حصاد الإمارات الحقوقي 2019.. همجية التنكيل بالمعتقلين وذويهم وأكاذيب “التسامح”
قال مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك” إن السلطات الإماراتية أنهت عام 2019 بملف ثقيل إنسانياً وحقوقياً وأخلاقياً في ظل ارتكابها انتهاكات جسيمة لأبسط معايير حقوق الإنسان ما يعبر عن حصاد مخزي للدولة.
ورصد المركز في تقرير سنوي له أن السلطات الإماراتية خلال العام المنصرم تجردت من القيّم والقانون وارتكبت انتهاكات حقوقية بحق مواطنيها والمقيمين فجّة وسيئة للغاية فلم يتغير سلوكها خلال 2019 عن الأعوام الماضية على الرغم من أنها رفعت “شعار التسامح” كشعار للعام.
وتولى جهاز أمن الدولة التنكيل بالناشطين المدنيين السلميين والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، بلافتات متعددة “محاربة الإرهاب، الخطورة المجتمعية، محاولة الانقلاب، الإساءة لدولة حليفة، إهانة الرموز”، في اتهامات التي شرّعها جهاز الأمن بقوانين سيئة السمعة تناقض الدستور والأعراف والتقاليد الإماراتية والمواثيق الدولية، مثل قوانين “العقوبات، الجرائم الالكترونية، مكافحة الإرهاب” سرعان ما ظهر زيفها للإماراتيين والمراقبين الخارجيين في المنظمات الدولية الذين ترفض السلطات حتى دخولهم إلى أراضيها من أجل التحقيق.
وخلال 2019 أصبح المجتمع المدني في الدولة منعدماً، فلا صوت يعلو فوق أصوات الجلادين التابعين لجهاز الأمن، بل إنه الصوت الوحيد المتبقي في ظل الهجمة على أي انتقاد مهما كان بسيطاً، واشتد مدى الخوف الذي يدفع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والمعارضين للإحجام عن المجاهرة بما حدث لهم.
ويشير التقرير إلى أبرز الأحداث والانتهاكات الحقوقية خلال عام 2019، مع الإشارة إلى أن رصد الانتهاكات التي ترتكبها السلطات صعب للغاية داخل الدولة حيث تفرض الدولة تعتيماً كبيراً:
الأحكام السياسية: استمرت الدولة في إصدار أحكام سياسية بحق ناشطين حقوقيين ومدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن معظم تلك القضايا جرى وقف تداولها في الصحافة الرسمية، لتصبح أحكاماً سرية. وفي حال خرجت قضايا متعلقة بحرية الرأي والتعبير في الدولة فإن الصحافة الرسمية لا تنشر الأسماء. ومعظم الأحكام الصادرة تكون بين 7-10 سنوات.
من بين تلك الأحكام حكمٌ صدر في ابريل 2019 بسجن مواطن إماراتي عشر سنوات بسبب نشر “مقالات وكليبات فيديو ومعلومات كاذبة ومغرضة لا أساس لها من الصحة تثير البلبلة بين المجتمع”. وجرى الحديث عن إخفاء عشرات المقيمين معظمهم عرب لعدة أشهر خلال (2018-2019) دون محاكمة حسب ما أفادت منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
علياء عبدالنور: اُعتقلت سنة 2015 بتهمة تمويل الإرهاب بعد أن شاركت في جمع التبرعات لفائدة عائلات سورية محتاجة و مساعدة نساء وأطفال متضررين من الحرب في سوريا. وحكم عليها بالسجن خمس سنوات.
وفي السجن تعرضت للتعذيب وعشرات الانتهاكات. كما أعيد تشخيص إصابتها بالسرطان بعد فترة قصيرة من توقف انتشار المرض، وعلى الرغم من أن حالتها الصحية سيئة لم توفر السلطات لها علاج طبي كافٍ.
وبعد تدهور حالتها الصحية بشكل كبير، تم نقلها إلى مستشفى المفرق في نوفمبر 2016 وبقيت هناك حتى يناير 2019. ثم نقلت فجأة إلى مستشفى توام حيث كان وصول الطاقم الطبي إليها محدودًا للغاية، وتمت مراقبة العلاج وتصريحه من قبل السلطات.
