في يوم توقيع النظام الإماراتي على اتفاق إشهار التطبيع مع إسرائيل برعاية أمريكية، يبرز الانقلاب الحاصل على ثوابت الإمارات وسياسات مؤسسيها في وقت تتعاظم فيه مكاسب دولة الاحتلال من التطبيع المجاني.
منذ انطلاق رحلة التطبيع العربي مع إسرائيل عبر مصر في 17 سبتمبر/أيلول 1978، كانت من أبرز مواقف الحكام العرب الرافضة للتطبيع مع “العدو الإسرائيلي”، موقف الشيخ الراحل زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات وقتها.
ظل الشيخ زايد حاداً وصارماً في موقفه المعلن تجاه الاحتلال إلى أن رحل، لكن برحيله تغير كل شيء، وأخذ أبناؤه ينحرفون ببوصلة أبيهم من تأييد القضية الفلسطينية إلى الانسحاب من ساحتها، ثم التصالح والتطبيع التدريجي مع إسرائيل، حتى أعلن التطبيع الكامل قبل أيام، فكيف جرى ذلك؟ إليك بعض محطات التحول في الموقف الإماراتي.
يقتلون الأطفال والنساء
“يقال أن إسرائيل ديمقراطيون.. مادام إسرائيل ديمقراطيين، لماذا يقتلون الأطفال ويقتلون النساء وهم بلا سلاح ولا بأيديهم سلاح.. يقتلون النساء والأطفال، ويهدمون بيوتهم ويحرقون مزارعهم، هل هذه هي الديمقراطية؟”
هذا واحد من مواقف الشيخ زايد وهو تصريح يحمل انتقاداً واضحاً لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين العزل.
كلمات الشيخ زايد بن سلطان السابقة، كانت جزءاً من مواقف داعمة للقضية الفلسطينية ومن الموقف العربي ككل ضد الاحتلال الإسرائيلي، واستمر مدافعاً عنها حتى وافته المنية في نوفمبر 2004، ومازالت الذاكرة العربية تحفظها له.
كان الشيخ زايد حريصاً دائماً على توضيح موقفه الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، في افتتاح الجلسة الأولى في دور الانعقاد العادي الثاني للمجلس الوطني الاتحادي.
وقال الشيخ زايد خلالها: “إن دولة الإمارات أعلنت دعمها وتأييدها لشعب فلسطين فى نضاله العادل ضد قوى البغي والعدوان لأنه لا يمكن إقرار السلام في الشرق الأوسط طالما أن شعب فلسطين قد حرم من حقوقه وأرض أجداده”.
وأردف: “وحتى الآن لم تتراجع إسرائيل عن أطماعها التوسعية بالاستيلاء على الأراضي العربية بالحرب والعدوان”.
مواقف الشيخ زايد والإمارات خلال حكمه، المؤيدة للحقوق العربية في مواجهة إسرائيل، بدأت مبكراً، ففي العام 1972 أصدرت الإمارات قانوناً يقضي بمقاطعة إسرائيل مقاطعة كاملة، وهو والقانون الذي تم إلغاؤه بالتزامن مع إعلان التطبيع الكامل بين أبو ظبي وتل أبيب مؤخراً، في 13 أغسطس/آب 2020.
في أثناء تحضر مصر للحرب واسترداد أرضها المحتلة منذ عام 1967، اقترض الشيخ زايد مليار دولار من البنك الدولي وحولها للاتحاد السوفييتي لحساب احتياجات مصر من الأسلحة.
وخلال حرب أكتوبر/تشرين الثاني 1973، كان الشيخ زايد من أوائل الزعماء العرب الذين أوقفوا تصدير البترول للدول المؤيدة لإسرائيل، ووقتها أطلق مقولته الشهيرة “البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي”.
في الأيام الأولى لحرب أكتوبر قطع الشيخ زايد زيارة كان فيها بالعاصمة البريطانية لندن، ليعود إلى بلاده من أجل متابعة سير القتال بين الجيش المصري والإسرائيليين، وعقد قبيل مغادرته مؤتمراً صحفيا أعلن فيه دعمه الكامل لمصر والعرب في معركتهم.
وبالتزامن مع الحرب أرسل الشيخ زايد نجله خليفة، الرئيس الحالي للإمارات، لزيارة القوات المصرية على جبهة القتال.
