موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات: دولة تكميم تُحكم قبضتها على الإعلام والمعارضة

434

تقدّم الإمارات نفسها نموذجًا للحداثة والاستقرار، لكنها تعتمد في الداخل منظومة قمع شاملة تتحكم في المجال العام وتُحكم قبضتها على الإعلام والمعارضة وتغلق المجال الإعلامي بالكامل أمام أي منافسة أو مساءلة أو صوت مستقل.

فالدولة التي تستثمر بكثافة في تعزيز صورتها عالميًا، تمارس في الوقت نفسه واحدة من أكثر البيئات عداءً للصحفيين في المنطقة. وبين بناء منصات إعلامية ضخمة في الخارج وتكميم الأصوات في الداخل، رسخت أبوظبي آلية حكم لا تتسامح مع النقد ولا تعترف بالتعددية، وتستخدم فيها القوانين والأجهزة الأمنية والرقابة الرقمية لضمان احتكار كامل للرواية الرسمية.

إذ يسيطر النظام على المشهد الإعلامي عبر ملكية شبه كاملة للصحف والتلفزيونات والمؤسسات الإعلامية حيث صحيفة الخليج، ذات الانتشار الأكبر، وصحيفة الاتحاد، أقدم الصحف، تخضعان لتمويل مباشر من مؤسسات حكومية. أما الصحف الإنجليزية مثل غالف نيوز وذا ناشيونال فتعمل ضمن خط تحريري لا يخرج عن سياسات الدولة، رغم خطابها الموجّه للقراء الأجانب.

وتمثل هذه الملكية أداة للضبط السياسي. فالمؤسسات الإعلامية تُدار بمنطق الولاء، وهي غير قادرة على نشر أي محتوى يخالف توجهات الدولة أو يطرح تساؤلات حول السياسات العامة، أو يتناول قضايا حقوق الإنسان أو الفساد أو الأمن.

والنتيجة هي إعلام بلا استقلالية وبلا دور رقابي، يعمل كامتداد مباشر لخطاب الحكومة وليس كوسيلة لنقل الحقائق.

جهاز رقابة واسع: المجلس الوطني للإعلام

الهيئة المشرفة على الإعلام، أي المجلس الوطني للإعلام، تمثل ذراع الدولة في ضبط الفضاء الإعلامي. فهي تفرض معايير فضفاضة تمنع أي مادة يمكن اعتبارها “مزعزعة للتماسك الاجتماعي” أو “مسيئة لرموز الدولة”.

وتمنح هذه اللغة، المتعمدة في غموضها، السلطات في أبو ظبي قدرة مطلقة على إسكات أي محتوى سياسي أو حقوقي أو اجتماعي لا يتماشى مع رواية الحكومة.

والرقابة لا تقتصر على الصحافة المحلية، فوسائل الإعلام الأجنبية تخضع للمعايير نفسها وتتعرض لسحب تراخيص أو حجب مواد إذا تجاوزت الخطوط الحمراء. وبهذا، تضمن السلطات أن صورة الدولة في الإعلام الخارجي لا تختلف عن صورتها في الإعلام الداخلي، رغم استهدافها لجمهور مختلف.

قوانين تُستخدم كسلاح قمعي

يعد الإطار القانوني في الإمارات أحد أقوى أدوات السيطرة ورغم أن الدستور يكفل حرية التعبير، فإن قانون المطبوعات والنشر لعام 1980 يتيح للسلطات فرض رقابة واسعة وحظر أي محتوى ينتقد الدولة أو الأسرة الحاكمة أو الاقتصاد.

أما قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2012، وتحديثه في 2021، فحوّل التعبير الرقمي إلى منطقة محظورة، حيث تُستخدم تهم مثل “نشر الشائعات” و”إثارة الفتنة” و”إهانة الدولة” لتجريم أي تعليق على وسائل التواصل.

والبارز هنا أن هذه القوانين ليست موجهة فقط للإعلاميين. أي مستخدم يمكن أن يُحاكم بسبب مشاركة منشور ناقد أو إعادة تغريد تعليق عن الأوضاع السياسية أو الاقتصادية. وبذلك، امتدت الرقابة من المؤسسات الإعلامية إلى المجال الرقمي، مانعة أي نقاش عام حول السياسات أو حقوق الإنسان.

قمع عابر للحدود: النشطاء الإماراتيون في الخارج

الرقابة لا تتوقف عند حدود الدولة فالنشطاء الإماراتيون المقيمون في الخارج أصبحوا هدفًا للملاحقة والمضايقات، إذ تتهمهم السلطات بـ”الخيانة” أو “إساءة سمعة الدولة”.

وبعض هؤلاء تعرض لتهديدات مباشرة، والبعض الآخر اعتُقل أثناء زيارات عائلية أو سُلّم للسلطات الإماراتية من دول أخرى. هذا السلوك يعكس محاولة الدولة السيطرة على الأصوات المنتقدة أينما وجدت، ومنع أي رواية بديلة يمكن أن تؤثر على صورتها الدولية.

بموازاة ذلك تضخ الإمارات استثمارات هائلة في المجال الإعلامي، خصوصًا في دبي التي تحولت إلى مركز إقليمي تستضيف مكاتب كبرى الوكالات العالمية.

لكن هذا الازدهار الاقتصادي لا يرتبط بحرية الصحافة، بل بتسهيل الأعمال والبنية التحتية، بينما يبقى المحتوى الصحفي خاضعًا لرقابة صارمة. المؤسسات الأجنبية تعمل في بيئة آمنة اقتصاديًا لكنها مقيدة سياسيًا، وتدرك أن تجاوز الخطوط الحمراء يعني الطرد أو إغلاق المكاتب.

ثقافة الولاء… وإنتاج رقابة ذاتية

يقوم النظام السياسي في الإمارات على تمجيد العائلة الحاكمة وربط استقرار الدولة وازدهارها بقيادة آل نهيان وأي نقد يُصنف تلقائيًا كعدم ولاء. هذه الثقافة دفعت بالمجتمع إلى اعتماد الرقابة الذاتية خوفًا من العقاب أو العزل الاجتماعي.

والنتيجة لذلك هي فراغ كامل في المساحة العامة، حيث يمتنع المواطنون عن النقاش السياسي وتختفي الآراء المخالفة، ليس فقط بسبب القوانين، ولكن بسبب الخوف المزروع في بنية المجتمع.

وقد طورت الإمارات قدرات متقدمة في المراقبة الرقمية عبر برامج تجسس وأدوات تتبع تستهدف الصحفيين والمدونين والناشطين. الاتهامات المعتادة هي التشهير وإهانة الدولة ونشر معلومات كاذبة.

وتفضي هذه التهم إلى أحكام طويلة بالسجن، ويتعرض بعض المعتقلين لسوء المعاملة خلال الاحتجاز. بهذا، يصبح الفضاء الرقمي امتدادًا للسجون الصامتة، حيث يتحول كل تعليق إلى خطر محتمل.