وفرضت السلطات مزيداً من القيود أثناء الزيارات، وتعرض الأقارب لتفتيش جسدي مهين وتم احتجاز ممتلكاتهم الشخصية. وتوفيت السيدة عبد النور في الحجز في 4 مايو 2019، على الرغم من نداءات الأمم المتحدة بتقديم المساعدة لها والإفراج عنها.
ووفقاً لتقارير مراقبي حقوق الإنسان، فقد قضت أسابيعها الأخيرة مقيدة بالسلاسل إلى السرير وحُرمت من علاج مرض السرطان وهشاشة العظام وتليف الكبد، وتم إجبارها على توقيع وثيقة تفيد بأنها لا تريد العلاج. كما حُرمت من موت الكرامة مع عائلتها حسب ما طلبت وناشدت بذلك منظمات دولية.
مريم البلوشي وأمينة العبدولي: معتقلتان منذ 2015-2016، وتعرضتا للتعذيب والانتهاكات الكبيرة بحقهما، لكن تزايد ذلك بعد أن قُدمت معلومات عن حالة مريم البلوشي وأمينة العبدولي إلى الإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة عام 2019، ذُكر أن ضابطة من أمن الدولة اتصلت بعائلة مريم وهددت بتقديم مريم البلوشي للمحاكمة مرة أخرى وتوجيه تهم جديدة ضدها. كما هددت بإلحاق الأذى بأفراد الأسرة إذا استمرت البلوشي في إدانة ظروف احتجازها.
ومنذ مايو 2019، بعد وفاة علياء عبدالنور تتعرض البلوشي وأمينة العبدولي لمعاملة سيئة في السجن بسبب اتهامات السلطات بكون البلوشي والعبدولي وراء تقديم المعلومات للمنظمات الدولية ومن بينها الأمم المتحدة.
وفي يونيو 2019 أظهر تسجيل جديد تم تهريبه من سجن الوثبة في أبو ظبي، تأكيد مريم البلوشي أنها تعرضت للتعذيب وسوء المعاملة على أيدي حراس السجن. وكان ذلك التسجيل الثاني منذ بداية العام.
وتشير المعلومات إلى أن صحة “أمينة” و”مريم” تدهورت بسرعة بسبب ظروف الاحتجاز القاسية في السجن.
محمد المنصوري: تستمر إدارة سجن الرزين بمنع الناشط والمحامي البارز الدكتور محمد المنصوري (المعتقل منذ 2012 والذي حكم عليه ضمن المحاكمة السياسية الجائرة “الإمارات94”) من زيارة عائلته والاتصال بالعالم الخارجي منذ أكثر من سنة كاملة رغم حضور أفراد عائلته وقطعهم لمسافات طويلة وانتظارهم في كل زيارة ساعات طويلة أمام بوابة السجن.
أحمد منصور: يعاني الناشط الحقوقي البارز الحاصل على جوائز أحمد منصور من انتهاكات عظيمة داخل السجن بعد أن حُكم عليه عام 2018 بالسجن عشر سنوات بسبب تغريدات على تويتر تتضامن مع المعتقلين. وأضرب عن الطعام مراراً بسبب تعرضه للضرب وانتهاك أدميته ومنعه من الملابس والفرش بعد رفض إدارة السجن إخراجه من “جناح العزل بسجن الصدر في أبو ظبي.
ويُحتجز منصور في زنزانة صغيرة بلا سرير أو مياه جارية، ولا يُسمح له بالمغادرة مطلقًا” وتعرض للضرب مراراً وتكراراً خلال 2019 وأضرب عن الطعام عدة مرات خلال العام. وأدت الانتهاكات والإضراب عن الطعام إلى “تدهور حالته الصحية وتعرضه لأضرار بدنية جسيمة ومنها انخفاض الوزن وضعف النظر وصعوبة الوقوف بمفرده.
وخاطر أحمد منصور “وناصر بن غيث” وعدد أخر من المعتقلين بصحتهم من خلال الإضراب عن الطعام للفت الانتباه إلى سجنهم بدون وجه حق، لمجرد مطالبته بالتسامح والتقدم اللذين تزعم الإمارات أنهما يميّزان مجتمعها.
ناصر بن غيث: مرت أكثر من أربعة اعوام على اعتقال الأكاديمي والحقوقي الإماراتي الدكتور ناصر بن غيث.
