ينتهج النظام الحاكم في دولة الإمارات سياسة الترويج الإعلامي وبيع الأوهام للتغطية على تخبطه الداخلي وفشله وانتهاكاته لحقوق الإنسان داخليا وخارجيا.
وللنظام الإماراتي قائمة طويلة من شعارات الترويج الإعلامي مثل استحداث وزارات السعادة واللا مستحيل وتبني عام التسامح في دولة وكلها قضايا تتعلق بالدعاية فقط دون وجود فعلي لها على الأرض.
أخر حلقات بيع الوهم من النظام الإماراتي إطلاقه رؤيا “الخمسين سنة القادمة” التي يراد أن يتم الاحتفاء بها العام المقبل في الذكرى الخمسين لتأسيس الدولة.
غير أن هذه الرؤيا لا تشمل خططاً مفصلة أو ميزانيات معينة، وتكتفي بتفصيل أهداف من المأمول أن تحسن نوعية الخدمات الصحة والتعليم، وبالأساس تنويع مصادر الدخل للدولة.
ويظهر أن إعلان النوايا هذا استهدف الحفاظ على الشعور بالأمن لدى المواطنين والوافدين إلى الإمارات، بقدرة العائلات الحاكمة على ضمان الأرباح الاقتصادية خلال السنين، وكأن المستقبل مرتبط فقط بقدرة الزعماء وإخلاص المواطنين لديهم.
إن إطلاق الرؤيا المستقبلية أمر ذو أولوية ملحة في الدول المتقدمة غير أنها يفترض أن تترافق مع برامج تفصيلية وأولويات حكومية وقبل ذلك تنفيذ فعلي لسياسات تحترم كافة حقوق المواطن وهو ما تفتقده الإمارات على أرض الواقع.
وما يؤكد أن رؤية الخمسين سنة القادمة للنظام الإماراتي مجرد ترويج للوهم الاطلاع على الخطوط العريضة والأهداف الرئيسية التي تقتصر على الاحتفاء بمرور خمسين عام على تأسيس الدولة والتخطيط ل”القفزات الكبيرة لمستقبل الإمارات”.
وتدعى الخطة السعي إلى “وضع استراتيجية طويلة الأمد تنقل الإمارات إلى مرحلة ما بعد النقط، من خلال التجهيز لبناء اقتصاد معرفي يقوم على الابتكار” وهو وهم أخر يستهدف في الأساس التغطية على أزمة اقتصاد الإمارات حاليا.
إذ رغم الفرص الكثيرة التي تقترحها دولة اتحاد الإمارات أمام المستثمرين من الداخل والخارج، يبدو أن منحى الاستثمار يزداد لرجال أعمال محليين من خارج الدولة. أحد الشواهد على ذلك هو العدد الكبير لطالبي جواز سفر آخر بواسطة الاستثمارات.
من المعطيات التي نشرت في وسائل الإعلام في دبي يتبين أن عدد الطلبات التي قدمها سكان دول الخليج من أجل الحصول على تأشيرة مواطنة أجنبية مقابل الاستثمار ارتفع ستة أضعاف بين الأعوام 2010 – 2018، من 1369 طلباً وصل العدد إلى 9602 إلى الولايات المتحدة وحدها والتي تشترط استثمار 900 ألف دولار.
وكذلك إلى دول أخرى تشكل مصدر جذب مثل جزر الكاريبي، التي هي جزء من الدول التي يطلب فيها استثمار حوالي 100 ألف دولار فقط. وتركيا التي تمنح الجنسية مقابل شراء عقارات بمبلغ 250 ألف دولار.
تفسير الزيادة في عدد طالبي جوازات السفر الأجانب يكمن كما يبدو في الشعور بعدم الأمان السائد في السنوات الأخيرة في الإمارات والخوف من عدم استقرار اقتصادي ينبع من الاعتماد المطلق على النفط.
والشهر الماضي سجل معدل تضخم اقتصاد الدول في السالب للشهر التاسع بواقع 108.53 نقاط مقارنة بـ110.93 العام الماضي، مع تراجع معدل نمو اقتصاد الإمارات ليهبط إلى 0.8% بفعل الركود.
كما يتم رصد تباطؤ عقاري وانحدار سياحي كبير بالتزامن مع انخفاض سعر النفط، فيما إمارة أبوظبي أجُبرت مؤخرا على العودة للاقتراض من السوق الدولية بسندات مقومة بالدولار.
وتظهر إحصائيات رسمية أن 8% فقط من عائلات الإمارات قادرة على ادخار المال وتراجع نصيب المواطن من الناتج المحلي بنسبة 3.5% بسبب ارتفاع الضرائب الحكومية التي تم بدء فرضها منذ مطلع العام الماضي.
وتقدر معدلات البطالة في الإمارات لفئة الشباب بأكثر من 24% في ظل إقرار رسمي بفشل التوطين ووعود متكررة للحل.
