قالت دراسة إن دولة الإمارات تدعم تقسيم اليمن عبر ميليشيات أسستها ومولتها لهذا الغرض على مدار سنوات خدمة لمصالحها الاقتصادية والجيوستراتيجية في جنوب البلاد وباب المندب.
وتناولت الدراسة الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا في 25 نيسان/ أبريل 2020، حالة الطوارئ في مدينة عدن، والمحافظات اليمنية الجنوبية كافة، وتولّيه إدارتها ذاتيًا، عوضًا عن السلطات المحلية التابعة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف بها دوليًا.
وجاء ذلك بعد أن عطلت ميليشيات الإمارات تعذّر تنفيذ اتفاق الرياض، الذي وقّع في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، ما شكل خطوةً تصعيديةً في اتجاه تنفيذ تطلعات انفصالية، واختلافٍ إماراتي – سعودي في تصور دور المليشيات العسكري في المنطقة، وربما تنافسٍ بينهما، ستكون له تبعات على وحدة اليمن، ومستقبل الحكومة المعترف بها دوليًا.
خلفيات الإعلان عن الإدارة الذاتية
بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على مدينة عدن، ومحافظتي لحج والضالع، في آب / أغسطس 2019، تمكّنت السعودية من جمع طرفي الصراع والتوصل إلى اتفاق عُرف باتفاق الرياض، حقق للمجلس الانتقالي اعترافًا حكوميًا وإقليميًا باعتباره طرفًا، ومنحه حق المشاركة في السلطة، لكنه جرّده من تشكيلاته العسكرية والأمنية التي تحولت إلى نواة لجيش وشرطة “دولة الجنوب”.
لكن، في ظل تعارض أهداف الطرفين وانعدام الثقة بينهما، مرّت الأشهر الثلاثة المقررة لتنفيذ الاتفاق، من دون نتائج فعلية. وقد كان واضحًا أن المجلس الانتقالي لا ينوي التنازل عن سلطته على الأرض، بل طُلب من رئيس الحكومة، معين عبد الملك، وطاقم حكومته غير المكتمل، مغادرة عدن إلى الرياض، في 22 شباط / فبراير 2020؛ ليسقط معها أول إنجاز شكلي لاتفاق الرياض. وبعد ذلك، أخذ كل طرفٍ في تعزيز قدراته العسكرية في مناطق التّماس بين محافظتي أبْيَن وعدن، في ظل تحفّز حكومي لاستعادة السيطرة على عدن، مسنودًا برضا ضمني سعودي، عماده تلكّؤ المجلس الانتقالي في تنفيذ اتفاق الرياض.
تجلّى التصعيد الحكومي في تمركز وحدات من الجيش في منطقة شُقْرة، شرق عدن، بنحو 80 كيلومترًا، وتصاعد نشاطها العسكري خلال نيسان / أبريل 2020. وفي المقابل، سعى المجلس الانتقالي إلى تقوية دفاعاته في عدن وأبين، ومحاولة شق صفوف القوات الحكومية، كما حدث في جزيرة سقطرى التي رفض قائد قوات الأمن الخاصة فيها قرارًا بتغييره، وكذلك تمرّد كتيبتين من اللواء الأول مشاة بحري، وإعلانهما الولاء للمجلس الانتقالي. وبدا واضحًا أن تحرّكات المجلس الانتقالي تدعمها الإمارات التي باتت لها أجندتها الخاصة، الاقتصادية والجيوستراتيجية، في جنوب اليمن وباب المندب.
إزاء ذلك، لجأت السعودية إلى منع مدير أمن عدن ورئيس وأعضاء وحدة شؤون المفاوضات في المجلس الانتقالي، من العودة إلى عدن، في أثناء محاولة مغادرتهم مطار عمّان، في 11 آذار/ مارس 2020، فضلًا عن قادة آخرين أُجبروا على البقاء خارج البلاد بسبب مشاركتهم في أحداث آب/ أغسطس 2019.
كما حاولت السعودية استقطاب قادةٍ عسكريين محسوبين على الإمارات مثل: قائد اللواء الثاني عمالقة، حمدي شكري، ورئيس الجمعية الوطنية في المجلس الانتقالي، اللواء أحمد سعيد بن بريك، الذي برز إلى الواجهة أخيرا؛ نتيجة غياب رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزُّبيدي، ونائبه هاني بن بريك، اللذين يقيمان حاليًا في أبوظبي.