وتعرّض بن غيث كغيره من معتقلي الرأي في السجون الإماراتية إلى محاكمة غير عادلة وسوء المعاملة بغاية التنكيل به وقد دفعه ذلك إلى الإضراب عن الطعام أكثر من مرة خلال 2019، ليعبر عن رفضه للحكم الصادر بحقه (السجن عشر سنوات) وللاحتجاج على ظروف اعتقاله وكل ما يتعرض له داخل السجن.
خالد الشيبة: تم منعه من الزيارة عدة أشهر خلال 2019 مع مخاوف مستمرة من عائلته على صحته. و”الشيبة” اعتقل في 16 يوليو 2012م، وتمت محاكمته ضمن القضية المعروفة إعلامياً (الإمارات 94) وحكم عليه بالسجن 10 سنوات.
مراكز المناصحة: لا تكتفي السلطات بسجن الإماراتيين والمقيمين بأحكام سياسية، بعد تعذيبهم في سجونها السرية والانتهاكات في السجون الرسمية، بل أيضاً تقوم باحتجازهم بعد انتهاء أحكام السجن السياسية فيما تصفه “بمراكز مناصحة دون وجه حق بدعوى تأهيلهم دينيا واجتماعيا”.
ويوجد الآن 10 معتقلين سابقين على الأقل في هذه المراكز بعد أن أفرجت عن ثلاثة معتقلين (في أغسطس/آب2019) من تلك المراكز ضمن حملة علاقات عامة وتحسين سمعة بعد الضغط المحلي والدولي.
وهذه المراكز خارج القانون وخارج كل ما هو إنساني. ولا يقبل عاقل بوجودها، واستخدامها بطريقة مهينة للأدمية لإجبار المدونين والمنتقدين على إثبات “توبتهم” بتسجيلات فيديو يتم عرضها مقابل الإخلاء عن سبيلهم، هذا الانتهاك للدستور والإنسان الإماراتي سيء للغاية يوصم الدولة كدولة بوليسية، قمعية، تبني حضورها على مهاجمة المواطنين وإخافتهم.
الإفراج عن بن صبيح: أفرجت السلطات خلال 2019، عن الداعية البارز الشيخ عبد الرحمن بن صبيح السويدي مقابل تقديم شهادة تنفي الترحيل والتعذيب الذي مورس عليه بعد اختطافه من “اندونيسيا”، وتأييد مزاعم سلطات الإمارات أنه قام بتسليم نفسه. ويراد من الإفراج عنه ربط الإفراج عن النشطاء السياسيين والحقوقيين والمدونين المحتجزين بالشهادة ضد أنفسهم ونفي الانتهاكات الجسيمة التي تعرّضوا لها من اختفاء قسري وتعذيب وامتهان آدميتهم ومحاكمتهم دون ضمانات المحاكمة العادلة وغير ذلك من الانتهاكات.
أهالي المعتقلين: منحت السلطات جهاز الأمن سلطة مطلقة لمعاقبة عائلات النشطاء، سواء المحتجزين أو المعارضين في الخارج. في عقاب جماعي سيء ومقيت. ويتعرض أهالي معتقلي الرأي وذويهم إلى مضايقات وتنكيل على يد جهاز الأمن في سجون أبوظبي أثناء الزيارات. ومطلع العام قررت السلطات وقف صرف المعاشات التقاعدية للمعتقلين بسجن الرزين ما لم يستظهروا بجوازات سفر غير منتهية الصلاحية.
ويعاني أهالي المعتقلين من عرقلة دائمة تقوم بها السلطات بحق تجديد الجوازات. وتقوم السلطات الإمارات بوضع عراقيل دائمة أمام المعتقلين وعائلاتهم في معاملات تجديد جوازات السفر وهو ما قد يؤدي إلى إسقاط حق المعتقلين الحقوقيين في معاش وجراية تقاعد.
كما سحب جهاز الأمن جنسية 19 من أفراد عائلة اثنين من المعارضين، مما تركهم عديمي الجنسية وحرمهم من حقوقهم الأساسية. ولا يزال اثنان وعشرون من أقارب ثلاثة معارضين آخرين غير قادرين على تجديد وثائق الهوية، مما يتركهم عالقين فعليا في البلاد، يكافحون من أجل الحصول على الحقوق والخدمات الأساسية.
