سعيا منه لزيادة قبضته الأمنية في دولة الإمارات، عمل محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للدولة على إطلاق منصة “HUB71” التكنولوجية.
وأعلن عن إطلاق المنصة نجل محمد بن زايد الأكبر خالد الذي يرأس جهاز أمن الدولة في الإمارات وعضوية المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي.
وحسب المعلن تستهدف منصة “HUB71” دعم المشاريع التكنولوجية الناشئة بـ520 مليون درهم، وصندوقاً استثمارياً بـ535 مليون درهم للاستثمار في الشركات التكنولوجية الناشئة ضمن المنصة نفسها.
وتثير هذه المنصة مخاوف الناشطين كون أن جهاز الأمن هو الذي سوف يسيطر على المنصة التكنولوجية والتي باتت تستخدم اليوم على نطاق واسع في التجسس والمراقبة والعمليات الاستخبارية “القذرة” على حد تعبير مراقبين.
إذ أكد أنور قرقاش مؤخرا أن الإمارات لديها ما وصفها “بقدرة تكنولوجيا”، وهي القدرة المستخدمة بحسب تحقيقات وكالة رويترز في التجسس على الناشطين الإماراتيين وعلى مسؤولين خليجيين وعربا من بينهم وزير خارجية عمان ورئيس الحرس الوطني السابق في السعودية وأمير دولة قطر.
يواصل خالد النجل الأكبر لولي عهد أبو ظبي الحاكم الفعلي لدولة الإمارات محمد بن زايد تكريس نفوذه في مفاصل الحكم في الدولة مستخدما القمع الوحشي على غرار والده أداته الرئيسية لذلك.
وأصدر الرئيس الإماراتي “الغائب والمهمش” خليفة بن زايد آل نهيان قبل يومين مرسوماً يقضي بإعادة تشكيل المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي برئاسة محمد بن زايد، رغم عدم ظهور رئيس دولة الإمارات منذ بداية عام 2018، في ظل تكتم كبير على وضعه الصحي، وسيطرة تامة من قبل محمد بن زايد على حكم البلاد.
وضم المرسوم الجديد عضوية اثنين من أبناء محمد بن زايد (خالد وذياب) اللذين يشغلان مناصب أخرى في الدولة؛ في إشارة أخرى إلى محاولة ولي عهد أبوظبي تقوية نفوذه بالدولة.
وفي إطار إعادة ترتيب أوراق الإمارة، أصدر محمد بن زايد مرسوماً يقضي بتشكيل لجنة أبوظبي للشؤون الاستراتيجية التي تتبع للمجلس التنفيذي، بحسب وكالة “وام” الإماراتية.
وينص القرار على عضوية نجله خالد بن محمد بن زايد، نائباً لرئيس اللجنة، والأمين العام للمجلس التنفيذي، ورئيس جهاز الشؤون التنفيذية، ورئيس مكتب أبوظبي التنفيذي، ورئيس دائرة المالية، كما كلفه بإعادة تشكيل اللجنة التنفيذية التابعة للمجلس التنفيذي أيضاً.
ويشار إلى أنه في الخامس عشر من فبراير من العام 2016 نشرت وكالة الأنباء الإماراتية مرسوماً رئاسياً بتعين الشيخ خالد بن محمد بن زايد رئيساً لأمن الدولة في الإمارات.
وهذه المناصب فتحت لخالد الباب ليكون رجل الإمارات الخامس القوي بعد كلٍ من أبيه ولي عهد أبوظبي، وعمه سيف وزير الداخلية، وعمه الآخر طحنون مستشار الأمن القومي، ثم رئيس الوزراء محمد بن راشد، الطريق ليكون ولياً لعهد أبوظبي إذا ما تولى أبوه رئاسة الدولة مستقبلاً.
ويقدر مراقبون أن خالد بن محمد بن زايد في النصف الثاني من القعد الثالث من العمر، خاصة أن والده يبلغ 57 عاماً، ولا يوجد أي مصدر رسمي إماراتي يعرض سيرته الذاتية خلافاً بزملائه من المسؤولين في الدولة.
لكن تقارير غربية مختلفة، ذكرت أن خالد بن محمد المعروف اختصاراً بـ “KBM”، درس في أكاديمية سانت هيرست البريطانية العسكرية، ثم التحق في المخابرات الإماراتية ليصل إلى رتبة لواء حالياً.
