موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

إعادة تموضع النفوذ الإماراتي في ليبيا… حضور بلا ضجيج

528

بينما تواصل ليبيا التقلب فوق رمال سياسية متحركة، يبدو أن دولة الإمارات تعيد صياغة التموضع في المشهد الليبي بهدوء لافت وبحالة حضور بلا ضجيج.

لا ظهور مباشر في العلن، ولا تدخلات سافرة كما في أعوام سابقة، لكن المؤشرات الميدانية تكشف عن عودة محسوبة عبر أدوات وواجهات محلية، تضمن لأبوظبي استمرار نفوذها دون دفع كلفة الاصطفاف العلني.

ولطالما ارتبط الدور الإماراتي في ليبيا بدعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، سواء عبر الإسناد العسكري أو الدعم السياسي في المحافل الدولية. ورغم التراجع النسبي لهذا الدور بعد فشل هجوم حفتر على طرابلس في 2019-2020، فإن مراقبين يرون أن أبوظبي لم تنسحب فعلياً من الساحة الليبية، بل غيّرت أسلوبها.

يقول أحد الباحثين المتخصصين في الشأن الليبي: “الإمارات لم تكن يوماً من يشعل شرارة النزاعات، لكنها تتقن النفخ في نارها. تستثمر في الفوضى وتُحسن تحويلها إلى أوراق ضغط تخدم مصالحها الإستراتيجية، سواء في ليبيا أو في غيرها من الساحات العربية.”

أدوات النفوذ: من المداخلة إلى شبكات المصالح

أبرز مظاهر إعادة التموضع الإماراتي في ليبيا يتمثل في تحريك أدوات محلية لا تزال فاعلة في المشهد، وإن كانت بعيدة عن الأضواء.

في مقدمتها التنظيمات السلفية المدخلية، التي تبدي في الظاهر ولاءً كاملاً لسلطات طرابلس أو الشرق، لكنها تحتفظ بخيوط اتصال مع الممولين في أبوظبي، وتنتظر اللحظة المناسبة للعب أدوار حاسمة في إعادة تشكيل موازين القوى.

إلى جانب ذلك، ثمة شبكات مصالح اقتصادية وشخصيات سياسية محلية احتفظت بعلاقات قوية مع دوائر القرار في الإمارات، حتى وإن اختلفت مواقفها سابقاً مع مشروع حفتر. هذه الشبكات لم تغادر الميدان أصلاً، وتعمل الآن كجسور خلفية لإعادة تدوير النفوذ الإماراتي بمرونة أكبر.

رد الفعل بدلاً من الفعل: استراتيجية “هندسة النتائج”

بعكس الفترات الماضية، تتبنى أبوظبي اليوم مقاربة أقل كلفة وأكثر دهاءً. فهي لا تسعى لصناعة الحدث بيدها، بقدر ما تركز على التأثير في مخرجات الأحداث.

كل تغيير في موازين القوى داخل العاصمة طرابلس، أو بين القوى العسكرية المتنافسة في الغرب والشرق والجنوب، تراه الإمارات فرصة لإعادة هندسة النتائج بما يخدم مصالحها.

دبلوماسي ليبي سابق يعلق قائلاً: “الإمارات تدرك أن الأضواء تضر بمصالحها في المرحلة الراهنة. لذلك تفضل تحريك خيوط اللعبة من وراء الستار، سواء عبر دعم قوى أمنية واقتصادية بعينها، أو عبر مبادرات ظاهرها تنموي وباطنها إعادة تموضع سياسي وأمني.”

أبعاد إقليمية: من ليبيا إلى “السلام الإبراهيمي”

لا يمكن قراءة الحراك الإماراتي في ليبيا بمعزل عن سياق أوسع. فاستراتيجية أبوظبي اليوم مرتبطة بمشاريع إقليمية، أبرزها الدفع بقطار “السلام الإبراهيمي” الذي يمر عبر بوابات اقتصادية وأمنية مختلفة.

في هذا الإطار، تشكل ليبيا ورقة ذات أهمية مزدوجة:

أمنية: لاحتواء النفوذ التركي والقطري في الغرب الليبي.

اقتصادية: للاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار وتأمين النفوذ في الموانئ والطرق التجارية.

بين وهم الانسحاب وحقيقة التموضع الجديد

رغم تراجع وتيرة الوجود العسكري الإماراتي المباشر في ليبيا، فإن الحديث عن انسحاب كامل يبدو مبالغاً فيه. ما يجري هو ببساطة إعادة تموضع وفق معادلات أكثر مرونة:

تقليص الانكشاف العسكري والسياسي.

تعظيم النفوذ عبر وكلاء محليين.

استثمار حالة الانقسام السياسي لتأمين موطئ قدم دائم في معادلات المستقبل.

ويختم محلل سياسي مطلع: “ليست الأيادي الإماراتية بعيدة عن المشهد الليبي. ربما لا تتدخل في الفعل المباشر، لكنها موجودة بقوة في رد الفعل، وتعرف جيداً كيف تعيد هندسة النتائج لصالحها.”