أظهر تقرير دولي أن الانكماش يسيطر على اقتصاد إمارة دبي في وقت لا تظهر فيه أفق واضحة لتحسن الأوضاع الاقتصادية قريبا وذلك رغم تخفيف بعض القيود التي فرضتها الإمارة لاحتواء انتشار فيروس كورونا المستجد.
وأظهر مسح أجرته “آي.اتش.أس ماركت” سيطرة الانكماش على أنشطة القطاع الخاص غير النفطي في دبي خلال أيار/مايو الماضي، حيث بلغ مؤشر مديري المشتريات في دبي 46 نقطة الشهر الماضي، مقابل 41.7 في إبريل/ نيسان، ليظل دون مستوى 50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش.
وقال ديفيد أوين الاقتصادي في “آي.اتش.أس ماركت” إنه رغم ارتفاع مؤشر مديري المشتريات من المستويات المتدنية القياسية في إبريل/ نيسان، إلا أن أحدث مسح يشير إلى أن الطريق أمام تحسن الأوضاع الاقتصادية لا يزال طويلاً.
وأضاف أوين “أكدت الشركات، أنه رغم رفع القيود على النشاط الاقتصادي جزئياً، فإن ضعف الطلب الاستهلاكي ورد فعل السوق البطيء حال دون إحرازها تقدماً نحو تغطية الخسائر”. وأضرت جائحة كورونا بشدة بقطاعات اقتصادية حيوية في دبي مركز السياحة والتجارة والنقل في الإمارات، وهي لا تمتلك ثروة نفطية مثل جارتها الأغنى أبوظبي تقيها من التداعيات.
واستمرت الشركات في تقليص الوظائف في مايو/ أيار لتقليل خسائرها للحد الأدنى، رغم تخفيف القيود المفروضة على الأسواق والشركات بنهاية إبريل/نيسان ومطلع مايو/أيار، بعد بضعة أسابيع من تطبيقها.
وقال أوين “علينا أن ننتظر لنرى المدة التي سيستغرقها تعافي اقتصاد دبي بعد كوفيد ـ 19، مستبعدا تحسن الأنشطة قبل العام المقبل. وكان بنك أوف أميركا قد قال في مذكرة بحثية نهاية مايو/أيار، إن دبي قد تشهد انكماشا بنسبة 5.5 في المائة في 2020، إذ توقع أن تنخفض الإيرادات على غرار ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية عام 2009.
وتشير تقديرات البنك إلى أن العجز المالي لدبي قد يتسع إلى 4.4 مليارات دولار، بما يعادل 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد يرتفع إلى 5.3 في المائة، لافتا إلى أن تمويل العجز أو ضخ السيولة في الكيانات شبه الحكومية سيكون على الأرجح عبر قروض.
وفي فبراير/ شباط الماضي، ذكرت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيفات الائتمانية العالمية في تقرير لها، أن قطاع الضيافة في دبي هو الأكثر تعرّضاً لمخاطر كورونا في منطقة الخليج. وأصدرت دبي في إبريل/نيسان، تعميماً بشأن خفض الإنفاق الرأسمالي بواقع النصف على الأقل، وتقليص النفقات الإدارية والعامة، بما لا يقل عن 20 في المائة، ووقف التعيينات الجديدة حتى إشعار آخر.
وأبلغت دبي جميع الهيئات الحكومية بتعليق جميع مشاريع التشييد التي لم تبدأ حتى إشعار آخر، وعدم السماح بأي زيادات في الإنفاق لمشاريع البناء الجارية. وكان النمو الاقتصادي في دبي قد تباطأ بالأساس قبل جائحة كورونا، بينما تزايدت الضغوط بعد تبدد آمال استضافة معرض إكسبو العالمي في أكتوبر/ تشرين الأول، حين جرى تأجيل الحدث إلى 2021.
ويعد “إكسبو” من أهم الفعاليات العالمية، وكانت تقديرات المنظمين تفيد بأن يجذب المعرض نحو 11 مليون زائر إلى دبي من خارج البلاد. وتعتمد الإمارة على السياحة بشكل كبير، ويزورها نحو 16 مليون شخص سنوياً.
والشهر الماضي نشرت “إمارات ليكس” نتائج صادمة لاستطلاع رأي أجرته غرفة دبي بشكل سري أظهر أن 70٪ من الشركات في الإمارة تتوقع إغلاق أبوابها في غضون الأشهر الستة المقبلة.
وتأتي هذه النتائج على ضوء التصاعد غير المسبوق للأزمة الاقتصادية في إمارة دبي وتأثرها من الخسائر المتتالية التي تضاعفت في ضوء أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد.
وقبل ذلك سارع المكتب الإعلامي لحكومة دبي إلى نشر تغريدة على “تويتر” ينفى فيها وجود محادثات تجرى حاليا مع إمارة أبوظبي بشأن دعم اقتصادي مقدم من صندوق مبادلة.
