موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: خفايا تجنيد الإمارات شبكات في واشنطن لحشد الدعم لمؤامراتها

164

أعادت وثيقة مسربة نشرت قبل يومين فضحت مؤامرات سفير دولة الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة ضد ليبيا عبر التحريض على تركيا وتوفير مظلة لتدخل عسكري مصري كما ترغب أبوظبي في ذلك الضوء على خفايا تجنيد الإمارات شبكات في واشنطن لحشد الدعم لمؤامراتها.

وأظهرت سجلات لوزارة العدل الأميركية محاولة السفير الإماراتي في واشنطن تأليب مسؤولين أميركيين على التدخل التركي بليبيا، مشددا على نفاد صبر الجيش المصري من هذا التدخل.

وقامت هاجر العواد -التي أسست شركة لوبي خاصة بها بعد عملها لسنوات مساعدة للعتيبة- بتوزيع رسالة إلكترونية يوم 22 من الشهر الجاري نيابة عن الإمارات وسفيرها، باستخدام شركة اللوبي “أكين غامب”، على ساسة وخبراء وصحفيين أميركيين مهتمين بالشأن الليبي.

وينشط لوبي إماراتي في الولايات المتحدة عبر شبكات تضم عشرات الوسائل الإعلامية ومراكز الأبحاث وشركات الضغط، وتتقاطع مساراتها وتتعاون مع اللوبيَيْن السعودي والإسرائيلي أيضا، وتمتد تدخلاتها للتأثير على السياسة الأميركية تجاه اليمن وماليزيا وتركيا وإيران وقطر، وكل مَن يعارض التوجهات السياسية الإماراتية في الشرق الأوسط تقريبا.

المكان هو فندق روزفلت في مدينة نيويورك الأميركية، والزمان هو الأسبوع الأخير من (سبتمبر/أيلول) 2018، وقائمة الحضور المثيرة للاهتمام ضمّت وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وسفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة، وسفير إسرائيل رون دِرمر، ومساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية سيجال ماندلكر، وسفير البحرين عبد الله بن راشد آل خليفة، والملياردير الأميركي اليميني توماس كابلان، ووزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، ومارك والاس نائب مدير حملة جورج بوش الرئاسية وسفير بلاده الأسبق لدى الأمم المتحدة حتى عام 2009، علاوة على مجموعات من المعارضين الإيرانيين في الخارج أبرزها وأكثرها لفتا للأنظار تنظيم “مجاهدي خلق” الذي عادة ما يبتعد عنه الأميركيون أنفسهم، بالإضافة إلى مجموعات انفصالية إيرانية كردية وبلوشية.

كان والاس هو الأب الروحي لذلك المؤتمر بصفته مديرا تنفيذيا لمنظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI)، كيان تأسس عام 2008 وتحوَّل في السنوات الأخيرة إلى منصة معادية لسياسات إيران وقطر، ومنبر مشترك لليمين الأميركي والجهود الخليجية والإسرائيلية للدفع نحو سياسات أكثر تشددا تجاه طهران، وهي منظمة يديرها “جو ليبرمان” السيناتور الديمقراطي السابق المؤيد لإسرائيل وللحرب على العراق، ويرأسها ديفيد إبسن المعروف بعدائه لإيران، والذي كتب على صفحات الشرق الأوسط اللندنية المموّلة سعوديا في ديسمبر/كانون الأول 2018 مقالا يهاجم فيه الدبلوماسية الأوروبية على استمرارها في رعاية الاتفاق النووي ويروّج لحملة ترامب على طهران المعروفة بـ “أقصى ضغط” (Maximum Pressure) لمواجهة نفوذها الإقليمي بدلا من احتوائه كما حاولت إدارة أوباما، وهي حملة اعتبرها كثيرون بمنزلة حرب اقتصادية شاملة على الشعب الإيراني.

وقف بومبيو متحدثا ذلك المساء أمام الحضور مُعلنا عن مزيد من الضغط على كل مَن يتعامل ماليا مع إيران، قبل أن يأخذ دوره في الحديث صديقه في إدارة ترامب ومحامي الرئيس “رودي جولياني” المعروف بصلاته القديمة مع أعضاء “مجاهدي خلق”، والذين جلب حضورهم على تلك المقربة من مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى انتقادات حادة، ليس فقط من الجانب الإيراني كما هو متوقَّع، بل ومن معارضين إيرانيين وأميركيين كُثُر لطالما اعتبروا التنظيم “متطرفا وإرهابيا” بالنظر لأجندة التنظيم المرتكزة على قلب نظام الحكم الإيراني بالقوة، تماما كما كانت تعتبره الولايات المتحدة رسميا حتى عام 2012.

