موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات تُصدّر نموذجها التخريبي: من عدن وطرابلس والخرطوم إلى قطاع غزة

839

في تقليد واضح لسياسات الفوضى التي مارستها في اليمن وليبيا والسودان، تعمد الإمارات إلى تصدير نموذجها التخريبي إلى قطاع غزة، عبر استنساخ تجربة الميليشيات المسلحة كأداة للنفوذ السياسي والأمني.

المخطط الإماراتي العدواني يتم هذه المرة عبر شخصية تُدعى “ياسر أبو شباب“، الذي تشير الدلائل إلى أنه صُنع في مطابخ طحنون بن زايد، مسؤول العمليات القذرة في المنطقة، والمشرف على ملفات الأمن والاستخبارات في أبوظبي.

وقد بدأت فصول هذه القصة في أواخر ديسمبر 2024، حين ورد اسم “أبو شباب” لأول مرة في تقارير داخلية لما يُعرف بدائرة الأمن القومي الإماراتية، مرفقًا بتوصيف بالغ الدقة: “شخصية بدوية من رفح. عديم القيم. تبرأت منه عائلته. عدوّ لحماس. سجل إجرامي غني بتجارة المخدرات والعنف، وقابل للتحول إلى حفتر غزّي”.

هذه الجملة الأخيرة كاشفة، إذ تعكس نية الإمارات في تكرار نموذج الجنرال الليبي خليفة حفتر، لكن هذه المرة في جنوب قطاع غزة.

ورغم خصوصية الواقع في غزة من حيث التركيبة السكانية والبنية الاجتماعية، إلا أن طحنون بن زايد، عبر قنوات اتصال مباشرة مع مستشار محمود عباس المثير للجدل، محمود الهباش، أعطى الضوء الأخضر للبدء في التجربة. جرى عقد اجتماع مغلق في أبوظبي خلص إلى توجيه مباشر: “ابدأوا التجربة… بلا ضجيج، وبلا توقيع”.

منذ ذلك الحين، بدأ التنسيق الحثيث بين مكتب طحنون ومكتب الهباش، في ما وصفه مصدر مطلع بأنه “عملية متعددة القنوات”. التمويل سيأتي من واجهات إماراتية مختلفة، التوزيع الإعلامي سيتم تحت غطاء “إغاثي”، بينما السلاح والمعدات ستُمرّر عبر رفح بموافقة إسرائيلية صامتة. الهدف المعلن في التقرير الرسمي الإماراتي كان واضحًا: “النموذج المحلي البديل – جنوب غزة”.

هذه الخطة لم تبقَ حبيسة التقارير. مصدر في أمن المقاومة كشف لاحقًا عن معلومات استخباراتية تؤكد تورط جهاز مخابرات عربي – لم يُسمِّه صراحة – في تدريب وتوجيه جماعة “مرتزقة العدو” في رفح، وتقديم دعم لوجستي لهم يشمل سيارات دفع رباعي وأجهزة رؤية ليلية وأدوات اتصالات متطورة. وكل المؤشرات الميدانية والإعلامية تقود إلى أن هذا الجهاز هو الأمن الإماراتي.

من هو ياسر أبو شباب؟ حتى وقت قريب، كان مجرد اسم في ملفات الشرطة بتهم تتعلق بالإجرام وتجارة المخدرات. واليوم؟ يقود مجموعة مسلحة منظمة تملك هيكل قيادة، نائبًا، ضابط عمليات، دعمًا لوجستيًا، وقريبًا، ناطقًا رسميًا. هذا التحول لا يمكن تفسيره بمنطق النمو العفوي. إنه صناعة إماراتية محضة.

الأخطر من ذلك أن صعود أبو شباب لا يتم فقط برعاية الإمارات، بل بدعم ضمني من إسرائيل وبتواطؤ شخصيات في السلطة الفلسطينية. الصحفي الإسرائيلي باروخ ياديد تحدث بوضوح عن “خطة سرية مدعومة من نتنياهو لتمكين الميليشيات المسلحة ضد حماس في غزة”، وألمح إلى دعم دولة عربية – يُعتقد أنها الإمارات – لهذه الجماعات كجزء من إعادة تشكيل ما بعد الحرب.

في قلب هذه الشبكة يقف محمود الهباش، مستشار عباس، الذي يُنسق مباشرة مع جماعة أبو الشباب. يُضاف إليه بهاء بعلوشة، ضابط مخابرات فلسطيني معروف بعدائه للمقاومة، والمتورط بتنسيق الدعم اللوجستي وربما الرواتب للمسلحين. ويبدو أن السلطة الفلسطينية تقدم الغطاء السياسي والتنظيمي لهذا المشروع، في الوقت الذي تنكر فيه رسميًا وجود أي تنسيق.

لكن الحقائق تكشف ما هو أبعد من ذلك. فقد أظهر مقطع فيديو متداول على الإنترنت غسان الدهيني، الذراع اليمنى لأبو الشباب، مسلحًا ببندقية كلاشينكوف جديدة ويرتدي زياً عسكرياً كاملاً، بينما يسخر من مسؤولي السلطة الذين ينفون وجود هذه الميليشيا. في خلفية الفيديو، ظهرت سيارة بلوحات إماراتية، في تأكيد على الرعاية اللوجستية المباشرة من أبوظبي.

هذا النموذج ليس جديدًا على السياسة الإماراتية، بل هو تكرار دقيق لما فعلته في ليبيا حين صنعت حفتر، وفي اليمن حين دعمت قوات المجلس الانتقالي، وفي السودان من خلال دعم قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.

جميعها قوى موازية للدولة، تعمل لحساب أبوظبي، وتنخر في المجتمعات باسم “الاستقرار”، لكنها في الواقع أذرع تخريبية تستخدم القوة لتصفية خصوم الإمارات الإيديولوجيين، خصوصًا الحركات الإسلامية.

ولأن غزة تمثل المعقل الأهم للمقاومة الفلسطينية، فإن أبوظبي ترى فيها ساحة ضرورية لاكتمال مشروعها. فالفوضى المقننة، والميليشيات المنفلتة، وخلط الأوراق، كلها وصفات أثبتت فعاليتها بالنسبة لطحنون بن زايد، الذي بات يرى أن إدارة القطاع بعد الحرب يجب ألا تعود لحماس أو أي من قوى المقاومة، بل إلى وكلاء جدد تُعيد تشكيلهم الإمارات من تحت الطاولة.

المخيف أن كل هذا يجري في ظل صمت عربي مريب، وتواطؤ ضمني من بعض الأطراف الدولية، وحتى بعض الدوائر داخل السلطة الفلسطينية.

وهكذا، وبين الحصار والدمار، تجد غزة نفسها أمام خطر جديد، لا يأتي هذه المرة من السماء أو من الحدود، بل من الداخل، ومن المال الإماراتي الذي يصوغ مسارات الخراب على هيئة “إغاثة”، و”تنمية”، و”إعادة إعمار”.

في النهاية، فإن مشروع أبو شباب ليس سوى رأس جبل الجليد. إنه بداية لتحويل غزة إلى ساحة صراعات داخلية، وتفكيك بنيتها المقاومة، وإعادة تركيبها على مقاسات الأطراف الإقليمية الطامعة. وبذلك، تكون الإمارات قد استنسخت فوضاها السوداء من طرابلس وعدن والخرطوم، وزرعتها في قلب فلسطين.