موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

خفايا التنسيق الإماراتي الإسرائيلي بشأن “قوائم الإرهاب” الأوروبية

0 106

في إطار ما تصفه مصادر دبلوماسية صفقة الرشاوى الناعمة، تم الكشف عن خفايا التنسيق الإماراتي الإسرائيلي لتصنيف المعارضين ضمن “قوائم الإرهاب” الأوروبية.

وأبرزت المصادر أنه في أواخر يناير 2025، وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت إلى قصر الرئاسة في أبوظبي. لم تكن زيارته علنية ولا مصحوبة بضجة إعلامية، بل كُشف عنها على استحياء، في مشهد يعكس طابعها السري والحساس.

وبينما ظن البعض أنها زيارة يتيمة، تبيّن لاحقًا أن بينيت عاد مجددًا إلى العاصمة الإماراتية، وهذه المرة في لقاء مغلق استمر لثلاث ساعات مع محمد بن زايد، بحضور شخصيات بارزة من فريق طحنون بن زايد، على رأسهم علي راشد النعيمي، أحد مهندسي ما يُعرف بـ”مكافحة الفكر المتطرف” في النسخة الإماراتية المعدّلة.

اللافت أن بينيت لم يعد يشغل أي منصب رسمي في الحكومة الإسرائيلية. فهو لا يحمل صفة دبلوماسية، ولا يُمثل تل أبيب في أي مهمة معلنة.

فما الذي يدفع محمد بن زايد إلى استدعائه على هذا النحو؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات، بالتزامن مع تصعيد واضح في نشاط أبوظبي لتصنيف معارضين عرب ومسلمين في أوروبا على قوائم الإرهاب، بغطاء قانوني وأمني “ناعم”؟

المرحلة الثانية من “هندسة القوائم” الأوروبية

بحسب ما رشح عن اللقاء، فإن الغرض من زيارة بينيت كان ترتيب المرحلة الثانية من عملية خفية لهندسة الرأي العام الأوروبي، وتطبيع القبول السياسي والبيروقراطي داخل الاتحاد الأوروبي بالقوائم الإماراتية التي تُدرج فيها شخصيات معارضة وصحفيين وحقوقيين ضمن “كيانات إرهابية”.

المرحلة الأولى، التي بدأت منذ سنوات عبر “مركز هداية” ومبادرات أبوظبي لما تسميه “مكافحة التطرف”، ركّزت على بناء بنية تحتية مؤسسية في بروكسل، تتخفى وراء شعارات التنوير والتسامح، بينما كانت تُمهد لتجريم الصوت المعارض بحجة مكافحة التطرف.

أما المرحلة الثانية، فتتمثل في ربط هذه البنية بالمصالح الإسرائيلية – تحديدًا من خلال شبكات بينيت القديمة في أوروبا، ومنها طال غان تسفي، المستشار السياسي السابق، وشمرِيت مئير، الخبيرة في العلاقات الإعلامية الأوروبية، وإيال حولاتا، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع دوائر القرار في باريس وبرلين وبروكسل.

الرشاوى الناعمة

ليس سرًا أن أبوظبي باتت تعتمد نموذجًا مركبًا لـ”شراء النفوذ”، يجمع بين الأدوات الناعمة والرعاية الأمنية.

وهنا يبرز دور علي راشد النعيمي، نائب طحنون في هذا الملف، بوصفه مهندس ما يُعرف بـ”الرشاوى اللوجستية”: بطاقات دعوة إلى مؤتمرات دولية، جوائز أكاديمية وتمويل أبحاث غربية في قضايا الإسلام السياسي، زيارات مدفوعة التكاليف إلى الإمارات، وتبرعات للمراكز البحثية التي تصدر لاحقًا توصيات تُستخدم لتبرير إدراج شخصيات على القوائم.

تستهدف هذه الآلية بالأساس شخصيات داخل البرلمان الأوروبي، ومكاتب المفوضية، وبعض مراكز القرار في وزارات الداخلية في دول مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا.