وفي تصريح لموقع “المونيتور” أشار ناشط إيراني أميركي إلى نصائح عدة وُجِّهَت لمنظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI) بعدم المشاركة في مؤتمر واحد جنبا إلى جنب مع “مجاهدي خلق” أو أية حركات انفصالية، نصائح لم تجد آذانا مصغية على ما يبدو.

لم تكن تلك أول سابقة لمؤتمر من هذا النوع، بل كانت السنة الثالثة على التوالي التي تتقاطع فيها خطوط المتشددين ضد إيران في أميركا مع مسؤولين خليجيين وإسرائيليين، وقد بدأت مؤتمرات منظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI) السنوية في الانعقاد من جانب المنظمة عام 2017، حين اجتمع لفيف من الساسة والمسؤولين في سبتمبر/أيلول من ذلك العام للتحذير من مغبة السماح لإيران بحيازة سلاح نووي.

وقد حضر ذلك المؤتمر الأول الجنرال “ديفيد بتريوس” مدير المخابرات المركزية الأميركية السابق، والأمير “تركي الفيصل” مدير المخابرات العامة السعودية الأسبق وسفيرها التاريخي قديما لدى واشنطن.

وفي العام التالي اتسعت قائمة الحضور وظهرت فيها وجوه إسرائيلية بوضوح، فقد حضر “عادل الجبير” وزير الخارجية السعودي آنذاك جنبا إلى جنب مع مدير الموساد الإسرائيلي “يوسّي كوهين” وسفيرَيْ البحرين والإمارات، والمفكر الفرنسي “برنارد ليفي” المعروف بانتقاداته للثقافة الإسلامية المعاصرة ودعمه لإسرائيل.

كانت السابقة الوحيدة هذا العام إذن هي حضور وجوه انفصالية وراديكالية من المعارضة الإيرانية، ومن ثمّ قيام إيران بعد أيام من المؤتمر بتصنيف منظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI) كـ “منظمة إرهابية”، تصعيد لا يحمل الكثير من التبعات بالطبع، لكن التصعيد المستمر من جانب منظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI) والجهود التي تبنّتها على مدار سنوات بنجاح لضرب الاتفاق النووي جعلها مع الوقت نقطة ارتكاز مهمة للوبي الإماراتي بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، وهي منظمة يفتح لنا تقصّي شبكاتها وتمويلها بابا يقودنا إلى دهاليز اللوبي الإماراتي في واشنطن.

تأسست منظمة “متحدون ضد إيران النووية” عام 2008، باعتبارها منظمة غير حكومية غير هادفة للربح، بمبادرة من ثلاثة دبلوماسيين أميركيين سابقين بهدف الضغط على النظام الإيراني وتحذير مجتمع الساسة ورجال الأعمال من توسعاته في الشرق الأوسط. وشملت جهود المنظمة على مدار سنواتها الأولى حملات ناجحة لمنع “محمود أحمدي نجاد” رئيس إيران السابق، من الإقامة في فنادق نيويورك أثناء مشاركاته في الجمعيات العامة للأمم المتحدة بتدشين حملات مقاطعة لتلك الفنادق إن لم تستجب لمطلبها.

واتجهت المنظمة أيضا لتأسيس قائمة طويلة بأسماء الشركات التي ترتبط بالسوق الإيراني بشكل مباشر أو غير مباشر، في محاولة لتسليط الضوء عليها والترويج لمقاطعة التعاون معها داخل الاقتصاد الأميركي وخارجه، مما يُفضي في النهاية إلى إذعان تلك الشركات لحملات المنظمة الدعائية وقيامها بالانسحاب من إيران، جهود نجحت بالفعل مع شركات عديدة انسحبت على مدار العقد الماضي من الاستثمار أو المشاركة في منتديات تجارية أوروبية-إيرانية مشتركة، ورُغم ما تدّعيه المنظمة من عدم عرقلة التجارة المرتبطة بمعيشة الإيرانيين، فإن القائمة السوداء على موقعها للشركات الموجودة بالسوق الإيراني تضمّ شركات تبيع احتياجات أساسية كالدواء، ولا تخالف بحال العقوبات المفروضة على إيران، مما دفع بالبعض لانتقاد جهود الضغط تلك باعتبارها غير إنسانية.