ويعكس ذلك حدة الخلافات غير المعلنة بين قيادي إمارتي أبو ظبي ممثلة بولي عهدها الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد وحاكم دبي محمد بن راشد الذي لطالما انتقد سياسات التدخلات والحروب الخارجية للدولة وتأثيرها السلبي على الاقتصاد الإماراتي.
وتعمل أبو ظبي على ابتزاز إمارة دبي وترهن تقديم أي دعم مالي، لإنقاذ دبي من الخسائر الفادحة التي يخلفها فيروس كورونا، بالحصول على أصول حيوية أو دمج قطاعات مالية، في خطوة من شأنها إفساح المجال أمام صندوق مبادلة التابع لأبوظبي للتوسع في إمارة السياحة والتسوق والمال.
وتوقفت عدة قطاعات اقتصادية في دبي بشكل شبه تام خلال تفشي فيروس كورونا، وتواجه الإمارة أشد تراجع اقتصادي منذ أزمة دين في عام 2009.
وتفتقر دبي إلى الثروة النفطية التي تحوزها أبوظبي لتخفيف التداعيات السلبية. وقدمت أبوظبي دعماً لدبي بعد أزمة 2009 بقرض حكومي قيمته 10 مليارات دولار، جرى تمديده في وقت لاحق، وسندات بقيمة 10 مليارات دولار أصدرتها دبي للبنك المركزي الإماراتي.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة “رويترز”، إنه من المرجح أن يضطلع “صندوق مبادلة” بدور رئيسي في أي اتفاق بين الحكومتين.
وقال أحد المصادر إن أي دعم من أبوظبي يجري الاتفاق عليه الآن سيتم “تنسيقه، عبر عمليات اندماج لأصول تتنافس فيها أبوظبي ودبي بشكل مباشر أو حيث لهما ملكيات مشتركة”.
وأضاف المصدر: “الصفقة الأكثر ترجيحاً بأن تتم في الأمد القريب هي اندماج لأسواق الأسهم المحلية”، مضيفا أنه من المحتمل اندماج بنوك أيضاً.
وأكد مصدر ثان إجراء المحادثات، وقال إن صندوق مبادلة، الذي يدير أصولاً بنحو 230 مليار دولار، سيقوم “بخطوة كبيرة في دبي” دون أن يذكر تفاصيل.
وتدور منافسة بين الإمارتين، بينما تطورت دبي سريعاً لتصبح مركزاً للسياحة والتجارة والأعمال في الشرق الأوسط، في حين أن أبوظبي هي العاصمة السياسية للدولة بسبب حجمها وثروتها النفطية الهائلة.
وبدأ توطُّد النفوذ السياسي في أبوظبي بالدعم الذي قدمته عام 2009. وقالت الإمارات، يوم الأربعاء الماضي، إنها ستقوم بمراجعة هيكل وحجم حكومتها بهدف أن تكون “أكثر رشاقة ومرونة”.
وقال نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: “قد ندمج وزارات.. ونغير هيئات”، وذلك عقب اجتماعات افتراضية استمرت ثلاثة أيام بشأن استراتيجية البلاد بعد فيروس كورونا.
وقال مصدر ثالث إن مبادلة سينخرط على الأرجح “في مرحلة ما”، بسبب أن الصندوق الحكومي دائما ما يشارك حين يكون هناك أي اندماج بين الإمارتين في السابق.
ووقعت اندماجات بعد أن قدمت أبوظبي دعما ماليا لدبي عقب أزمة 2009، والتي انهار خلالها سوق العقارات بدبي، مما أجبر تقريبا بعض الشركات المرتبطة بالحكومة على التخلف عن سداد ديون بمليارات الدولارات.
وقامت الإمارات بدمج شركتي الألومنيوم في دبي وأبوظبي لتأسيس شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، المملوكة بشكل مشترك لمبادلة ومؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية.
وقال المصدر الأول: “رأينا بالفعل نمطا من الاندماجات وسيتسارع هذا الآن… سيتم تصميم عمليات الإنقاذ المالي هذه على الأخص عبر حصول أبوظبي على حصص في أصول استراتيجية مملوكة لدبي. سيحدث هذا بمرور الوقت”.
وقالت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث ومقرها لندن، إن دبي أكثر الاقتصادات في الشرق الأوسط وأفريقيا عرضة لخطر الضرر الاقتصادي الناجم عن التدابير الهادفة للحد من انتشار فيروس كورونا.
وذكرت كابيتال إيكونوميكس أن اقتصاد دبي قد ينكمش بما لا يقل عن خمسة إلى ستة في المائة هذا العام، إذا استمرت هذه التدابير حتى الصيف.
وتباطأ النمو الاقتصادي في دبي قبل الجائحة وتبددت آمال الاستفادة من استضافة معرض إكسبو العالمي في أكتوبر/ تشرين الأول، حين جرى تأجيل الحدث إلى 2021.