تسبب الهجوم على سفن تجارية قرب ميناء الفجيرة بتداعيات مقلقة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعاني أصلا من أزمة اقتصادية متصاعدة.
وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إن هناك حالة من القلق تسود بين الأوساط التجارية في الإمارات؛ عقب حادثة استهداف أربع سفن تجارية على مقربة من ميناء الفجيرة الإماراتي، التي وقعت أمس الأحد.
وذكرت الصحيفة أن الحادثة دقّت ناقوس الخطر على نطاق واسع بين المسؤولين التنفيذيين في الصناعات البحرية، حيث وصفه أحدهم بأنه “مقلق”.
وكانت وزارة الخارجية الإماراتية أعلنت، في بيان لها أمس، أن أربع سفن تجارية تعرضت لهجوم بالقرب من ميناء الفجيرة، الذي يعتبر أحد أكبر الموانئ الإماراتية، والذي غالباً ما تقصده السفن للتزود بالوقود.
ووقع الحادث في المياه الإقليمية للإمارات بخليج عُمان قرب مضيق هرمز، الذي يعد نقطة رئيسية لصادرات النفط الخام من منطقة الخليج العربي.
تأكيد الإمارات حول تعرض السفن لعمليات تخريبية يأتي في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بالخليج العربي؛ بعد أن أرسلت الولايات المتحدة المزيد من قواتها إلى هناك لمواجهة تهديدات إيرانية، قالت واشنطن إنها تستهدف قواتها ومصالحها في المنطقة.
وقد ارتفعت العقود الآجلة للنفط اليوم بفعل تزايد المخاوف من تعطل الإمدادات من منطقة الشرق الأوسط المهمة لإنتاج الخام، بعد استهداف عدد من السفن النفطية السعودية والإماراتية، في حين تراجعت الأسواق في هاتين الدولتين.
ويحصل ذلك في وقت ينتاب القلق المستثمرين والتجار بشأن آفاق النمو الاقتصادي العالمي، في ظل تعثر محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين.
وارتفعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت تسليم يوليو/ تموز بنسبة 1.41 في المائة أو 99 سنتا إلى 71.60 دولارا للبرميل.
في نفس الاتجاه، صعدت العقود الآجلة للخام الأميركي نايمكس تسليم يونيو/ حزيران بنسبة 1.01 في المائة أو 62 سنتا، إلى 62.27 دولارا للبرميل.
وقالت السعودية، اليوم، إن ناقلتي نفط سعوديتين كانتا من بين سفن استهدفتها “أعمال تخريبية” قبالة ساحل الإمارات العربية المتحدة، ونددت بتلك الهجمات بوصفها محاولة لتقويض أمن إمدادات النفط العالمية. ومساء الأحد، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية تعرض 4 سفن تجارية لـ”عمليات تخريبية” بالقرب من المياه الإقليمية للدولة.
والسعودية والإمارات في المركزَين الأول والثالث بين أكبر المنتجين على الترتيب في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). وقال أبهيشك كومار، رئيس التحليلات لدى إنترفاكس إنرجي في لندن: “تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، إلى جانب الانخفاض الحاد في إمدادات النفط من فنزويلا وإيران، سيظلان يدفعان الأسعار للصعود”.
وتتلقى الأسواق الدعم من سعي واشنطن لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر وتقليص صادرات فنزويلا، حيث تتسبب مشكلات في البنية التحتية أيضا في تراجع الإنتاج.
وتابع كومار أن النزاع التجاري بين واشنطن والصين، والذي تصاعد الأسبوع الماضي، سيظل يكبح الأسعار. وتمثل الولايات المتحدة والصين معا 34 في المائة من الاستهلاك العالمي للنفط في الربع الأول من 2019، وفقا لما تظهره بيانات من وكالة الطاقة الدولية.
وتراجعت أسواق الأسهم في كل من الإمارات والسعودية خلال التعاملات المبكرة، الإثنين، مدفوعة بتوترات جيوسياسية تشهدها المنطقة.
وانخفض مؤشر السعودية الرئيس “تأسي” بنسبة 0.96 في المائة أو 83.2 نقطة إلى 8591.60 نقطة، بهبوط أسهم 102 شركة وارتفاع أسهم 15 شركة.
وتراجع مؤشر دبي الرئيسي بنسبة 1.5 في المائة أو 39.37 نقطة إلى 2590.3 نقطة، وسط هبوط غالبية الأسهم المدرجة. في نفس الاتجاه، تراجعت بورصة أبوظبي بنسبة 1.15 في المائة إلى 5039.2 نقطة.
وذكرت الخارجية الإماراتية، أنه “جارٍ التحقيق حول ظروف الحادث بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية، وستقوم الجهات المعنية بالتحقيق برفع النتائج حين الانتهاء من إجراءاتها”.
ودون أن تتهم أي طرف، اكتفت الإمارات التي يشوب علاقاتها الدولية كثير من الخلافات بإعلان التحقيق في ظروف الحادث بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية، وأنها سترفع للجهات المعنية بالتحقيق النتائجَ حين الانتهاء من إجراءاتها.
