موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

“إقصاء المقاومة” شرط إماراتي للمساهمة في إعمار غزة

630

تكشف مراسلات صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية عن شرط إماراتي للمساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة يرتكز على “إقصاء المقاومة” الفلسطينية ونزح سلاحها كامل في تناغم كامل مع الموقف الإسرائيلية.

ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية عن موقفٍ خليجيٍ منسّق (الإمارات والسعودية ومعهما البحرين) يُلوِّح بإسقاط الخطة الأمريكية ترامب لغزة إذا لم تُنزَع أسلحة حماس ويُبعَد جناحها الإداري عن إدارة القطاع. الرسالة الفجّة: لا تمويل ولا إعمار طالما بقيت المقاومة طرفًا—ولو مؤقتًا—في ترتيبات ما بعد الحرب.

وقالت الصحيفة إن هذا ليس “تحفظًا فنّيًا” على ترتيبات أمنية انتقالية، بل عقيدة سياسية إماراتية تمتد من اليمن إلى ليبيا وتونس: كل ما يتصل بالإسلام السياسي يُعامل كخطر وجودي يجب اجتثاثه قبل أي شيء آخر ولو أدى ذلك إلى نسف مسار تهدئة وهدنة طال انتظارها.

والنتيجة هنا واضحة: ربط إعمار غزة بشروط تصفوية يستحيل تنفيذها سريعًا، وإلا فالخطة تنهار، والضحايا هم المدنيون.

ما الذي تكشفه التسريبات؟

أولًا، أن الإعمار أداة ابتزاز لا التزامًا أخلاقيًا. مشروعية أي دور عربي في إعادة البناء تُستمد من خدمة المدنيين، لا من استخدامها كرافعة سياسية لإعادة هندسة المشهد الفلسطيني على مقاس أبوظبي والرياض.

ثانيًا، أن “المرونة” التي أبدتها وساطات قطر وتركيا ومصر—قبول ترتيبات مؤقتة لمنع فراغ أمني—تُوصَف خليجيًا بـ”التساهل”. أي أن البديل المفضَّل لدى أبوظبي هو فراغٌ مضاد: إن لم تُقصَ المقاومة فورًا، فلْيُجمَّد كل شيء.

هكذا تُعاد صياغة المعادلة: سلاح المقاومة أولًا… ثم الحديث. لكن منطق “نزع السلاح قبل أي شيء” يتجاهل بديهيات إدارة النزاعات: لا سلطة قادرة على فرض الأمن بلا ترتيبات انتقالية وبيئة اجتماعية متقبِّلة، ولا تنظيم مسلّح يُسلّم مفاتيحه في فراغٍ سياسي وأمني واقتصادي.

العقيدة الإماراتية: معاداة المقاومة

تعامل أبوظبي حركة حماس وباقي فصائل المقاومة بوصفها امتدادًا لـ”الإخوان المسلمين”، ومن هنا تتقدّم أولوية الاجتثاث الأيديولوجي على أي اعتبار آخر.

وقد رأينا الأثر الكارثي لهذا النهج في ملفات عربية متعددة: أمننة المجال السياسي وتسليم دفة القرار للأدوات الخشنة، وتسطيح التعقيدات المحلية باعتبارها “مشكلة تنظيم” لا قضية تحرر واحتلال وحصار.

في غزة، يزداد هذا النهج خطورةً لأنه يستقوي بسياق إبادة وتجريف عمراني: أن تربط إعادة إعمار بيوت الناس وتعافي المستشفيات والمدارس بشرط إقصاء طرفٍ يملك حضورًا اجتماعيا وعسكريًا يثبت نفسه ميدانيًا، فهذا وصفة لتفجير ما بعد الحرب، لا لإغلاقها.

ثلاثة أخطار لصيغة “إعمار مقابل إقصاء”

  1. فراغ أمنيّ مُفخَّخ: إسقاط لاعب مركزي دون بديل محلّي متوافق عليه—ومقبول من الحاضنة الشعبية—يفتح الباب أمام فوضى الجماعات الصغيرة أو شبكات الجريمة أو خلايا ارتزاق تُسوِّق نفسها كـ”حارس مؤقت”.
  2. انفجار اجتماعي: التجارب تقول إن العقاب الجماعي يعيد إنتاج الشرعية لمن يُراد إقصاؤه. حين يُقال للناس: “لا خبز ولا دواء ولا سكن قبل كسر طرفكم الأقوى على الأرض”، سيقرأ الجمهور الرسالة كأنها عقوبة على الصمود.
  3. نزع الوكالة الفلسطينية: تحويل مستقبل غزة إلى صفقة بين عواصم—واشنطن وتل أبيب وأبوظبي والرياض—يُقصي أصحاب المصلحة المحليين: القوى الأهلية، النقابات، الفصائل، والوجهاء. الإعمار بلا وكالة محلية إعادة احتلالٍ بأدوات مادية.

غياب القادة عن شرم الشيخ… لغة جسد سياسية

غياب محمد بن زايد ومحمد بن سلمان عن قمة شرم الشيخ لم يكن “مصادفة بروتوكولية”. إن صحّ التفسير المتداول، فهو ابتزاز علني: لن نمنح مصر وقطر وتركيا غطاءً لصفقة تسمح بحضور مؤقت لحماس.

أبوظبي والرياض أرادتا تكريس حقّ الفيتو الخليجي على هندسة ما بعد الحرب: إمّا صيغة نزع–ثم–إقصاء، وإما تجميد التمويل. ومع هذا، تُقدَّم الإمارات لنفسها بوصفها “شريك الاستقرار”. أي استقرار هذا الذي يبدأ بـتجويف بيت الناس من سقفه السياسي قبل أن تُرمَّم جدرانه؟

ويؤكد مسئولون فلسطينيون على رفض مقايضة الإعمار بالإقصاء باعتبار أن إعادة الإعمار حق للمدنيين لا ورقة تفاوض وينبغي فصل هندسة الخدمات والبنى التحتية عن مسارات الترتيب السياسي والأمني، مع رقابة شفافة وهيئات تنفيذ مستقلة تشارك فيها الأمم المتحدة ومؤسسات فلسطينية مهنية.

ويشدد هؤلاء على أن مقاربة الإمارات (ومَن معها) لإعمار غزة هي سياسة كسرٍ لا بناء: تريد أن تبدأ “السلام” بتصفية طرف، لا بتثبيت حقوق الناس وأمنهم وكرامتهم.

والأَولى بمن يرفع شعار “الاستقرار” أن يضع المدني الفلسطيني في مركز الحساب، لا أن يحوّله رهينة لشروطٍ أيديولوجية وانتقام سياسي. فالإعمار الذي يبدأ بإقصاء المقاومة سينتهي—حيًّا أو ميتًا—بإقصاء غزة نفسها من حقها في الحياة.