موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحليل: خفايا وساطة الإمارات بين الهند وباكستان وأطماع أبوظبي في جنوب آسيا

494

يجمع مراقبون على ربط وساطة الإمارات بين الهند وباكستان وأطماع أبوظبي في منطقة جنوب آسيا وكسب النفوذ الإقليمي.

ودخلت الإمارات مؤخرا لدفع الهند وباكستان إلى إجراء محادثات لتحريك القضايا العالقة بينهما، خاصة قضية كشمير.

وبحسب مراقبين تستهدف الإمارات كسب نفوذا لها في جنوب آسيا وإظهار وجه سلمي لها في ظل تورطها بحروب وتدخلات عسكرية.

وظلت الهند وباكستان على خلاف منذ أغسطس/آب 2019، عندما ألغت حكومة رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” الوضع الخاص لجامو وكشمير التي تديرها الهند على النحو المنصوص عليه في الدستور الهندي.

فيما كان وضع جامو وكشمير نقطة اشتعال سياسية بين الهند وباكستان منذ حصول الدولتين على استقلالهما عن بريطانيا.

وكانت العلاقات الثنائية تدهورت بالفعل بعد هجوم على القوات شبه العسكرية الهندية في كشمير، ما أثار غارات جوية متبادلة شنتها القوات الجوية الهندية والباكستانية عبر حدود كشمير المتنازع عليها في أوائل عام 2019.

لكن في تحول مفاجئ للأحداث، تراجعت درجة الحرارة السياسية المتزايدة بين القوتين النوويتين بسرعة.

إذ توصل الجانبان إلى اتفاق في فبراير/شباط الماضي للالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار لعام 2003 عبر خط السيطرة، أي الحدود الفعلية بين المناطق التي تديرها باكستان والمناطق التي تديرها الهند في كشمير.

وعلى عكس الحلقات السابقة التي لعبت فيها القوى العظمى، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، دورا حاسما في نزع فتيل التوترات الثنائية، كان وسيط السلام هذه المرة لاعبا خليجيا أصغر نسبيا ولكنه مؤثر، وهو الإمارات.

وسبق أن واجهت الإمارات مقاومة عندما طرحت فكرة الحوار الثنائي، وأصبح الخطاب العام داخل باكستان على وجه الخصوص معاديا تماما للإمارات.

ومع ذلك، فإن مزيجا من التطورات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، فضلا عن التحديات السياسية والاقتصادية المتصاعدة على مستوى الجبهة الداخلية لكل من الحكومتين الهندية والباكستانية، جعلت التوقيت مناسبا لتقدم هذه المبادرة الإماراتية.

ولطالما كانت باكستان شريكا وحليفا رئيسيا للإمارات، حيث لعب ضباط من القوات المسلحة الباكستانية دورا حاسما في تطوير البنية التحتية الدفاعية لأبوظبي ولا سيما سلاحها الجوي.

ومن جانبها، دعمت الإمارات باكستان بانتظام في أجندة سياستها الخارجية، بما في ذلك الاعتراف بحكومة طالبان في أفغانستان، قبل عام 2001، ودعم قرارات مجلس الأمن بشأن كشمير.

وكان إقناع إسلام آباد الإمارات بتمديد قرض بقيمة مليار دولار لمدة عام آخر، أثار تكهنات بأن الإماراتيين استغلوا نفوذهم للضغط على باكستان للدخول في محادثات مع الهند.

وبدأ هذا النهج الإماراتي تجاه جنوب آسيا يتغير تدريجيا مع ظهور الهند كقوة اقتصادية.

وكان لرفض باكستان الانضمام إلى التدخل العسكري السعودي والإماراتي في اليمن عام 2015 تأثير سلبي إضافي على العلاقات الثنائية، وفي الوقت نفسه، تعززت العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والهند.

وظهر ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد الضيف الرئيسي في العرض العسكري للاحتفال بعيد الجمهورية في الهند عام 2017.

وتأمل الإمارات بأن تحد من دور خصومها الإقليميين في جنوب آسيا، كما يقول أسامة خليل أستاذ التاريخ في مدرسة ماكسويل للمواطنة والشؤون العامة.

