سلطت صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية الضوء على التدهور الاقتصادي الكبير الذي تعيشه إمارة دبي، بعد سنوات من الطفرة العمرانية والاقتصادية الكبيرة التي حولتها إلى حاضنة عالمية للمال والأعمال.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الكثير من مشاريع البناء والعقار متوقفة، وأن ما تعيشه دبي ربما يفوق في صعوبته الاقتصادية ما عاشته أيام الأزمة المالية التي ضربت أطنابها في الإمارة الخليجية عام 2008.
وتحدثت الصحيفة عن مشروع “برج خور دبي”، الذي أعلن عنه قبل عامين وانطلق العمل به ليكون أكبر من برج خليفة، والذي خطط له ليكون مشروعاً كلاسيكياً، حيث تم إطلاق عمليات البيع فيه خلال شهر يناير الماضي، ووصل سعر الشقة المؤلفة من غرفة نوم واحدة لنحو 272 ألف دولار، وسط إقبال كبير على الشراء.
وسيتم تشييد خور برج دبي على مساحة تصل إلى نحو 6 كيلومترات مربعة، وخطط له لإيواء 200 ألف شخص بعد اكتماله، ويتم تطويره بنفس الطريقة التي طور بها محمد بن راشد حاكم دبي العديد من المشارع العقارية، والتي تقوم على فكرة استصلاح الأراضي ودفن البحر في بعض الحالات، ومن ثم الشروع بالبناء على أن يكون البيع قادراً على تكملة تكلفة المشروع بعد انطلاقته.
الدلائل على أرض الواقع، كما تقول الصحيفة، هي أن هذا المشروع ربما لن يحالفه الحظ ليكون مثل المشاريع السابقة، “فعلى الرغم من أن عشرات الرافعات موجودة في المكان، فإن الانكماش الثاني يهدد إمكانية اكتماله، فلقد مضى اليوم أكثر من عامين على بداية أعمال البناء وإلى الآن لم يتم إنشاء إلا الأسس، ولم يتم تحديد موعد الانتهاء من أعمال المشروع”.
ومنذ عام 2014، انخفضت أسعار العقارات في دبي بنسبة 25% على الأقل، حيث يقوم مطورو العقارات بتقليص عملياتهم خاصة بعد تأخر سداد المدفوعات للموردين، كما سجل نمو الناتج المحلي تباطؤ إجمالياً وصل إلى 1,9 % العام الماضي وهو أبطأ معدل نمو في الإمارة منذ العام 2010.
وتنقل الصحيفة عن أحد المديرين التنفيذين العاملين بمشروع برج خور دبي قوله، إن المحنة التي تواجهها الشركات الحكومية في دبي ستتعمق هذا العام، مضيفاً: “هناك حاجة لضبط الأعمال بإعادة ضبط جذرية، التكاليف مرتفعة للغاية للحفاظ على هذه المستويات من النشاط”.
تقول الصحيفة: “هناك شعور عميق بالأزمة التي تواجه دبي فلقد عمد الشيخ محمد بن راشد، حاكم الإمارة، للاجتماع بنخبة من الاستشاريين لإخراج دبي من أزمتها، حيث عقد سلسلة اجتماعات مع رؤساء الأعمال لمناقشة سبل تعزيز الاقتصاد، مثل خفض الرسوم وخصخصة الكيانات الحكومية لإحياء سوق المال”.
وقال أحد المستشارين: “كان الهدف من جلسات العصف الذهني تلك هو المساعدة على فهم التحديات والتوصل إلى أفكار للقطاع الخاص”، وفقاً لـ”الصحيفة”.
وتشير الصحيفة إلى تقليص أعداد العمال في مختلف المشاريع، ممَّن باتوا يفقدون وظائفهم وأعمالهم بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، حيث يشكل المغتربون ما نسبته 92% من سكان دبي التي يبلغ تعدادها نحو 3.2 ملايين نسمة، “فالعديد ممَّن يتم الاستغناء عنهم لا يحق لهم البقاء في الإمارة”
وخلال جلسة العصف الذهني، يقول أحد الحاضرين: “تم حث الحكومة على منح إقامات طويلة للمستثمرين الأجانب لكونها ستعزز نسبة الأمان لديهم، وأيضاً تخفيض تكاليف الرسوم المدرسية والخدمات الحكومية”.