ومع نهاية نيسان/ أبريل 2020، أُعلن عن تعثر المفاوضات المباشرة التي رعتها السعودية في مدينة عدن، بين ممثلين عسكريين عن الحكومة والمجلس الانتقالي، وزاد من تعقيد الأمور تعرّض مدينة عدن لسيول مدمرة، كشفت عن عوار الأداء الحكومي، فأخذ الطرفان يتراشقان الاتهامات إلى حد وصف فيه بيانٌ للمجلس الانتقالي حكومة معين عبد الملك بأنها فاقدة الشرعية. وأعلن المجلس أن تنفيذ اتفاق الرياض مرهونٌ بعودة قادة المجلس الممنوعين من العودة إلى عدن.
مضمون الإعلان عن الإدارة الذاتية ومبرراته
تضمن إعلان المجلس الانتقالي قيام الإدارة الذاتية في الجنوب عددًا من الإجراءات:
• إعلان حالة الطوارئ العامة في عدن وبقية المحافظات الجنوبية، وتكليف قوات المجلس الانتقالي تنفيذها ابتداء من 25 نيسان/ أبريل 2020.
• إعلان الإدارة الذاتية في الجنوب، واضطلاع لجنة الإدارة الذاتية بأداء مهماتها المحدّدة.
• تشكيل لجان رقابة على أداء المؤسسات الحكومية، والتنسيق في ذلك مع رئيس الجمعية الوطنية ورؤساء قيادات المجلس في المحافظات.
• اضطلاع اللجان الاقتصادية والقانونية والعسكرية والأمنية في المجلس بتوجيه أعمال الهيئات، لتنفيذ الإدارة الذاتية.
• إقرار بقاء محافظي المحافظات الجنوبية ومسؤولي المؤسسات العامة الجنوبيين في مواقعهم.
• دعوة التحالف العربي والمجتمع الدولي إلى دعم المجلس في الإدارة الذاتية.
وقد برّر المجلس هذه الإجراءات بجملة من الأسباب:
• انقطاع مرتبات وأجور العاملين في القطاعات الحكومية المدينة والعسكرية والأمنية.
• توقف رعاية أسر الشهداء، وعلاج الجرحى.
• التوقف عن دعم جبهات القتال مع الحوثيين.
• تأجيج التناحر الوطني وتمزيق اللحمة الوطنية.
• دعم الإرهاب وقوى التطرف.
• تردّي الخدمات العامة، وتفاقم تداعيات كارثة السيول التي تعرضت لها عدن.
والواقع أن لجوء المجلس الانتقالي إلى إعلان الإدارة الذاتية في المحافظات الجنوبية كان متوقعًا؛ ذلك أن الإعلان عن تشكيل رئاسة هيئة المجلس الانتقالي في 11 أيار/ مايو 2017، ذهب إلى أبعد من ذلك، حين تضمّن الإشارة إلى حق المجلس في إدارة وتمثيل الجنوب كله، داخليًا وخارجيًا، ومنح رئيس المجلس سلطات إصدار القرارات وتنفيذ التعليمات التي تسمح بذلك. كما تأتي هذه الخطوة منسجمة مع نزعة الانفصال التي تطغى على أدبيات المجلس، وتصريحات قادته في مختلف المحافل. وكان نائب رئيس المجلس، هاني بن بريك، أعلن في أحد خطاباته عن عزم المجلس الانتقالي إنشاء وزارة للدفاع. كما أعلن اللواء أحمد سعيد بن بريك، في كانون الثاني/ يناير 2020، أن لدى المجلس مشروعًا متكاملًا لإدارة ما سماه “دولة الجنوب”، متوعدًا بتنفيذه.
ردات الفعل
أكدت السلطات المحلية في المحافظات الخاضعة للحكومة رفضها إعلان المجلس الانتقالي الإدارةَ الذاتية في الجنوب، وجدّدت ولاءها للحكومة. كما رفض الإعلان كلّ من بيان التحالف العربي، وبيان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن، مارتن غريفيث، وبيان مجلس الأمن، ووزير الخارجية الأميركي، وعدد من سفراء الدول الكبرى، انسجامًا مع مرجعيات حل الأزمة اليمنية، التي تشدد على حماية وحدة اليمن وصون سيادته، بما فيها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعام 2011، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني لعام 2014، وقرارات مجلس الأمن المعنية باليمن. لكنّ واقع الحال، ومنذ إعلان قيام المجلس الانتقالي عام 2017، وسيطرته على عدن في آب/ أغسطس 2019، يؤكد أن ثمة دفعًا إماراتيًا في اتجاه تمكين الانفصاليين من الاستحواذ التدريجي على الجنوب، وأن الخطوة الرابعة للمجلس قد تمثل فرض ذلك بوصفه أمرًا واقعًا أمام الجميع.
