أطلق مؤتمر الاستثمار في المستقبل 2018 الذي عقدته الإمارات كترويج جديد لصورتها الخارجية، بيان الشباب تضمن 13 محوراً رئيساً جاء نتيجة لسلسلة من الجلسات التي جمعت شباب من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضمن فعاليات المؤتمر الذي شهدته إمارة الشارقة في 24 و25 أكتوبر الجاري.
و تضمن “بيان الشباب” التوصية بإنشاء مجلس شبابي استشاري إقليمي شبه حكومي مع تمثيل عربي لضمان مشاركة الشباب في عملية صنع القرار على أن يجري العمل على إثراء المجلس المقترح وتطويره بتمثيل الأقليات الشبابية واللاجئين والشباب الذين لا يحملون أية جنسية ويتم دعم التشريعات التي تصدرها المجالس التنفيذية المحلية والوطنية التي يقودها الشباب في بلدانهم وفئاتهم الاجتماعية المعنية وتأسيس وزارات للشباب في دول المنطقة كافة ودعمها بالميزانيات الوطنية لتنمية الشباب على ألا يتجاوز المتوسط العمري للوزراء الشباب 35 عاماً.
كما تضمن الإعلان التوصية بتأسيس مراكز مجتمعية شبابية في المناطق الحضرية والريفية وتمويلها بهدف إتاحة الفرصة للشباب للحصول على الخدمات التعليمية والتكنولوجية والترفيهية والثقافية والاجتماعية والأنشطة المرافقة لها مجاناً.
ويدرج مراقبون هذا البيان، ضمن ما يقولون إنه محاولات لاحتواء الشباب وتهميشهم وتوجييهم حيث تريد الأجهزة الأمنية وليس حيث مصالح الشباب وحقوقهم. في الإمارات ودول الخليج يمكن للشباب أن يتلقوا ألف دورة في البيئة مثلا أو في إدارة الوقت، ولكن محظور عليه أن يحاول – مجرد محاولة- التعرف على حقوقه المدنية والسياسية وكيفية انخراطه في صنع القرار بصورة فعلية.
فالشباب الإماراتي يواجهون الكثير من الانتقاصات الحياتية والحقوقية، إذ تنتشر البطالة في صفوفهم وتستفحل ظاهرة العنوسة والعزوف عن الزواج، ويكابدون ظروفا اجتماعية واقتصادية مزرية، فضلا عن حرمانهم من حقوقهم المدنية والسياسية في أبسط من عملية صنع القرار. ففي الإمارات هناك عشرات الآلاف من الشباب ممنوعون من حق الاقتراع لمجالس منتخبة بصورة مجتزأة.
يقول ناشطون، إن هذا البيان وغيره من بيانات هي صناعة توجهات أمنية تسعى إلى توجيه الشباب إلى اهتمامات وأولويات ثانوية بعيدا عن احتياجاتهم الذاتية وعن مسؤولياتهم المجتعية.
وقد اعترف سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة في مقال له في 2016 نشره على موقع فوكس نيوز، قائلا: ” الإمارات تدرك الأهمية الحيوية لتدريب المهارات وخلق فرص العمل للشباب، سواء في الإمارات، أو في العالم العربي، لتشجيعهم على الانخراط في القوة العاملة بدلاً من تركهم فريسة التجنيد الإرهابي”.
وبحسب أدبيات أبوظبي فإن الناشطين الحقوقيين والسلميين هم إرهابيون، والمطالب الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية هي “الإرهاب” بعينه.
ويشتكى الشباب في دولة الإمارات من أن الدعم الرسمي الحكومي لهم يقتصر على المبادرات الدعائية حول ما يسمى “تمكين الشباب”، ولكن الواقع يفيد بعكس ما يتردد في الإعلام الرسمي.
ويستدل الشباب الإماراتي، بعدد من السياسات والإجراءات التي تتخذها السلطات في الدولة لاحتواء قدرات الشباب من جهة أو توظيفها في مسارات معينة من جهة ثانية، مع تجاهل لمشكلات الشباب الاقتصادية والاجتماعية فضلا عن تهميش الشباب في المشاركة السياسية والمدنية. وبصفة عامة، وصفت مجلة “إنترسيبت” الأميركية الإمارات بأنها “من بين أكثر دول العالم قمعا ودكتاتورية في الداخل”.
ومنذ أكثر من سبع أعوام يعاني الشباب الإماراتي سواء الخريج أو الذي لم يكمل تعليمه العالي بطالة مفزعة أدت إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية أبرزها العزوف عن الزواج ومفاقمة ديونهم.
يقول مراقبون، إن الحكومة لا تمتلك أي استراتيجية أو خطط لتوظيف الشباب الإماراتي رغم ما يتفاخر به وزراء في الدولة من أن الإمارات توفر سنويا مليون فرصة عمل، ولكنه تصريح موجه للخارج ويعكس مدى حجم توظيف الأجانب مقابل بطالة الإماراتيين.
