يواجه اقتصاد دولة الإمارات خطر الانهيار الكبير مع توقعات صندوق النقد الدولي بأن يسجل انكماشا قياسيا في ظل تصاعد أزماته على كافة المستويات وأخرها أزمة فيروس كورونا المستجد.
وتوقّع صندوق النقد الدولي أن ينكمش اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 3,3 في المئة هذا العام على خلفية إجراءات مكافحة فيروس كورونا المستجد وتراجع أسعار النفط، في أسوأ أداء منذ أربعة عقود.
وفي تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، قال صندوق النقد الدولي إن الضرر سيكون أكبر بكثير من الأزمة المالية الأخيرة في المنطقة عامي 2008-2009، عندما تمكنت الدول من تحقيق نمو متواضع.
وقال الصندوق في تقريره إنّ “التدهور السريع للتوقعات الاقتصادية العالمية مع انتشار الوباء، وانهيار اتفاق +أوبك بلاس+ بين موردي النفط، أثّرا بشكل كبير على أسعار السلع”.
وبحسب التقرير من المتوقع أن ينكمش اقتصاد الإمارات الذي كان يوصف بأنه الأكثر تنوعا في المنطقة بنسبة 3,5 في المئة.
وتفاقمت الأزمة الاقتصادية في الإمارات وتصاعدت حدتها على خلفية أزمة كورونا وانهيار أسعار النفط طوال الأسابيع الأخيرة.
ويقول الخبير الاقتصادي الإماراتي علي الريامي إن الاقتصاد الإماراتي تلقّى ضربة قاسية بسبب توقف السياحة التي تعتمد عليها إمارة دبي بالإضافة إلى تراجع تجارة التجزئة والخدمات اللوجستية والعقارات.
ويؤكد الريامي أن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإماراتي بلغت نحو 24 مليار دولار بسبب تراجع الإيرادات النفطية، فيما بلغت خسائر دبي نتيجة تراجع السياحة والخدمات 36 مليار دولار، مشيراً إلى أن عشرات الآلاف فقدوا وظائفهم بسبب تفشي الفيروس.
وقد وضع تفشّي وباء كورونا الإمارات وبقية دول الخليج العربية تحت الضوء، وكشف عن مواطن الضعف البنيوية التي تعانيها، وأن موضوع أمنها الصلب الذي يجرى التركيز عليه غالباً بسبب التنافس الجيو – سياسي في المنطقة، خصوصاً مع إيران، يصرف الانتباه بعيداً عن تهديداتٍ أخرى لا تقل أهمية.
صحيحٌ أن دول الخليج العربية غنية نسبياً قياساً بدول أخرى في المنطقة، ولديها نتيجة لذلك نظم صحية متطوّرة، لكن التطور في هذا المجال لم يستطع أن يغطي على المشكلات التي تواجهها هذه الدول في مجالاتٍ أخرى.
وقد بينت مشاهد التدافع التي حصلت في أكثر من دولة خليجية للحصول على مواد غذائية، إما بسبب الخوف من فرض حظر تجول بسبب الوباء أو القلق من نقص في المواد الغذائية، عن جوانب من هذا الضعف.
لقد بيّن تفشّي وباء كورونا عن مدى انكشاف دول الخليج العربية على تحديين رئيسين: الأول مرتبط بقضية العمالة الأجنبية وعلاقتها بالقطاع الصحي تحديداً، والثاني مرتبط بموضوع الأمن الغذائي. ففي ضوء اختيار جزء من العمالة الأجنبية العودة إلى بلدانها، بسبب تفشّي الفيروس، تخشى بعض دول الخليج أن ينسحب هذا الأمر على القطاع الصحي، حيث ما زالت العمالة الأجنبية تمثل النسبة الغالبة فيه، بمن فيهم بين الأطباء والممرّضين، وتصل نسبة هؤلاء في الإمارات إلى 85% فيما تصل في السعودية إلى 78%.
أما بخصوص الأمن الغذائي، وعلى الرغم من أن دول الخليج تعدّ من بين أفضل دول المنطقة في هذا الجانب، إذ تمتلك جميعها مخزوناتٍ استراتيجيةً كبيرة، إلا أنها تعتمد على استيراد المواد الغذائية أو المواد الأولية التي تدخل في الصناعات الغذائية.
وبسبب الإغلاقات وانقطاع سلسة الامداد وتباطؤ حركة التجارة، يعد الأمن الغذائي لهذه الدول مهدّداً إذا استمرت الأزمة وطالت، وعلى الأقل ستكون عرضةً لتقلب الأسعار في الأسواق العالمية أو ارتفاعها. القلق من تأثر دول الخليج بقرار بعض الدول المنتجة وقف صادراتها الغذائية والزراعية دفع الكويت إلى الدعوة إلى إنشاء شبكة خليجية مشتركة لتحقيق الأمن الغذائي.
فوق ذلك، ستواجه أغلب دول الخليج هذا العام عجوزاتٍ ماليةً، بسبب انخفاض استهلاك مصادر الطاقة، نتيجة توقف النشاط الاقتصادي في أكثر دول العالم، ما أدى إلى حصول تخمة نفطية كبيرة في الأسواق، وقد أدى ذلك إلى هبوط أسعار النفط إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل.
ولم يؤدّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه أخيراً بين منظمة أوبك ودول منتجة أخرى، بما فيها روسيا والولايات المتحدة، إلى خفض الإنتاج بنحو عشرة ملايين برميل، وهو أكبر خفض في التاريخ، لم يؤد إلا إلى ارتفاع الأسعار بمعدل دولار واحد للبرميل، ما يؤشر إلى حجم الأزمة الاقتصادية التي يواجها العالم بسبب فيروس كورونا، إذ لا يتوقع كثيرون أن يعود النشاط الاقتصادي العالمي إلى مستوى ما قبل الأزمة هذا العام.
فوق ذلك، مؤكد أن روسيا لن تلتزم بخفض الإنتاج، كما لم تلتزم في أي وقت سابق، إذ دائماً ما تعلن روسيا عن خفضٍ في إنتاجها، لكنها في الحقيقة لا تفعل ذلك، وتتعلل بأن ذلك غير ممكن فنياً، لأن آبار سيبيريا يصعب أن تعود إلى الإنتاج في حال توقفت عن العمل، هذا سيؤدي، على الأرجح، إلى استمرار الأسعار عند المستويات المنخفضة الراهنة، حتى يتم احتواء الوباء، ويعود النشاط الاقتصادي العالمي إلى مستواه السابق.
لكن حتى لو حصل هذا ستكون السعودية والإمارات (وهما المنتجان الأكبران في الخليج) قد خسرتا جزءاً من حصتيهما في الأسواق، فإن قطاعات أخرى سوف تعاني أيضاً، وفي مقدمتها السياحة، وستكون السعودية والإمارات الأكثر تأثراً، نظراً لأن السياحة تمثل جزءاً مهماً من مواردهما المالية.
هذا يعني أن تأثير أزمة كورونا على دول الخليج سوف تكون مزدوجة، حيث تؤثر على وارداتها من الغذاء وعلى صادراتها من الطاقة. ما لا يعني طبعاً أن دول الخليج تواجه خطراً داهماً، فلدى أكثرها احتياطات مالية ضخمة وصناديق سيادية كبرى، لكن الأكيد أن أياماً صعبة قد تكون بالانتظار.