موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات تعيد هيكلة الرقابة: قانون جديد لإدارة الكلمة وضبط الرواية

367

في خطوة تستهدف إعادة هيكلة الرقابة، أصدرت حكومة الإمارات، مرسوماً بقانون اتحادي بإنشاء وتنظيم الهيئة الوطنية للإعلام، وهي هيئة اتحادية عامة، تتبع مجلس الوزراء، وتحل محل ثلاث مؤسسات إعلامية اتحادية.

وتهدف الهيئة الجديدة إلى توحيد التوجهات والرسائل الإعلامية ومواءمة السياسات الإعلامية على المستوى الاتحادي والمحلي من خلال تنسيق الجهود مع الجهات الإعلامية في الدولة، وتوحيد الخطاب الإعلامي للدولة محلياً ودولياً، بحسب وكالة أنباء الإمارات (وام).

وفي الإمارات التي تحتل موقعًا متأخرًا في ذيل مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن مراسلون بلا حدود، لا يُقرأ أي قرار رسمي يتعلق بالإعلام خارج سياق القمع البنيوي، بل في إطار إعادة تنظيم أدوات السيطرة، لا إصلاح المجال الإعلامي.

فالقرار صدر بمرسوم اتحادي، لا عبر نقاش تشريعي علني، ولا بمشاركة صحفية مستقلة.

وينشئ المرسوم هيئة اتحادية عامة تتبع مجلس الوزراء مباشرة، وتحل محل ثلاث مؤسسات إعلامية قائمة: مجلس الإمارات للإعلام، المكتب الوطني للإعلام، ووكالة أنباء الإمارات. عمليًا، جرى دمج التنظيم والترخيص والإنتاج والرواية الرسمية في كيان واحد خاضع للسلطة التنفيذية.

والنص القانوني واضح في أهدافه. الهيئة مكلفة بتوحيد التوجهات والرسائل الإعلامية، وتوحيد الخطاب الإعلامي للدولة محليًا ودوليًا، ومواءمة السياسات الإعلامية على المستويين الاتحادي والمحلي. هذه الصياغة لا تشير إلى تنوع أو استقلال أو تعددية، بل إلى مركزية صارمة في الرسالة والمحتوى.

ويمنح المرسوم الهيئة صلاحيات اقتراح السياسات والتشريعات المنظمة للإعلام، ووضع معايير المحتوى، ورصد ومتابعة كل ما يُطبع ويُنشر ويُبث داخل الدولة، بما في ذلك الإعلام العامل في المناطق الحرة. الرقابة لا تُمارس هنا كاستثناء، بل كوظيفة أصلية للهيئة.

وتشمل المتابعة كذلك تحليل اتجاهات الرأي العام واتخاذ “الإجراءات اللازمة” بشأنها، من دون تعريف قانوني لهذه الإجراءات أو ضمانات ضد التعسف.

وفي الدول التي تحترم حرية الصحافة، تُفصل بين جهة التنظيم وجهة الإنتاج، وبين المعايير المهنية والسلطة السياسية. في الإمارات، الهيئة تجمع كل هذه الوظائف: تنظّم، وتراقب، وتنتج، وتدير السرد، وتقيّم “الصورة الإيجابية للدولة”. هذا الدمج يلغي أي حديث عن استقلال إعلامي.

الهيئة مكلفة أيضًا بإدارة “الأزمات الإعلامية” واحتواء ما تصفه بالمحتوى السلبي والتضليل الإعلامي. هذه الصلاحية تُستخدم في سياق معروف: كل محتوى لا يتوافق مع الرواية الرسمية يُصنّف أزمة، وكل نقد سياسي يُدرج ضمن التهديد. إدارة الأزمات هنا لا تعني تصحيح معلومات، بل ضبط تدفقها.

ويعيد المرسوم تعريف دور وكالة أنباء الإمارات بوصفها القناة الرسمية لنشر وتوزيع وترجمة الأخبار المعتمدة. هذا يعزز احتكار المصدر، ويقلّص مساحة الوصول إلى روايات بديلة. الإعلام الخاص أو شبه الخاص، في ظل هذه البنية، يتحول إلى ناقل للمحتوى الرسمي أو مكمّل له.

الأخطر يتمثل في صلاحيات الهيئة تجاه الإعلام الأجنبي. تسجيل واعتماد الصحفيين ومراسلي وسائل الإعلام الأجنبية بات بيدها، إضافة إلى إدارة الوفود الإعلامية في الزيارات الرسمية وتمثيل الدولة إعلاميًا في الخارج. هذه الآلية تضع الصحفي الأجنبي تحت معادلة واضحة: الاعتماد مقابل الالتزام، أو الاستبعاد.

في هذه الأثناء فإن توقيت القرار لا ينفصل عن السياق الخارجي. صورة الإمارات في أوروبا تدهورت بفعل تقارير حقوقية متراكمة عن قمع الصحافة، وسجن معارضين، واستخدام أدوات إعلامية وأمنية للتأثير خارج الحدود.

في البرلمان الأوروبي والمؤسسات الحقوقية، بات الدفاع عن سجل أبوظبي أكثر كلفة. في هذا السياق، طُلب إجراء قابل للتسويق السياسي. الهيئة تؤدي هذا الدور شكليًا.

ويحسب مراقبين فإن المرسوم لا يغيّر الواقع الذي تعكسه مؤشرات حرية الصحافة. الإمارات مصنفة ضمن الدول الأسوأ عالميًا. لا توجد صحافة مستقلة، ولا رأي سياسي علني خارج الخط الرسمي، ولا حماية قانونية للصحفيين. القوانين السابقة المتعلقة بالجرائم الإلكترونية والنشر لا تزال سارية، وتُستخدم لمعاقبة أي خروج عن الرواية المعتمدة.

الواقع العملي ثابت. لا يوجد صحفي واحد داخل الإمارات قادر على نشر نقد سياسي باسمه الحقيقي دون عواقب. لا يوجد مقال واحد انتقد السلطة وبقي كاتبه حرًا داخل الدولة. هذا النمط لم يتغير منذ أكثر من عقد، ولم يأتِ المرسوم الجديد ليعدّله.

بناءً على ذلك، لا يمكن توصيف «الهيئة الوطنية للإعلام» كخطوة إصلاحية. هي إعادة ترتيب قانونية لأدوات قائمة. انتقال من قمع غير منظم إلى قمع مُقنن. تغيير في الشكل، لا في الوظيفة. الإعلام يبقى خاضعًا للسلطة التنفيذية، والكلمة تُعامل كخطر أمني، والحرية تظل غائبة عن الواقع والتشريع معًا.