وتطال الأزمة الاقتصادية البنوك العاملة في الإمارات في ظل ارتفاع نسبة القروض المعدومة لأعلى مستوى في 5 أعوام ما دفع البنك المركزي الإماراتي لاقتراح وضع سقف ائتماني يحدد حجم القروض لمواجهة حالة العزوف الحاد عن العقارات وتعثر قطاع الاستثمار.
ويحدث هذا الركود والتراجع لاقتصاد الإمارات على أكثر من صعيد وخاصة في مجال العقارات التي تشكل إلى جانب النفط والتجارة والسياحة أهم أعمدة الاقتصاد الإماراتي.
على سبيل المثال تراجعت أسعار المنازل في عاصمة الإمارات والشرق الأوسط العقارية دبي بنسب تراوحت بين 20 إلى 30 بالمئة منذ عام 2014 حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية/ GTAI.
ومع التوقعات باستمرار التراجع خلال العام الجاري 2019 بنسبة حوالي 10 بالمائة يقترب مستوى التدهور إلى مثيله في عام 2010، عندما ضربت الأزمة المالية العالمية الإمارة التي تعد ثاني أهم الإمارات بعد أبو ظبي كونها عاصمة الأعمال والخدمات على مستوى الإمارات والخليج.
وإذا كان الوضع المالي أفضل في إمارة أبو ظبي بفضل صادراتها النفطية على غير الإمارات الأخرى التي ليس لدى غالبيتها نفط، فإن الوضع الاقتصادي ليس ورديا هناك بسبب استمرار انخفاض أسعار الذهب الأسود، التي تعتمد عليه هذه الإمارة الغنية.
أما الإمارات الأخرى التي تعد فقيرة مقارنة مع أبو ظبي ودبي فتعاني بدورها من الركود بسبب اعتمادها على دعم الإمارتين الغنيتين.
ويزيد الطين بلة الثمن الباهظ لتكاليف تورط الإمارات في حروب ونزاعات الشرق الأوسط وفي مقدمتها حروب وأزمات اليمن وليبيا والسودان.
وهذا الأمر الذي يجد انعكاسه في معدلات النمو التي بلغت أقل من 2 بالمائة خلال العام الماضي وأقل من 1 بالمائة خلال العام الذي سبقه بعدما كانت معدلات النمو في الإمارات مثالا يحتذى وتتراوح بين 3 و5 بالمائة سنويا حتى عام 2016.
ومما يعنيه ذلك أن معدلات النمو خلال العامين الماضيين كانت أقل من معدلات التضخم التي زادت على 2 بالمائة سنويا.
وفي محاولة منها لمواجهة منحة الركود والتدهور من خلال جذب مزيد من الاستثمارات والأعمال تطلق حكومة الإمارات من فترة لأخرى مشاريع تشييد كبيرة في إطار “رؤية الإمارات 2021” ومعرض “إكسبو 2020”.
وتقدر قيمة هذه المشاريع خلال العامين الماضيين بنحو 2.5 مليار دولار من بينها توسيع مترو دبي ومطارها وبناء محطة للطاقة الشمسية.
ومؤخرا ألغت وزارة الاقتصاد الإماراتية الرسوم التي كانت تفرضها على 115 خدمة حكومية رسمية من بينها الرسوم على التراخيص الصناعية والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والسجلات العقارية.
قبل ذلك أطلقت الإمارات نظاما يقضي بمنح الإقامة الدائمة للمستثمرين والكفاءات الأجنبية بمختلف المجالات. وقد ترك قسم من هذه الكفاءات إمارة دبي بعيد الضربة التي تلقتها بسبب الأزمة المالية العالمية.
ويتردد الكثير من القسم المتبقي بالبقاء بسبب تراجع وتيرة أعمالهم ودخولهم هناك بسبب الركود وارتفاع الأسعار وفرض ضرائب مثل ضريبة القيمة المضافة.
وتقف الإمارات أمام تحديات كبيرة وخطيرة لن يستطيع تجاوزها على ضوء المعطيات الحالية خاصة مع استمرار تدهور سمعتها خارجيا وتنامي حملات المقاطعة الشعبية لمنتجاتها.
الجدير ذكره أن مداخيل الدولة من النفط تقلصت بين عامي 2014 و2018. ومن التحديات الأخرى تغطية تكاليف التسلح والتدخل في حروب وأزمات منطقة الشرق الأوسط والتي تستنزف أموالا ضخمة لا بد من تغطيتها من احتياطات البلاد من العملات الصعبة أو عن طريق الاقتراض.
ووصلت قيمة الدين العام في عام 2018 إلى أكثر من 246 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 58 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 425 مليار دولار في نفس السنة حسب مؤسسة التجارة والاستثمار الألمانية.
ومن المرجح استمرار المنحى الصاعد لهذا الدين على وقع بقاء أسعار النفط على مستواها الحالي. ومن المعروف أن عائدات النفط هي المحرك الأساسي لمشاريع الدولة في كل دول الخليج. كما أنها محرك رئيسي لعقود وأعمال القطاع الخاص يتعلق القسم الأكبر منها بمشاريع الدولة.