طرح البرلمان الأوروبي خلال جلسة خاصة له في بروكسل انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة واستمع لشهادات من ضحايا القمع الذي تمارسه حكومة أبو ظبي.
وتظهر الخطوة تنامي الغضب الأوروبي من انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات بما في ذلك الاعتقالات التعسفية وتقييد الحريات العامة.
كما تأتي الخطوة كدليل أخر على فشل مساعي الإمارات للتغطية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتحسين صورة سجلها الحقوقي الأسود.
وقدّم الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز الذي كان معتقلاً في السجون الإماراتية محكوماً بالمؤبد قبل العفو عنه، ملخّصاً لوقائع اعتقاله واستجوابه لمدة 6 أسابيع خلال جلسة البرلمان الأوروبي.
وذكر هيدجز أنه أحياناً كان يتم استجوابه على مدار 15 ساعة متواصلة. وقال “كنت مهدداً بالتعذيب إن لم أقل لمن اعتقلني ما يريد سماعه، وتجاوبت معهم وقلت إنني جاسوس وأعمل لصالح الاستخبارات البريطانية، وألزموني بتوقيع اعترافات باللغة العربية”.
وأضاف: “احتجزت في معتقل انفرادي، وعشت معاناة بدأت من تخديري لتهدئتي، وصولاً إلى إعطائي مواد مخدّرة ممنوعة طبياً ما زلت أعاني من آثارها. وقفت ثلاث مرات أمام المحكمة، وجاء النطق بالحكم خلال خمس دقائق، لتطوى الجلسة ويحكم عليّ بالسجن المؤبد، وأعدت إلى القاعة المعزولة بلا نوافذ، ولولا تدخل الخارجية البريطانية لما كان تم إطلاق سراحي”.
وختم قائلاً: “ما عانيته ليس حالة فريدة، وأطلب من الاتحاد الأوروبي تصنيف الإمارات بيئة غير آمنة للطلاب الجامعيين الأجانب، وإن كان لا بد من استمرار صداقتنا مع هذه الدول فلا بد أن يتخلوا عن قمعهم وممارستهم”.
وتضمنت جلسة البرلمان الأوروبي الاستماع لشهادات حيّة قدمها 5 متضررين من انتهاكات السعودية والإمارات والبحرين لحقوق الإنسان، بينهم قطريتان تعرضت إحداهما لتفكك أسرتها وطردت الأخرى من جامعتها بعد حصار قطر.
وانتقد الضحايا الخمسة انتهاكات الدول الثلاث، في مقابل المواقف السلبية التي تبديها دول الاتحاد الأوروبي إزاء تلك الانتهاكات، وعابوا على حكومات تلك الدول التزام الصمت أحياناً بدافع مصالح سياسية، أو الاكتفاء في أحسن الأحوال بإدانات رسمية لا تردع دول الحصار ولا توقف انتهاكاتها المتكررة.
وطالب الضحايا في جلسة البرلمان الأوروبي حكومات دول الاتحاد باتخاذ مواقف أكثر قوة لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تطاول المواطنين والمقيمين في قطر منذ بدء الحصار، إلى جانب الانتهاكات التي يتعرض لها العديد من المواطنين المعتقلين في السجون الإماراتية والسعودية والبحرينية.
وردّ رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، أنطونيو بنزاري، على هذه المطالبات بتأكيد التزام نواب دول الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، بما في ذلك ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن الأزمة الخليجية، لافتاً إلى أن البرلمان الأوروبي لن يوفر جهداً لرفع الحصار المفروض على قطر.
وشدّد بنزاري على أن “البرلمان الأوروبي لن يسمح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بمحو جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مهما حاول التسويق لنفسه في عواصم عالمية، لأن هناك حقيقة لا بد من كشفها”.
أبرز الشهادات كانت للأكاديمية القطرية وفاء اليزيدي، التي حضرت إلى جلسة الاستماع من الولايات المتحدة، حيث تتابع علاجها، وقالت اليزيدي: “جئتكم لأروي قصة معاناتي منذ بدء الحصار، بعد أن تمكنت من الحصول على إذن طبي بالسفر لمدة ثلاثة أيام، وقطعت آلاف الكيلومترات لأقدم صورة عن معاناتي، وهي جزء من معاناة آلاف الضحايا من الأمهات اللائي يعانين مثلي”.