تتبع منظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI) لـ “مشروع مواجهة التطرف المتحد” المعروف اختصارا بـ (CEPU)، والذي تحصل عبره على نصيب الأسد من تمويلها، وهي أموال ينفقها الملياردير “توماس كابلان” بشكل رئيس، علاوة على تمويل سخي غير رسمي بدأ في العامين الأخيرين من جانب الإمارات في أعقاب الأزمة مع قطر والتصعيد المستمر ضد طهران منذ دخول ترامب للبيت الأبيض، سخاء ورد في إحدى رسائل بريد “يوسف العتيبة” المُخترق حين راسلته مستشارة وزارة الداخلية الأميركية سابقا “فرانس تاونزِند”، والموجودة حاليا كعضو في هيئة مستشاري منظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI)، مشيرة إلى تواصله مع مارك والاس بخصوص دعم الإمارات للمنظمة، واقترحت تنظيم مؤتمر لها في أبو ظبي، وأنهت رسالتها بالشكر الجزيل على دعمه لجهود مشروع “مكافحة التطرف”.

ولم تكن تلك الرسالة الوحيدة، حيث نشر موقع “لوبلوج” أيضا رسالة من والاس للعتيبة يطلب فيها تغطية نفقات أحد المنتديات المُزمع عقدها.

لم يكن الإماراتيون وحدهم في الاهتمام بـ “مشروع مواجهة التطرف المتحد” (CEPU) ومشروعَيْها “CEP” و”UANI”، إذ تظهر السعودية هي الأخرى في رسائل العتيبة برسالة من نورم كولمان، أحد مموّلي الحزب الجمهوري ورئيس الائتلاف الجمهوري اليهودي، يُفصِّل فيها الوضع الضريبي لمشروع مواجهة التطرف بناء على أوامر أتته من وزير الخارجية السعودي وقتها عادل الجبير، ويُعَدُّ كولمان، الذي يعمل لصالح السعودية حاليا بعقد رسمي يبلغ 125 ألف دولار شهريا بصفته مستشارا بشركة هوجان لوفِلز، أحد أبرز الوجوه المؤيدة للسياسة السعودية في أروقة السياسة الأميركية، فقد ظهر مدافعا عن الرياض في ملفات عديدة مثل حرب اليمن ومقتل خاشقجي، وقد شغل “جون بولتون”، مستشار ترامب المُقال مؤخرا والمسؤول المعروف بدقّه طبول الحرب الشاملة ضد إيران، منصب عضو بهيئة مستشاري منظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI) ليحصل على 240 ألف دولار بين عامي 2016 و2017.

في المُجمَل، تدفّق مبلغ 35 مليون دولار غير معروف المصدر خلال العامين الماضيين لصالح مشروع مواجهة التطرف ومنظمة “متحدون ضد إيران نووية”، ورُغم أن القانون الأميركي يحتّم على أي جهة أجنبية تقوم بضح الأموال لأي منظمة أو منبر إعلامي أو مركز بحثي الإعلان عن صلتها تلك وتفاصيل ذلك الضخ المالي وفق قانون “فارا” المعروف، فإن الإماراتيين يُفضِّلون في حالة منظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI) أن يظلّوا خلف الستار، لا سيما مع صلات المنظمة العميقة بالدبلوماسية الأميركية، والتي دفعت البعض لانتقاد تصنيفها القانوني الحالي كمنظمة غير حكومية وإعفائها من الضرائب بناء على ذلك. بيد أن الوقوف خلف الستار ليس في الحقيقة من عادة الإماراتيين كما تشي عقودهم السخية مع شركات ومراكز أبحاث عديدة على مدار عقد ونصف تحوّلت فيه الإمارات إلى واحدة من أكبر الدول المُمارسة للضغط داخل واشنطن.

