تقود دولة الإمارات مؤامرات أصبحت علنية لتقويض النظام الشرعي في اليمن وسلطات الرئيس عبدربه منصور هادي في مخالفة فاضحة لتدخل أبو ظبي ضمن التحالف السعودي الذي رفع شعار دعم الحكومة اليمنية في مواجهة المتمردين الحوثيين.
وبدأ النزاع بين الرئيس هادي والإمارات بعد منع الأخيرة طائرة الرئيس اليمني من الهبوط في مطار عدن الدولي مطلع عام 2017، كما رفضت تنفيذ قرارات رئاسية له في تغيير مدير مطار عدن الدولي ومناصب حكومية أخرى في العاصمة المؤقتة.
وعينت أبوظبي شخصيات موالية لها في السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، ودعمت شخصيات وتيارات من الحراك الجنوبي، وشكلت ما يسمى بـ”المجلس الانقلابي الجنوبي”.
ومنذ أسابيع يشهد جنوب اليمن حالة من التوتر غير المسبوق بين حكومة هادي وما يسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم من الإمارات.
وكشف مهران القباطي قائد اللواء الرابع في الحماية الرئاسية اليمنية، عن وجود انقلاب وشيك ستنفذه قوات الحزام الأمني التابعة لدولة الإمارات في مدينة عدن ضد الرئيس اليمني.
وأكد القباطي، في تسريب صوتي له نُشر في 15 مايو الماضي، أن “وزير الداخلية اليمني وجَّه قوات الحكومة الشرعية بأن تكون في حالة تأهب، لمواجهة الانقلاب الإماراتي المحتمل”.
وليست هذه المرة الأولى التي تشهد عدن (العاصمة المؤقتة للبلاد) توتراً بين الطرفين، حيث تشهد بين الحين والآخر اشتباكات مختلفة بين قوات تابعة للحماية الرئاسية، التي يقودها نجل الرئيس، وقوات “الحزام الأمني” المدعومة إماراتياً، وكان آخرها في أكتوبر الماضي، ولم تنتهِ إلا بتدخل سعودي.
كما زاد من توتر العلاقات بين الحكومة الشرعية والإمارات سعي الأخيرة إلى محاولة السيطرة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية، والضغط على الرئيس هادي وحكومته للتوقيع على عقد تأجير لمدة (99) سنة، يسمح لها بإقامة قاعدة عسكرية إماراتية فيها، لكن الحكومة رفضت التوقيع على العقد.
وتسببت إقالة رئيس الوزراء الأسبق خالد بحاح في غضب الإمارات أيضاً، التي عملت على محاربة الحكومة، ومنع تحركات كثير من المسؤولين الحكوميين، وكذا منع تصدير النفط في بعض المدن، وإيقاف بعض المنشآت التي تصدر النفط والغاز في فترات مختلفة.
ولم تكن أطماع دولة الإمارات بموانئ اليمن، وخصوصاً ميناء عدن، وليدة اليوم، أو نتيجة لتدخلها العسكري في نطاق التحالف الداعم للشرعية في البلاد، بل منذ عقود مضت.
وتعتبر الإمارات أن باب المندب هو امتداد طبيعي لأمنها القومي (موانئ دبي العالمية) التي طورتها على حساب إضعاف هذا الممر وممرات أخرى في الإقليم.
وتعود أولى المحاولات الإماراتية الجادة للسيطرة على ميناء عدن إلى بداية التسعينيات، وتحديداً عقب الوحدة اليمنية، عندما أقرت الحكومة آنذاك إنشاء منطقة التجارة الحرة في المدينة، وهو القرار الذي أثار مخاوف أبوظبي من أن ينعكس ذلك على حركة ميناء دبي، وتمكنت من الحصول على الميناء في صفقة عام 2008 واستمرارها في إدارته حتى عام 2012.
لكن عقب سيطرة التحالف الذي تقوده السعودية على عدن، عادت الإمارات مجدداً وفرضت نفسها في معظم السواحل اليمنية والموانئ الموجودة، كما ذهبت إلى سقطرى في محاولة للسيطرة عليها.
وكإحدى أدوات السيطرة وتأمين المصالح؛ أنشأت الإمارات منذ وقت مبكر مليشيا عسكرية جنوبية تابعة لها، تتلقى أوامرها بصورة مباشرة من القيادة الإماراتية، أشبه ما تكون بسلطة موازية للحكومة الشرعية على الأرض.