وتعد الإمارة حالياً قانوناً يسمح بتملك الأجانب بنسبة 100% للشركات، وعدم الحاجة للشريك المحلي، وذلك بهدف تحسين واقع الاستثمار والمناخ التجاري، لكن مثل هذه الإجراءات قد تأخذ وقتاً طويلاً.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الصحيفة البريطانية إلى أن تلك الإجراءات تشعر المجتمع المحلي الإماراتي في دبي بالخوف من فقدانه السيطرة على قطاع الاستثمار لمصلحة الأجانب، فضلاً عن المخاوف الأمنية التي قد يتسبب بها قرار من هذا النوع.
يقول أحد المصرفيين المقيمين في دبي: “إن مثل هذه الإجراءات غير كافية، نحن بحاجة إلى شيء آخر”.
وليست هذه المرة الأولى التي تضرب أزمة اقتصادية دبي، فلقد سبق أن مرت بظرف مشابه في العامين 2008-2009 قبل أن تهب جارتها الكبرى والأغنى أبوظبي لنجدتها من خلال قرض بقيمة 20 مليار دولار.
واضطرت بعض الشركات التابعة للدولة في دبي إلى إعادة الهيكلة، بعد أن دفعت الأزمة إلى إجراء مراجعة شاملة حول جدوى بقاء اعتماد دبي على العقارات كقطاع أساس للدخل، كما تقول الصحيفة.
وبعد الاضطرابات التي نشأت بفعل الربيع العربي 2011، سعت دبي للاستفادة من تلك الفرصة من خلال تقديم نفسها على أنها المكان الأفضل للأموال الهاربة من بلدان الربيع العربي، كما أنها رغم قلة إنتاجها النفطي، فإنها كانت دائماً محطة لإعادة تدوير النفط وبيعه من خلال موانئها، ما جعلها تستفيد من ارتفاع أسعار النفط الذي أعقب ثورات الربيع العربي.
وساهم فوز دبي بتنظيم إكسبو 2020 عام 2013 في إنعاش الاقتصاد وتحديداً قطاع الإعمار والبناء، حيث قال المنظمون إنهم يسعون لجذب نحو 25 مليون زائر.
لكن في غضون 12 شهراً وبفعل انهيار أسعار النفط، حدث ركود مدمر في الخليج، وعمدت الحكومات بما فيها الإماراتية، لتخفيض الإنفاق وفرضت الضرائب، ما عرض القطاع الخاص الذي كان يعاني أصلاً، لضربة موجعة.
وتقول الصحيفة البريطانية، إن سياسات أبو ظبي أجبرت دبي، لأول مرة دبي، على اختيار السياسة على الاقتصاد، فلقد اضطرت دبي إلى الانضمام للحصار الذي فرضته السعودية وأبو ظبي على قطر الغنية بالغاز، ما أضطر القطريين إلى تصفية الأصول المالية لهم في الإمارات.
كما أثرت العقوبات الأمريكية على إيران على تجارة الشحن البحري في ميناء جبل علي بدبي، في حين كان دخول الإمارات الحرب في اليمن ومليارات الدولارات التي تصرفها هناك، مساهماً في تشويه صورة البلاد، كما تقول الفايننشال تايمز.
ويخشى رجال الأعمال أن تؤدي هذه الأعمال إلى تسميم أجواء الاستثمار، فهي يمكن أن تشكل خطراً أكبر من خطر الانهيار المالي لعام 2008، فمن تجار ملابس التجزئة إلى وكلاء السيارات، الجميع في دبي يعاني، حيث انخفضت نسبة المبيعات إلى نحو 50% منذ أن بدأ التباطؤ.
وتتوقع دانا ساليك، الباحثة في شركة استشارية، أن تواصل أسعار العقارات انخفاضها هذا العام، وإن كان بمعدل أبطأ، حيث تشير التقديرات إلى أنه سيتم تسليم نصف الوحدات السكنية قيد الإنشاء والتي يبلغ عددها نحو 60 ألف وحدة سكنية بسبب التأخير.