لا يبدو “توماس كابلان” شخصا مثيرا للانتباه لأول وهلة، فالملياردير الذي صنع ثروته من عالم المعادن معروف بشغفه بلوحات الرسام الهولندي “رامبرانت” وكذلك بالقطط وسلالاتها المختلفة، وقد كرّس جزءا ليس بهيّن من ثروته يُقدَّر بملايين الدولارات من أجل جمع لوحات الرسام الشهير، ومن أجل حماية القطط حول العالم عبر مؤسسة “بانثيرا” ذائعة الصيت في الأوساط المهمومة بحماية الحياة البرية والتنوّع الطبيعي والحيوانات المعرّضة لخطر الانقراض. كان ذلك أيضا هو كل ما عرفه عن “كابلان” أعضاء “مؤسسة تراث الحياة البرية الفارسية” الذين دشّنوا شراكة مع “بانثيرا” لتوسيع أنشطتهم داخل إيران، لكن الصدمة أتتهم في سبتمبر/أيلول 2017، لقد ظهر الملياردير بصورة مفاجئة في مؤتمر منظمة “متحدون ضد إيران النووية” (UANI) بنيويورك ووسط حشد هو الأكثر معاداة لإيران في الولايات المتحدة، إن لم يكن في العالم كله.

فجأة، بات هؤلاء الإيرانيون المسالمون في مهب الريح، فصِلتهم بذلك الرجل الآن تعني أنهم في نظر النظام الإيراني “عُملاء” لأعداء “الجمهورية الإسلامية”، وقد اعتُقل بالفعل خلال أشهر قليلة من ذلك عدد من أعضاء المؤسسة على خلفية اتهامات متوقعة بالعمالة والتجسس، ليحصل ستة منهم على أحكام بالسجن تتراوح بين ست وعشر سنوات، في حين حل الصمت المُطبق على “بانثيرا” التي لم تعنِ لها حيوات الإيرانيين المسجونين بسبب مالكها الكثير. وفي الحقيقة كان موقفا عصيبا لأعضاء المؤسسة الفارسية الذين جهلوا لسوء حظهم ليس مُعاداة “كابلان” لإيران فقط، بل وأعضاء مجلس حماية الحياة البرية لمؤسسة “بانثيرا” نفسها.

وقد كانت “بانثيرا”، المتفانية في حماية القطط، وثيقة الصلة بأشخاص وجهات تمويل لا تحمل التفاني نفسه تجاه حياة الإيرانيين أو الاستقرار في الشرق الأوسط بوجه عام. وتقودنا مطالعة بسيطة للموقع الرسمي لـ “بانثيرا” لأعضاء مجلسها لحماية الحياة البرية والذي يضُمّ الجنرال باتريوس نفسه، والسفير الإماراتي العتيبة وزوجته، وإسحاق دَر عضو سابق بجهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلي “الشاباك”.

صار “كابلان” بالفعل واحدا من نجوم الدائرة الصغيرة من المستثمرين المهمين حول محمد بن سلمان منذ عامين تقريبا كما يُشير موقع “إنترسبت”، حيث شوهد الرجل بعد أشهر قليلة على جريمة مقتل خاشقجي وهو في ضيافة “ابن سلمان” في الرياض يشاهد معه سباقا للسيارات، وتلا ذلك توقيع “بانثيرا” عقد شراكة مع مبادرة عربية لحماية الفهود أسّسها أيضا “ابن سلمان”.

وفي فبراير/شباط للعام 2019، خصّص موقع “ناشونال” الإماراتي الناطق بالإنجليزية تقريرا مطوّلا لتغطية زيارة الرجل للإمارات يسرد علاقته الوطيدة بولي العهد “محمد بن زايد”، أحد كبار المتبرعين الآن لـ “بانثيرا”، ويسرد كذلك لقُرّاء الموقع علاقته بإسرائيل دون مواربة، فهو متزوج من ابنة مستثمر إسرائيلي، وشريك سابق لمستثمر إسرائيلي آخر هو أفي تيومكين، أحد ممولي معهد “هرزليا” للدراسات المعروف في تل أبيب، والذي يُنظِّم مؤتمر “هرزليا” السنوي والمحوري في تشكيل السياسة الإسرائيلية بحضور كبار المسؤولين والعسكريين في إسرائيل.

هي ليست السابقة الأولى في تطويع الأجندات الخيرية داخل وخارج الولايات المتحدة لتعزيز صورتها وتمرير أجندتها الخاصة، فقد تمرّست الإمارات دور الراعي والداعم والممول لمبادرات إغاثية وبيئية عديدة، خاصة على الأراضي الأميركية لتعزيز دورها هناك، مثل تبرعاتها لمدارس ومستشفيات أميركية تضررت من الأعاصير في السنوات الماضية، لا سيّما منذ العام 2006 حين فشلت مساعيها للاستحواذ على إدارة ستة موانئ أميركية لصالح شركة “موانئ دبي”، الصفقة الشهيرة التي يصفها سفيرها “العتيبة” بأنها كانت جرسا أيقظ الإمارات، ليبدأ من بعدها الاهتمام الإماراتي الكبير بعالم اللوبيات في واشنطن، وتتدفّق الأموال الإماراتية على شركات الضغط والمحاماة والعلاقات العامة ومراكز الأبحاث من جانب أبو ظبي.