في نفس الاتجاه الداعم للحق العربي ضد الاحتلال، جاءت مواقف الشيخ زياد من فلسطين، حيث كانت دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول العربية التي بادرت بالاعتراف بدولة فلسطين فور إعلانها في 15 نوفمبر 1988 خلال خطاب ألقاه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في المؤتمر الوطني الفلسطيني بالجزائر.
دعم الانتفاضة الفلسطينية
أثناء انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية ضد الاحتلال، التي اندلعت في سبتمبر/أيلول عام 2000 أدان الشيخ زايد الاعتداءات الإسرائيلية، وطالب خلال استقباله مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، وليم بيرينز بأبوظبي في 14 يناير/كانون الثاني 2002، الولايات المتحدة بتحمل مسؤولياتها لوضع حد للعدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
وعلى الصعيد الإنساني والإغاثي، نفذت المؤسسات الإماراتية خلال حكم الشيخ زايد الكثير من المشروعات في الأراضي الفلسطينية.
بداية التحول
توفي الشيخ زايد في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 وبوفاته انتهت حقبة الدعم الإماراتي الكامل للقضية الفلسطينية ووقوفها ضد الاعتداءات الإسرائيلية، ثم بدأت بالتدريج مرحلة التقارب بين أبو ظبي وتل أبيب، عبر إجراءات عديدة توجت مؤخراً بالتطبيع الكامل في العلاقات بين البلدين.
بعد وفاة الشيخ زياد بن سلطان، تولى ابنه الشيخ خليفة بن زايد حكم الإمارات، لكن الحاكم الفعلي للبلاد وقتها كان شقيقه الأصغر الشيخ محمد بن زايد، نائب الرئيس ووزير الدفاع، سيما بعد إصابة الشيخ خليفة بوعكة صحية شديدة عام 2014 ليتوارى عن الأنظار باستثناء مناسبات قليلة جداً.
ومنذ الشهور الأولى التالية لوفاة الشيخ زايد، بدأت الخطوات التأسيسية للعلاقات الإماراتية الإسرائيلية.
عام 2004 تأسست بورصة دبي للماس، وتم قبول عضوية دبي في الاتحاد العالمي لبورصات الماس في نفس العام، بعد موافقة الدول الـ22 الأعضاء آنذاك، ودون معارضة تذكر من إسرائيل التي هي عضو بالاتحاد.
ومنذ ذلك الحين ارتفع حجم تجارة الماس في دبي من أقل من خمسة مليارات دولار، قبيل تأسيس بورصة دبي، إلى 40 مليار دولار عام 2012، لتصبح دبي ثاني أكبر بورصات الماس عالمياً بعد بورصة وينتروب الشهيرة، مع حجم تداول للماس الإسرائيلي لا يقل عن 300 مليون دولار سنوياً.
لم يتأخر التواصل كثيراً بين الجانبين، فقد بدأت زيارات رجال الأعمال الإماراتيين إلى إسرائيل ومن أبرزهم أحمد سليم، الذي زار تل أبيب عدة مرات بعد ذلك.
توطيد العلاقات
ثم في عام 2005، ومع تنفيذ خطة الانسحاب أحادي الجانب لإسرائيل من قطاع غزة، اتخذ رجل الأعمال الإماراتي المقرب من الأسرة الحاكمة، محمد العبار، رئيس مجلس إدارة مجموعة “إعمار”، خطوة أثارت جدلاً كبيراً باعتباره صاحب أكبر المجموعات العقارية في البلاد.
حيث قام العبار بزيارة سرية للأراضي الفلسطينية المحتلة التقى خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وقدم عرضاً مغرياً لشراء21 مستوطنة إسرائيلية، مقابل مبلغ ضخم آنذاك، قُدر بنحو 56 مليون دولار.
من ناحية أخرى قالت وثيقة نشرها موقع ويكليكس عام 2007 أن محمد بن زايد التقى السفير نيكولاس بيرنز مستشار وزارة الخارجية الأميركية، وخلال اللقاء أكد نائب رئيس الإمارات ووزير دفاعها لـبيرنز أن “الإمارات لا ترى إسرائيل عدواً”!
عام 2008 دخل على خط التطبيع الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل رجل الأعمال الإسرائيلي بيني شتاينميتز، أحد أبرز المتبرعين لقوات النخبة الإسرائيلية المقاتلة ضمن لواء “غيفعاتي” أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008.
حيث وقعت مجموعة شركات شتاينميتز عقداً مع شركة موانئ دبي العالمية لإنشاء عدد من الفنادق والمشروعات العقارية في جمهورية الجبل الأسود.