وقال خليل إن “علاقات قطر مع الهند وباكستان تتوسع، ومع أن الحصار الإماراتي- السعودي على قطر قد انتهى إلا أن الدوحة هي المزود الرئيسي للغاز الطبيعي المسال للهند وكذا توفره بكميات كبيرة لباكستان”.

وفي أثناء زيارته إلى قطر أشار وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبراهامنيام جيشنكار أثناء لقائه مع رجال الأعمال الفرص الاستثمارية في الهند.

وذكر بيان من وزارة الشؤون الخارجية إلى أن قطر تستقبل 700.000 عامل هندي وأن العلاقات التجارية بين البلدين وصلت إلى 10.95 مليار دولار في الفترة ما بين 2019-2020.

وفي الوقت نفسه وقعت قطر وباكستان على اتفاق لمدة 10 أعوام لتوفير الغاز المسال.

وقال مساعد لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إن علاقة دينامية بين القيادة العسكرية في باكستان وقطر التي تقوم باستضافة المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان لتحقيق السلام في أفغانستان.

ويقول ناغابوشبا ديفندرا المحلل في معهد مانوهار باريكار للدراسات الدفاعية إن “الإمارات تهدف بأن تحتفظ بالهند وباكستان في فلكها الاقتصادي والدبلوماسي، ففي الوقت الذي توثقت فيه علاقاتها مع الهند إلا أنها توترت مع باكستان بسبب الخطاب المعادي للهند فيما يتعلق بكشمير”.

وفي الآونة الأخيرة، أصبح التقارب الجزئي بين الإمارات وباكستان ممكنا بفضل الجهود الشخصية التي بذلها قائد الجيش الباكستاني اللواء “قمر جاويد باجوا” وقد تجلى ذلك في أول زيارة رسمية لمحمد بن زايد إلى باكستان منذ 12 عاما، في يناير/كانون الثاني 2019.

وتُرجمت هذه النوايا السياسية الجديدة في حزمة مالية لباكستان؛ حيث أودعت الإمارات 2 مليار دولار في “مصرف دولة باكستان” كاحتياطي من العملات الأجنبية حين كانت إسلام أباد تتعرض لضغوط تسديد مدفوعات الديون الدولية.

وكانت هذه دفعة كبيرة لباكستان والحكومة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء “عمران خان”، التي واجهت أزمة اقتصادية متزايدة.

ومع ذلك، لم تتعاف العلاقة الباكستانية الإماراتية تماما، ووضعتها التطورات الجيوسياسية مرة أخرى في وضع صعب.

وعندما ألغت الهند الوضع الخاص لكشمير، ردت باكستان بقوة وطالبت حلفاءها التقليديين وشركاءها في العالم الإسلامي بالدعم.

وأرسلت الإمارات وزير خارجيتها إلى إسلام أباد تعبيرا عن تضامنها، لكنها أكدت للقيادة الباكستانية أن كشمير تظل قضية ثنائية بين الهند وباكستان ولا ينبغي أن تكون قضية للأمة الإسلامية.

حينها شعرت باكستان بإهانة شديدة، بعد أن توقعت من الدول الإسلامية أن تقف معها في مواجهتها مع الهند.

وتصاعد التوتر بين أبوظبي وإسلام أباد نتيجة موقف الإمارات من قرار الهند المتعلق بكشمير وما ظهر بأنه تأييد للهند في هذا القرار، وما تبع ذلك من تكريم رئيس الوزراء الهندي خلال زيارته إلى الإمارات وتقليده وساماً رفيع المستوى، ما أثار غضب المسؤولين الباكستانيين وجرى إلغاء زيارة لعدد منهم إلى أبوظبي رداً على ذلك.

وجاءت الكلمات الوحيدة الداعمة لموقف باكستان بشأن كشمير من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بينما كرمت حكومة الإمارات “مودي” بـ “وسام زايد”، في أغسطس/آب 2019، وهو أعلى وسام مدني لديها.