“إن الضغوط على الفلسفة (التي تُمثِّلها الإمارات) من راديكالية إيران والإخوان المسلمين هائلة، ورُغم سهولة الانصياع لها، نجد الإمارات عوضا عن ذلك تقف بوجهها”. هكذا يُشير كابلان في تصريحاته المقتبسة بتقرير “ناشونال”، مُعرِبا عن إعجابه بما يُمثِّله النموذج الإماراتي ومحمد بن زايد، صديقه العزيز الآن، والذي منحه نصيبا من مجموعته الفنية الهولندية لوقت قصير لعرضها في متحف لوفر أبو ظبي العام الماضي بعد أن جابت كبرى متاحف العالم. “الجَمَال سيُنقذ العالم”، هكذا يختم “كابلان” حواره دون مزيد بيان، لكن الصورة الأوسع ليست جميلة على الإطلاق كما تبدو.

تُعَدُّ شركة “إكين جامب” الشهيرة الوكيل الأهم للإمارات خلال الأعوام العشرة الماضية، وهي شركة قانونية أميركية وأكبر شركة ضغط في الولايات المتحدة وفق عائدها السنوي الذي يفوق المليار دولار، ولها فرعان في أبو ظبي ودبي. وخلال عام 2018 حصلت الشركة على نحو 3.6 مليون دولار من أصل 18.2 مليون دولار أنفقتهم أبو ظبي على الضغط في واشنطن، أي نحو خُمس الميزانية الإماراتية المخصصة لذلك الغرض.

ولفتت الشركة الأنظار مؤخرا على أصعدة مختلفة، أهمها انضمام المستشارة السابقة للحكومة الإماراتية داخل أميركا “هاجِر العوض” للعاملين فيها، و”هاجِر” اسم بارز للوبي الإماراتي إلى جانب العتيبة، ولعبت دورا مهما في ملفات عدة، ويُعَدُّ انضمامها للشركة إشارة إلى التداخل العميق بين الإمارات ووكيلها القديم والبارز في واشنطن.

أسّست هاجر العوض إدارة شؤون الكونغرس بالسفارة الإماراتية في واشنطن، وعملت فيه مديرة لقسم الشؤون التشريعية، وساهمت بجهودها مع الجهات الأميركية المعنية في تعزيز العلاقات الأميركية الإماراتية وتحقيق أهداف أبو ظبي داخل أروقة السياسة الأميركية.

فعلى سبيل المثال، نجحت هاجر في الحصول على موافقة الكونغرس على قيام مشروع نووي سلمي في الإمارات، وهو ما أتاح لها الحصول على مواد ومُعِدّات من الأميركيين مقابل تنازل أبو ظبي عن الحق في تخصيب اليورانيوم.

ونجحت هاجر أيضا في ضمان موافقة الكونغرس على أول عملية بيع لنظام الدفاع الجوي الأميركي المتطور “ثاد” (THAAD)، وسُجِّلت أيضا شركة خاصة باسم “هاجر وشركائها” (Hagir & Associates) وكانت هي الشركة الأكثر نشاطا في الضغط لصالح السياسات الإماراتية خلال 2018، حيث تواصلت الشركة وفقا لتقرير عن النفوذ الإماراتي مع ما قارب ألفَيْ طرف سياسي وحكومي وإعلامي أميركي للترويج لوجهة النظر الإماراتية خصوصا فيما يتعلّق بحرب اليمن.

مؤخرا، ومنذ شهرين، برزت شركة “إكين جامب” في خضم جهود إقرار عقوبات على تركيا، حيث أشار موقع “المونيتور” إلى رسالة إلكترونية أرسلها تشارلز جونسون، محامٍ لدى “إكين جامب”، إلى عضوين بالكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم لمعاقبة أنقرة على توغُّلها داخل الأراضي السورية، ومنها: “إنني أتواصل معكم بالنيابة عن وكيلي، السفارة الإماراتية، لتأكيد إدانة الإمارات للعدوان التركي داخل سوريا ودعم العقوبات كإجراء ضد تركيا”.