وكانت صحف إماراتية ذكرت أن اللواء خالد بن محمد بن زايد عمل في مناصب مختلفة داخل جهاز الأمن، قبل تولي رئاسة الجهاز الذي يعتبر أعلى جهة أمنية في دولة الإمارات.
ارتبط اسم خالد بن محمد بقضية محاولة اغتيال زايد بن حمدان بن زايد آل نهيان، الذي نجى من حادث سقوط مروحية إماراتية في اليمن العام الماضي، بحسب ما ذكرت المعارضة الإماراتية، التي أشارت إلى أن الحادث مدبر لكون حمدان بن زايد أبرز المنافسين له.
ويلاحظ أن خالد بن محمد حقق قفزة في تقوية جهاز أمن الدولة الإمارات، الذي بات أكثر تشدداً في التعاطي مع المعارضين داخل الدولة وخارجها.
واعتمد نجل ولي عهد أبوظبي بشكل كامل على الأدوات التقنية في ضبط الأمن وبناء شبكات التجسس، فقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” العام الماضي عن استخدام الإمارات برامج تجسس إسرائيلية لمراقبة عموم الشعب الإماراتي وخاصة الناشطين السلميين خصوصاً نظام “عين الصقر”.
وكانت أكدت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في ديسمبر 2017، أن الإمارات تعمل على بناء شبكة تجسس ضخمة في الخليج، مضيفة: “إن مجموعة من الخبراء الغربيين يوجدون حالياً في فيلا عصرية، تقع قرب ميناء زايد في شمال شرق أبو ظبي، ويقومون بتدريب عدد من الإماراتيين في جهاز أمن الدولة على أساليب التجسس الحديثة”.
كما ساهمت هيئة الأمن السيبراني في الإمارات – وفق المجلة – من تأسيس قاعدة للتجسس على مواطنيها والمقيمين فيها، من خلال إنشاء شبكة من الهيئات الحكومية الإماراتية وصناعات الاتصالات الحكومية، في تنسيق واسع مع الشركات الدولية المصنعة للأسلحة وشركات الأمن السيبراني لتحويل تكنولوجيات الاتصالات إلى مكوّنات مركزية للسيطرة.
وبحسب مجلّة “تليراما” عام 2017، استورد جهاز أمن الدولة الإماراتي منظومة متطوّرة للمراقبة الإلكترونية واسعة النطاق من شركة “أميسيس” الفرنسية، لتكون عين التجسّس على الآلاف من مواقع التواصل، سواء داخل الإمارات أو خارجها.
وأشارت المجلة الفرنسية إلى أن تلك المنظومة تساعد الأجهزة الأمنية على اختراق البريد الإلكتروني واعتراض الرسائل، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة.
وقد سبق تلك المعلومات إقدام السلطات في أبوظبي على اختراق جهاز “آيفون” للناشط الإماراتي أحمد منصور، عام 2016، حيث تبيّن عبر مؤسّسة Citizen Lab الأمنية أن الإمارات سعت لاختراق ضخم لجهازه، وأن البرمجية الخبيثة هي من تطوير شركة “إن إس أو” (NSO) الإسرائيلية.
ولاحقاً سعى جهاز الدولة الإماراتي لاختراق هاتف الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، التي تتعرّض لحصار مشترك من قِبل الإمارات والبحرين والسعودية، وفق ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
وقالت الصحيفة، بحسب رسائل بريد إلكترونية مسرّبة قُدّمت في قضيّتين ضد “إن إس أو”(الشركة المصنِّعة لبرامج المراقبة التي استعانت بها أبوظبي، وتتخذ من “إسرائيل” مقراً لها)، إن مسؤولين بالإمارات طلبوا تسجيل مكالمات أمير قطر الهاتفية.
وبيّنت أن قادة الإمارات يستخدمون برامج التجسّس الإسرائيلية منذ أكثر من عام، حيث حوّلوا الهواتف الذكية للمعارضين في الداخل أو المنافسين بالخارج إلى أجهزة مراقبة.