بيان خالٍ من أي اتهام مليء بالتحذيرات صدر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات، في وقت تتعقد فيه الأمور السياسية والأمنية في مياه الخليج العربي.
تلك التعقيدات وما رافقها من حرب تصريحات بين أطراف مختلفة وضعت علامات استفهام كثيرة حول من يقف وراء الانفجارات، والرسائل التي تخفيها، والتوقيت، وأسئلة أخرى.
الإمارات قالت إن السفن الأربع التي وقعت فيها أعمال التخريب كانت أجنبية، دون إعلان هويتها، في حين ذكرت قناة “Press TV” أن “اثنتين من السفن تحملان علم الإمارات، ومثلهما تحملان علم السعودية، وخامسة تحمل علم الدومينيكان”.
وميناء الفجيرة يقع على بعد نحو 140 كيلومتراً (85 ميلاً) من مضيق هرمز، حيث يتم تداول ثلث جميع النفط في البحر. وتتعامل المنشأة مع النفط للتخزين والشحن، وكذلك البضائع العامة، ويعتبر الميناء موقعاً استراتيجياً يخدم طرق الشحن في الخليج العربي وشبه القارة الهندية وأفريقيا.
وعلى الرغم من إنكار حكومة الإمارات، أكد شهود عيان أن الانفجارات قد حدثت في ميناء الفجيرة، وأن بعض المصادر الإعلامية قد ذهبت أبعد من ذلك.
وحددت عدداً من ناقلات النفط التي ضربتها الانفجارات؛ “ناقلة أمجاد رقم: 9779800، وناقلة المرزوقة رقم: 9165762، وناقلة نفط ميراج رقم: 9394741، وناقلة النفط A.MICHEL رقم: 9177674، وناقلة النفط FNSA10 رقم: 9432074”.
وفي وقت سبق النفي الإماراتي، نقلت القناة عن فضائية “الميادين” اللبنانية التابعة لـ”حزب الله” أن ما يصل إلى سبع ناقلات قد أصيبت بنيران كثيفة في محطة الفجيرة لنقل النفط.
واستمرت الإمارات في عنادها بالإنكار، قائلة: إن “العمل يسير في ميناء الفجيرة بشكل طبيعي ودون أي توقف، وإن الشائعات التي تحدثت عن وقوع الحادث داخل الميناء عارية عن الصحة، وإن الميناء مستمر في عملياته الكاملة بشكل روتيني”.
تشهد منطقة الخليج العربي توتراً غير مسبوق منذ سنوات؛ بين إيران والولايات المتحدة التي أرسلت منظومة صواريخ دفاع جوي من نوع باتريوت وحاملة طائرات إلى مياه الخليج.
وقبل يوم واحد على وقوع حادثة الانفجارات حلّقت مروحيّة عسكرية أمريكية فوق زوارق تابعة للحرس الثوري الإيراني، بعد أن اقتربت من حاملة طائرات أمريكية في الخليج العربي.
ما حدث في ميناء الفجيرة لا يمكن فصله عن التحذير الذي أصدرته الإدارة البحرية الأمريكية، يوم الجمعة الماضي (10 مايو 2019)، لسفن الشحن التجاري؛ مفاده أن إيران ووكلاءها قد يستهدفون البنية التحتية لإنتاج النفط.
ويأتي التحذير مع تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، وبعد تقارير استخبارية أمريكية أظهرت أن إيران نشرت صواريخ عابرة قصيرة المدى على قوارب في الخليج.
وجاء في التحذير أن “ثمة خطراً متزايداً، منذ مطلع شهر مايو، من احتمال شن إيران أو وكلائها هجمات ضد مصالح أمريكا وشركائها، ومن ضمنها البنية التحتية لإنتاج النفط”.
التحذير أضاف أن إيران بعد تهديدها بإغلاق مضيق هرمز “قد تستهدف سفناً تجارية، ومن ضمنها ناقلات نفط، أو سفناً حربية في البحر الأحمر أو مضيق باب المندب أو الخليج”.
ويعتبر مراقبون أن التفجيرات هي ثمن تدفعه الإمارات كلفة سلوكها بالمنطقة، حيث إنها ضالعة في كثير من الملفات؛ مثل حصار إيران، والحرب في اليمن وليبيا، فضلاً عن دورها في إجهاض الثورات.
وليس من المستغرب أن تتضرر الإمارات من سلوكها، وأن تفكر جهات في إيذائها في عقر دارها، فيما ثمة احتمالات كثيرة للجهات الضالعة بالتفجيرات، من بينها أن تكون التفجيرات مفتعلة لتحريض أمريكا أكثر على إيران، كما أن جهات قريبة من إيران أو قريبة من التنظيمات الجهادية على غرار القاعدة وتنظيم الدولة قد تكون وراء ما جرى.
كما لا يستبعد أن أذرعاً إيرانية أرادت توجيه رسالة مفادها أن “الإمارات ليست بعيدة عن الفوضى”، في وقت تظهر فيه الإمارات وقد استعْدَت أطرافاً عدة ضدها عندما دخلت في حرب مكشوفة مع الشعب اليمني ومع إيران ودول أخرى كثيرة.