موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

محامون وقضاة وأكاديميون في زنازين الإمارات: رموز العدالة والعلم ضحايا للاستبداد

1٬152

منذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا، يقبع في سجون دولة الإمارات عشرات من أبرز المحامين والقضاة والأكاديميين كان يُفترض أن يُكرَّموا كرموز العدالة والعلم والفكر، لكنهم وجدوا أنفسهم خلف القضبان لمجرد مطالبتهم بإصلاحات سلمية وحق طبيعي في حرية التعبير.

وتكشف هذه المفارقة الوجه القاتم لنظام يقدّم نفسه للعالم باعتباره نموذجًا للتنمية والحداثة، بينما يخفي خلف الأبراج اللامعة والمشاريع العملاقة واقعًا مروّعًا من القمع الممنهج وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.

وأبرز قضية تجسد هذا الانتهاك هي محاكمة ما عُرف بـ”الإمارات 94″، حين حوكم العشرات من النشطاء الحقوقيين والمثقفين عام 2012 بتهمة “التآمر على قلب نظام الحكم”، فقط لأنهم وقعوا عريضة تدعو إلى إصلاحات سياسية سلمية.

ورغم مرور أكثر من عقد على صدور الأحكام، لا يزال كثيرون منهم في السجون، بعضهم أتمّوا عقوبتهم لكنهم يُحتجزون تعسفيًا تحت مسمى “المناصحة”، في خرق واضح للقانون الدولي.

هؤلاء لم يحملوا سلاحًا ولم يدعوا إلى عنف، إنما طالبوا بما تنص عليه دساتير كثيرة حول العالم: المشاركة الشعبية في القرار واحترام الحريات الأساسية.

الإخفاء القسري… جريمة بلا تقادم

تتكرر في الإمارات ممارسات الإخفاء القسري، حيث يُقتاد المعتقلون إلى أماكن غير معلومة لفترات طويلة، ويُحرم ذووهم من معرفة مصيرهم.

هذه الممارسات ليست فقط انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية، بل تُعد جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. منظمات حقوقية دولية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” وثّقت حالات عديدة لمحتجزين تعرضوا لانقطاع كامل عن العالم الخارجي لشهور، بل ولسنوات، قبل أن يُقدَّموا إلى محاكمات تفتقر إلى أبسط معايير العدالة.

وكان من المفترض أن القضاء هو ملاذ العدالة الأخير، لكنه في الحالة الإماراتية تحوّل إلى أداة في يد السلطة التنفيذية. كثير من القضاة الذين رفضوا الانصياع أو عبّروا عن رأي مستقل وجدوا أنفسهم مطرودين من وظائفهم أو حتى معتقلين.

فالمحاكمات التي جرت بحق النشطاء والحقوقيين شابتها انتهاكات جسيمة: انتزاع اعترافات تحت التعذيب، جلسات سرية، وغياب كامل لمعايير المحاكمة العادلة. هذه الوقائع تؤكد أن النظام القضائي فقد استقلاليته، وبات جزءًا من منظومة القمع.

وتحرص الإمارات على تقديم نفسها للعالم باعتبارها مركزًا للتسامح والانفتاح، مستضيفة مؤتمرات عالمية للسلام والدين، ومطلقة مبادرات تحمل عناوين براقة مثل “عام التسامح”. لكن خلف هذه الحملات الدعائية يقبع العشرات في زنازين معتمة، ويُحرم آلاف من أبسط الحقوق مثل حرية التعبير أو تكوين الجمعيات.

وتثير هذه الازدواجية أسئلة جوهرية حول مصداقية الدولة وادعاءاتها أمام المجتمع الدولي.

ثمن الصمت الدولي

رغم التوثيق المتكرر لهذه الانتهاكات، فإن الرد الدولي غالبًا ما يكون فاتراً، لأسباب ترتبط بالمصالح الاقتصادية والسياسية. الإمارات شريك اقتصادي مهم وحليف أمني استراتيجي للعديد من الدول الغربية، ما يجعل تلك الدول تغض الطرف عن سجلها الحقوقي الأسود.

ويمنح هذا الصمت السلطات الإماراتية شعورًا بالإفلات من العقاب، ويشجعها على المضي قدمًا في ممارساتها القمعية دون خشية من المساءلة.

والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب ليست مسائل داخلية يمكن غض الطرف عنها، بل جرائم ضد الإنسانية تستوجب تحركًا دوليًا جادًا.

ويؤكد مراقبون أن الضغط من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الحليفة يجب أن يتجاوز البيانات الشكلية إلى إجراءات ملموسة: فرض عقوبات فردية على المسؤولين عن هذه الانتهاكات، ربط التعاون الاقتصادي بشروط واضحة لاحترام حقوق الإنسان، ودعم منظمات المجتمع المدني التي تسعى لتوثيق الانتهاكات والدفاع عن الضحايا.

من جهتها الإمارات تراهن على النسيان، لكنها تتجاهل أن معاناة الضحايا وأسرهم تظل شاهدة على قسوة هذا النظام. أسماء مثل الدكتور محمد الركن، المحامي المعروف دوليًا، وأكاديميون آخرون لا يزالون في الزنازين، تحولت إلى رموز عالمية للصمود في وجه الاستبداد.

ويؤكد المراقبون أن تذكير العالم بهذه الأسماء، وتسليط الضوء على قصصهم، هو واجب إنساني وأخلاقي، حتى لا يُختزل الإنسان في أرقام إحصائية أو ملفات منسية.