موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات منصة لوجستية لتسليح ميليشيا ترتكب جرائم حرب وتطهيرًا عرقيًا

348

يعكس ظهور مركبات مدرعة من إنتاج مجموعة “ستريت” الكندية –المتمركزة فعليًا في الإمارات– في يد ميليشيات الدعم السريع في السودان تحوّل أبوظبي تدريجيًا إلى منصة لوجستية مركزية لنقل السلاح إلى أطراف ميليشياوية متورطة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

فوجود هذه المركبات في ساحات القتل في دارفور والفاشر لا يفضح فقط مسارًا مظلمًا خلفه المال والسلاح، بل يكشف تورطًا مركّبًا بين شركات خاصة تعمل تحت مظلة إماراتية وسياقات سياسية تسمح بهذه الانتهاكات.

ويؤكد مراقبون أن صمت أبوظبي، بل وإنكارها الصارم لأي دعم لقوات الدعم السريع، لم يعد مجديًا أمام سيل الأدلة التي قدّمها خبراء الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.

ففي وقت سابق من العام، تحدثت تقارير أممية عن طائرات شحن تُسيّر بانتظام من مطارات الإمارات إلى تشاد، قبل أن تُهرّب الأسلحة إلى السودان لتستقر في يد ميليشيا مارست التطهير العرقي والاغتصاب الجماعي والقتل العشوائي بحق المدنيين في الفاشر وغرب دارفور.

وقد وصفت صحيفة الغارديان تلك الرحلات المتكررة بأنها شكلت “جسرًا جويًا إقليميًا” لتغذية آلة الموت.

أسوأ ما في هذه القضية ليس فقط وجود صفقات سلاح، بل سقوط الإمارات في دور الدولة التي تُسهّل –عن قصد أو عن إهمال سياسي وأخلاقي فاضح– تزويد ميليشيا لا تختلف في أساليبها عن أخطر التنظيمات التي عرفها الإقليم.

جرائم حرب موثقة في السودان

وقد وثقت الأمم المتحدة والمبادرات الحقوقية الدولية مشاهد لجثث المدنيين المصطفة في الشوارع، وتسجيلات لعمليات اغتصاب ممنهجة، وتقارير عن مقابر جماعية تُحفر لطمس الأدلة. إن مجرد ارتباط اسم الإمارات بهذه الجرائم، ولو من نافذة لوجستية، يمثل كارثة سياسية وأخلاقية.

وفي حين ينتقد الخبراء القانونيون في كندا حكومتهم لتجاهل مخاطر التعاون الاقتصادي مع الإمارات، فإن أبوظبي لا تزال تتصرّف وكأنها فوق المساءلة.

يقول البروفيسور مارك كيرستن إن كندا “تبيع مبادئها من أجل المال”، لكن الاستنتاج الأكثر خطورة يتعلّق بالإمارات: إذا كانت دولة بحجم موارد الإمارات ونفوذها السياسي مستعدة للانخراط في تجارة أسلحة غير مسؤولة، أو غضّ الطرف عنها، رغم كل التحذيرات الأممية، فإنها بذلك تضع نفسها على مسار صدام مباشر مع القانون الدولي ومع أخلاقيات السلم العالمي.

وبحسب المراقبين فإن الفضيحة هنا ليست مجرد شحنة سلاح، بل نظام كامل يجعل من الإمارات عقدة تموين حيوية لجماعات مسلّحة تفتك بالشعوب العربية.

فبينما يُفترض أن تسعى الإمارات لتعزيز الاستقرار الإقليمي، نجدها متورطة –أو على الأقل متهمة– بتسهيل انسياب سلاح يُستخدم في تفكيك السودان ودفعه نحو الهاوية. والأسوأ أنها تفعل ذلك بينما تبني خطابات إعلامية عن “الازدهار”، و”الاستقرار”، و”التسامح”، في مفارقة يعجز الخيال السياسي عن استيعابها.

أما على الجانب القانوني، فالمسألة أكثر قتامة. إذ إن معاهدة تجارة الأسلحة التي تلتزم بها كندا –شريك الإمارات التجاري– تحظر بشكل واضح نقل الأسلحة عندما يُحتمل استخدامها في جرائم حرب.

ورغم أن كندا حاولت التملص بالاستناد إلى حظر السلاح الأممي على السودان، فإن الرأي العام الغربي بدأ يلتفت إلى أن النشاط التجاري والسلاح الإماراتي مرتبطان بشكل متزايد بجرائم ضد المدنيين. وبمجرد أن يستقر هذا الانطباع، سيجد النظام الإماراتي نفسه أمام موجة ضغط دولي غير مسبوقة.

لكن السؤال الأكثر إحراجًا يجب أن يوجَّه إلى الداخل الإماراتي: ما هي الفائدة الوطنية من تحويل الإمارات إلى ممرّ سري للطائرات والحمولات والأسلحة التي تنتهي في يد قتلة يذبحون المدنيين؟.

وهو ما المكسب الاستراتيجي من تحويل الموانئ والمطارات الإماراتية إلى خطوط إمداد لميليشيا تحفر المقابر الجماعية وتطرد السكان الأصليين من أرضهم؟ وإلى أي مدى تدرك النخبة السياسية في أبوظبي أن الشعوب –وليس الأنظمة– هي من يصنع الذاكرة، وأن الشعب السوداني لن ينسى بسهولة أن أسلحة قُتل بها أطفاله جاءت عبر أراضٍ عربية كان يُفترض بها أن تكون سندًا له، لا سندًا لقاتليه؟

سياسات الإمارات الخارجية اليوم لا تدفع فقط نحو تأزيم وضعها أمام القانون الدولي، بل تهدد أيضًا سمعتها التاريخية في المنطقة.

فبدل لعب دور دولة عربية قادرة على الوساطة أو الحد من العنف، أصبحت أبوظبي متهمة بالسعي إلى تعميق النزاعات، وتمكين الأطراف الأكثر وحشية، وتحويل قوتها اللوجستية إلى جسر للموت بدل أن تكون جسرًا للتجارة والتنمية.

في النهاية، يمكن للإمارات أن تنكر، ويمكن لحلفائها الدفاع، ويمكن لشركاتها أن توظف المال لإخفاء المسارات. لكن الحقيقة تبقى أثقل من أن تُطمس: إن المشاركة –المباشرة أو غير المباشرة– في تسليح مرتكبي التطهير العرقي جريمة لا تسقط بالتقادم.