ولم يكتفِ جونسون بذلك، بل أراد ضرب عصفورين بحجر مُستغِلا غضب أعضاء كثيرين بالكونغرس من السياسات التركية مؤخرا، فأشار في رسالته إلى دور قطر في الدعم الضمني لعدوان تركيا، والاستثمارات السخية التي تضخّها في الاقتصاد التركي، معتبرا إياها عائقا أمام كفاءة العقوبات الأميركية الجديدة.

ما إن خرجت الأخبار إلى النور وأثارت الجدل حتى أخذ الإماراتيون خطوة للوراء، مؤكِّدين أن ما تم تداوله في أروقة واشنطن أُسيء فهمه، وأن أبو ظبي لا تتبنّى موقفا داعما للعقوبات على تركيا، وأن الرسائل التي أرسلها محامو “أكين جامب” لم تُعبِّر بشكل دقيق عن السياسة الإماراتية. “لم تكن رسالتنا الإلكترونية صحيحة.. ولم تتبنَّ الإمارات موقفا محددا حيال ما يجب على الولايات المتحدة فعله بخصوص العقوبات”، هكذا أشار أحد المحامين بالشركة لاحقا.

تنشط “إكين جامب” أيضا فيما يخص ملف قناة الجزيرة داخل الولايات المتحدة، فهي تُمارس الضغط منذ 2018 لكي تقوم السلطات الأميركية بإجبار الجزيرة على أن تُسجِّل نفسها كوكيل أجنبي لا كمؤسسة إعلامية عادية بالنظر لعلاقتها الوطيدة بالدولة القطرية المالك الوحيد لها. وتُشير الرسائل المتبادلة بين “أكين جامب” وهيئة الاتصالات الفيدرالية الأميركية إلى أن الشركة قامت بتقديم عرض كامل عن الجزيرة أمام اجتماع للهيئة في سبتمبر/أيلول الماضي بصُحبة هاجر العوض.

وفي سياق تلك الحملة، كتب عضو الكونغرس الجمهوري جاك برجمان مقالا في صحيفة “واشنطن إكزامنر” في الرابع من يونيو/حزيران الفائت مطالبا باعتبار الجزيرة وكيلا أجنبيا، ولم يكن المقال عشوائيا بطبيعة الحال، فقد التقى الرجل مع العتيبة ثلاث مرات كما تشي الوثائق الرسمية المسجلة بموجب “قانون تسجيل الوكلاء الأجانب” المعروف اختصارا بـ “فارا” (FARA) والمتاحة للعامة وفق القانون الأميركي في أبريل/نيسان ومايو/أيار وأخيرا في الثالث من يونيو/حزيران كما ذكرنا، أي قبل نشر مقاله بيوم واحد.

في أكتوبر/تشرين الأول 2018، نشرت مبادرة شفافية النفوذ الأجنبي التابعة لمركز السياسات الدولية تقريرا عن النفوذ الإماراتي في واشنطن بشكل خاص، وحصرت العقود المبرومة كافة بموجب قانون “فارا”، ووجدت عشرين شركة مسجلة بوكيل أجنبي للإمارات في واشنطن وبنفقات تتجاوز عشرين مليون دولار، وهي جهود تواصلت فيها الإمارات مع أكثر من مئتي عضو بالكونغرس ونظَّمت اجتماعات مع 18 مركز أبحاث ودراسات بتمويل منها، علاوة على العشرات من وسائل الإعلام الأميركية.

لكن ما يلفت النظر بالأخص في تقرير مبادرة الشفافية هو وجود خمسة مراكز بحثية رئيسة تم الاتصال بها عبر وكلاء الإمارات مرات عديدة، أهمها وأكثرها تواصلا معهم معهد سياسات الشرق الأدنى الأقرب للوبي الإسرائيلي وللجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية “أيباك”، واستدلت هاجِر العوض بأحد مقالات المعهد الداعمة لحرب اليمن في إحدى مراسلاتها مع أعضاء الكونغرس، وكان المقال لمايكل نايتس صاحب العلاقة الوطيدة مع ريتشارد مينتز، مدير إدارة مجموعة هاربُر، أحد أهم وكلاء الإمارات في واشنطن.

