موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

غموض وارتباك يسيطران على موقف الإمارات بشأن استهداف سفن الفجيرة

178

رغم مضي أكثر من 24 ساعة على الهجمات التي تعرضت لها أربع سفن متعددة الجنسيات بالمياه الاقتصادية الإماراتية المقابلة لإيران، ما زال الغموض يكبر والأسئلة تزداد حول طبيعة الهجمات التي تعرضت لها السفن، والجهة التي تقف خلفها، والأهداف والرسائل التي أرادت إيصالها من خلال تلك الهجمات.

ومن المفارقات الغريبة أن غموض الفعل وخفاء الفاعلين جاء وسط حالة غير مسبوقة -على الأقل في السنوات الأخيرة- من التحشيد والتوتر والاستنفار في المياه الخليجية، وهو ما أثار أسئلة أخرى حول هوية ودوافع الضالعين في هذه الهجمات.

وبينما لم يصدر رأي قاطع أو اتهام صريح لأي جهة حتى الآن بالمسؤولية عن الهجمات، يبقى التكهن والتخمين سيد الموقف، في ظل روايات متعددة يتطابق بعضها حول حقيقة ما يجرى، ولكنها روايات تتوقف عند الوقائع والمجريات ولا تصل للدوافع والجهات.

وبدا الارتباك واضحا في تعاطي السلطات الإماراتية مع الحادثة، حيث لجأت في البداية إلى نفي الخبر بعد إذاعته من وسائل إعلام مقربة من إيران، ثم عادت بعد أكثر من 12 ساعة إلى الاعتراف بالحادثة عبر إصدار بيان رسمي يؤكد تعرض أربع سفن لعمليات تخريب ويتعهد بالتحقيق، ولكنه لا يكشف المعلومات التي بحوزة الإماراتيين ولا يوجه أصابع الاتهام لأي طرف كان.

وجاء الموقف الإماراتي عبر بيان لخارجيتها أكد تعرض أربع سفن شحن تجارية مدنية من عدة جنسيات لما وصفتها بعمليات تخريبية في المياه الاقتصادية للإمارات، بالقرب من إمارة الفجيرة.

وأضافت أن العمليات لم تتسبب في أي أضرار بشرية أو إصابات، كما أنه لم ينتج عنها أي تسرب لمواد ضارة أو وقود من هذه السفن، وأكدت أن التحقيق جار حول ظروف الحادث بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية، وأن الجهات المعنية بالتحقيق سترفع النتائج حين الانتهاء من إجراءاتها.

ولا يزال يكتنف الغموض طبيعة “العمليات التخريبية” التي أعلنت الإمارات أن أربع سفن شحن تجارية من جنسيات عدة تعرضت إليها في مياهها قبالة إيران، في شرق إمارة الفجيرة.

إعلان الإمارات جاء “إقرارا بعد إنكار”، مما يزيد من الغموض، إذ أنكرت في بادئ الأمر أمس وقوع أي عمليات، لكن إقرارها لاحقا بوقوع تلك “العمليات التخريبية” خلا من تحديد طبيعة “التخريب” والجهة التي تقف خلفه. كما خلا من ذكر أي من الجنسيات الأربع التي تنتمي إليها تلك السفن.

ورغم خطورة الأمر وتهديده سلامة الملاحة في واحد من أهم المعابر والممرات المائية في العالم، لم تنشر الإمارات صورة أي من تلك السفن الأربع المستهدفة أو تحدد الجهات التي ستحقق في الحادث، ولم توجه أصابع الاتهام صراحة أو ضمنيا لأية دولة أو جهة.

ويتمتع ميناء الفجيرة بموقع استراتيجي يتيح للإمارات تصدير النفط دون المرور بمضيق هرمز، وبالتالي ضمان حركة التصدير في حال حصول أي توترات إقليمية، خصوصا وأن إيران كررت تهديدها بإغلاق هذا المضيق الاستراتيجي في حال حصول أي مواجهة عسكرية في الخليج على خلفية تصاعد التوتر بينها وبين الولايات المتحدة.

وبعد ساعات من اعتراف الإمارات، جاء إعلان السعودية فجر اليوم الاثنين عن تعرض ناقلتي نفط سعوديتين لـ”هجوم تخريبي” وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة بالقرب من إمارة الفجيرة.

وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح قال إن إحدى الناقلتين كانت في طريقها للتحميل بالنفط السعودي من ميناء رأس تنورة، ومن ثم الاتجاه إلى الولايات المتحدة لتزويد عملاء أرامكو السعودية.