والفكرة الأساسية التي يُراد ترسيخها هي أن الإمارات تخوض معركة “نيابة عن الغرب” ضد الإرهاب، وبالتالي فهي شريك يجب الوثوق به… حتى لو لم تكن ديمقراطية.

لماذا بينيت؟

حضور بينيت هنا ليس تفصيلًا هامشيًا. الرجل، رغم تقاعده الظاهري، يحتفظ بعلاقات قوية داخل اللوبيات اليهودية في أوروبا، ويتمتع بصلات مع مؤسسات أمنية واستخباراتية سبق أن نسّق معها خلال توليه منصبه.

وجوده في هذا التوقيت يهدف إلى تفعيل القنوات الصهيونية داخل أوروبا، وتوفير غطاء شرعي لحملة أبوظبي، عبر تقديمها كحليفة لتل أبيب في “الحرب على الإرهاب”.

بمعنى آخر، محمد بن زايد يُدرك أن وزنه السياسي في أوروبا محدود، وأنه بحاجة إلى شبكة “شهود زور” صهيونية تسانده في تقديم ملفه الأمني أمام الاتحاد الأوروبي.

وهنا تتقاطع مصالحه مع بينيت، الذي يسعى بدوره لإبقاء نفوذه حاضرًا، ولترتيب مستقبل سياسي محتمل عبر بوابة أبوظبي، التي باتت وجهة مفضّلة للزعماء الإسرائيليين الباحثين عن المال والنفوذ بعد خروجهم من السلطة.

تصدير القمع بلغة أوروبية راقية

خطر هذا التحالف يتجاوز مجرد التواطؤ السياسي. ما يجري فعليًا هو تصدير نموذج قمعي مستورد من أجهزة الأمن الإماراتية، وإعادة تسويقه في العواصم الأوروبية، مستخدمًا اللغة الليبرالية ذاتها التي تُفترض أنها تقوم على حرية التعبير وحقوق الإنسان.

فمن خلال مؤسسات مثل “مركز هداية” و”منتدى صير بني ياس”، وعبر تمويل دراسات غربية تُفصّل الإرهاب وفق المعايير الإماراتية، تُجرّم الكلمة، وتُصنّف المعارضة السلمية على أنها خطر أمني. ويتم بذلك تحويل أوروبا إلى امتداد ناعم للرقابة الخليجية، بأدوات قانونية ومنظومات تشريعية محلية، جرى التلاعب بها من الداخل.

من قائمة الإرهاب إلى ساحة القضاء

وقد بدأت بالفعل نتائج هذا التنسيق بالظهور: حالات استدعاء وتحقيق في بعض الدول الأوروبية لمعارضين عرب بناء على معلومات مصدرها أبوظبي، وطلبات تسليم غير معلنة، وضغوط على منظمات حقوقية للكف عن دعم بعض الشخصيات. كما لو أن أوروبا بدأت تتبنى بشكل غير مباشر “البارانويا الأمنية” للإمارات، تحت شعار “التعاون في مكافحة التطرف”.

الخطير أن هذه الآلية تعتمد على تغييب الشفافية: فلا أحد يعرف كيف يتم تصنيف شخص ما كإرهابي وفق المعايير الإماراتية، ولا كيف تنتقل هذه التوصية إلى بروكسل، ولا من يراجعها أو يتحقق من مصداقيتها.

وبالخلاصة فإن عودة بينيت إلى أبوظبي ليست مجرد لقاء خاص، بل هي مؤشر على تصاعد تحالف خفي بين الإمارات وإسرائيل، هدفه السيطرة على تعريف الإرهاب داخل الفضاء الأوروبي، وتجريم المعارضين من خلال أدوات ناعمة ومؤسسات تبدو قانونية.

إنه تحالف قمعي في جوهره، لكنه يرتدي ثوب الحداثة والتسامح، ويستخدم لغة القانون الأوروبي لتصفية الحسابات السياسية. ومع كل جلسة مغلقة في قصر الرئاسة بأبوظبي، يصبح صوت المعارضة في أوروبا أكثر عرضة للإسكات… باسم مكافحة التطرف.