وأكدت هذه التطورات قوة الروابط الإماراتية الهندية وطبيعتها الاستراتيجية، لكنها أكدت أيضا نفورا مشتركا من السياسات والحركات الإسلامية.

وفي الوقت نفسه، عززت باكستان روابطها السياسية والأمنية مع تركيا، مبتعدة بنفسها عن تحالفاتها التقليدية المتمركزة حول الخليج.

وقال مسؤول حكومي من الإمارات، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الإمارات أصبحت “قلقة على نحو متزايد” من تلاعب باكستان بمنظمة التعاون الإسلامي.

وفي نوفمبر الماضي، أعلنت إسلام آباد تحقيق انتصار في منظمة المؤتمر الإسلامي بعد أن أقنعت المنظمة بدعم قرار يدين قرار الهند بإلغاء وضع كشمير شبه المستقل.

ومع ذلك، لم تؤد هذه الاختلافات في السياسة الخارجية إلى تعطيل كامل في قنوات الاتصال الثنائية بين باكستان والإمارات.

وعلى عكس السعودية، عملت الإمارات في الأسابيع الأخيرة على تمديد ترتيبات الدعم المالي لباكستان، كما ظلت العلاقات الإماراتية مع المؤسسة الأمنية الباكستانية سليمة.

وهيأت هذه العلاقات مع كل من باكستان والهند المناخ للإمارات لتسهيل المشاركة الثنائية للجارتين في جنوب آسيا في المحادثات في حال توفرت إرادة سياسية من كلا الجانبين.

ومع ذلك، ظلت الإرادة السياسية غائبة حيث اتخذت الهند وباكستان مواقف متشددة وتمسكتا بموقفيهما.

ورفضت حكومة “مودي” اليمينية باستمرار إمكانية إجراء محادثات مع دولة باكستان التي اتهمتها بالتحريض على “الهجمات الإرهابية” في الهند.

وأوضحت الحكومة الباكستانية أن أي حديث مع الهند لن يتم إلا بعد استعادة الوضع الخاص لكشمير.

ومع ذلك، بدأت هذه المواقف المتشددة في كلا الجانبين في التراجع بحلول أوائل عام 2021 نتيجة عدة أسباب.

ومن منظور هندي، كان من الممكن أن يستمر الوضع السياسي الراهن مع باكستان إلى أجل غير مسمى، لكن فتح جبهة “لاداخ الشرقية” مع الصين في مايو/أيار 2020، وما نتج عن ذلك من زحف للقوات الصينية على الأراضي التي تطالب بها الهند، بمثابة صدمة سياسية واستراتيجية.

واستولت الصين على عدة مئات من الأميال من الأراضي التي تطالب بها الهند واكتسبت موقعا استراتيجيا يمكن أن يهدد المواقع العسكرية الهندية في شمال شرق لاداخ.

وكانت هذه هي المرة الأولى منذ عام 1962 التي يتعين على الجيش الهندي أن يقيّم بجدية الكابوس الاستراتيجي لحرب على جبهتين تشمل كلا من جارتيه النوويتين.

وفي مواجهة هذا التحدي، اضطرت الهند إلى مراجعة سياستها تجاه باكستان، ومن منظور باكستاني، كانت التحديات المستمرة على الجبهة الاقتصادية، والافتقار إلى الخيارات فيما يتعلق بكشمير، وعدم اليقين السياسي الذي جلبته إدارة جديدة في واشنطن إلى عملية السلام الأفغانية، عوامل رئيسية تدعم التحول في السياسة تجاه الهند.

وربما للمرة الأولى في تاريخ البلاد، يؤكد خبراء الأمن القومي في باكستان على أهمية الأمن الاقتصادي للسيادة الوطنية، ما يستلزم الابتعاد عن التصرف وفق العوامل الجيوسياسية إلى التصرف وفق العوامل الجيواقتصادية.

باختصار، يبدو أن تطور العقيدة الاستراتيجية لدى باكستان بشكل يجعل الاقتصاد أولوية، قد أثر على الحسابات الضيقة فيما يتعلق بكشمير، بالرغم من سيطرة كشمير على الأفق الاستراتيجي.