وفي جميع مبادرات الحكومة الاتحادية أو المحلية، فإن السلطات تلقي بعبء التوظيف على القطاع الخاص، وهو قطاع ضعيف لا يستطيع استيعاب الشباب الإماراتي من جهة، كما أنه لا يرحب بالإماراتيين من جهة ثانية لأسباب تقر بها الحكومة، مثل ضعف الرواتب والأمان الوظيفي فضلا عن المنافسة الشرسة للأجنبي ذي الأجرة الزهيدة مقارنة مع متطلبات الموظف الإماراتي.
ويستطرد مراقبون، حتى مجالس الشباب التي أعلن عن تشكيلها في الدولة منذ 3 أعوام، فإنها لا تؤدي أي دور يساهم في حل مشكلات الشباب المختلفة. إذ كشفت التجربة أن المجالس عبارة عن “حلقات” مؤدلجة وترويجية لتوجهات الدولة السياسية والعسكرية في المنطقة، وهي سياسات لم يجر بشأنها في الدولة أي نقاش مفتوح وعام حر، بل سياسات معلبة تأتي من “أعلى” للشباب، على حد تعبير المراقبين. ما دفع المراقبين للتأكيد أن مجالس الشباب أُعدت لالتقاط الصور التذكارية التي تقنع القائمين على الأمر في الدولة أن هناك جهات ومؤسسات تعمل.
ومنذ عام 2011، يواجه الشباب الإماراتي حملة منظمة لخنق حرية التعبير المنخفضة في الأساس طوال العقود السابقة بحسب منظمات حقوقية، غير أن مصادرة الحريات دخل مرحلة التقنين بإصدار عدد من التشريعات التي تحمل عناوين براقة ولكنها في حقيقتها تسعى للتضييق على حرية التعبير حتى لفظ أنفاسها تماما، وهو ما حدث بالفعل.
فمن قانون “مكافحة التمييز والعنصرية” إلى قانون جرائم تقنية المعلومات إلى عدد من قرارات حكومية تعتبر أن أي تعبير للرأي لا يتوافق مع توجه سلطات الدولة يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بما لا يقل عن 3 سنوات سجن وغرامة مالية لا تقل عن نصف مليون درهم.
وأصدر مجلس الوزراء قرار رقم (23) لسنة 2017 في شأن المحتوى الإعلامي. وأبرز قيوده: “ضرورة احترام توجيهات وسياسة الدولة على المستويين الداخلي والدولي، ..، ومراعاة مقتضيات المصلحة العامة، وعدم الإساءة للنظام الاقتصادي والقضائي والأمني في الدولة..”. إذ يعتبر القانون والسلطات أن أي رأي مواز لرأي السلطات أنه معارضة لها يستوجب العقوبة المغلظة.
وقد ذهب ضحية هذه السياسات القمعية، محاكمة عشرات الشباب الإماراتيين في محاكم أمن الدولة أو محكمة استئناف أبوظبي، على قضايا حرية التعبير عن الرأي، ولكن يتم التكييف القانوني لها من جانب النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة على أنها جرائم جنائية متعلقة بتهديد أمن الدولة. فمن سجن الشاب المدون أسامة النجار، إلى معتقلين شباب كثر منذ عام 2011، من منصور الأحمدي إلى عمران الرضوان إلى خليفة النعيمي وغيرهم ممن يواجهون عقوبات تصل من 7-10 سنوات سجن لمجرد ممارسة حقهم في التعبير عن الرأي، وفق ما تؤكده منظمات حقوقية.
ولم تكتف السلطات بعدم توظيف الشباب أو بقمعهم عن حرية التعبير، بل تسوقهم إلى حروب إقليمية ودولية ثبت للإماراتيين أنه لا ناقة ولا جمل لهم فيها، غير أن صاحب هذه السياسة يريد ذلك.
فنحو 120 شهيدا من الشباب الإماراتي في حرب اليمن حتى الآن، فضلا عن شهداء في أفغانستان، وضحية لجهاز الأمن في ليبيا، قتلته مليشيات ليبية بتهمة تورطه بالتجسس لصالح الجهاز.
يقول مراقبون، إن زيادة مدة التجنيد الإجباري هذا العام لتصل إلى عامين بعد أن بدأت بـ9 شهور، ارتبط بارتفاع كبير بنسبة الراسبين في الثانوية العامة، ما دفع بالتساؤل، إن كان رفع نسبة الرسوب مخطط له لأخذ آلاف الشباب إلى جبهات القتل في اليمن وأفغانستان، أم أن قرار مد التجنيد اتخذ لاستيعاب هؤلاء الآلاف من الشباب الغض واليافع.
ويقول قطاع من الشباب الإماراتي، لا فرق إن كان ذلك بموجب خطة أم لا، فالمحصلة النهائية أن شباب الإمارات يساقون إلى معارك ليست خارج دولتهم فقط بل خارج مصالحها العليا التي يجب أن تحدد هذه المصالح بإجماع الإماراتيين وفي القلب منهم الشباب المهمش والذي يشكل مادة معسولة في أفواه المسؤولين بلا استثناء دون نتائج تخدم هذا القطاع، على حد تقديرهم.