ففي اليمن أنشئ الجهاز وفق ما يقول ناشطون يمنيون شبكة أمنية لتجنيد قبائل الجنوب، وزعزعة حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من خلال ضربه اقتصادياً بعد أن أبدى عدة مواقف رافض لنفوذ الإمارات المتعاظم في بلاده، خاصة رفضه سيطرتها على جزيرة سقطرى.
وكان ثلاثة من المسؤولين اليمنيين بينهم مسؤول بارز في البنك المركزي اليمني في عدن، اتهموا دولة الإمارات وأدواتها في جنوب اليمن العام الماضي بالضلوع في انهيار الريال بعد أن اشترت العملات الصعبة من السوق.
وأكد أحد المسؤولين الحكوميين أن ما يسمى جهاز أمن الدولة في الإمارات، يقف خلف عملية سحب الدولار والريال السعودي من السوق.
إلى جانب ذلك كشف تحقيق بثته القناة الرابعة البريطانية في ديسمبر الماضي، أن جهاز أمن الدولة الإماراتي يدير سجوناً عدة في محافظة عدن جنوبي اليمن.
وفي لقاء مع القناة، قال عادل الحَسَنِي المعتقل السابق وأحد القيادات الميدانية بقوات الحكومة الشرعية إن “هناك مئات المعتقلين بالسجون السرية التابعة للإمارات، حيث يتعرضون لشتى أنواع التعذيب من ضرب وصعق بالكهرباء وإدخال أدوات معدنية حادة بمناطق حساسة من الجسم”.
الوضع في الداخل ليس بأفضل حال، إذ تقول تقارير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية عن الإمارات أن القمع والظلم فيها في ازدياد.
كما أن أوضاع السجون في ظل إدارة خالد بن محمد سيئة الصيت لدرجة وصل بها الحد لاستخدام أساليب سادية إجرامية تنتهك الأعراف والقوانين الدولية، تتضمن أساليب التعذيب طرقا شنيعة كانت استخدمت في الحربين العالمية الأولى والثانية وفق ما كشف تقرير الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات في يناير من العام الماضي.
وأفاد التقرير أن المعتقلين السياسيين في الإمارات يعانون من تعذيب جسدي ونفسي مستمر، وحرمان من الحقوق الدنيا للمعتقلين، في مخالفة للقواعد الدولية النموذجية الخاصة بمعاملة السجناء التي تنص على وجوب توفير المعاملة الآدمية للسجناء بالحفاظ على كرامتهم وعدم تعريضهم لأذى جسدي ونفسي، وضرورة الحفاظ على بيئة نظيفة وصحية وتوفير العلاج والزيارات المستمرة للأهالي والمحامين.
ونبه التقرير إلى أن أخطر ما يعاني منه المعتقلون في الإمارات المداهمات الليلية والتفتيش العاري، بما في ذلك الاعتداء الجنسي والحط من كرامتهم من خلال إجبارهم على خلع ملابسهم والوقوف بمواجهة الحائط.
ومن أبرز القصص القاصية، عند سرب المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان على حسابه في منصة “تويتر” في نوفمبر الماضي، تسجيلاً للمعتقلة الإماراتية في سجن “الوثبة” بالعاصمة أبوظبي، مريم سليمان البلوشي، عن ظروف سجنها وتعرضها للتعذيب، مبينة أن ذلك كان بضوء أخضر من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
وقالت البلوشي في التسجيل فإن التحقيق معها استمر ثلاثة أشهر، ثم أجبرت على التوقيع على أوراق التحقيق التي سجلت أقوالها تحت الضغط والضرب.
مريم البلوشي تحدثت أيضاً عن الظروف السيئة التي تعيشها في سجن الوثبة، وأنها طالبت مراراً بنقلها إلى سجن آخر، لكنها قوبلت بمزيد من التعذيب حيث قيدت يداها ورجلاها ثلاثة أيام.
وكان جهاز أمن الدولة الإماراتي اعتقل البلوشي، وهي طالبة في آخر سنة في كلية التقنية من مدينة كلباء، بشبهة “تمويلها للإرهاب”؛ بسبب تبرعها لعائلة سورية بمبلغ 2300 درهم.
ويمكن القول من هذه المعطيات التي أثبتته التقارير الدولية، بأن خالد بن محمد بن زايد، يسير على نهج والده في قمع أي صوت مهما كانت درجة سلميته، وبأن المستقبل يبشر من القمع والاستبداد في الإمارات.