النشاط الحقوقي وبين “التهديدات الإرهابية”، مما أدى إلى إصدار أحكام قاسية شملت السجن المؤبد والإعدام، في كثير من الأحيان دون أدلة موثوقة أو محاكمات عادلة.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، لم يعد هذا القانون يستهدف الأفراد المنتقدين للنظام فحسب، بل أصبح يشمل أقاربهم وشركاتهم، حتى لو لم يشاركوا في أي نشاط سياسي.
وفي 8 يناير 2025، أدرجت السلطات الإماراتية 11 شخصًا، بينهم معارضون في الخارج وأفراد من عائلاتهم، إضافة إلى 8 كيانات، ضمن “قائمة الإرهاب الوطنية”، بناءً على مزاعم بارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين.
ما يلفت الانتباه أن معظم من تم إدراجهم لم يتم إخطارهم مسبقًا، ما حرمهم من أي فرصة للطعن في القرار أو الدفاع عن أنفسهم أمام جهة قضائية مستقلة. ومن بين هؤلاء، لم يُدان سوى اثنين فقط في قضايا تتعلق بالإرهاب، في محاكمات وصفتها منظمات حقوق الإنسان بأنها “تفتقر للحد الأدنى من شروط العدالة”.
رغم ذلك، تم تجميد أصول جميع الأفراد والكيانات المصنفة، وصودرت ممتلكاتهم، وتعرضت سمعتهم للتشويه، دون إدراجهم على أي من قوائم الإرهاب الدولية المعترف بها، مثل تلك التي تصدرها الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة.
سياسة الترهيب العائلي
تبرر الحكومة الإماراتية هذه الإجراءات بأنها “جهود لمكافحة الإرهاب وتفكيك شبكاته الداخلية والخارجية”، لكن الوقائع تشير إلى تصعيد منهجي في استخدام القمع العابر للحدود.
فقد بات جهاز أمن الدولة في الإمارات يعتمد على الضغط على العائلات داخل البلاد كوسيلة لابتزاز المعارضين في المنفى، ودفعهم إلى التراجع أو العودة لمواجهة العقاب.
ويواجه أقارب المعارضين سلسلة من الانتهاكات، مثل حظر السفر التعسفي، وسحب الجنسية، والحرمان من التعليم والعمل والخدمات الأساسية، دون إشعار رسمي أو حق في الطعن. وقد تحولت المعاملات الإدارية اليومية إلى أدوات للانتقام السياسي.
المراقبة الإلكترونية والترهيب النفسي
تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى أن الإمارات تستخدم تكنولوجيا مراقبة متقدمة لتعقب تحركات المعارضين في الخارج، بل وتمتد هذه المراقبة لتشمل أقاربهم في الداخل.
ويروي الضحايا أن السلطات تلجأ إلى الاستدعاءات المتكررة للاستجواب وأساليب الترهيب النفسي، بينما يعاني أفراد العائلات من عزلة تامة عن أحبائهم في الخارج، خشية الاتهام بـ”التواصل مع إرهابيين”، وهي تهمة يُعاقب عليها بالسجن المؤبد في القانون الإماراتي.
في موازاة ذلك، تُشنّ حملات إعلامية منسقة تهدف إلى التشهير بهؤلاء الأفراد، عبر وصمهم بالإرهاب في وسائل الإعلام المحلية والدولية، مما يزيد من عزلهم الاجتماعي، ويرهب الآخرين من تقديم أي دعم لهم تحت طائلة العقوبات الجنائية.
تأثيرات عابرة للحدود
لم تتوقف تداعيات هذا التصعيد عند الحدود الجغرافية للإمارات. فالمعارضون في الخارج باتوا مهددين في أمنهم المهني والمعيشي. إذ شملت القائمة المعلنة في يناير 2025 ثماني شركات مسجلة في المملكة المتحدة، تعود ملكيتها الحالية أو السابقة لمعارضين إماراتيين أو أقاربهم. وتعمل هذه الشركات في مجالات متعددة، منها العقارات، والتعليم، والإعلام.
وبعد تصنيفها، أفادت بعض الشركات بتعرضها لخسائر تجارية كبيرة، نتيجة انسحاب عملاء، خصوصًا من دول عربية تخشى من تبعات التعامل مع جهات مصنفة كـ”إرهابية”.
وازدادت المخاوف لدى المعارضين من فتح تحقيقات أمنية في الدول التي يقيمون فيها، خصوصًا في دول مثل بريطانيا التي تربطها علاقات أمنية وتعاون استخباراتي وثيق بالإمارات.
ويأتي ذلك في وقت تخوض فيه المملكة المتحدة مفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي، وهي مفاوضات تفتقر إلى أي ضمانات واضحة لحماية حقوق الإنسان، مما يثير القلق من أن المصالح الاقتصادية قد تتغلب على الالتزامات الحقوقية.
قمع شامل في الداخل والخارج
النهج الإماراتي الحالي لم يعد يكتفي بإسكات المعارضين داخل حدود الدولة، بل تطور إلى ما يشبه “سياسة الأرض المحروقة” بحق المعارضين في المنفى، بتفكيك شبكاتهم المهنية والاجتماعية والاقتصادية، ومعاقبة أحبائهم في الداخل.
هذا التصعيد يعكس استراتيجية شاملة تهدف إلى تحييد كل الأصوات المنتقدة، لا من خلال المواجهة الفكرية، بل من خلال سلب الحقوق، وفرض العزلة، والتشهير العام.
وفي خضم هذا التصعيد، يُسجل صمت شبه تام من قبل الشركاء الدوليين للإمارات، وعلى رأسهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. هذا الصمت يُفهم على أنه تواطؤ ضمني أو تجاهل متعمد للانتهاكات المتزايدة لحقوق الإنسان، وهو ما يقوّض مصداقية الخطاب الدولي بشأن الحريات والديمقراطية.
في ظل غياب أي آليات رقابة فعالة داخل الدولة، تبقى الضغوط الدولية والمساءلة القانونية الخارجية هي الأمل الوحيد لوقف هذا التدهور في الحقوق المدنية والسياسية في الإمارات، التي تسير بخطى ثابتة نحو نموذج سلطوي متكامل لا يقبل بأي معارضة، حتى وإن كانت خارج حدوده.