وترفض السلطات منح أهالي المعتقلين أو المقربين منهم أو أصدقائهم تصاريح أمنية للحصول على أعمال في القطاعين الخاص والعام. إذ يُشترط في الدولة الحصول على تصريح أمني لمزاولة أي عمل. قامت السلطات كذلك بعزل أهالي المعتقلين عن المجتمع حيث يحذر جهاز الأمن من الاختلاط بهم أو التزاوج مع عائلاتهم، أو من يقوم بزيارتهم يتعرض للتحقيق.
ويمثل حظر السفر أكثر وسيلة استُخدِمت لاستهداف أقارب المعارضين، سواء المعتقلين أو المقيمين في الخارج. ويقوم مسؤولو الأمن بالاستجواب بانتظام لأقارب جميع المعارضين الثمانية الموجودين خارج البلاد، ويراقبونهم ويهددونهم. يشمل ذلك العائلات والأصدقاء والمعارف لمجرد معرفة جهاز الأمن بوجود تواصل معهم أو مع عائلاتهم.
أكذوبة التسامح
طوال عام 2019 ظل “شعار التسامح” حاضراً في كل مؤسسات الدولة وحديثها للداخل والخارج، لكن ما قامت به الدولة يمثل إهانة “للتسامح” وإساءة إليه، فلم تقم السلطات بأي جهود لمعالجة الاحتقان الداخلي أو التسامح مع الانتقادات.
وشكلت الدولة عدة هيئات للتسامح من بينها وزارة التسامح التي بدأت عملها في عام 2017م، بتعيين الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان كأول وزير على رأسها، ومنذ الإعلان عنها، تتجاهل الوزارة وبرامجها القمع الحاصل في البلاد وإدانة حرية الرأي والتعبير بدلاً من التسامح معها.
وفي مقابلة مع اسوشيتد برس الأمريكيّة اعترف وزير التسامح الإماراتي نهيان آل نهيان بالقمع السياسي المتفشي ومنع المسلمين من حرية العبادة في البلاد مقابل حريات للديانات الأخرى، معتبراً ذلك جزءاً من إجراءات لمواجهة التطرف. وهي مبررات واهية تضع كل الإماراتيين في سلة واحدة كإرهابيين محتملين لأنهم يؤدون صلاتهم في المسجد ولكونهم يرغبون بتجمع بسيط لدقائق للقاءات دينية واجتماعية أمام الناس وليس في دهاليز الأمن الخاصة.
وكشف آل نهيان أن مهمة وزارته ليست التسامح بين الإماراتيين وتضييق فجوة الخلافات والرأي بين الحُكام والسلطات، بل تقتصر “بالتواصل مع المقيمين في الإمارات من مختلف الأديان والخلفيات من أجل جعلهم يشعرون بالأمان والاحترام”.
واستمر خطاب “التسامح” طوال العام ودفعت السلطات مقابل ذلك عشرات الملايين من الدولارات، لإخفاء انتهاكات حقوق الإنسان والقمع المستمر للمواطنين والمقيمين، بدلاً من معالجة هذا الملف ووقف الانتهاكات والسماح بحرية الرأي والتعبير.
ومن ذلك حرية التدين، حيث يمارس غير المسلمين طقوس عباداتهم دون مضايقة من السلطات، أما المسلمون-إذ الإسلام دين الدولة حسب الدستور- فيتعرضون للتضييق والاستهداف الممنهج والمراقبة طوال أداء العبادة، يمكن ذكر بعضها حيث:
في2017 تم إقرار قانون بشأن تنظيم ورعاية المساجد يكرس السيطرة الأمنية عليها، ويستهدف أي نشاط دعوي في مساجد الدولة وحكرت القائمين على المساجد والخطباء من فكر إسلامي واحد وهم “دراويش الصوفية” وسخرتهم كأدوات لتمرير ما تريد السلطات إيصاله للمسلمين في الدولة ولا يتحدثون في أي شأن من شؤون المواطنين أو يناقشونها ويبررون للمواطنين القرارات والسياسيات.
قامت الدولة بوضع نظام مراقبة صارم لتتبع المُصلين في المسجد وزرعت جواسيس لهذه المهمة إضافة إلى كاميرات مراقبة.
تفرض السلطات في الإمارات “خطبة جمعة” موحدة في كل المساجد وتمنع أي خطبة غير تلك التي فرضتها السلطات في إجراء يستهدف فرض سطوة النظام وتكريسه كأمر واقع.