التداعيات على الوضعين السياسي والعسكري
ترتبط تداعيات إعلان المجلس الانتقالي إنشاء إدارة ذاتية في المحافظات الجنوبية بمدى قدرة المجلس على التمسك بهذا القرار، ومُضيِّه في تطبيقه، وقدرته على تحمّل أعبائه، ومواجهة تبعاته. ويرتبط ذلك، أيضًا، بالموقف الفعلي الذي يمكن أن يتخذه التحالف السعودي – الاماراتي، وموقف الحكومة التي تعُدّ ما جرى تمردًا وانقلابًا مكمّلًا لانقلاب آب / أغسطس 2019.
سياسيًا، يُمثِّل لجوء المجلس الانتقالي إلى إعلان الإدارة الذاتية في الجنوب ضربة كبيرة لحكومة الرئيس هادي؛ ذلك أنها أخرجت ثلاث محافظات جنوبية من قبضتها: عدن، ولحج، والضالع، وحصرت نفوذ الحكومة في المحافظات الجنوبية الأربع المتبقية: شبوة، وأبين، وحضرموت، والمهرة، إضافة إلى جزيرة سقطرى، فضلًا عن النفوذ في أجزاء من خمس محافظات شمالية: مأرب، وتعز، والحديدة، والبيضاء، والجوف، والتي تواجه الحكومة أيضًا تحدّيات في الاحتفاظ بها. كما تمثِّل الخطوة تجاوزًا لمبدأ المشاركة في السلطة في المحافظات الجنوبية، بموجب اتفاق الرياض، إلى الاستحواذ الكامل عليها بالقوة.
وعلى صعيد مستقبل الدولة الاتحادية، تُعدّ الإدارة الذاتية المعلنة تعطيلًا لخيار الأقاليم الستة التي أقرتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وفرض إقليمين؛ شمالي وجنوبي، رغم اقتصار سيطرة المجلس الانتقالي على عدن ولحج والضالع، وأجزاء قليلة من أبين.
عسكريًا، يزداد التوتر في الجنوب على نحو ملحوظ، بعد أن تضمّن إعلان المجلس الانتقالي إنشاء الإدارة الذاتية، فرضَ حالة الطوارئ، وتطويق قوات المجلس البنك المركزي في عدن، وتشكيل لجان شعبية تحت مُسمّى “أصدقاء الشرطة”، هي في الحقيقة مليشيات.
وقد دفع ذلك الحكومة إلى حشد مزيد من القوات في منطقة شُقرة، وتأكيد نياتها اقتحام مدينة زنجبار، مركز محافظة أبين، الواقعة على الطريق المؤدية إلى عدن. ويظل خيار تقدّم القوات الحكومية نحو عدن واردًا، سيما إذا ما أخفقت المساعي السياسية السعودية في إعادة الأوضاع إلى نصابها.
وعلى مستوى المواجهات مع الحوثيين، سيخدم الاقتتال المحتمل بين الحكومة والمجلس الانتقالي أجندتهم، خصوصًا إذا ما طال أمد المواجهة، وقد يكون من نتائج ذلك وضع مدينة مأرب في دائرة التهديد الحوثي.
من جهة أخرى، تتزايد المخاوف من احتمال تدخّل الإمارات لمصلحة المجلس الانتقالي، بالطيران أو نحوه، كما حدث في آب/ أغسطس 2019، كما يُخشى من قيام قوات المقاومة المتمركزة في الساحل الغربي، التي يقودها العميد طارق صالح، بتعزيز قوات المجلس الانتقالي، وقيام لواء “بارشيد” المتمركز بين محافظتي شبوة وحضرموت، بالاشتباك مع القوات الحكومية في شبوة، بالقدر الذي يُضعف قدرتها على إسناد ودعم القوات الحكومية التي قد تقرر اقتحام عدن.
خاتمة
يمثل إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية في جنوب اليمن استحواذًا على السلطة بالقوة، وخطوة سياسية مكملة لانقلاب آب/ أغسطس 2019، على طريق انفصال الجنوب عن الشمال.
ولا تزال مؤشرات نجاح المجلس في ذلك غير واضحة، إلا إذا حظي بدعم إماراتي مباشر لخطوة الانفصال وإعلان الاستقلال، وغضّ نظر سعودي يقيّد قدرة حكومة الرئيس هادي على إجهاض محاولة انفصال الجنوب. وفي كل الأحوال، يستمر موقف الحكومة الشرعية في التدهور، بعد أن باتت محشورةً بين التمرّد الحوثي المدعوم إيرانيًا في الشمال وتمرّد المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا في الجنوب.