وسعت أبوظبي إلى إنشاء قوات “الحزام الأمني” في عدن ولحج وأبين والضالع في مارس 2016، وأنشأت قوات “النخبة الحضرمية” في منتصف 2016، وقوات “النخبة الشبوانية” في منتصف 2017.
كما تسعى الإمارات، منذ الربع الثاني للعام الجاري 2019، إلى تعميم التجربة ونقلها إلى باقي المحافظات؛ فتحاول إنشاء النخبة المهرية والسقطرية في المهرة وجزيرة سقطرى، وكذلك إنشاء “الحزام الأمني” في محافظة تعز، كقوات تابعة لها، تواجه هذه الجهود حتى الآن رفضاً ومقاومة من الحكومة.
وعملت هذه القوات على استحداث نقاط تفتيش وإقامة حواجز أمنية خاصة بها، وتمنع عبور وزراء ومحافظين ومسؤولين في حكومة الشرعية دون موافقة مسبقة من القيادة الإماراتية، كما تهاجم المقار الأمنية التابعة للشرطة المحلية، وتحتجز الجنود، وتصادر المقار الحكومية.
كما تعمل هذه القوات، وما يسمى بـ”المجلس الانتقالي”، كسلطة موازية للحكومة؛ لكل منها أجهزتها الأمنية واستخباراتها وسجونها الخاصة.
تواجه تلك التحركات الإماراتية مقاومة من الرئيس اليمني، الذي سبق أن هدد بالاستغناء عن مشاركة الإمارات في التحالف العربي؛ “نتيجة لسياساتها العدائية الهادفة إلى تقويض الشرعية وتهديد وحدة البلاد، ودعم القوى الانفصالية في السيطرة على مؤسسات الدولة”.
وعزل هادي رئيس الوزراء السابق، خالد بحاح، من منصبه نتيجة تواطئه مع الإمارات، وأفشل أيضاً ضغوط أبوظبي لتعيين بحاح نائباً له.
كما أحال الرئيس هادي، خلال السنوات الأخيرة، عدداً من القيادات العسكرية الموالية للإمارات في محافظة عدن إلى القضاء، بعد هجمات وعمليات اغتيال شهدتها المدينة.
ورغم محاولة الإمارات إعادة خالد بحاح ذي الميول الانفصالية والقريب من أبوظبي إلى رئاسة الحكومة، فإن الرئيس اليمني استبق تلك الضغوط بعزله رئيس الوزراء، أحمد عبيد بن دغر، وعيَّن معين عبد الملك، رئيساً جديداً للحكومة بدلاً عنه.
وفي مايو من العام الماضي، شَكَت حكومة الرئيس اليمني الوجود العسكري لدولة الإمارات في جزيرة سقطرى لمجلس الأمن الدولي، وندد بوجود قواتها في مدينة بعيدة عن الصراع.
ودفعت ضغوط وتهديدات الرئيس هادي إلى تدخل سعودي لحل الخلافات، ومغادرة تلك القوات للجزيرة بعد اتفاق بين الطرفين.
ويقول مراقبون إن “هناك مؤشرات من خلال الاجتماعات الدورية التي ترعاها الإمارات لإعلان انفصال وشيك في اليمن، يخدم مصالحها فقط، وينهي سيطرة هادي على المناطق الجنوبية”.
وربما يشتد الصراع في اليمن إذا لم تستطع المملكة العربية السعودية تأجيل هذا الصراع إلى ما بعد التسوية السياسية أو الانتهاء من الحرب، وبذلك قد يتفكك التحالف.
ويتهدد اليمن ليس فقط الطموحات الإماراتية خارج أهداف التحالف، لكن أيضاً لما يكتنف هذا المسار من تداعيات خطيرة على مظلة الشرعية التي يستخدمها التحالف العربي كمبرر للتدخل في اليمن.
ورغم فشل محاولتين للقوات الموالية للإمارات للانقلاب على هادي، والسيطرة على عدن، يرى مراقبون أن ما يجعل تكرار محاولة ثالثة للانقلاب على هادي هو “التعارض الحاد في المصالح بين الإمارات والحكومة الشرعية القائمة”.
واختلال توازن القوى على الأرض لغير صالح الحكومة وهادي بعد أن تعمدت الإمارات إضعاف الرئيس اليمني وسحب ما تبقى من ألوية الحماية الرئاسية إلى جبهة الساحل الغربي، فإن مدينة عدن عملياً وكل مؤسسات الدولة، والمطار، والميناء، ومقر الحكومة، ونقاط التفتيش، تقع تحت سيطرة الحزام الأمني الموالي للإمارات.