ثم في عام 2009، أطلق سفيرا إسرائيل والإمارات بالولايات المتحدة نداءً مُشتركاً في اجتماع مع مستشار الشرق الأوسط في إدارة أوباما، التي كانت جديدة وقتها، لحث الولايات المتحدة على تبني موقف أكثر حزماً فيما يتعلق بإيران.
وفي 16 يناير/كانون الثاني 2010، حضر وزير الهياكل الأساسية الوطنية في إسرائيل، أوزي لانداو، مُؤتمراً للطاقة المُتجددة في أبو ظبي. وكان أول وزير إسرائيلي يزور دولة الإمارات.
وفي نفس العام، 2010، كانت الإمارات على موعد مع أولى حلقات التطبيع الرياضي مع الإحتلال الإسرائيلي، وهي حلقة تكررت كثيراً لاحقاً.
حيث كشفت وثيقة لموقع ويكيليكس، استقبال الإمارات لفريق جودو إسرائيلي بالتزامن مع اغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود المبحوح في دبي على يد جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
في سبتمبر/أيلول 2012، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سراً، بوزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد آل نهيان في مقر إقامته بفندق “ريجنسي” بنيويورك.
اللقاء كشفت عنه صحيفة “هآرتس” العبرية، في 21 يوليو/تموز 2017، وذكرت أن بن زايد وصل مع سفير بلاده في واشنطن، يوسف العتيبة، وتم إدخالهما إلى الفندق بشكل سري جداً، عن طريق موقف سيارات تحت الأرض، وصعد الاثنان بالمصعد الخاص بالخدمات إلى الجناح الذي يقيم فيه نتنياهو.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أعلنت الخارجية الإسرائيلية عن افتتاح ممثلية دبلوماسية لـ”تل أبيب” لدى وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة “إيرينا”، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها.
وفي فبراير/شباط 2019، تداول الإعلام الإسرائيلي مقطع فيديو مسرباً من اجتماعات مؤتمر وارسو، المعروف باسم مؤتمر الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة.
وفي الفيديو تحدث وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، وأقرّ بحق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها إزاء تهديدات من إيران وحزب الله.
تلا ذلك، في مارس/آذار، من العام نفسه، أن شارك وفد إسرائيلي في الأولمبياد الخاص الذي أقيم بدولة الإمارات، وأعربت الخارجية الإسرائيلية عن فخرها بارتفاع عَلمها بإحدى الدول العربية مجدداً، من خلال “أكبر وفد رياضي يمثل إسرائيل في بطولة رياضية على أرض عربية”.
ثم في يوليو/تموز 2019، زار وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتز، أبوظبي، للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة، والتقى مسؤولاً إماراتياً كبيراً، وطرح مبادرة للسلام الإقليمي.
على هذا النحو، الذي أعلن أو كُشفت أجزاء من خفاياه، تبقى الكثير من اللقاءات والتواصلات والاتفاقات سرية لم يطلع عليها أحد، لكن النتيجة واحدة، فقد وصل قطاع التطبيع السري بن الإمارات وإسرائيل إلى آخر محطات التمهيد، وبدأ ينطلق في المحطات العلنية التي تدهشنا حيناً وتصدمنا حيناً آخر.
مكاسب لإسرائيل
لم يكن من سبيل الصدفة أن يحرص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشكل حثيث ومتواصل، على طمأنة الإسرائيليين بأن مسار التطبيع الكامل الذي سلكته كل من الإمارات والبحرين، والذي يدّعي أن دولا عربية أخرى ستنضم إليه، سيفضي إلى إحداث تحول هائل على الواقع الاقتصادي في إسرائيل.
فقد تزامن الإعلان عن اتفاقي التطبيع الكامل مع الإمارات والبحرين، مع وقوع إسرائيل تحت تأثير أخطر أزمة اقتصادية تمر بها منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي بسبب مواجهة تبعات تفشي وباء كورونا.
فإسرائيل تواجه حاليا ركوداً اقتصادياً، كما أشارت صحيفة هآرتس، جعلها تفقد في خمسة أشهر عوائد النمو الاقتصادي، التي تراكمت خلال السنوات الأربع الماضية، إلى جانب حدوث زيادة كبيرة على النفقات الحكومية لمواجهة تبعات تفشي الوباء، والتي توقعت التقديرات الأولية وصولها إلى 100 مليار شيكل (حوالي 30 مليار دولار)، فضلا عن انضمام مليون شخص إلى العاطلين عن العمل من إجمالي سكان إسرائيل البالغ عددهم حوالي 8 ملايين نسمة.
