تستمر فضائح التجسس بتقنيات إسرائيلية بملاحقة دولة الإمارات لتثبت أنها دولة مارقة تتعامل بأسلوب العصابة بحق مواطنيها من جهة والدول المعارضة لها من جهة أخرى.
وقد اعترف “شاليف حوليو” مدير عام شركة “NSO” الإسرائيلية بأن الإمارات استخدمت برمجيات طورتها الشركة للتجسس على أمير قطر “تميم بن حمد”، ووزير خارجيته “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني”.
وقال “حوليو”، في مقابلة مع صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إنه في 27 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استعرض أمام اجتماع مغلق بمشاركة نحو 400 من موظفي “NSO”، اجتمعوا في قاعة في جامعة تل أبيب، شرائح بهدف كشف صورة لحالات تجسس متنوعة بواسطة البرامج الإلكترونية التي طورتها الشركة، تضمنت شريحة واحدة استخدمتها أبو ظبي في عملية التجسس على المسؤولين القطريين.
والشهر الماضي كشفت مؤسسة “سكاي لاين” الدولية عن دفع الإمارات مبالغ مالية طائلة لأغراض التجسس على مواطنيها، واختراق مؤسسات إلكترونية وإقليمية ودولية.
جاء ذلك في تقرير مفصّل للمؤسسة الدولية التي تتخذ من ستوكهولم مقراً لها، ويرصد إجراءات من جانب أجهزة الأمن من أجل التجسس والاختراق.
وأوضحت أن الإمارات أنزلت عطاءات لعروض عمل من خلال شركة “DarkMatter” الممولة حكومياً، بهدف استقطاب أصحاب الخبرة في مجال القرصنة الإلكترونية، وذلك بحجة محاربة الهجمات الضارة.
وكشف التقرير أيضاً عن قيام الشركة باستئجار 400 خبير من خارج الإمارات للقيام بعمليات تجسس ضخمة على مواطنيها بشكل رئيسي، ومن ثم محاولة اختراق حسابات النشطاء في الخارج.
ووفقاً للمصادر التي رفضت “سكاي لاين” كشفها، فإن تعاوناً وثيقاً يجري بين الشركة وقراصنة أمريكيين لأهداف سيبرانية عالمية، مثل ضرب أهداف معينة، أو بناء أنظمة تجسس عالمية لتعقب بعض الأشخاص أو الأعمال.
والشركة التي يديرها فيصل البناي، استطاعت اجتذاب عدد كبير من مواهب الشركات العالمية مثل “ماكافي” الشهيرة (أنظمة الحماية من الفيروسات)، والمصنع الكوري الجنوبي “سامسونغ”، ومحرك “غوغل”.
ووفق معلومات “سكاي لاين”، فإن الشركة تجري عمليات زرع لبرمجيات خبيثة بدلاً من تعزيز الدفاعات ضد جميع أشكال الاختراق، وهو ما يسمح لها بالوصول إلى كاميرات المراقبة، وأجهزة الكومبيوتر والاتصالات اللاسلكية”.
وتعتقد المؤسسة أن العاملين في الشركة المذكورة غير مدركين تماماً لما يحصل، بينما المسؤولون فيها متورطون، فهم من يقومون بتجنيد القراصنة حول العالم، وإجراء مقابلات شخصية معهم في مقرها في أبو ظبي.
وأوضحت أن “مكتب الشركة يقع في مبنى يحتوي على مكتب الأمن الإلكتروني الوطني التابع للمخابرات الإماراتية في الطابق الـ 15 قرب دوار الدار”.
وقالت إن “الرواتب الخيالية التي تم عرضها على المخترقين والباحثين الأمنيين كانت كافية لإسالة اللعاب، حيث وصلت الرواتب إلى أكثر من نصف مليون دولار سنوياً، وكان الهدف الرئيسي تجنيد ما لا يقل عن 250 شخصا من العباقرة المخترقين”.
وأكدت أن “عمليات التجنيد الواسعة التي قامت بها الإمارات لهؤلاء الخبراء، ومن ثم إحضارهم إلى دبي لإنشاء قواعد عملياتية للتجسس، حيث يتم اختراق تلفون أي شخص يتصل بهذه الشركة ومن ثم تعقبه وجمع البيانات عنه”.
وأشارت المؤسسة إلى أن “الخطورة الحقيقية تكمن في محاولات DarkMatter للوصول إلى العالمية ونشر الثقة بين الشركات الكبرى مثل مايكروسفت وفيسبوك وموزيلا، وهي موثوقة دولياً بسبب استخدامها لمعايير إلكترونية”.
وحذرت “سكاي لاين” من التعاون بين واشنطن والشركة الإماراتية التي تقوم بتسهيل عملها، إضافة إلى حصول الشركة الإماراتية أدوات أمريكية للاختراق وهو ما كشفته صحيفة “اشنطن بوست” الأمريكية في وقت سابق.
وعبّرت المؤسسة عن قلقها من تطور عمليات الملاحقة والمراقبة الالكترونية لدى الإمارات، بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، والذي تتجاهله الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة.
وطالبت بفتح تحقيق ضد الشركة، والكشف عن حجم المعلومات التي تم جمعها بطريقة غير قانونية، ووقف استهداف المواطنين والصحفيين واختراق أجهزتهم وتتبعهم، بحسب مقتطفات من التقرير نشرتها مواقع على صلة بالأزمة الخليجية.
وقبل ذلك سلَّطت مجلة Columbia Journalism Review الأميركية، الضوء على برنامج تجسس إسرائيلي يخترق الهواتف الذكية، استعانت به بعض دول العالم للتجسس على الصحافيين، ومن هذه البلدان الإمارات والسعودية.