كان نايتس، الداعم للسياسات الأميركية في العراق والضرب بيد من حديد فيما يتعلق بإيران وميليشياتها هناك، قد قام بزيارات عدة لليمن كمراسل مرتبط رسميا بالقوات الإماراتية، وقد كتب منذ 2017 حول رحلاته تلك مدافعا عن السياسات الإماراتية، وفي الحقيقة أحيانا ما تشي توقيتات مقالات نايتس عن العلاقة الوطيدة التي تجمعه باللوبي الإماراتي، والتي ربما لا يبذل جهدا كبيرا لإخفائها بشكل أفضل، ففي اليوم نفسه الذي تم فيه توزيع ورقة تحوي موقف وزارة الخارجية الإماراتية فيما يخص تحرير الإمارات لميناء الحديدة اليمني عبر وكلائها في واشنطن، نشر نايتس مقالا يحتوي على النقاط المذكورة نفسها.

في هذا الصدد تبرز مجموعة “جلوفر بارك” وثيقة الصلة بالسفارة الإماراتية كطرف مهم في ملف اليمن، فقد وقّعت الشركة عقدا مع شركة العلاقات العامة التابعة لهاجر الشمالي، مساعد سابق للسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سابقا سامنثا باور، من أجل دعم جهود الإمارات فيما يخص حرب اليمن داخل أروقة الأمم المتحدة، ومقاومة الادّعاءات بأن أبو ظبي انتهكت حقوق الإنسان هناك، وطبقا لموقع “إنترسبت” الذي حصل على رسائل إلكترونية مسرّبة بين هاجر الشمالي ويوسف العتيبة، عملت الأخيرة على تقويض دعاوى “منظمة حقوق الإنسان العربية” التي سلّطت الضوء على انتهاكات القوات الإماراتية باعتبارها واجهة ليس إلا للحوثيين، حُجّة سرعان ما ردّدها أصدقاء الإمارات في المراكز البحثية الأميركية، وأبرزهم مايكل روبن من مركز “أميركان إنتربرايز” اليميني، والذي سارعت هاجر الشمالي إلى إرساله إلى العتيبة ليبدأ العمل على إعادة نشره في صحف أوسع انتشارا. هذا وتضمّ شركة “جلوفر بارك” في صفوفها مساعدا سابقا لسامنثا باور أيضا هو ماكس جلايشمان، والذي عمل في الماضي في الشركة نفسها لصالح السعودية وشركة استشارات كائنة بدبي، قبل أن يصبح نائبا لرئيس شركة “بريك ووتر” التابعة للضابط الإسرائيلي السابق أريك بن زفي.

يبرز “أريك بن زفي” كاسم مألوف لمتابعي عالم اللوبيات في واشنطن، وبالأخص فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فقد ظهر اسم الرجل بُعيد الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 حين قامت شركة “جلوفر بارك” بممارسة الضغط آنذاك لصالح النظام المصري ورئيسه الجديد “عبد الفتاح السيسي”، وكان “بن زفي” لا يزال المدير الإداري للشركة قبل أن يؤسس شركته الخاصة، وضمّت الشركة في ذلك الوقت أيضا جاسون بوكست نائب المدير السياسي لدى “أيباك”، ومات ماندل الذي عمل هو أيضا في القسم التشريعي في “أيباك”، وقد تكلّف العقد المصري مع “جلوفر بارك” آنذاك 2.25 مليون دولار علاوة على ما يُقارب نصف مليون دولار أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2014، وهي فاتورة تكفّلت بها الإمارات حين حوّلت إلى القاهرة 2.7 مليون دولار لتدفعها الأخيرة مباشرة لوكلائها، حيث يحظر قانون “فارا” أن تدفع دولة أجنبية الأموال لوكيل دولة أخرى بالنيابة عنها.

في 2018، ظهر اسم “جلوفر بارك” مجددا عبر عضو الكونغرس الديمقراطي جوش جوتايمر، وهو صاحب الصلات الوثيقة باللوبيَيْن السعودي والإسرائيلي على السواء. كان جوتايمر قد تلقّى دعوات عدة لحضور اجتماعات نظّمتها السفارة السعودية في العام نفسه، ومن ثم بدأ دوره في الكونغرس يبتعد عن الأجندة الديمقراطية المعتادة كما يُشير الصحافي ريان جريم، ليصبح واحدا من ديمقراطيين قلائل شاركوا في احتفالية نظّمها معهد “أميركان إنتربرايز” اليميني وحضرها نائب ترامب مايك بنس وزوج ابنة الرئيس جارد كوشنر ووزير الخارجية مايك بومبيو.