أحد أوضح مظاهر الرهان الإسرائيلي على العوائد الاقتصادية لاتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين، يتمثل في أن هذه الاتفاقات بعثت الحياة من جديد في وزارة التعاون الإقليمي، التي مُنحت للقيادي الليكودي أوفير أوكينوس كترضية، وهي وزارة عادة لا تمارس أنشطة ذات تأثير على الواقع الاقتصادي الإسرائيلي.
فقد أبلغ أوكينوس إذاعة “كان” الرسمية أن وزارته شرعت في عقد لقاءات مع ممثلي الشركات الإسرائيلية المختلفة لبحث فرص الاستثمار في الدول الخليجية.
وحسب أوكينوس، فإن التقديرات الأولية لحجم المردود الاقتصادي السنوي لفتح السوق الإماراتي فقط أمام الشركات الإسرائيلية يقدر بـ 500 مليون دولار، في المرحلة الأولى.
لكن دوبي أميتاي، رئيس قطاع الأعمال في إسرائيل، يقدّر، في تحليل نشرته صحيفة “كلكليست” الاقتصادية مؤخرا، بأن حجم التبادل التجاري مع الإمارات سيصل إلى عدة مليارات من الدولارات في العام.
أصدرت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية وثيقة، نشرت أهم استخلاصاتها صحيفة يديعوت أحرنوت، حيث ذكرت أن “رؤية 2030” الهادفة إلى تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، تمثل فرصة كبيرة أمام الشركات الإسرائيلية.
وفيما يتعلق بالمجالات التي يمكن للشركات الإسرائيلية الاندماج من خلالها في أسواق الدول الخليجية بعد التطبيع، فإنها، حسب تقديرات الجهات الرسمية والخبراء في تل أبيب، تختلف باختلاف الدول الخليجية ذاتها.
ولا خلاف بين المستويات الرسمية والخبراء الاقتصاديين في إسرائيل على أن اندماج الشركات الإسرائيلية في السوق الإماراتي والتعاون في تدشين مشاريع مشتركة ينطوي على طاقة كبيرة.
ويرى رئيس قطاع الأعمال الإسرائيلي، الذي يكتسب تقديره أهمية كبيرة بفعل موقعه، الذي يسمح له بلعب دور في الإشراف وتوجيه الشركات الإسرائيلية العاملة في الخارج، أن حقيقة أن اقتصاد الإمارات لا يعتمد بشكل خاص على صادرات النفط يحمل في طياته طاقة كامنة لتوسيع مجالات عمل الشركات الإسرائيلية في السوق الإماراتي.
وحسب أميتاي، فإن المجالات التي ستوفر فرصاً للشركات الإسرائيلية بالاندماج، تتمثل في القطاع الأمني، حيث يشير إلى أن الصناعات العسكرية الإسرائيلية المتخصصة في إنتاج منظومات السلاح والتقنيات القتالية ستُمنح الفرصة الأكبر للاندماج في السوق الإماراتي، وضمنها الشركات المتخصصة في إنتاج منظومات الدفاع الجوي، تقنيات الفضاء، التحصينات والدفاع، والشركات السيبرانية.
وحسب أميتاي، فإن الصناعات العسكرية والأمنية والسيبرانية الإسرائيلية كانت تقيم مع الإمارات منذ سنين عديدة، علاقات سرية وعن طريق طرف ثالث. وعلى رأس هذه الشركات، شركة “إلبيت”، المتخصصة في إنتاج المنظومات المسلحة الدقيقة والطائرات بدون طيار.
ويضيف أن الإماراتيين معنيون بتعاون الشركات الإسرائيلية المتخصصة في التقنيات الطبية، والشركات السيبرانية المتخصصة في المجال المدني، إلى جانب قطاعي التجزئة والجملة والتأمين.
كما أن قطاع السياحة في إسرائيل، كما يرى أميتاي، مرشح للازدهار في أعقاب اتفاقات التطبيع مع الإمارات ومع الدول الخليجية عموماً، على اعتبار أن السياح الخليجيين بشكل عام “أثرياء” وهو ما يبشر بإنعاش الكثير من المرافق الاقتصادية الإسرائيلية.