فلم تعد باكستان قادرة على تحمل سياسات المواجهة وأصبحت متقبلة للحوار مع الهند، وهذه المرة بوساطة إماراتية.

وبالنسبة للإمارات، تمثل هذه المبادرة الدبلوماسية مع الهند وباكستان إضافة إلى قوتها الناعمة بعد اتفاق التطبيع مع إسرائيل، وتقدم نقطة انحراف إيجابي أخرى عن تدخلاتها العسكرية المثيرة للجدل في ليبيا واليمن.

وتساعد هذه المبادرة الإماراتية أيضا في إقناع واشنطن بأهمية الإمارات كشريك إقليمي لتأمين أهداف السياسة الخارجية الأمريكية والتي تتضمن استقرار وأمان جنوب آسيا، وفي الوقت نفسه، لا تزال أفغانستان نقطة اشتعال إقليمية رئيسية بالنسبة للإمارات.

وبالرغم من جهودها وعقد اجتماع بين الولايات المتحدة وطالبان رتبته باكستان، لم تتمكن الإمارات من ممارسة نفس المستوى من النفوذ أو الأهمية السياسية التي مارستها بشكل ملحوظ في الصراع اليمني.

ويرجع ذلك أساسا إلى إصرار أبوظبي والرياض على إشراك ممثلين عن الحكومة الأفغانية في المحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان، وهو ما رفضته طالبان وتحولت بدلا من ذلك إلى الحوار مع الولايات المتحدة في قطر.

لذلك ظلت عملية السلام الأفغانية من اختصاص قطر، وسيكون المكان الجديد للحوار بين الأفغان هو تركيا، وهي منافس إقليمي آخر للإمارات.

ويمكن أن يكون لنهاية اللعبة الأفغانية والانسحاب النهائي للقوات الأمريكية تداعيات ليس فقط على الجوار الأفغاني المباشر ولكن أيضا على دول الخليج.

وسيؤدي تشكيل حكومة مؤقتة جديدة إلى رحيل الحكومة الأفغانية الحالية ورموزها، الذين كانوا نقاط الاتصال الرئيسية لأبوظبي والرياض.

وقد يكون مثل هذا التطور، إلى جانب ظهور نظام سياسي تهيمن عليه طالبان في أفغانستان، سببا في انفتاح أفغانستان على كل من إيران والإسلاميين من مختلف الاتجاهات، بينما تفقد الرياض وأبوظبي نفوذهما التقليدي.

وسيعني ذلك بشكل أساسي أن جميع المساهمات الإماراتية في أفغانستان منذ 11 سبتمبر/أيلول كشريك في التحالف بقيادة الولايات المتحدة سوف تذهب هباء.

ويمكن أن يؤثر الاستبعاد من العملية السياسية الأفغانية الحالية على التصورات حول جهود الإمارات لترسيخ نفسها كلاعب لا غنى عنه للوساطة أو تشكيل التطورات في جنوب آسيا، سواء داخل المنطقة أو في واشنطن.

ومع ذلك، فإن إعادة تأهيل الارتباط السياسي والاقتصادي مع باكستان وزيادة المشاركة مع مختلف أصحاب المصلحة الأفغان يمكن أن يمنح الإمارات بعض النفوذ على الملف الأفغاني، ما يعزز علاقتها بهذا الصراع أيضا.

وتعكس التغيرات داخل رقعة الشطرنج السياسية في جنوب آسيا تطورات الحسابات الاستراتيجية لكل من الهند وباكستان، بينما تظهر أيضا التأثير الصيني الأكبر على ديناميكيات الأمن الإقليمي.

وسواء كانت هذه التطورات تشير إلى تغيير هيكلي في الخطوط السياسية لجنوب آسيا أو مجرد فصل آخر في قصة طويلة من المناورات الإقليمية من أجل النفوذ والأفضلية الاستراتيجية، فمن المرجح أن تستمر الإمارات في بذل الجهود السياسية والاقتصادية خلال سعيها لتحقيق طموحاتها بالتأثير والنفوذ في جنوب آسيا.