ولا يقتصر الأمر على الدعوات، بل يصل إلى تلقّي الأموال أيضا، فقد حصل جوتايمر على مبلغ 13500 دولار من وكلاء السعودية والإمارات، وهو ليس الوحيد بطبيعة الحال، بل شاركه في ذلك ستة نواب ديمقراطيون صوّتوا ضد مشروع قانون ديمقراطي الصيف الماضي يمنع ترامب من شنّ الحرب على إيران دون إذن الكونغرس، ورغم مرور القانون بأغلبية في النهاية، فإنه سلّط الضوء على محاولات اللوبي السعودي والإماراتي للتغلغل في صفوف الديمقراطيين بعد حيازتهم على أغلبية الكونغرس قبل عام ونيف.

خرجت من ماليزيا ملايين من الدولارات ولم تَعُد إلى أصحابها الأصليين، وتتجه أصابع الاتهام الآن من الحكومة الماليزية الحالية تحت قيادة الرئيس مهاتير محمد إلى حكومة الرئيس السابق نجيب رزاق، والذي أسّس صندوق تنمية ماليزيا فقط ليُشاهد تدفق الملايين منه إلى خارج البلاد وبإشراف رجل أعمال مُقرَّب منه. ولا يتهم نظام مهاتير الحالي رزاق فقط، بل ويتهم شركاء له من رجال أعمال ودول كاملة، ويأتي على رأس القائمة كأبرز المُتَّهمين “جهو لو”، رجل الأعمال الماليزي المُقرَّب من رزاق والذي بدأ نجمه في الصعود داخل الاقتصاد الماليزي وخارجه بصفقات مع شركات كبرى حول العالم، منها العبار الإماراتية وشركة بتروكيماويات سعودية، علاوة على صفقات عديدة لحيازة فنادق وشركات إنتاج إعلامي وغيرها داخل الولايات المتحدة، وحياة من البذخ اتضح لاحقا أنها أتت على حساب عشرات الملايين من صندوق التنمية الماليزي.

طبقا لسجلات وزارة العدل الأميركية، كان “توماس كابلان” واحدا من الضالعين في تلك الدائرة، والتي ضمّت مَن سمّته “نيويورك تايمز” شخصية إماراتية مرموقة أصبحت سفير بلادها في واشنطن وذراعا يُمنى لمحمد بن زايد وكان على علاقة وطيدة بـ “جهو لو” منذ عام 2007، علاقات متداخلة بين المال والسلطة هي التي أوصلت “جهو لو” بـ “كابلان” على ما يبدو، و150 مليون دولار تلقّتها مجموعة “إلكتروم” القابضة المملوكة لـ “كابلان” من طرف “جهو لو”، والذي كان هو نفسه عضوا بمجلس إدارة “إلكتروم” قبل أن يصبح على قائمة المطلوبين من الإنتربول منذ عام 2016 ويهرب إلى الصين حيث ظل هناك حتى اللحظة، وفي الوقت نفسه الذي وصلت فيه تلك الملايين كانت شركة “مُبادلة” الإماراتية هي أيضا تضخّ استثمارا في “إلكتروم” مع هيئة الاستثمار الكويتية، ليصبح نصيب الشركات الثلاث منها 20%. وتجدر الإشارة إلى أن مارك والاس رئيس منظمة “متحدون ضد إيران نووية” يعمل هو الآخر مسؤولا تنفيذيا في “إلكتروم”.

جمع عشق الحياة البرية الصديقين “كابلان” و”جهو لو” كما نعرف اليوم، فقد كان “لو” عضوا بهيئة مستشاري مؤسسة “بانثيرا”، وعلى خلفية تسجيل دعائي بموقع شركة “جينويل” المملوكة لـ “جهو لو”، يظهر الرجلان وهما يتصافحان بينما يُشير “كابلان” إلى بحثه الدائم عن شركاء يمتلكون “الحس الاجتماعي والبيئي نفسه الخاص به”، بينما لا يُبالي أيٌّ من هؤلاء على ما يبدو بحياة الإيرانيين اليومية أو ضحايا التدخل السعودي الإماراتي في اليمن أو ملايين الماليزيين الذي سرق الفساد أموالهم، فحسّهم البيئي والاجتماعي للمفارقة لا يشمل أيًّا من هذه القضايا والشعوب، إذ يشغلهم فقط إنقاذ القطط، وحيازة اللوحات الفنية، وذلك لأن الجَمَال كما يؤمن “كابلان” هو ما سيُنقذ العالم، أو بالأحرى سيُسدل ستارا لطيفا من تصميمهم يحاول إخفاء ما يصنعونه بأنفسهم ابتداء.