موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

أكثر من 6 أشهر على اعتقال الإمارات عبد الرحمن القرضاوي

قصيدة الحرية تُخنق في ظلام السجون

1٬799

مضت أكثر من ستة أشهر على اعتقال الشاعر والكاتب المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي في سجون دولة الإمارات في ظل غياب تام لأي معلومة موثوقة عن وضعه القانوني أو ظروف احتجازه.

ستة أشهر من الصمت المطبق، لا تكسره سوى مكالمة هاتفية خاطفة لم تتجاوز الدقيقة، وزيارة عابرة لعائلته لا يعلم أحد موقعها، جرت في شهر رمضان الماضي.

هكذا تحولت حياة شاعر معروف بمواقفه وآرائه إلى غياهب المجهول، لتتحول قصيدته إلى صرخة مكبوتة في مواجهة آلة أمنية لا تتسامح مع الكلمة أو الرأي.

قضية عبد الرحمن يوسف القرضاوي تتجاوز كونها مأساة إنسانية فردية، لتكشف بوضوح عن وجه دولة الإمارات القمعي، حيث تُدار السلطة بمنطق البلطجة السياسية والانتقام ممن يجرؤون على التعبير الحر أو امتلاك رأي مستقل.

فما يجري مع القرضاوي ليس سوى حلقة جديدة في سجل طويل من انتهاكات حقوق الإنسان تمارسه أبوظبي، التي لا تتردد في قمع أي صوت ناقد حتى لو كان مجرد شاعر لا يحمل إلا قلمه وكلماته.

اعتقال من لبنان وتسليم قسري

بدأت فصول المأساة في 28 ديسمبر 2024، عندما أوقفت السلطات اللبنانية عبد الرحمن يوسف القرضاوي لدى عودته من سوريا، بناءً على طلب تسليم من النيابة العامة الإماراتية.

وبالرغم من تحذيرات عدة جهات حقوقية دولية، وعلى رأسها خبراء ومقررو الأمم المتحدة، أصدر مجلس الوزراء اللبناني في 8 يناير 2025 قراراً بالموافقة على ترحيله قسرياً إلى أبوظبي، بعد تلقيه تأكيدات من الجانب الإماراتي بأن القرضاوي سيعامل وفق المعايير الدولية وأن سلامته ستكون مضمونة.

إلا أن ما حدث لاحقاً أثبت أن تلك التأكيدات لم تكن سوى وعود جوفاء. فمنذ لحظة وصوله إلى الإمارات، أُخفي القرضاوي قسرياً، وحُرم من أبسط حقوقه الأساسية، على رأسها الاتصال المستمر بأسرته أو محاميه أو معرفة مكان احتجازه.

عزلة تامة وتضييق نفسي

أشارت أسرته ومنظمات حقوقية إلى أن القرضاوي يتعرض لعزلة شبه كاملة عن العالم الخارجي، مع شبهات قوية حول تعرضه لانتهاكات وتعذيب وتضييق نفسي.

وتؤكد منظمات حقوقية أن غياب أي معلومة رسمية عن مكان احتجازه أو وضعه الصحي يثير مخاوف بالغة على سلامته الجسدية والنفسية، خصوصاً أن الإمارات معروفة بسجلها الحافل بممارسات التعذيب والمعاملة القاسية للمعتقلين السياسيين.

وأعربت 42 منظمة حقوقية دولية، من بينها هيومن رايتس ووتش، في بيان مشترك، عن قلقها العميق إزاء مصير القرضاوي، مطالبةً سلطات أبوظبي بالكشف عن مكان احتجازه، وضمان حصوله على حقوقه القانونية الأساسية، بما فيها التمثيل القانوني، والاتصال بأسرته، والتمتع بمحاكمة عادلة.

بلطجة سياسية وإسكات الأصوات

يحمل اعتقال القرضاوي بعداً سياسياً لا يمكن تجاهله. فالرجل شاعر وكاتب معروف بمواقفه النقدية، ويعد من الأصوات البارزة المعارضة للأنظمة الاستبدادية، ومنها النظام الإماراتي الذي يضيق ذرعاً بأي صوت مستقل.

الأمر يتجاوز شخص القرضاوي ليعكس سياسة ممنهجة تتبعها أبوظبي في إسكات المثقفين والصحفيين والمعارضين، حتى لو لم يكونوا يحملون صفة سياسية تنظيمية مباشرة.

تاريخ الإمارات حافل بمثل هذه الممارسات، من اعتقال النشطاء الحقوقيين إلى التضييق على الصحفيين، مروراً باستخدام أدوات أمنية وتشريعية مثل قوانين مكافحة الإرهاب أو الجرائم الإلكترونية كسلاح لقمع حرية التعبير. وفي حالة القرضاوي، يصبح الأمر أكثر فداحة حين يُحرم حتى من الحق في معرفة وضعه القانوني أو مكان احتجازه.

انتهاك صارخ للقانون الدولي

إن ما تتعرض له أسرة عبد الرحمن يوسف القرضاوي من حرمان في معرفة مصيره، وما يواجهه هو من حرمان في حقوقه الأساسية، يُصنف قانونياً ضمن جريمة الاختفاء القسري، وهي جريمة بموجب القانون الدولي.

وقد شدد المقررون الخاصون بالأمم المتحدة على أن تسليمه إلى الإمارات يشكل انتهاكاً لالتزامات لبنان الدولية، وبخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب التي تحظر تسليم أي شخص إلى بلد يواجه فيه خطر التعذيب أو سوء المعاملة.

لكن الإمارات تواصل سياسة تجاهل الضغوط الدولية، مستفيدةً من تواطؤ دولي وإقليمي، ومن علاقاتها القوية بعدة عواصم غربية ترى في أبوظبي حليفاً أمنياً واقتصادياً مهماً. هذه الحصانة السياسية والدبلوماسية تتيح لها المضي قدماً في ممارساتها القمعية دون رادع فعلي.

معركة الحرية مستمرة

أمام هذا المشهد القاتم، تواصل عائلة عبد الرحمن يوسف القرضاوي، ومعها منظمات حقوقية عدة، الضغط من أجل الإفراج عنه أو على الأقل الكشف عن وضعه القانوني وظروف احتجازه. وتطالب هذه الجهات بالسماح للسفارة التركية بزيارته، وضمان عودته الآمنة إلى تركيا، حيث يقيم ويحمل جنسيتها.

قضية القرضاوي ليست مجرد قصة فردية؛ إنها تفضح كيف تتحول الإمارات إلى سجن كبير للأفكار، وكيف يختفي الشعراء خلف جدران الصمت والتعذيب، فقط لأنهم كتبوا قصيدة، أو رفعوا صوتاً يقول «لا» في وجه الاستبداد.

وفي غياب ضغط دولي حقيقي، تظل قصيدة الحرية معلقة بين قضبان السجن، فيما يستمر عبد الرحمن يوسف القرضاوي مجهول المصير، ضحية كلمات لم ترضَ عنها سلطات أبوظبي.