كشفت وكالة رويترز الدولية، استناداً إلى أكثر من 12 مصدراً من مسؤولين عسكريين ومخابراتيين ودبلوماسيين، عن دور محوري لعبه مهبط طائرات يقع في جنوب شرق ليبيا في تغيير موازين الحرب الأهلية في السودان، عبر استخدامه كقناة إمداد رئيسية لقوات الدعم السريع، وسط اتهامات مباشرة بتورط دولة الإمارات في تمويل وتشغيل هذا الخط اللوجستي.
وبحسب التحقيق، فإن مهبط الطائرات الواقع قرب مدينة الكفرة الليبية، على بعد نحو 300 كيلومتر من الحدود السودانية، تحوّل خلال عام 2025 من موقع شبه مهجور إلى مركز جوي نشط يستقبل عشرات رحلات الشحن، في توقيت متزامن مع تصاعد العمليات العسكرية لقوات الدعم السريع في إقليم دارفور وغرب السودان.
وتخوض قوات الدعم السريع، التي تعود جذورها إلى ميليشيا الجنجويد سيئة الصيت، حرباً دامية ضد الجيش السوداني منذ أبريل/نيسان 2023، على خلفية صراع على السلطة وملف دمج القوات المسلحة.
وأسفر النزاع عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد ملايين المدنيين، إضافة إلى تفشي المجاعة وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة في عدة مناطق.
ووفقاً لمصادر رويترز، فإن الإمدادات التي وصلت عبر “الممر الليبي” لعبت دوراً حاسماً بعد أن تمكن الجيش السوداني من استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس/آذار الماضي، إذ وفّر مهبط الكفرة شرياناً بديلاً سمح لقوات الدعم السريع بإعادة تنظيم صفوفها وتعزيز قدراتها القتالية، وصولاً إلى فرض سيطرتها على مدينة الفاشر في أكتوبر/تشرين الأول، ما شكّل تحولاً استراتيجياً في مسار المعارك بدارفور.
وتقع منطقة الكفرة تحت سيطرة قائد عسكري ليبي متحالف مع أبوظبي، في نطاق نفوذ قوات خليفة حفتر.
وتشير تقارير أممية سابقة، إضافة إلى مواقف معلنة لأعضاء في الكونغرس الأمريكي، إلى اتهام الإمارات بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والتمويل، وهي اتهامات تنفيها أبوظبي بشكل متكرر، مؤكدة أنها لا تنحاز لأي طرف في النزاع السوداني.
غير أن تحليلات صور الأقمار الصناعية وبيانات تتبع الرحلات الجوية، التي اطلعت عليها رويترز، تُظهر أن المطار خضع لأعمال تطوير وتوسعة ملحوظة خلال العام الجاري، واستقبل ما لا يقل عن 105 رحلات شحن بين أبريل ونوفمبر، وفقاً لما أكده جاستن لينش، المدير الإداري لشركة “كونفليكت إنسايتس جروب”.
وأوضح لينش أن نمط الطائرات المستخدمة ومساراتها “يتسق مع اتهامات سابقة بدعم إماراتي لقوات الدعم السريع”.
وقال مسؤول أممي مطلع على تحركات الجماعة، طلب عدم الكشف عن هويته، إن استخدام خط الكفرة “غيّر قواعد اللعبة بالكامل”، مضيفاً أن هذا المسار مكّن قوات الدعم السريع من إدخال أسلحة ومقاتلين بشكل منتظم، وأسهم في تشديد الحصار على الفاشر لفترات طويلة، مع ما رافق ذلك من كلفة إنسانية باهظة على المدنيين.
وترتبط الإمارات، بحسب التقرير، بمصالح اقتصادية واستراتيجية كبيرة في السودان، إذ كانت تخطط قبل اندلاع الحرب لاستثمارات بمليارات الدولارات في ميناء على البحر الأحمر ومشاريع زراعية واسعة.
كما تجمع أبوظبي علاقات وثيقة بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي سبق أن أرسل آلاف المقاتلين للقتال إلى جانب التحالف الذي تقوده الإمارات في اليمن.
ويواصل الجيش السوداني اتهام الجماعة باستخدام الأراضي الليبية كقناة لتهريب السلاح والمقاتلين، وقدّم في سبتمبر/أيلول شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة تحدث فيها عن مرور مرتزقة أجانب عبر الكفرة لدعم قوات الدعم السريع.
من جهته، نفى الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر مراراً دعمه لأي طرف في النزاع السوداني. وقال مسؤول عسكري ليبي في الكفرة إن رحلات الشحن الجوي كانت “داخلية” وتنقل مدنيين وعناصر أمن بين مطارات ليبية، نافياً وجود مقاتلين سودانيين في المنطقة.
لكن تقارير دولية ترى أن إعادة تنشيط مطار الكفرة جاءت بعد تعقيد مسارات الإمداد الأخرى، خصوصاً عبر تشاد، ما جعل الجنوب الليبي نقطة ارتكاز أساسية لقوات الدعم السريع، في وقت تشير فيه بيانات الرحلات إلى تورط شركات طيران سبق اتهامها أممياً بنقل أسلحة من الإمارات إلى أطراف إقليمية.
وتخلص رويترز إلى أن الأدلة المتراكمة حول نشاط مهبط الكفرة تعزز المخاوف من دور إماراتي غير مباشر في تغذية الصراع السوداني، بما ينذر بمزيد من تدويل الحرب وتعقيدها، واستمرار معاناة المدنيين في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