حديث السعودية عن سفينتيها جاء متأخرا أيضا، كما خلا إعلانها -مثله مثل الإعلان الإماراتي- من تحديد طبيعة تلك الأعمال التخريبية التي لحقت بالسفينتين أو الجهة التي تقف خلفه.

وفي وقت لاحق اعتبرت وزارة الخارجية السعودية أن ما حدث “عمل إجرامي يشكل تهديدا خطيرا لأمن وسلامة حركة الملاحة البحرية، وبما ينعكس سلبا على السلم والأمن الإقليمي والدولي”.

وشدّد على تضامن السعودية “ووقوفها إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في جميع ما تتخذه من إجراءات لحفظ أمنها ومصالحها”.

بيان الخارجية السعودية جاء بعد بيان مشابه صادر عن نظيرتها الإيرانية في طهران، أكد “قلق” وأسف السلطات الإيرانية لتعرض سفن في الإمارات لأعمال “تخريبية”، وحضت على إجراء تحقيق.

كما حذر بيان الخارجية الإيرانية من “أي مكيدة يحيكها المتآمرون لتقويض الاستقرار والأمن في المنطقة”، داعيا دول المنطقة إلى “الحذر من أي مغامرة ينفذها عملاء أجانب”. كما حذرت من الطرف الثالث الذي يخلط الأوراق.

لم تحدد التصريحات الإيرانية طبيعة “الطرف الثالث” أو “المتآمرين الخارجيين” أو تذكر أيا منهم بالاسم، وإن كان المفهوم ضمنيا إسرائيل “المحرضة” والإدارة الأميركية التي اعتمدت التصعيد.

اللافت في الأمر هو التزام الإدارة الأميركية الصمت حتى الآن وعدم التعليق على  “الأعمال التخريبية” التي تعرضت لها السفن التي يحمل بعضها نفطا إليها، مما يجعلها معنية بالأمر الذي يعد تهديدا لاستقرار الاقتصاد العالمي.

تأخر التعليق أو رد الفعل الأميركي يثير الشكوك بشأن علاقة الحادث بتصعيدها المتواصل تجاه إيران خصوصا وأن واشنطن اعتادت سرعة التعليق وإصدار البيانات في أمور وحوادث أقل خطورة مما وقع.

ويأتي الحادث في المياه الإماراتية في خضم مرحلة من التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة، حيث أرسلت الولايات المتحدة سفينة هجومية وبطاريات صواريخ “باتريوت” إلى الشرق الأوسط لتعزيز قدرات حاملة طائرات وقاذفات من طراز “بي 52” أُرسلت سابقا إلى منطقة الخليج.

ويتزامن حادث استهداف سفن الفجيرة أمس مع توجّه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بروكسل حيث سيناقش ملف إيران مع المسؤولين الفرنسيين والبريطانيين والألمان، وذلك بعدما سبق أن ألغى مروره بروسيا زيارتين إلى برلين وغرينلاند لكي يكرس جهوده للملف الإيراني.

الغموض الذي يكتنف الحادث ينتظر الحديث الأميركي لتوضيحه باعتبار واشنطن المعني الأول بالتصعيد وانتهاج سياسة حافة الهاوية مع إيران، التي ترى أن “عصر الوجود الأميركي في الخليج انتهي”، كما تجاهلت التهديدات الأميركية لها وسخرت منها مبديةً إصرارها على التحدي وصبرا في لعبة عض الأصابع مع واشنطن.

وتبدو الدول العربية الخليجية هي الحلقة الأضعف بين مشاهدي لعبة عض الأصابع بين واشنطن وطهران، وحتى حادث الفجيرة الأخير ستدفع الإمارات ضريبة اقتصادية مكلفة له إذا ما وضعت في قائمة الدول غير الآمنة، مما يعني خسارة فادحة لموانئها ومطاراتها.

عودة إلى استهداف السفن التجارية في الفجيرة، فإنه وعلى غير ما جرت عليه العادة لم تتعجل أي من السعودية أو الإمارات أو الولايات المتحدة في توجيه الاتهامات في مثل تلك الحالات أو الحالات المشابهة إلى إيران أو إلى جماعة الحوثي، ذلك أن الأمر يتجاوز قدرات الحوثيين، فضلا عن أن اتهام إيران يعني اندلاع الحرب ويتطلب ردا أميركيا للتحرك لحماية حليفها.

وقد يكون التفسير الأقرب للغز أن استهداف سفن الفجيرة من تدبير جهاز استخبارات محترف لقياس ردود الأفعال المتوقعة -بافتراض حسن النية- أو بصب الزيت على النار وإشعال الموقف، وتظل الحقيقة رهينة بتحقيق دولي لتحديد الفاعل.