وتفتح اتفاقات التطبيع الباب على مصراعيه أمام الشركات الإسرائيلية المتخصصة في إنتاج التقنيات الزراعية أيضا، وتحديداً تلك المتعلقة بالزراعة الصحراوية، وعبر اعتماد تقنيات ري تضمن استغلال المياه، بحيث تمثل حلولاً لمشاكل الإمارات في هذا الجانب، كما يرى أميتاي، الذي يشير إلى أن قيمة ما تستورده الإمارات من الفواكه سنويا يبلغ 1.1 مليار دولار، ومن الخضار بقيمة 2.6 مليار دولار.
ولعل التعاون بين المؤسسات المصرفية في كل من إسرائيل والإمارات هو أحد مجالات التعاون المرشحة للتطور، حيث إن بروتوكول التعاون الوحيد ضمن بروتوكولات التعاون التي يتضمنها الاتفاق بين تل أبيب وأبوظبي، الذي تم توقيعه بالفعل، هو بروتوكول التعاون في المجال المصرفي، في حين شرع بنك “لئومي”، الذي يعد أكبر البنوك الإسرائيلية في مفاوضات للتوصل إلى الشراكة مع بنك إماراتي.
ويلفت موران زاغا، الباحث في معهد دراسة السياسة الإقليمية والخارجية لإسرائيل (ميتيفيم)، الأنظار إلى فرصة أخرى تنتظر إسرائيل في أعقاب توقيع الاتفاق مع الإمارات، وتتمثل في توظيف الموانئ الإماراتية في تسويق البضائع الإسرائيلية إلى جميع أرجاء العالم.
وفي تحليل نشرته صحيفة هآرتس، يقول زاغا إن إسرائيل بإمكانها استغلال ميناء “جبل علي” الإماراتي الذي يعد أكبر الموانئ في المنطقة، في فتح مسارات تجارة متعددة، بحيث تتمكن من نقل بضائعها إلى منطقة جنوب شرق آسيا.
ويضيف أنه نظرا لأن الإمارات شرعت مؤخراً في بناء خطوط إنتاج لبعض السلع، فإن هذا التطور قد يفضي في النهاية إلى إقدام إسرائيل على استيراد بعض هذه السلع منها.
تتسع دائرة المكاسب الإسرائيلية، لتشمل أيضا سوق الأسهم، وفق خبراء اقتصاد، مشيرين إلى أن اتفاقات التطبيع مع الدول الخليجية ستعزز الثقة في بورصة تل أبيب وترفع من قيمة أسهم الشركات الإسرائيلية في الأسواق العالمية.
ونظرا لحجم الرهانات الاقتصادية على التطبيع، فقد عمدت أكثر من وزارة إسرائيلية إلى تقديم تقديرات بشأن عوائد التطبيع على الاقتصاد المحلي.
فقد أصدرت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية وثيقة، نشرت أهم استخلاصاتها صحيفة يديعوت أحرنوت، وتناولت العوائد الاقتصادية المحتملة للتعاون مع كل من البحرين، السعودية، عمان.
وحسب الوثيقة، فإن “رؤية 2030″ الهادفة إلى تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، تمثل فرصة كبيرة أمام الشركات الإسرائيلية، لا سيما الشركات المتخصصة في مجالات التكنولوجيا، الطاقة، الزراعة، الأغذية، المياه، السياحة، الطيران وغيرها”.
وبالنسبة للبحرين، فإن الوثيقة ترى أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد تمنح إسرائيل فرصا اقتصادية، على اعتبار أن لدى نظام الحكم في المنامة رؤية تقوم على تحويل البلاد إلى مركز مصرفي عالمي، وهو ما يمنح الشركات الإسرائيلية فرصة للاندماج في السوق البحريني.
ولم تستثن الوثيقة إمكانية أن تلجأ البحرين إلى استيراد التقنيات العسكرية الإسرائيلية، على اعتبار أنها كثفت مؤخراً من مبيعاتها من السلاح المتقدم.
على الجانب الآخر، يرى معدو الوثيقة أن طابع العلاقة الخاصة التي تربط سلطنة عُمان بإيران تفرض قيوداً على أنماط التعاون بين مسقط وتل أبيب.
لكنها تشير في المقابل إلى أن المجالات المدنية يمكن أن تصبح ساحة للتعاون مع السلطنة، حيث ترى الوثيقة أن عُمان يمكن أن تبدي اهتماماً كبيراً بالقدرات الإسرائيلية في مجالات المياه، الزراعة، التقنيات المتقدمة، الأقمار الصناعية، والسايبر.