وأضافت: “أنا قطرية مطلقة، وأبنائي بحرينيون، وعاشوا معي في أوروبا حيث كنت أدرس. عشنا حياة طبيعية بلا حواجز ولا فروق بسبب الجنسية، لكن حياتي انقلبت رأساً على عقب منذ الخامس من يونيو 2017، لما قطعت العلاقات مع قطر، ولم يعد بإمكان أولادي الحديث مع ذويهم في البحرين، وباتت كل قنوات التواصل ممنوعة، ولا أحد يتواصل معنا خشية العقاب الذي فرضته دول الحصار عبر قوانين تمنع التعاطف مع القطريين، ولو داخل الأسرة الواحدة”.
وتابعت اليزيدي: “الحصار شتّت العائلات، ولم نعد نستطيع السفر إلى الحج، وتعرضنا لمعاناة قاسية، حتى إننا حرمنا من حضور جنازات ذوينا وأقاربنا، وأولادي الذين عاشوا في أوروبا صدموا لأنهم تحت طائلة الحصار، ويمكن أن يعاقبوا إن عبروا عن تضامنهم مع والدتهم لو أنهم فضلوا البقاء معي في قطر”.
واستطردت: “اليوم أذهب إلى المستشفى كل ثلاثة أيام للعلاج، ولا أستطيع رؤية أولادي لأنني مطالبة بفحوص طبية كل أسبوع، وتعقّدت حياتي بشدة، كما أن جوازات سفر أولادي تنتهي في نهاية العام الحالي، ولا أستطيع تجديدها، وأعرف قصة أم قطرية أخرى لها ابن عمره 11 سنة ذهب لتجديد جوازه، ومن يومها لم يسمح له بالعودة إلى أمه منذ نحو عام كامل”.
وختمت المواطنة القطرية: “أوجه نداء لكل البرلمانيين الأوروبيين، وخاصة النساء اللائي يفهمن وضعي ومعاناتي كمطلقة محرومة من أولادها قهراً، وتواجه في كل لحظة خطر فقدان أبنائها. أتوجه إليكم لدعمنا، فنحن لسنا مسؤولين عن الخلافات السياسية، وحياتنا باتت جحيماً، ونعيش تحت المراقبة نحن وأبناؤنا على الدوام”.
وقالت الطالبة القطرية جواهر محمد المير إنه تم طردها من جامعة السوربون فرع أبوظبي رغم تفوقها الدراسي، بحجة قطع العلاقات السياسية مع قطر، وقالت: “كنت دوماً أتمنى أن أحقق حلمي بالوقوف في البرلمان الأوروبي للدفاع عن قضايا حقوق الإنسان، ولم أتصور يوماً أنني سأدخل البرلمان الأوروبي للحديث عن حقوقي التي تم اغتصابها”.
وأضافت: “لقد اجتهدت وتعبت كثيراً لتحقيق حلمي بالدراسة في جامعة السوربون. حققت حلمي، وبدأت أتعلم اللغة الفرنسية لأحضر نفسي لدراسات عليا مستقبلاً. ولاحقاً، ارتأيت الانتقال إلى جامعة السوربون أبوظبي، حيث البيئة تشبه مجتمعي، وخلال العام الماضي، وحينما أنهيت كل امتحاناتي، ذهبت إلى قطر لقضاء الإجازة وتركت كل أغراضي في السكن بأبوظبي، ولم أتوقع أنني لن أعود”.
وتابعت: “كنت مع عائلتي أقرأ في شريط الأخبار خبر قطع العلاقات. كنت مصدومة لما حدث لأن الأمر يتعلق بدول شقيقة، ولم أكن أعرف كيف سيكون وضعي، وبعد وقت تجاوزت الصدمة، ولم أشأ إزعاج أساتذتي في الجامعة، لأن القانون يمنع عليهم التواصل معنا، وبعد فترة من الزمن، تواصلت مع إدارة الجامعة التي ردت علي برسالة إلكترونية تخبرني أنه تم تحويلي إلى جامعة السوربون في باريس”.
وأضافت: “أصبح مطلوباً مني خلال 20 يوماً أن أنقل حياتي كلها إلى باريس، لكن الحمد لله تمكنت بدعم عائلتي من تجاوز المحنة، وقررت التحدي، رغم ما كلفني ذلك من عناء نفسي ومادي”.