وبحسب المجلة الأميركية، فإن أبوظبي استعانت ببرنامج “بيغاسوس”، الذي اشترته من شركة إسرائيلية، للتجسس على الحقوقي المعتقل الآن لدى السلطات أحمد منصور، وكذلك الصحافيِّين السعودي عبد العزيز الخميس، والقطري عبد الله العذبة، كما فعلت السعودية أيضا هذا الأمر مع عدد من الحقوقيين في المملكة.
وكان أحمد منصور قد تعرض لمحاولة اختراق هاتفه المحمول من نوع آيفون، في أغسطس 2016ـ والذي بسببه حضَّت شركة آبل أصحاب هواتف آيفون على سرعة تحديث أجهزتهم، إثر هجوم متطور أسفر عن اكتشاف نقاط الضعف التي تستهدفهم من قِبل العاملين في أمن المعلوماتية.
أما الإعلامي القطري عبد الله العذبة، فحذره شخص سرَّب له معلومات عن وجود برنامج التجسس على هاتفه، فحطم شريحة هاتفه بمطرقة بمجرد اكتشافه الأمر، وقال لوكالة “أسوشييتد برس” الأميركية: “كنت بحاجة لحماية مصادري”.
وفي وقتٍ سابق من الشهر الجاري نشر Citizen Lab تقريراً يكشف العثور على آثار لبرنامج “بيغاسوس” في أكثر من 45 دولة حول العالم، من بينها عددٌ من الدول التي تشتهر حكوماتها بملاحقة الصحافيين بشراسة.
ولا يمكن بأية حالٍ، الاستهانة بحجم الخطر الذي يشكله ذلك على الصحافيين؛ إذ بإمكان مُشغِّل “بيغاسوس” تحويل أي هاتف خلوي سراً إلى مركز مراقبة، من خلال تعقُّب تحركات الصحافي المُستهدَف والتعرف على مصادره، مع احتمالية انتحال شخصية ذلك الصحافي في العالم الرقمي.
وبحسب المجلة، عكف Citizen Lab، سنوات، على تعقُّب برنامج “بيغاسوس”، الذي تقول NSO Group إنَّه موجه بالأساس لأنشطة مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون المشروعة. ورُصِد البرنامج لأول مرة عام 2016 على هاتف أحمد منصور، الناشط الحقوقي في الدولة.
كان الباحثون يعلمون بوجود برنامج تجسس يمكنه تدريجياً سحب بعض البيانات الخاصة من الهواتف الخلوية، لكنَّ “بيغاسوس” كان بإمكانه فعل ما هو أكثر من ذلك؛ إذ لديه القدرة على السيطرة التامة على الهاتف من على بُعد دون معرفة صاحب الهاتف أو ترك آثارِ تعقُّب بخلاف رسالة نصية.
يدير مشغلو “بيغاسوس” هجماتهم من على مواقع إلكترونية متاحة للجميع. يُرسَل إلى الشخص المستهدف رسالة نصية مرفق بها نطاقات تلك المواقع، وإذا ضغط الهدف على الرابط يبدأ هاتفه سراً في تشغيل برنامج يحيل التحكم في الهاتف إلى مشغل “بيغاسوس”.
ويتعقب التقرير الحديث لـCitizen Lab الموقع المحتمل لهذه الهجمات، من خلال إجراء مسحٍ للإنترنت بحثاً عن أدلةٍ تُوصِّل إلى أي بنيةٍ تحتية تخص شركة NSO، إلا أنَّه لا يحدد هوية الأشخاص المُستهدَفين بهذه الهجمات؛ إذ يتطلب ذلك تحليل رسالة نصية معينة أو هاتف مُستهدَف بعينه. ويكتفي التقرير بالإشارة إلى أماكن محتملة وقعت فيها هذه الهجمات، ولا يعرف أي أحد إلى الآن عدد الصحافيين الذين قد تكون طالتهم.
وبحسب المجلة، فإنه على الرغم من استخدامه المشبوه، يبدو أنَّ بيع برنامج التجسس “بيغاسوس” للحكومات مربح إلى حدٍ بعيد. اشترت شركة الأسهم الخاصة الأميركية Francisco Partners شركة NSO Group، التي تنتج برنامج “بيغاسوس”، مقابل 110 ملايين دولار في عام 2014، وقُدِّرت قيمتها العام الماضي (2017) بمليار دولاً تقريباً. تنفيذ وتشغيل برنامج “بيغاسوس” باهظا الثمن.
وتُظهر نسخ من قائمة أسعاره، حصلت عليها صحيفة New York Times في عام 2016، تقاضي شركة NSO مبلغ 560 ألف دولار مقابل 10 أهداف، بالإضافة إلى 500 ألف دولار دفعة مبدئية.
وبحسب المجلة الأميركية، فإن الطريقة التي يعمل بها برنامج “بيغاسوس” تجعل من الصعب للغاية على الصحافيين الأفراد أن يعرفوا ما إذا كانوا مُصابين بالبرنامج.
ويبدو أنَّ الروابط التي تحمل العدوى تعيد توجيه المستخدمين إلى مواقع إلكترونية غير مألوفة، في حين يُحمَّل البرنامج سراً، وليست هناك طريقة سهلة لمسح الجهاز بعد إصابته بالبرنامج. وقال مازن المصري، المحامي المقيم بلندن الذي يعمل على القضية المرفوعة على NSO Group في إسرائيل: “لا يعرف 99% من الضحايا بوجود البرنامج، وليست لديهم طريقة لمعرفة ذلك”.