وتمتد العلاقات أيضا لتشمل قطاع الطاقة، وفق ما ذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية “كان” أمس، لافتة إلى أن الولايات المتحدة معنية بتعاون إسرائيلي إماراتي بحريني في مجال الطاقة.
ونظرا لأن الأميركيين لم يوضحوا طابع التعاون الثلاثي الذين يطالبون به، فإنه تثور تساؤلات حول طابعه، فهل الولايات المتحدة معنية باستيراد الغاز العربي الذي تنهبه إسرائيل من حوض المتوسط، عبر التوصل لصفقات بيع غاز، على غرار الصفقتين مع مصر والأردن، أم أن الولايات المتحدة تتطلع إلى إمكانية أن تستثمر الدول الخليجية في مشاريع الطاقة الإسرائيلية، لا سيما التنقيب عن الغاز في حوض المتوسط.
وتتسع دائرة المكاسب الإسرائيلية، لتشمل أيضا سوق الأسهم وفق خبراء الاقتصاد في تل أبيب، ومنهم أميتاي، مشيرين إلى أن اتفاقات التطبيع مع الدول الخليجية ستعزز الثقة ببورصة تل أبيب وترفع من قيمة أسهم الشركات الإسرائيلية في البورصات العالمية، على اعتبار أن هذه الاتفاقات تنطوي على رسالة طمأنة للمستثمرين بعد فترة طويلة من حالة انعدام اليقين بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا، وهو ما يوفر الفرصة أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية لإسرائيل.
كما أن هؤلاء الخبراء يرون أن أهم قيمة اقتصادية لاتفاقات التطبيع مع الإمارات والبحرين لا تكمن في عوائدها المادية المباشرة، بل تحديداً في حقيقة أنها تضفي شرعية على التعامل الاقتصادي والتبادل التجاري مع إسرائيل، مما يشجع المزيد من الدول العربية وتحديداً السعودية على تدشين علاقات اقتصادية مع تل أبيب، مع كل ما ينطوي عليه الأمر من عوائد هائلة.
في الوقت ذاته، فإن هناك رهانا واسعا عبرت عنه العديد من النخب الإسرائيلية، أن تفضي اتفاقات التطبيع إلى تصفية حركة المقاطعة الدولية (BDS)، التي تطالب الشركات وقطاعات الأعمال في جميع أرجاء العالم بعدم التعاون مع إسرائيل بسبب سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني.
وتزعم الكاتبة الإسرائيلية إيميلي سكاردر، في مقال نشرته صحيفة “جيروسلم بوست” أن الاتفاق مع الإمارات أدى عمليا إلى وضع حد لحركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل.
لكن هناك في تل أبيب من يحذر من المبالغة في الرهان على العوائد الاقتصادية لاتفاق التطبيع بين إسرائيل والدول الخليجية.
ويشير الكاتب يوسي غويتش إلى السياحة، كأحد القطاعات التي يتوقع أن تكون الرهانات على اتفاقات التطبيع في إنعاش عوائدها في غير محلها.
وفي مقال نشره على حسابه على موقعه الشخصي، لفت غويتش، إلى أن هناك فرصا متدنية أن يؤدي اتفاق التطبيع إلى تدفق السياح الإسرائيليين إلى الخليج أو السياح الخليجيين إلى إسرائيل، مشيرا إلى أن شركة “إل عال”، شركة الطيران الرئيسية في إسرائيل، تواجه مشاكل لدرجة دفعتها إلى تقليص رحلاتها.
ويلفت إلى أنه إلى جانب تأثير تدهور الأوضاع الاقتصادية للإسرائيليين في أعقاب تفشي كورونا، فإن السائح الإسرائيلي الذي سيتوجه إلى الخليج سيواجه مشكلتين رئيسيتين، وهما ارتفاع الأسعار وقيمة الخدمات في الدول الخليجية وتحديداً في الإمارات، وفي الوقت ذاته لا يوجد في هذه الدول ما يغري هذا السائح بالتوجه إلى هناك.
وفي المقابل، يلفت غويتش إلى أن فرص أن تستقبل إسرائيل حركة سياحية كبيرة من دول الخليج متدنية أيضا، بسبب الاعتبارات الأمنية التي تحكم قرار تل أبيب بمنح تأشيرات الدخول لمواطني الدول العربية، التي تقيم علاقات سلام معها. مشيرا إلى أن إسرائيل منحت عدداً قليلا من تأشيرات الدخول للمواطنين الأردنيين والمصريين، على الرغم من مرور أعوام طويلة على توقيع اتفاق السلام معهما.